الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ،
أما بعد فاتقوا الله القائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عباد الله :
إنَّ الحجَّ من أفضلِ العباداتِ التي شرَعَها اللهُ عزَّ وجلَّ ، وهوَ الركنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الإسلامِ ، فرضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبادِهِ ، ولكنَّهُ سبحانهُ وتعالى جعلَهُ مقروناً بالإستطاعةِ ، قال تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وهذا من فضلِ اللهِ وإحسانِهِ على خلْقِهِ فكثيرٌ منَ المسلمينَ في أصقاعِ الدنيا وأنحاءِ الأرضِ ماتوا رحمَهُم اللهُ وهم لم يحجوا لعجزِهم ولبعدِ ديارِهم ولعدمِ قدرتِهم الماديةِ والبدنيةِ فهل نقولُ بأنَّ إسلامَهم ناقصٌ ، والصحيحُ أنَّ إسلامَهُم كاملٌ إذا لم يفرِّطوا وليستِ المشكلةُ في هؤلاءِ إنما المشكلةُ والمعضلةُ فيمنْ هو معافى صحيحُ البدنِ وافرُ المالِ ومعَ ذلكَ يؤجلُ ويسوفُ ويؤخرُ الحجَّ بدونِ عُذرٍ شرعيِّ هذا هوَ الذي على خطرٍ عظيمٍ
والإستطاعةُ تكونُ مرتبطةً بعدمِ العجزِ
والعجزُ أيها المسلمونَ ثلاثةُ أنواعٍ :
النوعُ الأولُ هو العجزُ البدنيُّ ، أي أنَّ الذي يريدُ الحجَّ يكونُ لديهِ المالُ ولكنَّهُ عاجزٌ ببدنِهِ فإماَّ أنْ يكونَ قد أعجزَهُ الكبرُ وتقدمتْ بهِ السنُّ قالَ تعالى ( ثم جعلَ من بعدِ قوةٍ ضعفاً وشيبةً ) وهذا يجوزُ لهُ أنْ يُنيبَ ويوكِّلَ مَنْ يَحُجَّ عنهُ بحيثُ يعطيهِ مالاً فيحُجُّ عنهُ ولكنْ يشترطُ الحنابلةُ في الوكيلِ أنْ يكونَ قد حجَّ عن نفسِهِ لحديثِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهُما في السُننِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ سَمِعَ رجُلاً يُلبي يقول : لبيكَ عنْ شُبرمةَ ، فقالَ له النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( أحججتَ عن نفسِكَ ) قالَ : لا ، قالَ ( حُجَّ عن نفسِكَ ثم حجَّ عن شبرمة )
وأما العجزُ البدنيُّ الناجمُ عنِ المرضِ فإنْ كانَ المرضُ يُرجَى برؤُهُ فينتظرُ حتى يشفيَهُ اللهُ ويحج ، وإنْ كانَ المرضُ عُضالاً لا يُرجى برؤُهُ فإنَّهُ يُنيبُ من يحجُّ ويعتمرُ عنهُ وحتى لو بريءَ بعدَ ذلكَ فقد برئتْ ذمتُهُ من الفريضةِ فإنْ حَجَّ بعدَ ذلكَ بنفسِهِ فالأمرُ واسعٌ وللهِ الحمدُ .
