خطبة جمعة
بعنوان
( التعامل مع سلبيات الحدث )
18/3/1444
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلاَ ، إِمْتِثَالاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ اهْتَمَّ الإِسْلَامُ بِالأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ وبالمجتمع المسلم اهْتِمَامًا كَبِيرًا، إِهْتِمَاماً تَقْصُرُ عَنْهُ فُهُومُ البَشَرِ وَقَوَانِينُ الدُّوَلِ ، قَلَّماَ تَجِدُ نِظَاماً يُعْنَى بِشُؤُونِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالغَنِيِّ وَالفَقِيرِ وَالمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ، مِثْلَ شَرِيعَةِ اللهِ ، ، وَقَدْ تَجَلَّتْ أَهَمِّيَّةُ ذَلِكَ فِي مَا وَرَدَ فِي الكِتَابِ وَالسُنَّةِ مِنْ عَظِيمِ التَّدْبِيرِ وَالتَّوْجِيهِ وَاخْتِصَارِ الطَّرِيقِ لِلنَّاسِ فِي مُعَالجَةِ الكَثِيرِ مِنْ قَضَايَاهُمْ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الحَيَاةُ الدُّنْيَا
جُبِلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا
خُلْواً مِنْ الأَقْذَاءِ وَالأَقْدَاِر
وَمُكَلِّفُ الأَيَّامِ فَوْقَ طِبَاعِهَا
مُتَطَلِّبٌ فِي المَاءِ جَذْوَةَ نَارِ
فَهِيَ لَا تَصْفُو لِأَحَدٍ فَالمَشَقَّةُ وَالشَّدَائِدُ وَالمَصَائِبُ وَالبَلَايَا لَابُدَّ مِنْهَا فَهِيَ سُنَّةُ اللهِ التِي لَا تَتَبَدَّلُ مَعَ عِبَادِهِ وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ يُؤَكِّدُهَا اللهُ تَعَالَى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" الآية 4 من سورة البلد , يُكَابِدُ فِيهَا المَشَقَّةَ وَالمَصَائِبَ فَهَذَا أَمْرٌ حَتْمِيٌّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ وَسَيلَةً لِتَصْفِيَةِ نُفُوسِ النَّاسِ وَمَعْرِفَةِ الصَّادِقِينَ مِنْ المُنَافِقِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ المَرْءَ قَدْ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَوْقَاتِ الرَّخَاءِ لَكِنَّهُ يَتَبَيَّنُ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ . وَأَنْتُمْ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ وَللهِ الفَضْلُ العَظِيمُ بِخَيْرٍ وَنِعَمٍ لاَ تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى فَهُنَالِكَ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ المُشْرِكَةِ وَالمُلْحِدَةِ تَجِدُ المُجْتَمَعَاتِ سَاعَةً يُحْرِقُونَ جُثَثَ مَوْتَاهُمْ وَتَارَةً يُلْقُونَ بِهَا فِي الأَنْهَارِ ، لجِهْلِهِمْ العَقِيمِ وَكُفْرِهِمْ العَظِيمِ فَيماَ يَحْدُثُ بَعْدَ المَوْتِ لَيْسَ لَدَيْهِمْ مِنْ العِلْمِ كَمَا لَدَى المُسْلِمِينَ ، فَالصَّبِيُّ فِينَا يَعْرِفُ مَا لَا يَعْرِفُهُ شَيْبَتُهُمْ مِنْ أُمُورِ المَوْتِ وَالحِسَابِ وَالبَعْثِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ ، لِأَنَّ هَذِهِ العُلُومَ مِنْ أَسَاسِيَّاتِ العَقِيدَةِ وَصُلْبِ الدِّينِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَمَعَ إِيمَانِنَا بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَلَا بُدَّ لِحَادِثَاتِ الدَّهْرِ مِنْ إِيلَامِ ، فَكُلُّ حَدَثٍ يَقَعُ عَلَى الفَرْدِ أَوْ المُجْتَمَعِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثِ حَالَاتٍ أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ مُخْرَجَاتُ الحَدَثِ إِيجَابِيَّةً كَالخَيْرِ وَالنِّعَمِ التِي تُصِيبَ النَّاسَ جَمِيعًا
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ مُخْرَجَاتُ الحَدَثِ سَلْبِيَّةً كَالحُرُوبِ وَالفِتَنِ وَالأَمْرَاضِ وَغَيْرِهَا
وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ مُخْرَجَاتُ الحَدَثِ مَخْلُوطَةً إِيجَابِيَّةً وَسَلْبِيَّةً ، هُنَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ إِيجَابِيًّا فِي مُعَالَجَةِ نَتَائِجِ الحَدَثِ السَّلْبِيَّةِ ، وَنَجِدُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ حِينَمَا يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى حَدَثاً مُعَيَّناً يَذْكُرُ مَعَهُ التَّوْجِيهِ الإِيجَابِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157]
وَفِي السُّنَّةِ عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، زَوْجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ما مِن عبدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيقولُ: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعونَ، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصِيبتِي، وأَخْلِفْ لي خيرًا منها، إلَّا أَجَرَه اللهُ في مُصِيبَتِهِ، وأَخْلَفَ له خيرًا منها )) فَهَذَا حَدَثٌ سَلْبِيٌّ عَالَجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَالَجَةً إِيجَابِيَّةً
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاَلَ: ((إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمرَةَ فُؤادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ) وَهَذَا أَيْضًا حَدَثٌ سَلْبِيٌّ وَجَّهَ الشَّارِعُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الحَدَثُ وَحَمَدَ اللهَ وَاسْتَرْجَعَ فَلَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ وِشَاحُهُ الحمَدُ وَالإِسْتِرْجَاعُ ، وَمَا زِيَارَةُ المَرِيضِ وَالكَبِيرِ وَتَعْزِيَةُ المُصَابِ إِلاَّ ضَرْبٌ مِنْ هَذِهِ المُعَالَجَةِ الحَصِيفَةِ وَمِنْ ذَلِكَ كَفَالَةُ اليَتِيمِ وَالمَسْحُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَمُسَاعَدَةُ المُحْتَاجِينَ ، فَالوَاجِبُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ أَنْ نَحْرِصَ عَلَى تَغْيِيِرِ سَلْبِيَّاتِ الحَدَثِ إِلَى إِيجَابِيَّاتٍ إِمَّا مِنْ خِلَالِ الإِسْتِفَادَةِ مِماَّ يُوجَدُ مِنْ إِيجَابِيَّاتِ الحَدَثِ أَوْ تَذْكِيرِ المُصَابِ بِقَولِ اللهِ تَعَالَى وَقَوْلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تَهْدَأُ بِهِ نَفْسُهُ وَتَنْدَمِلُ مَعَهُ جِرَاحُهُ لِأَنَّهُ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَزِيدَ السَّلْبَ سَلْبًا وَالهَمَّ هَمًّا ، فَيُورِدُ مِنْ الكَلَامِ مَا يُوغِرُ الجِرَاحَ ، وَيُسْبِغُ الأَتْرَاحَ ، فَيَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي عَيْنِ المُصَابِ أَضْيَقَ مِنْ سَمِّ الخِيَاطِ ، وَيُطْفِيءُ أَضْوَاءَ الأَمَلِ فِي نَاظِرَيْهِ ، فَمِنْ الأَوْلِيَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ مَثَلًا وَهُمْ لَيْسُوا كَثِيراً مَنْ إِذَا رَسَبَ الطَّالِبُ وَبَّخُوهُ وَعَنَّفُوهُ وَحَطَّمُوهُ وَرُبَّمَا ضَرَبُوهُ ، وَأَتَوْ لَهُ بِنُعُوتِ التَّوْبِيخِ وَالتَّجْرِيحِ ، أَوْ أَخْطَأَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَلَأَ بَسَلْبِيَّتِهِ الأُفُقَ وَأَخَذَ يَسُبُّ وَيَشْتِمُ وَيَشْمِتُ وَيَغْتَابُ كَأَنَّمَا هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الأَخْطَاءِ
فَإِذَا ضَاقَتْ بِكَ الدُّنْياَ وَغَمَرَتْكَ الأَوْجَاعُ ، وَجَاءَتْ الأُمُورُ عَلَى غَيْرِ مَا تُرِيدُ وَاخْتَنَقْتَ بِالتَّعَبِ فَلَا تَجْزَعْ وَلَا تَسْخَطْ فَالبَلَاءُ يَذْهَبُ وَيَبْقَى أَثَرُهُ وَأَجْرُهُ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ فَوَطِّنْ نَفْسَكَ عَلَى أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ امْتِحَانٍ لَابُدَّ مِنْ أَنْ نُمْتَحَنَ بِهَا وَاجْعَلْ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ بَوَاعِثِ حُسْنِ الظَّنِّ فِي خَالِقِكِ فَهَذَا الذِي شَاءَهُ وَأَرَادَهُ ، فَهَذِهِ مَشِيئَتُهُ هُوَ يَعْلَمُ بِمَا أَصَابَكَ وَسَيُعَوِّضُكَ خَيْرًا.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ نبيَّناَ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وسلِّمْ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُ الكَرِيمُ : حَاوِلْ أَنْ لَا تَكُونَ سَبَباً فِي تَكْدِيرِ الأَنْفُسِ وَتَضْيِيقِ الصُّدُورِ بِإِدْلَاءَاتِكَ فِي ُكِّل مَكَانٍ وَمُنَاسَبَةٍ ، ُكنْ بَلْسَمًا وَتِرْيَاقاً ، وَاحْفَظْ مِنْ جَمِيلِ القَوْلِ مَا يُسْعِفُكَ أَنْ تَقُولَ شَيْئاً جَمِيلاً وَتَجْعَلَ مِنْ إِيجَابِيَّاتِ قَوْلِكَ وَمَوْعِظَتِكَ مَا يُنْسِي المُصَابَ وَيُثَبِّتُ المُرْتَابَ وَلَا تَنْسَى قَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) ،
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مُتَمِّمِ الأَخْلَاقِ مَا دَارَتْ الأَفْلَاكُ فِي الآفَاقِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الخَلَّاقُ . اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّد .
المفضلات