النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام

  1. #1

    النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام



    «النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام»
    محمد بن سليمان المهوس /جامع الحمادي بالدمام في 5/24/ 1445هـ
    الخُطْبَةُ الأُولَى
    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
    أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، فَإِنَّ تَقْوَاهُ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ، وَدِثَارُ الْمُتَّقِينَ، وَوَصِيَّةُ اللهِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء : 131].
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْمَالِ قِيَامًا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَعِمَارَةِ الْبِلاَدِ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ لاَ يَحْصُلُوا عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ وَجْهٍ حَلاَلٍ مَشْرُوعٍ، وَأَلاَّ يُنْفِقُوهُ فِي مُحَرَّمٍ مَمْنُوعٍ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مَغَبَّةِ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [ البقرة : 281].
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الإِسْلاَمُ دِينُ الْفِطْرَةِ الَّذِي يُلَبِّي مَطَالِبَهَا، وَيُبَيحُ إِشْبَاعَهَا ضِمْنَ الْحُدُودِ الَّتِي حَدَّهَا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؛ لأَنَّهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ مَا يَنْفَعُهَا فَيُبِيحُهُ وَيُشَرِّعُهُ، وَمَا يَضُرُّهَا فَيُحَرِّمُهُ وَيَمْنَعُهُ؛ وَلأَنَّ الإِنْسَانَ مِنْ فِطْرَتِهِ أَنَّهُ جُبِلَ عَلَى حُبِّ التَّمَلُّكِ، وَكَانَ مِنْ طَبْعِهِ حُبُّ الْمَالِ وَجَمْعِهِ، كَمَا وَصَفَهُ خَالِقُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 20]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ - أَيِ: الْمَالِ- لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: 8].
    وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمِ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ حُدُودًا وَحَذَّرَهُ مِنْ تَعَدِّيهَا، وَضَوَابِطَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229].
    وَمِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ: التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِ الَّذِي جَعَلَهُ وَلِيُّ الأَمْرِ لِعُمُومِ النَّاسِ وَمَنَافِعِهِمْ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي حُرْمَتِهِ مِنَ الْمَالِ الْخَاصِّ؛ لِكَثْرَةِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَتَعَدُّدِ الذِّمَمِ الْمَالِكَةِ لَهُ؛ لأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَهُوَ مِنَ الْغُلُولِ الَّذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَحَذَّرَ مِنْهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161].
    وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه مسلم].
    وَفِي الصَّحِيحِيْنِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ: إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». فَانْظُرُوا - يَا رَعَاكُمُ اللهُ - كَيْفَ غَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَبُولِهِ لِلْهَدِيَّةِ هُنَا، وَهُوَ قَدْ أَدَّى مَالَ الْمُسْلِمِينَ بَحَقٍّ! فَكَيْفَ الْحَالُ بِمَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟! فَالْأَمْرُ جِدُّ خَطِيرٍ، وَالْجُرْمُ جِدُّ كَبِيرٍ ؛ فَتَحَرَّوُا الطَيِّبَ الحَلاَلَ، وَاحْذَرُوا الغُلوُلَ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمَالَ الْعَامَ.
    بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
    أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
    الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
    الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
    أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ» [صححه الألباني].
    فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيّنَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْعَبْدَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى سَوْفَ يُسْأَلُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَعَدَّ مِنْهَا الْمَالُ!
    يُسْأَلُ عَنْ هَذَا الْمَالِ أَهُوَ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ مِنْ حَرَامٍ ؟ وَهَلْ أَنْفَقَهُ فِي حِلٍّ أَمْ فِي حُرْمَةٍ ؟ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَالِ الْعَامِّ شَيْئًا أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ؛ فَالإِنْسَانُ مَسْؤُولٌ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذَا الْمَالِ، وَبِلَادُنَا - وَفَقَّهَا اللهُ - قَامَتْ بِمُحَارَبَةِ الْمُفْسِدِينَ أَيًّا كَانَ حَالُهُمْ، حِفْظًا لأَمْوَالِ النَّاسِ وَحِفْظًا لِحُقوقِهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ. فَكُنْ - أَيُّهَا الْمُوَاطِنُ الصَّالِحُ - عَوْنًا لِوَلِيِّ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَقُدْوَةً حَسَنَةً فِي حِفَاظِكَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُجَنِّبَنَا الْمَكْسَبَ الْحَرَامَ، وَأَنْ يُطَهِّرَ أَمْوَالَنَا وَأَعْمَالَنَا مِنَ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُبْعِدَنَا عَنِ الآثَامِ.
    هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب : 56 ] وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].



    التعديل الأخير تم بواسطة محمدالمهوس ; 06-12-2023 الساعة 13:22

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. النزاهة والأمانة والاحترازات الطبية ( تعميم الوزارة )
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-12-2021, 00:06
  2. النزاهة والأمانة ومحاربة الفساد ( تعميم الوزارة )
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-12-2020, 22:58
  3. سراق المال العام !!!
    بواسطة محمدالشمري في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 13-04-2006, 21:36
  4. سوف يتم طرح 30% من رأس المال للإكتتاب العام
    بواسطة ابوخالد 1 في المنتدى المضيف الاقتصادي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-12-2005, 12:30
  5. المظاهر الكذابه... وهدر المال العام
    بواسطة فيصل حمود في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 07-12-2005, 08:22

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته