خطبة جمعة
بِعِنْوَان
( الوصية في الذرية )
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
مقتبسة من خطبة لمعالي الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ صَلَاحَ الأَوْلَادَ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الحَيَاةِ وَبَعْدَ المَمَاتِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً،
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللَهَ تَعَالَى القَائِلَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
عِبَادَ اللهِ : الأَوْلَادُ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ ، وَلَقَدْ كَانَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَدْعُونَ اللهَ بِصَلاَحِ الذُّرِّيَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100]، وَقَالَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38] ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الزَّوَاجِ إِنْجَابُ الذُّرِّيَةِ الصَّالِحَةِ ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَخْتَارَ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ لِأَنَّهَا تُعِينُهُ عَلَى صَلَاحِ ذُرِّيَتِهِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) ، وَقَاَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ – وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) ، فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى مَنْصِبِ المَرْأَةِ وَنَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَمَالِهَا فَقَطْ ، إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى صَلَاحِهَا وَدِينِهَا ، لِأَنَّهَا هِيَ الحَرْثُ الذِي يَضَعُ فِيهَا ذُرِّيَتَهُ ، فَتَكُونَ أَرْضاً خَصِبَةً ، تَنْبُتُ فِيهَا الذُّرِّيَةُ الصَّالِحَةُ ، كُلُّ هَذَا الإِعْدَادِ لِمَا قَبْلَ الزَّوَاجِ ، فَإِذَا رَزَقَ اللهُ المُسْلِمَ الأَوْلَادَ ، زَادَتْ المَسْؤُولِيَّةُ ، فَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ ( كُلُّ مَوْلَودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانَهُ أَوْ يُنَصِّرَانَهُ أَوْ يُمَجِّسَانَهُ ) ، فَالوَالِدَانِ إِذَا كَانَا صَالِحَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُنَمِّيَانِ هَذِهِ الفِطْرَةَ وَيُحَافِظَانِ عَلَيْهَا ، وَلِهَذَا قَاَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ ) فَكُلُّ ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى فِطْرَةِ المَوْلُودِ ، وَعَلَى تَنْشِأَتِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالإِسْتِقَامَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِدِينِ الإِسْلَامِ لِيَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لِوَالِدَيْهِ فِي الحَيَاةِ وَبَعْدَ المَمَاتِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ بْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ) ، فَالوَلَدُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ ، وَيَخْلِفُهُمَا فِي البَيْتِ وَفِي الذُّرِّيَّةِ فَيُحَافِظُ عَلَيْهِمْ ، وَيَقُومُ بِحُقُوقِ وَالِدِهِ إِذَا مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ لِلنَّاسِ ، مِثْلُ سَدَادِ الدُّيُونِ التِي عَلَيْهِ ، وَتَنْفِيذُ الوَصَايَا ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، مِمَّا يَتَوَجَّبُ عَلَى الوَالِدِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِصَلاَحِ أَوْلَاِدهِ ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُنَا الصَّلاَحُ بِيَدِ اللهِ ، نَعْمْ الصَّلاَحُ بِيَدِ اللهِ ، وَلَكِنَّ الصَّلَاحَ لَهُ أَسْبَابٌ ، أَمَّا إِذَا أَهْمَلْنَا الوَلَدَ وَتَرَكْنَاهُ وَضَيَّعْنَاهُ فَقَدْ بَسَطْنَا لَهُ سُبُلَ الضَّيَاعِ ، وَفَرَّطْنَا فِي الرِّعَايَةِ وَضَيَّعْنَا الأَمَانَةَ ،
( تَبْغِي النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا *** إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَحْنُ فِي مَطْلَعِ فَصْلٍ دِرَاسِيٍّ فَاحْرِصُوا عَلَى أَوْلَادَكُمْ وَتَابِعُوهُمْ وَتَابِعُوا دُخُولَهُمْ لِلْمَنَصَّاتِ الدِّرَاسِيَّةِ ، لِأَنَّ الوَلَدَ إِذَا أَخْفَقَ فِي الدِّرَاسَةِ أَخْفَقَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، وَصَارَ عَالَةً عَلَى وَالِدَيْهِ وَعَلَى المُجْتَمَعِ ، فَالدِّرَاسَةُ شَأْنُهَا عَظِيمٌ ، لِأَنَّهاَ تَجْمَعُ بَيْنَ الدِّينِ وَالدُّنْياَ ، فَلَا تُفَرِّطُوا فِيهَا وَتَعَاوَنُوا مَعَ المَدْرَسَةِ وَالمُدَرِّسِينَ عَلَى مُوَاظَبَةِ أَوْلَادِكُمْ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] ، وَنَشِّؤُوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الجَمَاعَةِ ، فَالمَسَاجِدُ يَاعِبَادَ اللهِ هِيَ أَهَمُّ المَدَارِسِ التِي تُرَبِّي الأَوْلَادَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ وَعَلَى التَأَسِّي بِالصَّالِحِينَ ، وَأَمَّا الإِنَاثُ وَالبَنَاتُ فَهُنَّ أَصْعَبُ تَرْبِيَةً مِنْ الذُّكُورِ، وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَنِ الذِي يَعُجُّ بِوَسَائِلِ الإِتِّصَالِ وَالإِنْتَرْنِتْ وَمَالَا يَخْفَى عَلَى كَرِيمِ فُهُومِكُمْ ، فَأَصْبَحَتْ المَرْأَةُ تَخْرُجُ إِلَى الوَظِيفَةِ وَالعَمَلِ ، فَحَافِظُوا عَلَيْهِنَّ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ ، وَمُرُوهُنَّ بِالسِّتْرِ وَالحَيَاءِ وَالحِشْمَةِ ، فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِنَّ ، وَحَافِظُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ لِأَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلٌّ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم ، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً،
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهاَ النَّاسُ : فَإِنَّنَا وَكَمَا تَعْلَمُونَ نَعِيشُ فِي عَصْرٍ تَلَاطَمَتْ فِيهِ أَمْوَاجُ الفِتَنِ، وَتَنَوَّعَتْ وَتَفَرَّعَتْ وَتَجَدَّدَتْ ، وَسَهُلَ وُصُولُهَا إِلَى البُيُوتِ ، وَإِلَى الذُّرِّيَةِ مِنْ أَبْنَاءٍ وَبَنَاتٍ ، بِوَاسِطَةِ الهَوَاتِفِ المَحْمُولَةِ ، وَتَطْبِيقَاتِ التَّوَاصُلِ المُتَنَوِّعَةِ ، وَبِوَاسِطَةِ الإِنْتَرْنِتْ ، فَحَافِظُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ مِنْهَا وَمِنْ التَّسَيُّبِ فِي الشَّوَارِعِ ،
( وَمَنْ رَعَى غَنَماً فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ** وَنَامَ عَنْهَا تَوَلَّى رَعْيَهَا الأَسَدُ ) فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، فَاليَوْمَ تَغَيَّرَ عَنْ الأَمْسِ ، وَالحَاضِرُ تَغَيَّرَ عَنِ المَاضِي ، فَلَا تَنْشَغِلُوا بِدُنْيَاكُمْ عَنْ أَوْلَادِكُمْ ، لاَ تُهْمِلُوهُمْ ، وَلاَ تَكِلُوهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ ، أَوْ إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ ، فَأَنْتُمْ المَسْؤُولُونَ عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ ، وَأَنْتُمْ الخَاسِرُونَ إِذَا فَسَدُوا وَضَاعُوا ، فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي نِسَائِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ ، وَالمَسْؤُولِيَّةُ عَظِيمَةٌ ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللِهِ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد،
المفضلات