« آداب المجالس »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنْ دِينِكُمْ بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: نِعْمَةُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ، فَهُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا، بَعْدَمَا كَمَّلَهُ فِيِ عَقَائِدِهِ وَعِبَادَاتِهِ، وَأَخْلاَقِهِ وَقِيَمِهِ وَمُعَامَلاَتِه ؛ وَجَعَلَهُ صَالِحاً لِكُلِّ الْبَشَرِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ آدَابُ الْمَجَالِسِ فِي الإِسْلاَمِ وَالَّتِي دَعَا الْإِسْلَامُ بِالتَّخَلُّقِ بِهَا ، وَالَّتِيِ مِنْهَا:
إِعْمَارُ مَجَالِسِنَا بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى لاَ تُصْبِحَ هَذِهِ الْمَجَالِسُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً عَلَيْنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَيْ : حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ »[ رواه الترمذي،وصححه الألباني ] وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ اللهَ فِيهِ إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ» [صحيح أبي داود] فَذِكْرُ اللهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حِينٍ مِنْ صِفَاتِ الصَّالِحِينَ الْمُفْلِحِينَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا فَضْلَ الْمَجَالِسِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا اللهُ؛ وَالَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» [ رواه مسلم ].
وَمِنَ الآدَابِ: اخْتِيَارُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ الَّذِي يَشْرُفُ بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» [رواه البخاري].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
وَمِنَ الآدَابِ: السَّلاَمُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ : فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ» [أخرجه أحمد ، وصححه الألباني ].
وَقَوْلُهُ: «فَلْيُسَلِّمْ» أَيْ: يَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ فَفِي السَّلاَمِ أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ، وَغَنِيمَةٌ وَأَجْرٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ»
[رواه مسلم ]
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- : أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عِشْرُونَ»، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثُونَ»
[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].
فَمَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يُكْتَبَ لَكَ سِتُّونَ حَسَنَةً؟!
وَمِنَ الآدَابِ: الْجُلُوسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِكَ الْمَجْلِسُ: فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: «كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسْنَا حَيْثُ نَنْتَهِي» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وَمِنَ الآدَابِ: عَدَمُ إِقَامَةِ أَحَدٍ وَالْجُلُوسُ مَكَانَهُ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» [ متفق عليه]
لأَنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرٍ بِخَاطِرِهِ وَالاِسْتِهَانَةِ بِحَقِّهِ، وَلاَ يُدْرِكُ ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ جَرَّبَ.
وَمِنَ الآدَابِ: حِفْظُ أَسْرَارِ الْمَجْلِسِ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ لاَ يُفَرِّقَ الْمَرْءُ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا» [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةٌ، وَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَشَاعِرِ أَخِيهِمْ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» [متفق عليه].
وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَوْضُوعٌ خَاصٌّ بَيْنَهُمَا فَلَوِ اسْتَأْذَنَا مِنْهُ لَكَانَ أَفْضَلَ.
اللَّهُمََّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ ،وَقِنَا سَيِِّئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ الَّتِي يُفَرِّطُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: دُعَاءَ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ الَّذِي بِهِ يَمْحُو اللهُ الْخَطَايَا الَّتِي وَقَعَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ عَلَيْنَا؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَكَادُ يَجْلِسُ مَجْلِسًا إِلاَّ وَقَدْ زَلَّ أَوَغَفَلَ أَوْ أَخْطَأَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
هذا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب : 56 ] وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
المفضلات