خطبة جمعة
بعنوان
( نجاح الحج 1440 )
كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخُطبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
أمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران
أيُّهَا الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ : لَقَدْ إنْقَضَتْ أَيَّامُ الحَجِّ المُبَارَكَةِ ، وَشَهِدَ حَجُّ هَذَا العَامِ نَجَاحاً أَثْلَجَ صُدُورَنَا ، وَرَفَعَ رُؤُوسَنَا ، بِفَضْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ بِفَضْلِ مَا يُولِيهِ وُلَاةُ الْأَمْرِ وَرِجَالُ الْأَمْنِ وَالجِهَاتُ المُخْتَصَّةُ وَكَافَّةُ الْقِطَاعَاتِ الأُخْرَى مِنْ جُهُودٍ جَبَّارَةٍ حِفَاظاً عَلَى سَلَامَةِ الحُجَّاجِ وَأَمْنِهِمْ وَتَوْفِيرِ الرِّعَايَةِ الكَامِلَةِ لَهُمْ ، ثُمَّ بِسَبَبِ التَّنْظِيمِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ القَاصِي وَالدَّانِي ، وَفَوَّتَ الفُرْصَةَ عَلَى المُتَرَبِّصِينَ بِالحَجِّ وَالحُجَّاجِ ، فَحَفِظَ اللهُ القَائِمِينَ عَلَى الْحَجِّ جَمِيعاً ، فَهَذِهِ هَيَ أُمَّةُ الوَفَاءِ التِي تَتَشَرَّفُ بِخِدْمَةِ ضِيُوفِ الرَّحْمَنِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الذِي تَابِعَ الْحُجَّاجَ فِي مَكَّةَ وَمِنَى وَعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ وَفِي المَسْعَى وَالمَطَافِ ، الذين بَذَلُوا فِي سَبِيلِ حَجِّهِمْ وَقُدُومِهِمْ لِبَيْتِ اللهِ الغَالِي وَالنَّفِيسَ وَتَرَكُوُا بِلَادَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ ، وَقَطَعُوا آلافَ الأَمْيَالِ بَرَّا وَبَحْرًا وَجَوًّا إِسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى الْقَائِلِ ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)الحج ، الَّذِي تَابَعَهُمْ يَشْعُرُ بِالغِبْطَةِ وَالفَرْحَةِ وَالسَّعَادَةِ ، عَلَى أَنَّهُمْ نَالُوا مَا يَتَمَنَّوْنَ بِحَجِّهِمْ ، وَأَدَّوْا فَرِيضَتَهُمْ وَمَنَاسِكَهُمْ بِيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ وَلِلهِ الحَمْدُ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَعْدَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ كَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَقَعَ فِي الحَجِّ خَلَلٌ تَزْهَقُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ وَتَتْلَفُ فِيهِ الْمُمْتَلَكَاتُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَجِدُوا مَا يُطْفِؤُونَ بِهِ حَرَارَةَ الحِقْدِ الَّتِي تَعْصِفُ بِقُلُوبِهِمْ (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) (56) التوبة . وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَيَّدَ هَذِهِ البِلَادَ الطَّاهِرَةَ بِتَمْكِينِهِ وَحَفِظَهَا بِوُلَاةِ أَمْرِهَا وَجُنْدِهَا الأَبْطَالِ وَشَعْبِهَا الكَرِيمِ ، وَبِدُعَاءِ أَمْثَالِكُمْ مِنْ المُسْلِمِينَ الحَقِّ مِنْ مُحِبِّيهَا وَمُحِبِّي الإِسْلاَمِ وَأَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، فَكَانَ التَّوْفِيقُ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى .
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَكْثَرُ مِنْ مِلْيُونَيِّ حَاجٍّ فِي مَسَاحَةٍ ضَيِّقَةٍ وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ شَرَعَ اللهُ زَمَانَهُ وَمَكَانَهُ ، وَفِيهُمْ الكَبِيرُ وَالْمَرِيضُ وَالضَّعِيفُ وَالمُسِنُّ ، وَالشَّابُّ وَالصَّحِيحُ وَالقَوِيُّ ، فَيَكُونُ فِيهِ مِنْ المَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ وَلَكِنَّ الشَّرِيعَةَ أَمَرَتْهُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالرِّفْقِ فَفِي البُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَومَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ ( أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ ) وَالإِيضَاعُ هُوَ تَجَشُّمُ النَّاسِ وَالإِسْرَاعُ مِنْ خِلَالِ الجُمُوعِ وَكَانَ يَقُولُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ ( إِفْعَلْ وَلَا حَرَجَ )
كُلُّ ذَلِكَ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ وَحِفَاظًا عَلَى سَلَامَتِهِمْ
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَلَا يُنْكِرُ أحدٌ مَا شَرَّفَ اللهُ بِهِ بِلاَدَنَا حَفِظَهَا اللهُ بِكَافَّةِ قِطَاعَاتِهَا الأَمْنِيَّةِ وَالصِّحِّيَةِ وَالخَدَمِيَّةِ مِنْ خِدْمَةٍ لِلمَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ وَقِيَامٍ عَلَى رَاحَةِ وَسَلَامَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ ، والمُسْلِمُ الحَقُّ يَفْرَحُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ خَدَمَاتٍ عِمْلَاقَةٍ تُقَدَّمُ لِضِيوفِ رَبِّ العَالَمِينَ
هَذَا الشَّرَفُ العَظِيمُ الَّذِي شَرَّفَنا اللهُ بِهِ قَالَ تَعَالَى ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة ، فَتَطْهِيرُ البَيْتِ لِلْحُجَّاجِ وَتَرْتِيبُهُ وَتَنْظِيمُهُ عُهْدَةٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا أَهْلاً لِهَذِهِ العُهْدَةِ .
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ مَنْ جَعَلَ البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَأَمَرَ بِتَهْيِئَتِهِ وَتَطْهِيرِهِ فَهَيَّأَ بِسَابِقِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ لِشَرَفِ خِدْمَتِهِ وَتَأْمِينِهِ مَنْ شَاَءَ مِنْ عِبَادِهِ فَنَحْمُدُ اللهَ عَلَى هَذَا الشَّرَفِ العَظِيمِ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ .
بَارَكَ اللهُ لي ولَكُم في القُرآنِ العَظيمِ ونَفَعَنِي وإيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ فَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيهِ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخُطبَةُ الثانِيةُ
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : هَؤُلاَءِ الحُجَّاجُ تَغَرَّبُوا وَسَافَرُوا وُفُودًا عَلَى بَيْتِ اللهِ وَضُيُوفًا عَلَى مَشَاعِرِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ ، وَالمُسْلِمُ لاَ يَتَمَنَّى لَهُمْ الضَّرَرَ والتَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ وَالْهَلَاكَ ، فهَؤُلاَءِ إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ جَاؤُوا لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ الحَجِّ الرُّكْنِ الخَامِسِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَبَعْضُهُمْ مَكَثَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ فِي بِلَادِهِ يَنتَظِرُ دَوْرَهُ فِي الحَجِّ وَيَسَّرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَهُمْ عَلَيْنَا حَقُّ الرِّعَايَةِ وَالدُّعَاءِ فَجَزَى اللهُ كُلَّ مَنْ سَاهَمَ فِي ذَلِكَ خَيرَ الجَزَاءِ وَحَفِظَ اللهُ حُجَّاجَ بَيْتِهِ الحَرَامِ وَيَسَّرَ لَهُمْ سُبُلَ العَودَةِ إلى بِلاَدِهِمْ وَتَقَبَّلَ اللهُ حَجَّهُمْ وَغَفَرَ ذَنْبَهُمْ وَحَفِظَ اللهُ بِلاَدَنَا وَأَمْنَنَا وَمُقَدَّسَاتِنَا وَجُنْدَنَا
صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَاءِ اللهِ ، مُحَمَّدِ بنِ عبدِاللهِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلكَ رَبُّكُمْ سُبْحانَهُ فَقَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب
المفضلات