(أثر الأخلاق في حياة الناس)
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ:] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ[ ، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، عدد ما كانَ وما يكونُ ، وما تسرونَ وما تعلنونَ ، وأَشهدُ أنَّ نبينا محمداً عَبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليله ، وخيرته مِنْ خلقِهِ ، وأمينُه على وحيِه ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نبينا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ ، قَالَ تعالَى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[
أَيُّهَا المُسْلِمون : جَاءَتْ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ بِالأَمْرِ بِالتَّخَلُّقِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنةِ، قَالَ تَعَالَى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: 90] . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا علَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6] . وَكَذَلِكَ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) [الحجرات: 11-12] .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمتَثِلُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَأنِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا ، فَكَانَ خُلُقُه القُرآنَ وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُ بِحُسْنِ الخُلُقِ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (اتَّقِ اللهَ حَيثُما كُنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ ) .
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدِّمِ ، لَقَدْ أَخْرَجُوا المُتَرَدِّمَ مِنْ تَحْتِ رُكَامِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ فِي الأَخْلَاقِ :
صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلْأَخْلَاقِ مَرْجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلَاقِ تَسْتَقِمِ .
وَقَالَ الآخَرُ :
فَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقَ مَا بَقِيَتْ
فَإِنْ هُمُوا ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الإِنْسَانُ جَسَدٌ ورُوحٌ، ظَاهِرُهُ جَسَدُهُ وَبَاطِنُهُ رُوحُهُ ، وَالأَخْلَاقُ البَاطِنَةُ وَالَّتِي مَحَلُّهَا القَلبُ يُظْهِرُهَا الجَسَدُ الظَّاهِرُ ، فَكُلُّ إِنَاءٍ بِمَا فِيهِ يَنْضَحُ ، وَعَلَى البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ تَقُومُ شَخْصِيَّةُ المُسْلِمِ وَيَتَكَوَّنُ كَيَانُهُ وَتَتَشَكَّلُ شَخْصِيَّتُهُ التِي يَعْرِفُهَا النَّاسُ وَيَنْعِتُونَهَا بِالمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الجِنْسَيْنِ – الذَّكَرَ وَالأُنْثَى – فَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ ، يَغَارُ مِنْ حُسْنِهَا بَدْرُ السَّمَاءِ ، فَشِلَتْ فِي زَوَاجِهَا وَخَسِرَتْ قَرِيبَاتِهَا ، غَرَّهَا الجَمَالُ ، فَظَنَّتْ أَنَّ مَنْ حَوْلَهَا سَيُذْعِنُونَ لِجَمَالٍ كَسَاهُ سُوءُ الخُلُقِ ، وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ كَذَلِكَ ، غَرَّهُ مَالُهُ أَوْ جَمَالُهُ ، فَسَلَكَ سُبُلَ التَّعَالِي وَالكِبْرِ ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ وَكَأَنَّهُ خَلْقٌ آخَرَ ، فَتَرَكَهُ النَّاسُ ، وَانْصَرَفَ بِلَا جَلِيسٍ وَلَا أَنِيسٍ ، فَالإِنْسَانُ يُقَاسُ بِأَخْلَاقِهِ لَا بِخَلْقِهِ وَيُعْرَفُ بِأَعْمَالِهِ التِي تُجَسِّدُ مَحَاسِنَ الأَخْلَاقِ، قَالَ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات: 13] ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعَمَالِكُمْ )) فَالأَخْلَاقُ مُرْتَبِطَةٌ بِالدِّينِ وَبِالعَقِيدَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ((إنَّ أقربَكم مِنِّي مَنْزِلًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا فِي الدُّنْيَا )) وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (( خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا ، وَشِرَارُكُمْ الثَّرْثَارُونَ ، المُتَفَيْهِقُونَ ، المُتَشَدِّقُونَ )) وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ فِي القُرْآنِ فَقَالَ : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } قَالَ بْنُ سِعْدِي رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهَا : أيْ عَالِيًا بِهِ ، مُسْتَعْلِيًا بِخُلُقِكَ الذِي مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْكَ ، وَحَاصِلُ خُلُقِهِ العَظِيمِ ، مَا فَسَّرَتْهُ بِهِ أَمُّ المُؤْمِنِينَ ، [عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-] لِمَنْ سَأَلَهَا عَنْهَ ، فَقَالَتْ : "كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ"، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } وَقَوْلِهِ { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَضًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [الآية]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } إِنْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ ،
فَالأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ فِي الفَرْدِ هِيَ اللَّبِنَةُ الأُولَى لِبِنَاءِ المُجْتَمَعَاتِ فِي أَيِّ مَكَانٍ ، فَالأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ هِيَ النَّسِيجُ الإِجْتِمَاعِيُّ وَهِيَ البَوْصَلَةُ عَلَى مَسَالِكِ الطُّرُقِ الفَاضِلَةِ التِي تَدُبُّ عَلَيْهَا المُجْتَمَعَاتُ ، فَيَقْرُبُ النَّاسُ مِنْ بَعْضِهِمْ ، وَتَتَحَابُّ قُلُوبُهُمْ ، حَتَّى مِنْ النَّاحِيَةِ الأَمْنِيَّةِ ، فَهِيَ حِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُجْتَمَعِ إِذَا مَا أَلَمَّ بِهِ لَمَمْ ، وَكُلَّمَا كَمُلَتْ الأَخْلَاقُ فِي المُجْتَمَعَاتِ كُلَّمَا كَمُلَ فِي المُجْتَمَعَاتِ الخَيْرُ وَالصَّلَاحُ وَالدِّينُ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ ) وَرَوَى بْنُ حَجَرَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( لَمَّا أُتِي بِسَبَايَا طَيِّئٍ وَقَعَتْ جَارِيَةٌ جَمَّاءُ حَمْرَاءُ تَعْسَاءُ عَيْطَاءُ دَلْفَاءُ شَمَّاءُ الأَنْفِ مُعْتَدِلَةُ القَامَةِ وَالهَامَةِ .... إِلَى أَنْ قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجِبْتُ بِهَا ، فَقُلْتُ لَأَطْلُبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي سَهْمِي ، فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ نَسِيتُ مَا رَأَيْتُ مِنْ جَمَالِهَا لِفَصَاحَتِهَا ، فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخلِّيَ عَنَّا وَلَا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ العَرَبِ ، فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَفُكُّ العَانِيَ وَيُشْبِعُ الجَائِعَ وَيَكْسُو العَارِيَ وَيُقْرِيءُ الضَّيْفَ وَيُفْشِي السَّلَامَ وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَلَمْ يَرُدَّ طَالِبُ حَاجَةٍ قَطُّ ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طَيِّئٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا جَارِيَةُ هَذِهِ صِفَةُ المُؤْمِنِينَ حَقًّا ، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ ، خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ ، وَإِنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ ) ]المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : موافقة الخبر الخبر الصفحة أو الرقم : 1/197[ ، وَلَمَّا رَأَى الكُفَّارُ قَدِيماً وَحَدِيثاً أَخْلَاَقَ المُسْلِمِينَ أَوْ قَرَؤُوا عَنْ الإِسْلَامِ فَوَجَدُوهُ يَحُثُّ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ إِزْدَادُوا قُرْباً مِنْهُ وَمِنْ أَهْلِهِ حَتَّى اعْتَنَقُوا الإِسْلَامَ ، وَالقِصَصُ فِي هَذَا البَابِ كَثِيرَةٌ جِداًّ ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يُعْجَبُونَ بِخُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسَمُّونَهُ الصَّادِقَ الأَمِينَ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُسْهِمَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَيَحْتَسِبَ الأَجْرَ ، مَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُحْسِنَ التَّعَامُلَ وَيَتَجَمَّلَ بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ المُسْلِمِينَ ، وَيُطْلِقَ الإِبْتِسَامَةَ التِي بَخِلَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَهِيَ صَدَقَةٌ ، فَأَمَاتَهَا التَّجَهُّمُ وَنَفَّرَتْهَا الغِلْظَةُ وَعَبَسِ بِهَا الجَفَاءُ ، أَتَدْرُونَ أَنَّ التُّجَّارَ المُسْلِمِينَ قَدِيماً مِنْ نَوَاحِي حَضْرَمَوتَ وَسَاحِلِ الخَلِيجِ العَرَبِي ، حِينَمَا نَأَتْ بِهِمُ التِّجَارَةُ إِلَى الهِنْدِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الدِّيَارِ ، كَانَ لِتَعَامُلِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ الفَاضِلَةِ الأَثَرُ الكَبِيرُ فِي دُخُولِ الكَثِيرِينَ فِي دِينِ الإِسْلَامِ ، وَقَبْلَهُمْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ شُعُوبٌ بِكَامِلِهَا لَمَّا رَأَوْا القُدْوَةَ الحَسَنَةَ فَرُبَّ صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَأمُرُ بِهَا الدِّينُ تَتَمَثَّلُ فِي مُسْلِمٍ صَالِحٍ يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ أَكْثَرَ مِنْ الكَلِمَاتِ وَالمُحَاضَرَاتِ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ أَبْلَغُ مِنْ السَّمَاعِ ، جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَخْلَاقِ الَحَمِيدَةِ وَالأَعْمَالِ السَّدِيدَةِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ،
نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الكَرِيمِ r
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فاتَّقوا اللهَ حقَّ التَّقْوَى, وَاعْلَمُوا بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ أَنَّ السَّعَادَةَ مِنْ ثِمَارِ الأَخْلَاقِ الكَرِيمَةِ ، فَمَنْ مِناَّ لَا يُرِيدُ السَّعَادَةَ وَمَنْ مِنَّا لَا يُحِبُّهَا ،
يَتْعَبُ النَّاسُ فِي جَمْعِ الأَمْوَالِ مِنْ أَجْلِ الوُصُولِ إِلَى السَّعَادَةِ ، وَيُسَافِرُ آخَرُونَ إِلَى الشَّرْقِ وَالغَرْبِ مِنْ أَجْلِ السَّعَادَةِ ، وَتَكْتَظُّ الإِسْتِرَاحَاتُ وَالمَزَارِعُ وَغَيْرُهَا نِهَايَةَ الأُسْبُوعِ بِالنَّاسِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ السَّعَادَةِ ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ فِي الإِيمَانِ بِاللهِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَامْتِثَالِ النَّاسِ لِتَعَالِيمِ الإِسْلَامِ فِي السُّلُوكِ وَالأَخْلَاقِ ، فَهَذِهِ قِيَمٌ لَا تَتَحَقَّقُ بِالإِدِّعَاءِ وَلَا بِالتَّمَنِّي وَلَكِنَّهَا تُدْرَكُ بِالإِمْتِثَالِ لِتَعَالِيمِ الدِّينِ ، فَهِيَ سَعَاَدَةٌ لَا يَعْقُبُهَا كَدَرٌ وَلاَ تَتْبَعُهَا الحَوَادِثُ وَالآلَامُ وَالنَّدَمُ وَالكَآبَةُ، سَعَادَةُ المُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا مُرْتَبِطَةٌ بِسَعَادَتِهِ فِي الآخِرَةِ لَا يَفْصِلُهُمَا إِلَّا المَوْتُ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ السُّعَدَاءِ فِي الدَّارَيْنِ وَأَنْ يُحْسِنَ خُلُقَنَا وَيَحْفَظَ دِينَنَا وَيُصْلِحَ دُنْيَانَا ،
عبادَ اللهِ: قَالَ تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ وقالَ رسولُ اللهِ r:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحبه أجمعين .
المفضلات