وأما العجرُ الثاني أيها المسلمون : فهو العجزُ الماليُّ ، ولا شكَّ أنَّ المالَ هو مادةُ الحياةِ كلِّها فهو مطلوبٌ في الأكلِ والشربِ والسكنِ والتنقلاتِ وشراءِ الهديِ وغيرِ ذلك ، والمالُ إما أنْ يكونَ الإنسانُ فاقداً لهُ بالكليةِ وفقيراً فهذا يسقطُ عنهُ الحجُّ حتى يتوفرَ لديهِ المالُ ، وإما أنْ يكونَ لديهِ مالٌ وليسَ عليهِ واجباتٌ والتزاماتٌ فهذا يجبُ عليهِ حجُّ الفريضةِ فإنْ لم يحجْ كانَ مفرطاً وعلى خطرٍ عظيمٍ فقدْ قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ ( تعجلوا الحجَّ فإنَّ أحدَكُم لا يدري ما يعرضُ لهُ ) فيجبُ على القادرِ أنْ يحُجَّ ويتعجلَ الحجَّ الفريضةَ قبلَ أنْ يعرضَ لهُ عارضٌ من مرضٍ أو موتٍ أو نحوِ ذلكَ ،
وإما أنْ يكونَ لدى الإنسانِ مالٌ ولكنْ عليهِ ديونٌ والتزاماتٌ أو نذورٌ وكفاراتٌ وفي هذهِ الحالةِ لا بُدَّ لهُ أنْ يبدأَ بالذي في ذمَّتِه من هذه الإلتزاماتِ ويقضي ماعليهِ قبلَ الذهابِ إلى الحجِّ وحتى لو أذنَ له الدائنُ فإنه لا يحج , لأنَّ القضيةَ ليست إذنَ الدائنِ ولكنها براءةُ الذمةِ فلو أَسقطَ عنهُ الدائنُ الدينَ جازَ له الحجُّ لبراءةِ ذمتِهِ ، إلا أنْ يجدَ متبرعاً أو حملةً خيريةً يحجُّ معَهاَ بالمجَّان ، فإنهُ يحجُّ ولو كانت ذمتُهُ مشغولةً لأنهُ لم يحجْ من مالِهِ ، وعليه أنْ يترُكَ لأسرتِهِ وأولادِهِ النفقةَ الكافيةَ حتى يعودَ من الحجِّ ،
أما العجزُ الثالثُ أيها المسلمون :
فهو العجزُ الشرعيُّ ، وهو خاصٌ بالمرأةِ دونَ الرجلِ ، وهو أن يكونَ لدى المرأةِ المالُ وتكونَ قادرةً ببدنِها ولكنْ لا يوجدُ لديها محرمٌ يصحبُها للحجِّ والعمرةِ ، فعندَ الحنابلةِ أنَّ وجودَ المحرمِ شرطٌ لوجوبِ الحجِّ على المرأةِ فإذا انعدمَ المحرمُ أصبحت المرأةُ شرعاً غيرَ مستطيعةٍ فالشارعُ هو الذي اشترطَ المحرمَ حفاظاً لها وصيانةً لعرضِها ، وبذلكَ تكونُ عاجزةً حتى يتوفرَ المحرمُ الذي يوافقُ على مصاحبتِها للحجِّ والعمرةِ ولذلكَ قال العلماءُ : أنَّ المَحرمَ شرطٌ لوجوبِ الأداءِ وليسَ شرطاً لعمومِ الوجوبِ وهي روايةٌ عندَ الإمامِ أحمدَ ولو ماتت قبلَ أنْ تحُجَّ الفريضةَ أُخذَ من تركتِها وحُججَ عنها ،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
إخوة الإسلام ، أما المَحارمُ الذين يجوزُ للمرأةِ السفرُ بصحبتِهم والحجُّ معهُم فهم ثلاثةُ أنواعٍ
المحارمُ من النسبِ ، والمحارمُ من الرضاعِ ، والمحارمُ بالمصاهرةِ
فأما المحارمُ من النسبِ ومنَ الرضاعِ فهم سبعةٌ:
الأبُ وإنْ علا والإبنُ وإنْ نزلَ والأخُ والعمُّ والخالُ وابنُ الأخِ وابنُ الأختِ
وأما المَحارمُ بالمصاهرةِ ، أي بالزواجِ ، فهم أربعةٌ : أبو الزوجِ وإنْ علا ، وابنُ الزوجِ وإنْ نزلَ ، وزوجُ الأُمِّ المدخولِ بها ، وزوجُ البنتِ ،
ويُشترطُ في المحرمِ أنْ يكونَ بالغاً عاقلاً راشداً ، لأنَّ المقصودَ من المَحرمِ هو صيانةُ المرأةِ وحفظُها وقضاءُ حوائجِها ،
ولا بُدَّ قبلَ الحجِّ منْ إبراءِ الذمةِ من النذورِ والكفاراتِ وكلِّ ما يَشغَلُ الذمةِ قال تعالى
(يوفونَ بالنذرِ ويخافونَ يوماً كانَ شرُّهُ مستطيراً )
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
المفضلات