خطبة جمعة
بعنوان
الأعذار يوم الدين
تم الاستفادة من هدايات قرآنية
للشيخ / عبدالله العبيلان
كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
12/2/1441
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَنَا بِالإِيمَانِ، وَكَرَّهَ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ َنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ القائل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : يَقُولُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ فِي أَعْذَارِ المُشْرِكِينَ وَالمُكَذِّبِينَ الضَّالِينَ وَالمُقَصِّرِينَ التِي تَرِدُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ، يَقُولُ اللهُ عَنْهُمْ : ﴿أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ * أَو تَقولَ لَو أَنَّ اللَّهَ هَداني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقينَ * أَو تَقولَ حينَ تَرَى العَذابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكونَ مِنَ المُحسِنينَ﴾ [الزمر: ٥٦-٥٨] فَوَرَدَ فِي هَذِهِ الآياَتِ الثَّلَاثِ مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ ، الحَالَاتُ الثَّلَاثُ التِي يَكُونُ عَلَيْهَا الضَّالُ وَالمُفَرِّطُ
◆أوَّلُها: الحَسْرَةُ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي الطّاعَةِ. وَمَا أَعْظَمُهَا مِنْ حَسْرَةٍ وَمَا أَشَقُّهَا مِنْ نَدَامَةٍ قَالَ تَعَالَى وَاصِفًا حَالَهُمْ وَقتئذ (وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا ) (الفرقان - 27) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا )( النبأ40) وَقَالَ تَعَالَى (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) هَذِهِ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ بَعْضُ المَشَاهِدِ التِي تُجَسِّدُ النَّدَمَ وَالحَسْرَةَ عَلَى مَنْ فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ
◆وَثاَنِيهَا: التَّعَلُّلُ بِفَقْدِ الهِدايَةِ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ [الأعراف: ٣٠]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِم إِنْ تُسْمِعُ إِلّا مَن يُؤمِنُ بِآياتِنا فَهُم مُسلِمونَ﴾ [النمل: ٨١]. فَأَجَابَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَلامِهِمْ بِأنْ قَالَ : التَّعَلُّلُ بِفَقْدِ الهِدايَةِ باطِلٌ ، لِأنَّ الهِدايَةَ كانَتْ حاضِرَةً والأعْذارَ زائِلَةٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَد بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَنْ حَقَّتْ عَلَيهِ الضَّلَالَةُ فَسيرُوا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾ [النحل: ٣٦]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعدَ إِذ هَداهُم حَتّى يُبَيِّنَ لَهُم ما يَتَّقونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [التوبة: ١١٥]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَوَلَم تَكُ تَأتيكُم رُسُلُكُم بِالبَيِّناتِ قالوا بَلى قالوا فَادعوا وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ﴾ [غافر: ٥٠].
◆وثالِثُهَا: تَمَنِّي الرَّجْعَةِ وَالكَرَّةِ إِلَى الدُّنْيَا لِتَصْحِيحِ مَسَارِهِ وَتَحْسِينِ عَمَلِهِ
، قَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100] وَيَدْخُلُ فِي الآيَاتِ عَامَّةِ المُشْرِكِينَ مِنْ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالوَثنيين، والمشركون من هذه الأمّة،
فالجميع على ضلال، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا﴾ [النساء: ١١٦].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾ [يونس: ٣٢].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَدعو مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعيدُ﴾ [الحج: ١٢].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قالَ قَرينُهُ رَبَّنا ما أَطغَيتُهُ وَلكِن كانَ في ضَلالٍ بَعيدٍ﴾ [ق: ٢٧] وَالآيَاتُ فِي هَذَا البَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا بارك اللَّهُ لي ولكم بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَ نَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَستَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، َوأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرَا
أمّا بَعْدُ : أَيُّهَا الْنَّاسُ : فَأُوصِيكُمْ ونفْسِي بِتقْوى اللهِ تعالَى القَائِلِ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ))
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَنْ قَالَ إنّ عُبّادَ القُبُورِ لَيْسُوا عَلَى ضَلَالٍ فَهُوَ مُكَذّبٌ للهِ.
وَمَنْ قَالَ إِنّهُمْ تَحْتَ المَشِيئَةِ فَهُوَ مُكَذّبٌ للهِ.
وَمَنْ قَالَ نُفَوِّضُ أَمْرَهُمْ إِلَى اللهِ، فَهُوَ لَمْ يُحَقّقْ التَّوْحِيدَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذ قالوا لِقَومِهِم إِنّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ كَفَرنا بِكُم وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤمِنوا بِاللَّهِ وَحدَهُ إِلّا قَولَ إِبراهيمَ لِأَبيهِ لَأَستَغفِرَنَّ لَكَ وَما أَملِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيءٍ رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾ [الممتحنة: ٤].
قَالَ ابن القيّم -رحمه الله-: "ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَشْعُرُونَ بدُخُولِ الواقعِ تَحْتَهُ وتَضَمُّنِهِ لَهُ، ويَظُنُّه في نوعٍ وقومٍ قَدْ خَلَوا مِن قبلُ ولم يُعَقِّبُوا وارِثًا، وهذا الَّذي يَحُولُ بينَ القَلْبِ وبينَ فَهْمِ القرآنِ " هذا لأنَّهُ إذا لم يَعْرِفِ الجاهليَّةَ والشِّرْكَ، وما دَعَا بهِ القرآنُ وذَمَّهُ، وَقَعَ فيه وأَقَرَّهُ، ودَعَا إليه وصَوَّبَهُ وحَسَّنَهُ، وهو لا يَعْرِفُ أنَّهُ الَّذي كانَ عليهِ الجاهليَّةُ، أو نَظِيرُهُ أو شرٌّ منه أو دونَهُ، فتُنْتَقَضُ بذلك عُرَى الإسلامِ، ويَعُودُ المَعْرُوفُ مُنْكَرًا، والمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، والبِدْعَةُ سُنَّةً، والسُّنَّةُ بدعةً". [انتهى من مدارج السالكين (344/1)].
فَهَلْ يُوجَدُ فِي القُرْآنِ وَالسُّنّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَنّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللهِ يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: { قَالَ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ إِنَّ الخِزيَ اليَومَ وَالسّوءَ عَلَى الكافِرينَ} صَرِيحٌ أنّ الجَهْلَ ذَنْبٌ وَلَيْسَ عُذْراً تُرْفَعُ بِهِ المُؤَاخَذَةُ،
وَيَجِبُ أنْ يُعْلَمَ أنّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُدَّ أَحَداً عَنْ التَّوْحِيدِ، لِأَنّ التَّوْحِيدَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ، قَالَ تَعَالَى -فِي ذكرِهِ لِتَخَاصُمَ المُشْرِكينَ وَهُمْ فِي النَّاُر-: ﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا لِلَّذينَ استُضعِفوا أَنَحنُ صَدَدناكُم عَنِ الهُدى بَعدَ إِذ جاءَكُم بَل كُنتُم مُجرِمينَ﴾ [سبأ: ٣٢].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى َنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المفضلات