خطبة جمعة
بعنوان
( توجيهات أسرية )

13/5/1443

عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل





الخُطْبَةُ الأُولَى

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلاَ ، إِمْتِثَالاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ اهْتَمَّ الإِسْلَامُ بِالأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ اهْتِمَامًا كَبِيرًا، إِهْتِمَاماً تَقْصُرُ عَنْهُ فُهُومُ البَشَرِ وَقَوَانِينُ الدُّوَلِ ، قَلَّماَ تَجِدُ نِظَاماً يُعْنَى بِشُؤُونِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالغَنِيِّ وَالفَقِيرِ وَالمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ، مِثْلَ شَرِيعَةِ اللهِ ، ، وَقَدْ تَجَلَّتْ أَهَمِّيَّةُ تَأْسِيسِ الأُسْرَةِ المُسْتَقِرَّةِ الآمِنَةِ مِنْ خِلَالِ وَصَايَا النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَّ التِي تُصَوِّرُ التَّكْوِينَ الأُسَرِيَّ مُنْذُ عَهْدِهِ الأَوَّلِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )
وَالمَرْأَةُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَهَمُّ شَيْءٍ فِي بِنَاءِ الأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ ، وَدِينُها الإِسْلَامُ يَعْتَنِي بِهاَ وَيُؤَسِّسُهَا لِغَرَضِ البِنَاءِ المَتِينِ ، فَهِيَ مَصْدَرُ التَّغْيِيرِ وَالتَّأْثِيرِ، هِيَ أَسَاسُ البَيْتِ ، وَرُكْنُهُ الرَّكِينُ ، بَشَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجَنَّةِ فَقَالَ ( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ). وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الدُّنْيَا فَقَالَ ( أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ ) فَطَاعَةُ الزَّوْجِ وَرِعَايَةُ الأَبْنَاءِ وَالقِيَامُ عَلَى شُؤُونِ البَيْتِ ، وَحُسْنُ التَّرْبِيَةِ ، رِسَالَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَوَظِيفَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُنَاطَةٌ بِهَا ، فَهِيَ لَيْسَتْ سَقْطُ مَتَاعٍ ، إِنَّماَ هِيَ شَرِيكٌ لِلرَّجُلِ ، وَهِيَ نِصْفُ دِينِ الرَّجُلِ ، فَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ، وَالمَرْأَةُ تُنَشِّئُ أَبْنَاءَهَا عَلَى الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَحَمْلِ رِسَالَةِ الدِّينِ وَوَاجِبِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ ، وَحُبِّ الوَطَنِ وَالوَلَاءِ لَهُ وَلِوُلَاةِ أَمْرِهِ ، وَتَرْبِّيهِمْ عَلَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ وَالقِيَمِ السَّامِيَةِ ، وَ التزوُّدِ بِالعُلُومِ وَالمَعَارِفِ ،
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا يُؤَسِّسَانِ هَذَا البَيْتَ الأُسَرِيَّ ، أَنْ يُدرِكَا أنَّ أحدَهُمَا أَوْ كليْهِمَا ، لَنْ يَجِدَ صَاحِبَهُ كَامِلاً ، فَالكَمَالُ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَلَقَدْ أَوْصَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، بِالتَّعَايُشِ بِالمَعْرُوفِ ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
وَلْيَنْظُر الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ ، إِلَى الإِيجَابِيَّاتِ فِي كُلٍّ مِنْهُماَ، لِأَنَّ كَثِيراً مِنَ الأَزْوَاجِ ، يَخْتَصِمُونَ عَلَى مَحَاوِرِ السَّلْبِيَّاتِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوصِي الزَّوْجَيْنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ )
بِهَكَذَا يُرسِّخُ الإِسْلَامُ قِيَمَ البِنَاءِ المَتِينِ ، وَالتَّشْيِيدِ المَكِينِ ، الَّتِي تَقُودُ الأُسْرَةَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالإِسْتِقْرَارِ ، وَالنُّمُوِّ وَالإِزْدِهَارِ .
الأُسْرَةُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : قَائِمَةٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، مَعَ تَفَاوُتِ نِسَبِ المَسْئُولِيَّةِ ، يَتَعَاوَنَانِ عَلَى تَرْبِيَةِ الأَوْلَادِ ، وَإِدَارَةِ شُؤُونِ البَيْتِ ، وَهَذِهِ فِطْرَةٌ حَتَّى فِي البَهَائِمِ وَالطُّيُورِ ، فَالزَّوْجُ يَتَعَاوَنُ مَعَ زَوْجَتِهِ ، وَيَقِفُ مَعَهَا فِي قِيَامِهَا بِوَاجِبِهَا ، وَهَذَا لَيْسَ عَيْباً وَلَا مَثْلَباً ، كَمَا يَظُنُّهُ عَوَامُّ النَّاسِ ، إِنَّماَ تَعَاوُنُهُ مَعَهاَ دَلِيلٌ عَلَى نُبْلِ نَفْسِ الزَّوْجِ ، وَطِيبِ مَعْشَرِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيراً مَا يَنْشَغِلُ بِالقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَشُؤُونِهَا، وَاسْتِقْبَالِ الوُفُودِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِشْرَةً، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ لِنِسَائِهِ ، وَلَمْ تَمْنَعْهُ كُلُّ هَذِهِ الأَعْبَاءُ أَنْ يُعَاوِنَ أَهْلَهُ، وَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ ( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَيَنْبَغِي لِلْبُيُوتِ أَنْ لَا يَسُودَ فِيهَا الإِسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ ، إِنَّماَ بِالحِوَارِ الأُسَرِيِّ ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشِيرُ بَعْضَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَدْ كَانَ يَأْنَسُ بِرَأْيِهَا وَيُعْجِبُهُ رَجَحَانُ عَقْلِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .
أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : لَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، أَسَاتِذَةُ الرَّأْيِ ، وَفَطَاحِلَةُ الكَلِمَةِ ، مِنَ الَّذِينَ يَتَدَخَّلُونَ فِي مَشَاكِلِ الأُسَرِ ، وَخِلَافَاتِ البُيُوتِ ، دُونَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهمْ ذَلِكَ ، وَرُبَّماَ أَرَادَ أَحَدُهُم أَنْ يَحِلَّ مَشَاكِلَ الآخَرِينَ ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ وَاقِعٌ فِي حَمْأَةِ المَشَاكِلِ ، لاَ بُدَّ أَنْ يُوضَعَ جِدَارُ حِمَايَةٍ لِلْأُسْرَةِ يَقِيهَا مِنْ تَدَخُّلاَتِ الآخَرِينَ ، وَأَنْ تَحْذَرَ الأُسْرَةُ مِنَ المُقَارَنَاتِ الفَاسِدَةِ مَعَ الأُسَرِ الأُخْرَى ، فَكُلُّ أُسْرَةٍ تَخْتَلِفُ عَنْ الأُخْرَى فِي احْتِيَاجَاتِهَا وَقُدُرَاتِهَا ، وَعَلَى الزَّوْجَيْنِ أَلاَّ يَنْظُراَ إِلَى مَا فِي أَيْدِي غَيْرِهِماَ ، وَلْيَقْنَعاَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُماَ ، لِأَنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ قَالَ ( عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ ) كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَإِمْكَانَاتِهِ ، كمَا أَمَرَ الإِسْلَامُ أَنْ يَصُونَ أَفْرَادُ الأُسْرَةِ جَمِيعاً أَسْرَارَ البَيْتِ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ خَارِجَ البَيْتِ ، وَخَاصّةً مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أُمُورٍ خَاصَّةٍ ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِفْشَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَسْرَارَ العِلَاقَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُضْعِفُ كَيَانَ الأُسْرَةِ ، وَيَهْتِكُ بُنْيَانَهاَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ).
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.

الخطبة الثانية

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : هُنَاكَ أَمْرٌ غَايَةٌ فِي الأَهَمِّيَّةِ ، هُوَ الوَفَاءُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ عُمُوماً ، وَهُوَ أَشَدُّ مَطْلُوبٍ سِيَّمَا عِنْدَ الكِبَرِ، فَقَدْ أَمَرَ الدِّينُ الزَّوْجَ أَنْ يَكُونَ وَفِيًّا لِزَوْجَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالزَّوْجَةُ وَفِيَّةً لِزَوْجِهَا ، يَحْفَظُ لَهَا حَقَّهَا، وَتَحْفَظُ لَهُ حَقَّهُ ، وَيَذْكُرُ لَهَا جَمِيلَهَا، وَيُقَدِّرُ لَهَا مَعْرُوفَهَا خَاصَّةً بَعْدَمَا كَبُرَتْ سِنُّهَا وَاشْتَدَّ ضَعْفُهَا وَحَاجَتُهَا إِلَيْهِ، وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ كُلاًّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَكَناً لِلْآخَرِ طِيلَةَ حَيَاتِهِمَا ، وَقَدْ سَمِعْنَا وَرَأَيْناَ مَظَاهِرَ مِنْ هَذَاَ الوَفَاءِ وَللهِ الحَمْدُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ وَبَيْنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ وَآبَاءِهِم وَأُمَّهَاتِهِمْ مَايُثْلِجُ الصَّدْرَ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مُتَمِّمِ الأَخْلَاقِ مَا دَارَتْ الأَفْلَاكُ فِي الآفَاقِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الخَلَّاقُ . اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّد .