خطبة جمعة
بِعِنْوَان
( ترشيد استخدام المياه )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ؛ فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ القَائِلِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْبِيئَةَ التِي تُحِيطُ بِنَا جَمِيعًا مِنْ أَرْضٍ وَهَوَاءٍ ، وَزَرْعٍ وَمَاءٍ ، فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ لِحَيَاتِنَا وَبَقَائِنَا فَهِيَ الَموْطِنُ الذِي نَعِيشُ فِيهِ وَيَتَرَبَّى فِيهَا أَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا ، وَنُقِيمُ فِيهَا جَمِيعًا شَعَائِرَ العِبَادَةِ ، وَلَهَا تَأْثِيرُهَا الْبَالِغُ عَلَى صِحَّتِنَا ، وَلِذَلِكَ وَضَعَ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ الضَّوَابِطَ الْعَدِيدَةَ لِلْحِفَاظِ عَلَى عَنَاصِرِهَا وثَرَوَاتِهَا ، وَعَدَمِ الإِخْلاَلِ بِمُكَوِّنَاتِهَا، أَوْ إِفْسَادِ نِظَامِهَا ؛ قَالَ تَعَالَى: ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) .
وَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ اسْتِنْزَافِ الْمَوَارِدِ، أَوْ تَبْدِيدِهَا أَوِ التَّبْذِيرِ وَالإسْرَافِ فِيهَا؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قُدْوَةً فِي الاِقْتِصَادِ وَعَدَمِ الإِسْرَافِ، وَخَاصَّةً فِي الْمَاءِ، لأَنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) . وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) . فَالْمَاءُ نِعْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ ، وَهِبَةٌ إِلاهِيَّةٌ ، مُشَاعَةٌ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ البَهَائِمُ وَالطُّيُورُ ، وَمِنْ لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِكَ الْجَمِيعُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ بِتَرْشِيدِ اسْتِخْدَامِهَا فِي الزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالإِحْتِيَاجَاتِ الحَضَرِيَّةِ وَالرَّيِّ ، وَالإِسْتَخْدَامَاتِ الأُخْرَى كَالاِسْتِحْمَامِ وَغَسْلِ السَّيَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ ، حَتَّى فِي الوُضُوءِ وَالذِي هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ يَجِبُ الإِقْتِصَادُ فِي الماءِ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ) ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ الْحَكِيمُ عَنِ الإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ مَهْمَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ لِعِبَادَةٍ، وَلَوْ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ، حِفَاظًا عَلَى اسْتِدَامَتِهِ، وَحِفْظًا لِحَقِّ الأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ فِيهِ ، وَمُحَافَظَةً عَلَى مَصَادِرِهِ ، والدَّوْلَةُ بَارَكَ اللهُ فِيهَا ، تَبْذُلُ الأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ لِتَوْفِيرِ المِيَاهِ لِلنَّاسِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَتَجْلُبُهَا مِنْ مَسَافَاتٍ بَعِيدَةٍ وَتَعْمَلُ عَلَى تَحْلِيَةِ الْمِيَاهِ وَتَنْقِيَتِهَا ، فَفِيهَا مَشَارِيعُ عِمْلاَقَةٌ لِتَسْخِيرِ جَمِيعِ الإِمْكَانَاتِ لِتَلْبِيةِ حَاجَةِ النَّاسِ مِنْ الماءِ ، وَالذِي يُعْتَبَرُ الشِّرْيَانُ الأَعْظَمُ لِلْحَيَاةِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ نَعِيشُ فِي بِلَادِنَا وَلِلهِ الَحمْدُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ وَرَغَدِ عَيْشٍ مُقَارَنَةً بِبَقِيَّةِ بُلْدَانِ العَالَمِ ، لَكِنَّ بِلَادَنَا هَذِهِ بِلَادٌ صَحْرَاوِيَّةٌ شَحِيحَةُ الِميَاهِ إِذْ تَعْتَمِدُ عَلَى الأَمْطَارِ التِي تَهْطُلُ بِكَمِّيَّاتٍ قَلِيلَةٍ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ ، وَلَا تُغَطِّي حَاجَةَ النَّاسِ وَبِالتَّالِي فَلاَ بُدَّ مِنْ الإِقْتِصَادِ فِي اسْتِخْدَامِ المَاءِ حَتَّى نُوَفِّرَ مِنْهَا لِأَنْفُسِنَا وَمُجْتَمَعِنَا وَأُمَّتَنَا ، فَلاَ بُدَّ لَنَا جَمِيعًا أَنْ نَسْتَشْعِرَ هَذِهِ المَسْؤُولِيَّةِ تِجَاهَ أَنْفُسِنَا وَتَجَاهَ أَجْيَالِنَا القَادِمَةِ ، عَلَيْنَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى المِيَاهِ وَلَا نُسْرِفَ فِي اسْتِخْدَامِهَا كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام ( لَا تُسْرِفْ فِي الماءِ وَلَوْ كُنْتَ عَلَى نْهَرٍ جَارٍ ) فَالإِسْرَافُ لاَ يَلْزَمُ أَنْ يُصَاحِبَهُ شُحُّ المَصْدَرِ ، فَقَدْ أَمَرَنَا بِعَدَمِ الإِسْرَافِ وَلَوْ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ ، فَكَيْفَ إِذَا قَلَّتْ الميَاهُ ، وَأَمَرَ وَلِيُّ الأَمْرِ باِلعَمَلِ عَلَى الإِقْتِصَادِ فِيهَا وَتَرْشِيدِ اسْتِهْلَاكِهَا ، فَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا عَدَمُ هَدْرِ المِيَاهِ سَوَاءً فِي مَنَازِلِهِمْ أَوْ مَسَاجِدِهِمْ أَوْ مَدَارِسِهِمْ أَوْ مَزَارِعِهِمْ ، فَيَلْزَمُنَا جَمِيعًا المحَافَظَةُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، لِنَتَّقِيَ بِالتَّرْشِيدِ مَغَبَّةَ الجَفَافِ وَشُحَّ الميَاهِ وَنَقْصِهَا فِي بَاطِنِ الأَرْضِ قَالَ تَعَالَى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (المؤمنون 18)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نبيَنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللهِ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (102آل عمران)
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المسْلِمُونَ : غَابَ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الذِي يَقِفُ أَحَدُنَا بِسَيَّارَتِهِ عِنْدَ التَّمْوِينَاتِ فَيَأْخُذَ الماءَ البَارِدَ وَمَا لَذَّ وَطَابَ مِنْ المشْرُوبَاتِ ، لَاهِيًا قَلْبُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَشُكْرِهِ ، غَابَ عَنَّا أَهَمِّيَّةُ الماءِ ، وَلَمْ نَعِشْ مَا عَاشَهُ الأَوَّلُونَ مِنْ عُسْرِ الحَالِ وَشَظَفِ العَيْشِ ، وَنَزْحِ الدِّلَاءِ ، فَقْدَ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ آبَارِهِمْ ، يَتَوَجَّسُونَ قِلَّةَ الميَاهِ ، وَيَخَافُونَ غَوْرَ الآباَرِ ، وَيَتَأَلَّمُونَ لِقِلَّةِ الأَمْطَارِ ، لِأَنَّهُمْ يَقِفُونَ عَلَى شَفِيرِ الحَالِ ، وَيَعْلَمُونَ أَلَمَ المآلِ ، فَالصَّحْرَاءُ مِنْ حَوْلِهِمْ يَمُوجُ سَرَابُهَا ، وَيُؤْذِنُ خَرَابُهَا ، فَيَرْفَعُونَ الدُّعَاءَ الحَثِيثَ ، إِلَى الكَرِيمِ المُغِيثِ ، كَانَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى اللهِ قَرِيبَةً ، وَلُجُوؤُهَا إِلَى اللهِ عَجِيبَةً ، هُنَالِكَ كَانَ صِدْقُ المَعْرِفَةِ ، صِدْقُ مَعْرِفَةِ اللهِ ، وَصِدْقُ مَعْرِفَةِ الماءِ وَأَهَمِّيَّةِ الماءِ ، وَمَعْنَى القَحْطِ حِينَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ، وَمَعْنَى الغَيْثِ حِينَ تُمْطِرُ السَّمَاءُ ، فَمَا أَجْدَرُنَا بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ النِّعْمَةِ ، وَمَا أَحْوَجُنَا إِلَى المُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، إِنَّهُ الماءُ يَاعِبَادَ اللهِ فَاسْتَوْصُوا بِتَرْشِيدِ الماءِ خَيْراً (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (9ق )
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المفضلات