خطبة جمعة
(مضى ثلث رمضان وبقي الثلثان )
12/9/1445
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أما بعدُ معاشرَ الصائمين .. أرأيتم ، ما أسرعَ ما تمضي الأيامُ .. ضيفُنا الكريمُ شهرُ رمضانَ ، ضيفٌ عزيزٌ علينا ، استقبلناهُ في آماسٍ مضتْ ، وها هوَ اليومُ قد قدْ مضى صدرُهُ، وانقضى ثُلُثُهُ ، ، فاغتمنوا فرصةً تمرُّ مرَّ السحابِ، ولِجُوا قبلَ أنْ يُغلقَ البابُ .. فإنَّهُ يوشكُ الضيفُ أن ينتصفَ ثمَّ يرتحلَ ، فأحسنوا فيما بقيَ ، يُغفَرْ لكم ما قد سَلفَ ، قال تعالى ( وإني لغفارٌ لمن تابَ وآمن وعملَ صالحا ثم اهتدى ) هنيئاً للصائمِ القائمِ ، المحسنِ الجوادِ ، نقيِّ السريرةِ ، طيبِ الأخلاقِ ، هنيئاً لهؤلاءِ العاملينَ ما اسلفوهُ عندَ ربِّهم ، وما قدمُوه لأنفسِهم .
وهنيئا للصائمٌ عنِ الطعامِ والشرابِ، لولاَ أنهُ مُقصِّرٌ في الواجباتِ ، متكاسلٌ عن الطاعاتِ ، مقيمٌ على المُلهياتِ ، غافلٌ عن تلاوةِ الآياتِ ، ألهاهُ شبابُهُ ، وغرَّهُ أترابُه ، وما علمَ أنَّ الأعمارَ تنتهي ، فليتَهُ نظرَ إلى عاقبتِهِ ، و تأملَ في آخرتِهِ .
فيا مَنْ فرَّطتمْ وعَلى أنفُسِكمْ أسرفْتُم ، هل أنتم على يقينٍ من العيشِ إلى رمضانَ القادمِ ، فقوموا بحقِّ شهرِكُم، واتقوا اللهَ في سرِّكم وجهرِكم ، واعلموا أنَّ عليكُم ملَكَينِ يصحبانَكُم طولَ دهرِكُم ، ويكتُبانِ كلَّ أعمالِكم ، فلا تهتِكُوا أستارَكُم عندَ مَنْ لا تخفى عليه أسرارُكم .
فهذهِ أيامٌ يُحافَظُ عليها وتُصانُ ، فهي تاجٌ على رأسِ الزمانِ ، أيامُ رمضانَ يجبُ أنْ تُعظَّم وتصانَ ، وتُكرَمَ ولا تُهانَ ، فهل حبستُم فيها عن فضولِ الغيبةِ والبهتانِ ، وكففتم جوارحَكم عن اللهوِ والعصيانِ ، واستعددتم ليومِ العرضِ على الرحمانِ ،
في صحيحِ ابنِ خزيمةَ وابنِ حبانَ وصححهُ الألبانيُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ صعدَ المنبرَ فقالَ: ((آمين، آمين، آمين))، فقال الصحابةُ: يا رسولَ اللهِ، إنكَ صعدتَ المنبرَ فقلتَ: آمين، آمين، آمين!!، فقالَ : ((إنَّ جبريلَ عليهِ السلامُ أتاني، فقالَ: من أدركَ شهرَ رمضانَ فلم يُغفرْ لهُ ، فدخلَ النارَ فأبعدَهُ اللهُ ، قُلْ: آمين ، قلتُ: آمين))
أيها الإخوةُ المؤمنونَ ، هذهِ الأوقاتِ ، هي أنفاسُ أعمارِنا ، ففي أيِّ وادٍ قضيناها ، أفي طاعةِ اللهِ وذكرِه ، وعبادتِه وشُكرِه ، وتلاوةِ كتابِه ، أم قضيناها في في اللهوِ واللعبِ والملهيات، هذهِ أوقاتٌ فاضلةٌ نفيسة لا ينبغي أنْ تُصرفَ إلا في طاعةِ اللهِ ومرضاتِه ،
أيها المؤمنونَ، إنَّ شهرَ رمضانَ هو شهرُ العتقِ من النيرانِ، شهرُ فِكاكِ الرقابِ منْ دارِ الشقاءِ والحرمانِ ، فعنْ أبي أمامةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : ((للهِ عزَّ وجلَّ عندَ كلِّ فطرٍ عتقاء)) أخرجَهُ أحمدُ والطبرانيُّ وحسَّنَهُ الألبانيُّ .. وفي حديثِ أبي سعيدِ الخدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ عندَ أحمد ، وصححهُ الألبانيُّ : ((إنَّ للهِ تباركَ وتعالى عتقاءُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ يعني في رمضانَ وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ دعوةٌ مستجابةٌ )) .
فاجتهدوا – يا رعاكُمُ اللهُ – ما استطعتم في إعتاقِ رقابِكم ، وفكاكِ أبدانِكم ،
أيها المؤمنونَ : هذا أوانُ التوبةِ والاستغفارِ، والأوبةِ والانكسارِ ، فمن لم يتبْ في رمضانَ؟ فمتى يتوبُ ، ورَغِمَ أنفَ رجلٍ أدركَ رمضانَ فلم يُغفرْ لهُ
إنَّ رمضانَ فرصةٌ للمذنبينَ.. فجديرٌ بالمؤمنِ أن يُشمِّرَ.. وحريٌّ بالغافلِ أنْ يتداركَ ما بقيَ ، ويغتنمَ ما هو آتٍ .
عبادَ الله .. ونحنُ نرى الناسَ في هذهِ الأيامِ يتهافتونَ على الدنيا ، وعلى جمعِ الأموالِ ، ومِنْ وَرَاءِ ذلكَ الموتُ والآجالُ ، فاستثماراتُ الدنيا حياةٌ وقتيةٌ , واستثماراتُ الآخرةِ حياةٌ أبديةٌ ، فابذلوا المعروفَ ، ومُدوا يدَ العونِ للمحتاجينَ ، وارعوا الضعفاءَ والمعُوزينَ .. فقد كانَ نبيُّكم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أجودَ الناسِ ، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ فكانَ أجودَ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ
أيها المسلمونَ : لا تتركوا صلاةَ التراويحِ ولا صلاةَ القيامِ ، فقد قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ : من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبهِ .. وأخبر صلى اللهُ عليه وسلمَ أنَّ مَنْ قامَ معَ الإمامِ حتى ينصرفَ كُتبَ لهُ قيامُ ليلةٍ .. فهنيئاً للقائمينَ .
هذا الشهرُ كلُّهُ فُرصٌ فانتهزوها ، وأيامٌ فتداركُوها ، رحمَكم اللهُ ، وأعتقَ رقابَكم من النارِ ، وما تقدوموا لأنفسِكم من خيرٍ تجدوهُ عندَ اللهِ هو خيراً وأعظمَ أجراً ، واستغفروا اللهَ إن اللهَ غفورٌ رحيمٌ) .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ..
عبادَ اللهِ : رمضانُ شهرُ تلاوةِ القرآنِ ، وتدبُّرِ آيِ الفرقانِ ، لقد شرَّفَكم اللهُ تعالى وتباركَ ، بهذا الكتابِ المباركِ ، فتدبروا آياتِهِ ، وتفكروا في بيِّناتِهِ ، وقِفُوا عندَ عِظاتِه ، لقد كانَ السلفُ الكرامُ رحمَهم اللهُ يكثرونَ من ختمِ القرآنِ، فإذا جاءَ رمضانُ ازدادوا من ذلكَ لشرفِ الزمانِ، وكانَ جبريلُ عليهِ السلامُ يَلقى رسولَ اللهِ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ، فيدارسُه القرآنَ . وفي آخرِ عامٍ من حياةِ سيدِ الأنامِ ، عارضَهُ جبريلُ القرآنَ مرتينِ على التمامِ .
وكانَ الأسودُ التابعيُّ رحمَه اللهُ يختمُ القرآنَ في رمضانَ كلَّ ليلتينِ، وكانَ يختمُ في غيرِ رمضانَ كلَّ ستِّ ليالٍ.
وكانَ قتادةُ رحمَه اللهُ يختمُ القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً، فإذا جاءَ رمضانُ ختمَ في كلِّ ثلاثِ ليالٍ مرةً، فإذا جاءَ العشرُ ختمَ في كلِّ ليلةٍ مرةً.
عبادَ الله .. إنَّ رمضانَ فرصةٌ حقيقيةٌ للاستثمارِ الرابحِ معَ اللهِ ، واللبيبُ يدركُ والحصيفُ يعلمُ أنَّ الفُرصَ تلوحُ وتروحُ ، وتسود ولا تعودُ ، فاستثمروا رحمَكُم اللهُ ما بقيَ من حياتِكم .. وتزودوا لمعادِكم قبلَ مماتِكم .. (واتقوا اللهَ واعلموا أنَّكم ملاقوهُ ، وبشِّرِ المؤمنينَ) .
وصلوا وسلموا رحمَكم اللهُ على خيرِ البريةِ محمدِ بنِ عبدِاللهِ
المفضلات