خطبة جمعة
بعنوان
( أخطار الآبار )
17 / 7 / 1443
دكتور / محمد العيدي

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا ، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ﴾.
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: إن اللهِ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَحَرَّمَ أَذِيَّةَ الخَلْقِ، وعَظَّمَ حُرْمَةَ الْمُؤْمِنِ، وَحَرَّمَ أَذِيَّتَهُ، فَقَالَ تَعَالَى:﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾، وَهَذَا يَشْمُلُ الإِيَذَاءَ الْحِسِّيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ ، وَإِيْذَاءُ الْمُسْلِمِ يَأْتِي عَلَى صُوَرٍ شَتَّى ، وَمِنْ ذَلِكَ : مُكَايَدَتُهُ ، وَإِلْحَاقُ الشَّرِّ بِهِ ، وَاتِّهَامُهُ بِالْبَاطِلِ ، وَرَمْيُهُ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ ، وَتَحْقِيرُهُ ، وَتَصْغِيرُهُ ، وَتَعْيِيرُهُ ، وَتَنَقُّصُهُ ، وَثَلْمُ عِرْضِهِ ، وَغِيبَتُهُ ، وَسَبُّهُ وَشَتْمُهُ ، وَتَهْدِيدُهُ ، وَتَرْوِيعُهُ ، وَابْتِزَازُهُ ، وَتَتَبُّعُ عَوْرَتِهِ ، وَنَشْرُ هَفْوَتِهِ ، وَإِرَادَةُ إِسْقَاطِهِ وَفَضِيحَتِهِ ، وَلَعْنُهُ وَتَكْفِيرُهُ ، وَتَبْدِيْعُهُ وَتَفْسِيْقُهُ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ ، وَقِتَالُهُ وَحَمْلُ السِّلَاَحِ عَلَيْهِ ، وَسَلْبُهُ وَنَهْبُهُ وَسَرِقَتُهُ ، وَغِشُّهُ وَخِدَاعُهُ وَالْمَكْرُ بِهِ ، وَمُمَاطَلَتُهُ فِي حَقِّهِ ، وَإِيْصَالُ الْأَذَى إِلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ .
عباد الله : ومِنْ صُوَرِ إِيْذَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ : مَا يَفْعَلُهُ بعضُ الْمُقَاوِلِينَ مِنْ وَضْعِ الْتُّرَابِ وَالطُّوبِ وَالْحَديدِ ، أَوْ حَفْرِ الْحُفَرِ فِي الطَّرِيقِ مُدَّةً طَوِيلَةً ، مِنْ غَيْرِ مُبَالَاَةٍ بِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وقد تَتَسبَّبُ في سُقُوطِ الْمَارَّةِ أَوِ الْسَّيَّارَاتِ أَوْ تَضَرُّرِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ إِثْمٌ عَظِيمٌ ، وَظُلْمٌ كَبِيرٌ.
وَمِنْ صُورِ إِيْذَاءِ الْمُسْلِمِينَ : عَدَمُ تَحْصِينِ الْآبَارِ الْمَكْشُوفَةِ وَالْمَهْجُورَةِ أَوْ رَدْمِهَا ، مَنْعَاً مِنْ سُقُوطِ الْأَرْوَاحِ فِيهَا ، وَضَمَانَاً لِسَلَاَمَةِ عَابِرِي الْطُّرُقِ وَالْمُتَنَزِّهِينَ ، وَحِفَاظًا عَلَى النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي دَعَتِ الشَّرِيعَةُ إِلَى حِفْظِهَا وَحَرَّمَتِ التَّسَبُّبَ بِهَلَاكِهَا.
فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْذَرُوا مِنْ أَذِيَّةِ إِخْوَانِكُمْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى أَوْ صُوَرِهِ ، فَذَلِكُمْ وُقُوعٌ فِي شَرٍّ عَظِيمِ وَخَطَرٍ جَسِيْمٍ ؛ فقد أخرج الحَاكِمُ في المستدرك على الصحيحين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فُلَانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا فَقَالَ : «لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ». والحديث صححه الألباني.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للَّـهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ. وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَمَن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ :فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: يَنْبَغِي عَلَيْنا أَنْ نَتَعاوَنَ مع الجهات المسؤولة ، في أَمْرٍ مُهِمٍّ قَدْ كَثُرَ الكَلامُ عَنْه في هذه الأَيَّامِ ، وأَصْبَحَ حَدِيثَ كَثيرٍ مِن الناسِ ، لِمَا يُسَبِّبُه مِن خَطَرٍ عَلى الناسِ والدواب ، أَلا وَهُوَ الآبارُ الْمَهْجُورَةِ أَوْ الْمُهْمَلَة ، أَوْ غَيْرِ الْمَحْمِيَّةِ والْمُؤَمَّنَةِ ، لِمَا تُسَبِّبُه مِنْ مَخاطِرَ كَثِيرَةٍ :
أَوَّلُها : عَلَى الْمُتَنَزِّهِينَ وعابِرِي الطريقِ ، خُصُوصًا الصِّغارَ الذينَ لا يُدْرِكُونَ المَخاطِرَ.
وثانِيها : عَلى الدَّوابِّ.
وَثالِثُها : عَلى المِياهِ الجَوْفِيَّةِ مِن التَلَوُّثِ ، لِأَنَّ الآبارَ الْمَهْجُورَةَ ، تُلْقَى فِيها النجاساتُ أَحْيانًا ، وَتَسْقُطُ فيها الدَّوابُّ والْمُخُلَّفاتُ.
فيَنْبَغِي عَلَيْنا جميعاً ، أَنْ نَتَعاوَنَ مَعَ الجهات الرسمية والمعنية ، بالإبلاغ عَن الآبارِ الْمُهْمَلَةِ والْمُعَطَّلَةِ ، أَوْ غَيْرِ الْمَحْمِيَّةِ أو المكشوفة ؛ لما في البلاغِ عنها مِن المصالحِ العظيمةِ ، وامتثالاً لِما دَلّت عليه نصوصُ القرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ المُطَهّرة ، مِن أهميةِ المحافظةِ على النّفسِ البشريةِ ، وحُرمةِ التَّسَبُّبِ بِهَلاكِها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على نَبِيِّكم ورسولِكم محمد، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتَنَا وولاةَ أمورِنا عباد الله: اذكروا اللهَ يَذكُركُم، واشكُرُوه على نِعَمِه يَزِدكُم، وَلَذِكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يَعلَمُ ما تَصنَعُونَ.