خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1444 هـ
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد / إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ واللهُ أكبرُ
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ
اللهُ أكبرُ عَدَدَ مَنْ أَقْبَلَ وأدْبَرَ ، وسَبَّحَ واسْتَغْفَرَ ، وهَلَّلَ وَكَبَّرَ ، اللهُ أكْبَرُ ، عَدَدَ مَنْ طَافَ وسَعَى ، وقصَّرَ ورَمَى ، اللهُ أكْبَرُ ، عَدَدَ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ، وَرَمَى الجَمَرَاتَ ، اللهُ أكْبَرُ ولِلهِ الحَمْدُ ، وأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً
أمَّا بَعْدُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى ، فَإِنَّ التَّقْوَى هِيَ زِمَامُ الأُمُورِ، وهيَ الحِرْزُ مِنَ الوُقُوعِ فِي المَحْذُورِ ، وَهِيَ الجُنَّةُ مِنَ الفِتَنِ والمَهَالِكِ والشُّرُورِ ، قالَ تَعَالَى ( يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْعَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ ، شَهَادَةُ أُنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، هَاتَانِ الشَّهَادَتَانِ هُمَا أَصْلُ الدِّينِ وَهُمَا أَصْلُ الإِسْلَام ، وَمَعْنَاهُمَا : تَوْحِيدُ اللهِ والإِخْلاصُ لَهُ ، وَالإِيمَانُ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسِّلامُ.
فَاْشْكُرُوُا الَّذِي أَظْهَرَ الضِّيَاءَ وَأَبْزَغَهُ ، فقَدْ بَلَغْتُمْ عِيدَكُمْ وغَيْرُكُمْ مَا بَلَغَهُ ،
أَيُّهَا النَّاسُ : لقد نُسِّأَ لَكُمْ فِي آجَالِكُم ، وَوُفّقْتُمْ لِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ، وَوَجَمَتْ عَلَيْكُمْ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ وَالغُفْرَانِ ، فَاسْتَمْطِرُوهَا ، وَهَتَنَتْ عَلَيْكُمْ فَضَائِلُ الرَّحْمَنِ ، فَابْتَدِرُوهَا ، فَمَا لَاحَ فِي الأُفُقِ نَجْمٌ إِلاَّ وَأَفَلَ ، وَمَا تَطَاوَلَ بِالعَبْدِ عُمُرٌ إِلاَّ وَارْتَحَلَ ، فَهَذِهِ الدُّنْياَ سَرَابٌ زَائِلٌ ، وَفَنَاءٌ عَلَى الأَرْوَاحِ جَائِلٌ ، فَمَنْ أَوْغَلَ فِيهَا كَانَتْ لَهُ غَيْلَةً ، وَمَنْ رَامَهَا مَاتَ وَمَا أَدْرَكَ نَيْلَهُ ، فَأَيْنَ طُلَّابُهَا ، وَأَيْنَ أَحْبَابُهَا ، وَأَيْنَ مَنْ كَانَتْ لَهُمْ جِنَاناً ظَلِيلَةً ، رَحَلُوا إِلَى قُبُورٍ مُظْلِمَةٍ ، وَأَصْبَحُوا أَجْدَاثاً جَاثِمَةً ، فَهَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا ، فَالْحَمْدُ لِلِهِ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالحَمْدِ ، وَكُلُّنَا لهُ عَبْدٌ ، فَهُوَ الجَدِيرُ بِأَنْ يُذْكَرَ وَيُحْمَدَ ، وهُوَالْحَقِيقُ بِأَنْ يُشْكَرَ ويُعْبَدَ ، فاحْمَدُوا حَمِيداً كَرِيماً ، واشْكُرُوا شَاكِراً عَلِيماً ، فَقَدْ بَلَغْتُمْ مَوْسِماً كَرِيمًا ، وَيَوْماً عَظِيماً ، رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ ، وأعْلَى ذِكْرَهُ ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ، جَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ ، حُجَّاجًا ومُقِيمِينَ ، صَعَدَ الْحَجِيجُ يَوْمَ الأمْسِ إِلَى عَرَفَةَ ، وَبَلَغُوا مِنَ الأَمْرِ شَرَفَهُ ، وَعَرَفَةُ يَوْمٌ عَظِيمٌ فِيهِ يَتَجَلَّى اللهُ لِعِبَادِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يَتَجلَّى لِلْعِبَادِ يَومُ عَرَفَةَ وَيَدْنُو مِنْهُمْ كَمَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ وَيُبَاهِي بِهُمْ المَلَائِكَةَ وَيُعْتِقُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مِنَ النَّارِ ، أَوْصَى النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي يَومِ عَرَفَةَ بِكِتَابِ اللهِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَقَالَ: (إِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اعْتَصَمْتُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ) . وَلَمَّا غَرَبَتْ شَمْسُ عَرَفَةَ ، أَفَاضَ الناسُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ وبها بَاتُوا ، ثُمَّ ازْدَلَفُوا مِنْهَا إِلَى مِنَى ،لِيُتِمُّوا حَجَّهُمْ وَيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ،
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : بَشَّرَ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِغُلَامٍ ، ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )) فَكَانَتْ الأَضَاحِي ، سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ ، وَسُنَّةَ رَسُولِنَا الكَرِيمِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ
أيُّهَا الِإخْوَةُ المُسْلِمُونَ : نَزَغَاتُ الشَّيْطَانِ ، وَزَلاَّتُ اللسَانِ ، وَنَزَوَاتُ الجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ ، والشِّقَاقُ وَالنِّزَاعُ ، وَالتَّدَابُرُ وَالْقَطِيعَةُ ، وَالْبَغْضَاءُ والشَّحْنَاءُ ، وَالْهَجْرُ وَالْجَفَاءُ ، حَبَّذَا لَوْ تُؤْخَذَ بِالأَيْمَانِ ، وَتُقَطَّعَ مِنْهَا الأَوْتَانَ ، وَتُنْحَرَ كَمَا يُنْحَرُ القُرْبَانُ ، فَكَمْ هَتَكَتْ اللُّحْمَةَ ، وَكَم شَتَّتَ الأُمَّةَ ، وَكَمْ فَرَّقَتْ الكَلِمَةَ ، فَيَا لَيْتَ هَذَا الْعِيدُ عِيدًا نَاسِخاً
لحُظُوظِ النَّفْسِ ، وَمَزَالِقِ الْهَوَى ، الدِّينُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : ألَّفَ بَيْنَ الأَعْدَاءِ ، فَأَصْبَحُوا أَحِبَّةً وأَشِقَّاءَ ، ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (
قَلَّمَا تَجِدُ قُلُوباً مُتَنَاحِرَةً ، وَنُفُوساً مُتَهَاجِرَةً ، إِلاَّ وَلِأَهْوَائِهَا عَلَى شَرْعِ اللهِ أَنَفَةً ، وَلِقُلُوبِهَا فِي دِينِ اللهِ غَلَفَةٌ ، فِإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ، وَدِينُكُمْ وَاحِدٌ ، وَشَرِيعَةُ رَبِّكُمْ وَاحِدَةٌ ، لَوْ انْجَفَلَ النَّاسُ لِدِينِهِمْ ، وَأَذَلُّوُا أَنَفَةَ نُفُوسِهِمْ لِقُرْآنِهِ ، وَاحْتَكَمُوا لشرعه وَفُرْقَانِهِ ، فَلَنْ تَرْنُوَ أَبْصَارُهُمْ وَلَنْ يُشَنِّفَ أَسْمَاعَهُمْ ، فِي كَوْنِ اللهِ الوَاسِعِ ، وَفَدْفَدِهِ الشَّاسِعِ ، مِثْلَ تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ .
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
الإِسْلاَمُ ياَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، بِنَاءٌ شَامِلٌ شَامِخٌ عَظِيمٌ ، قَائِمٌ عَلَى شُؤُونِ الفَرْدِ وَالجَمَاعَةِ ، الإِسْلاَمُ دِينُ رَحْمَةٍ وَرِفْقٍ وَتَسَامُحٍ ، وَمَحَبَّةٍ وَإِخَاءٍ وَتَصَالُحٍ ، الإِسْلاَمُ بَرَاءٌ مِمَّا أُلْصِقَ فِيهِ مِنْ تُهَمِ القَتْلِ والغَدْرٍ وَالتَّرْوِيعٍ ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أصْبَحَ ضَالاًّ مُنْحَرِفاً كَالخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَمَّا أَهْلُ الإِسْلاَمِ الحَقِّ فَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرَءَاءُ ، بَلْ وَكَيْفَ يَكُونُ الإِسْلَامُ كَذَلِكَ ! وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِعِصْمَةِ الأَنْفُسِ ، وَحِفْظِ الأَمْوَالِ والأَعْرَاضِ ، كَيْفَ دَخَلَتْ هَذِهِ الأُمَمُ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومغارِبَهَا دِينَ الْإِسْلاَمِ ، أَدَخَلُوهُ بِالقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ ؟ أمْ بِالقَتْلِ والتَّفْجِيرِ ؟ كَلَّا ، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) تِلْكَ الأُمَمُ التِي دَخَلَتْ فِي دِينِ اللهِ ، رَأَوْ سَمَاحَةَ الإِسْلاَمِ وصِدْقِهِ وَعَدْلِهِ وَوَفَائِهِ ، فَدَخَلُوهُ وَصَارُوا دُعَاةً لِلإِسْلاَمِ فِي بُلْدَانِهِمْ ، قَرَأْتُ إِحْصَائِيَّةً قَبْلَ أَيَّامٍ عَنْ أَعْلَى عَشْرِ دُوَلٍ فِي الدَّعَارَةِ أَجَلَّكُمُ اللهُ وَفِي السَّرِقَةِ وَفِي الإِدْمَانِ وَفِي جَرَائِمِ القَتْلِ وَالعِصَابَاتِ وَفِي المُخَدِّرَاتِ ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَوْلَةٌ وَاحِدَةٌ مُسْلِمَةٌ ، المُسْلِمُونَ لَمْ يُشْعِلُوا حَرْباً عَالَمِيَّةً ، وَلَمْ يُلُقُوا قُنْبُلَةً نَوَوِيَّةً ، وَلَمْ يُثِيرُوا نَعَرَاتٍ عِرْقِيَّةً ، وَمَعَ ذَلِكَ تُعَلَّقُ عَلَى مَنْكِبَيْ الإِسْلَامِ التَّهَمُ ، لِتَكْرِيهِ النَّاسِ بِهِ وَصَرْفِهِمْ عَنْهُ ، فَيَزْدَادُوا حُبًّا لَهُ وَإِقْبَالاً عَلَيْهِ ، هَذَا دِينُ اللهِ العَظِيمِ ، تَنْهَارُ مِنْ تَحْتِهِ المُؤَامَرَاتُ ، وَتَضْمَحِلُّ فِي وُجُودِهِ الضَّلَالَاتُ ، فَلْنُحَافِظْ عَلَى صُورَةِ الإِسْلاَمِ النَّاصِعَةِ ، بِفَهْمِنَا لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : لِتَكُنْ تَهَانِيكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ كَنَفاً كَرِيماً ، وَقَلْباً رَحِيماً ، فَأَنْتُمْ فِي مُجْتَمَعٍ فِيهِ اليَتِيمُ وَالضَّعِيفُ وَالأَرْمَلَةُ وَالمِسْكِينُ وَالفَقِيرُ وَالمَرِيضُ وَالمُعَاقُ وَالمُغْتَرِبُ وَالسَّجِينُ ، فَكُونُوا لَهُمْ أَنْهَاراً جَارِيَةً وَأَقْمَارًا سَارِيَةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِبَاسَ الْعِيدِ الَّذِي تَلْبَسُونَ ، إنَّما هُوَ زِينَةٌ أَبْدَانِ ، ( وَلِبَاسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ )
يَوْمُكُمْ هَذَا هُوَ يَوْمُ تَوْقِيرِ الْكِبَارِ ، وَالْحُنُوِّ عَلَى الْصِّغَارِ ، هُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ لِلْمَوْتَى بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَلِلْمَرْضَى بِالشِّفَاءِ وَالعَافِيَةِ ، وَلِلْأُسَارَى وَالمَسْجُونِينَ ، بِالعِتْقِ وَالفَرَجِ ، ولِلْغَائِبِينَ بِالعَوْدَةِ سَالِمِينَ ، وَلِأُمَّةِ الإِسْلَامِ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ ، وَالثَّبَاتِ عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ ، العِيدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عِيدُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَنَبْذِ الْخُصُومَةِ وَالشَّحْنَاءِ ، وَالْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالبَغْضَاءِ ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ ، المُسْلِمُ يَاعِبَادَ اللهِ ، إِنْمُوذَجاً لأَحَاسِنِ السُّلُوكِ ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
أيُّهَا المُسْلِمُونَ ، اللهَ اللهَ بِالصَّلَاةِ وبَاقِي العِبَادَاتِ ، وَاحْفَظُوا لِلْعُلَمَاءِ قَدْرَهُمْ ، وَأَطِيعُوا وُلَاةَ أَمْرِكُمْ ، وَكُونُوا يَداً وَاحِدَةً ، وَصَفاًّ وَاحِداً ، فَمَا دُمتُمْ كَذَلِكَ فَلَنْ يَنَالَ عَدُوٌّ مِنْكُمْ نَيْلاً ، وَاحْذَرُوا أَيُّهَا الشَّبَابُ مِنْ دُعَاةِ الفُرْقَةِ ، فَإِنَّ هُنَالِكَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَهُمْ يَنْخُرُونَ فِي جَسَدِهَا ، وَيَفُتُّونَ فِي عَضُدِهَا ، فَاحْذَرُوهُمْ وَاحْذَرُوا أَبْوَاقَهُمْ وَقَنَوَاتِهِمْ ، وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، إِحْذَرُوا التَّسْوِيغَ لَهاَ ، وَالتَّهْوِينَ مِنْ شَأْنِهَا ، فَأَنْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ فِي بِلَادٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ ، والحُسَّادُ وَالْمُبْغِضُونَ ، عَالِيَهُمْ رِدَاءُ الشَّفَقَةِ عَلَيْكُمْ ، وَالوُقُوفِ مَعَكُمْ ، وَهُمْ واللهِ كَاذِبُونَ ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ عِبَارَاتُهُمْ المُنَمَّقَةُ ، وَمَشَاعِرُهُمْ المُلَفَّقَةُ ، وَالْزَمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّافِيَةَ ، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْكُمْ بِمَنْهَجِ الوَسَطِيَّةِ فِي الدِّينِ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ وَالتَّطَرُّفَ ، فَإِنَّ الفَضِيلَةَ وَسَطٌ بَيْنَ رَذِيلَتَيَنِ ، تَرَاحَمُوا وَتَلَاحَمُوا وتَسَامَحُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، إِحْذَرُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَاجْتَنِبُوا المُسْكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ، فَإِنَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
وَأسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي ولَكُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَيَنْفَعُنَا بِالآيَاتِ وَالْهُدَى وَالْبَيَانِ ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ واللهُ أكبرُ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ ، الحَمْدُ لِلهِ مُعِيدِ الأَعْيَادِ ، المُنَزَّهِ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالأنْدَادِ ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
عِبَادَ اللهِ : مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ، الأَضَاحِي ( لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) يَقُولُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيَّامُ الْعِيدِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ تَعَالى)) وَتُجْزِئُ الْضَّأْنُ وَالْمَعِزُعَنْ مُضَحٍّ وَاحِدٍ، وَالبَدَنةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْخَاص ٍ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَالذَّبْحُ يَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ عيدكم هذه وَيَنْتَهِي بِغُرُوبِ شِمْسِ اليَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ ، فَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَلْيَذْبَحْ إِضْحِيتَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ فَلْيُوَكِّلْ غَيْرَهُ ، وَارْفُقُوا بِالْبَهَائِمِ ، وَلْيُرِحْ أَحَدُكُمْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدْ شَفْرَتَهُ، فِإِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي ذَبْحِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ لِيُسَمِّ أَحَدُكُمْ عِنْدَ ذَبْحِهَا وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللهُمَّ هَذِهِ عَنْ فُلَانٍ أَو فُلَانَةَ، وَيُسَمِّي صَاحِبَهَا ويُلحِقُ بِهِ مَنْ شَاءَ صَاحِبُهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَحْيَاءَ وَالمَيِّتِينَ ، وَكُلُوا مِنْهَا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا قالَ تَعَالى ( فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ) وَلَا يُعْطَي الْجَزَّارُ أُجْرَتَهُ مِنْهَا.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ. يَا نِسَاءَ المُسْلِمِينَ : أيتُها الأخَوَاتُ المُسْلِمَاتُ المُؤْمِنَاتُ : أَنْتُنَّ أَشْرَفُ نِسَاءِ هَذَا الزَّمَانِ ، اللهُ رَفَعَكُنَّ وَشَرَّفَكُنَّ، وَأَعْلَى قَدْرَكُنَّ وَمَكَانَتَكُنَّ، وَحَفِظَ حُقُوقَكُنَّ، فَاشْكُرْنَ النِّعْمَةَ، وَاذْكُرْنَ المِنَّةَ، الحِجَابُ وَالْجِلْبَابُ مَا فُرِضَ إلاّ حِمَايَةً لِأَعْرَاضِكُنَّ وَصِيَانَةً لِنُفُوسِكُنَّ وَطَهَارَةً لِقُلُوبِكُنَّ، وَعِصْمَةً لَكُنَّ مِنْ دَوَاعِي الفِتْنَةِ ، فَعَلَيْكُنَّ بِالْحِشْمَةِ ، وَاغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِكُنَّ وَاحْفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ، ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) وَاحْذَرْنَ هَذَا الزَّمَانَ ، فِإنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ فِيهِ مُشْرَعَةٌ ، فَأَنْتُنَّ مِنْ أُسَرٍ كَرِيمَةٍ ، وَمِنْ حَمَائِلَ فَاضِلَةٍ ، وَمِنْ قَبَائِلَ عَرِيقَةٍ ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُنَّ ، كَثْرَةُ الفِتَنِ ، فَأَنْتِ أَيَّتُهَا الحُرَّةُ فِي حِرْزِ اللهِ المَكِينِ ، وَفِي حِصْنِهِ الْحَصِينِ ، فَكَفَاكُنَّ اللهُ شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ ، فَحَافِظِي عَلَى دِينِ اللهِ وَالْتَزِمِي بِشَرْعِ اللهِ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَكِ وَيَرْعَاكِ وَيَسْتُرَكِ يَا أَمَةَ اللهِ
اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكينَ اللهُمَّ آمِنَّا فِي أوطَانِنَا وَأَصْلِحْ أئِمَتَنَا وَوُلاةَ أمُورِنَا ، وانْصُرْ جُنْدَنَا ، وَاحْفَظْ حُجَّاجَ بَيْتِكَ الحَرَامَ ، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، اللهُمَّ اجْعَلْ عِيدَنَا عيدَ أمنٍ في الأوطانٍ وصِحَّةٍ فِي الأبْدَانِ وحِفْظٍ للأهلِ والولدانِ سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، والتابعينَ ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
المفضلات