خطبة جمعة
بعنوان
( على أبواب الإمتحانات 40 )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأولى
الحمدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وصحابتِهِ أجمعين
أما بعدُ عبادَ اللهِ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ القائلِ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَا مِنْ أُمَّةٍ خَلَتْ ، إلاَّ ولَهَا شِعَارٌ تَرْفَعُهُ ، وَوِسَامٌ تَفْتَخِرُ بِهِ، وَسُلَّمٌ تَرْتَقِي عَلَيْهِ ، وَرِدَاءٌ تَزْدَهِي بِهِ ، تُجَالِدُ بِهِ أَعْدَاءَهَا وَخُصُومَهَا ، فَهُمْ شَرِيحَةٌ مِنْ أَيِّ مُجْتَمَعٍ ، بَلْ هُمْ عِمَادُهُ ، وَهُمْ مَجَامِعُ قُوَّتِهِ ، وَهُمْ زِنَادُ سِلَاحِهِ ، بِدُونِهِم لاَ تَقُومُ لِأُمَّةٍ قَائِمَةٌ ، وَبِفُقْدَانِهِمْ تَبْقَى الأُمَّةُ حَبِيسَةَ التَّخَلُّفِ وَالضَّعْفِ ، قَابِعَةً فِي مُؤَخَّرَةِ الرَّكْبِ ،
إِنَّهُمْ .. الشَّبَابُ .. إِنَّهُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ ، نَعَمْ أَنْتُمْ ، فَلَا تَسْتَصْغِرْ نَفْسَكَ ،
وَإِذَا كَانَتْ النُّفُوسُ كِباَرَا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ إِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ”
فَاغْتِنَامُ الشَّبَابِ قَبْلَ فَوَاتِهِ ، مَطْلَبٌ تَقُومُ عَلَيْهِ أَبْنِيَةُ الأُمَمِ
أَنْتُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ ، عِمَادُ الأُمَّةِ ، وَسِلَاحُهاَ فِي وَجْهِ أَعْدَائِهَا ، أَنْتُمْ مَنْ تُؤَثِّرُونَ فِي الأُمَّةِ سَلْبًا وَإِيجَابًا ، أَنْتُمْ مَنْ تَدْفَعُونَ عَجَلَةَ التَّأْرِيخِ نَحْوَ أَمَلٍ مُشْرقٍ ، وَمُسْتَقْبَلٍ زَاهِرٍ ، يُهْلِكُ الأَعْدَاءُ أَنْفُسَهُمْ فِي إِغْرَاقِكُمْ فِي وُحُولِ المُخَدِّرَاتِ ، وَمُسْتَنْقَعَاتِ الشَّهَوَاتِ ، وَيَنْشَطُ سَمَاسِرَتُهُمْ مِنْ بَنِي الجِلْدَةِ فِي مَوَاسِمِ الإِمْتِحَانَاتِ ، لِيُحَطِّمُوا رَجَاءَ الأُمَّةِ وَأَمَلَهَا ، وَيَكْسِرُوا أَعْنَاقَ تَطَاوُلِهَا ، فَيُوهِنُونَ عَزَائمَ شَبَابِهَا ، لِيُدِيرُوا أُمَّتَهُمْ إِلَى الوَرَاءِ جَهْلاً وَحَمَقًا ، وَلِيُوَجِّهُوا الأُمَّةَ ، نَحْوَ مَفَاهِيمٍ مَنْكُوسَةٍ ، وَسُلُوكٍ أَرْعَنٍ ، وَمَسْلَكٍ أَهْوَجٍ ، فَاحْذَرُوهُمْ وَحَذِّرُوا الأَبْنَاءَ وَالبَنَاتِ مِنْهُمْ ، فالشَّبَابُ هُمْ قُوَّةُ الأُمَمِ ، وَفَخَارُهَا وَذُخْرُهَا وَسَنَدُهَا ،
فَياَ فَلَذَاتِ الأَكْبَادِ : كَلِمَاتٌ ، دَفَعَنِي لَهَا حُبُّ أُمَّتِي ، أُمَّةِ الإِسْلاَمِ ، وَحُبُّ بِلَادِي وَمَوْطِنِي ، وَحُبُّكُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ ، وَحُبُّ الخَيرِ لَكُمْ ،
أَيُّهَا الشَّبَابُ : الأَرْضُ تُنْقَصُ مِنْ أَطْرَافِهَا ، وَالنَّاسُ فِي رَحِيلٍ مُضْطَرِدٍ ، سَيَذْهَبُ العُلَمَاءُ ، وَيَذْهَبُ الفُقَهَاءُ ، وَيَذْهَبُ الدُّعَاةُ ، وَيَذْهَبُ المُفَكِّرُونَ ، وَيَذْهَبُ العَامِلُونَ ، وَيَذْهَبُ المُصْلِحُونَ ، وَيَذْهَبُ الأَبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ ، فَمَنْ سَيَسُدُّ مَكَانَهُمْ ؟ وَمَنْ سَيُكْمِلُ بِنَاءَهُمْ ؟ فَشَمِّرْ إِلَى النُّهُوضِ بِأُمَّتِكَ ، فَالإِمْتِحَانَاتُ عَلَى الأَبْوَابِ ، وَالأُمَّةُ لاَ تُرِيدُ كَمَّا ، إِنَّمَا تُرِيدُ نَوْعا ً، مَا حَاجَةُ الأُمَّةِ بِالآلاَفِ مِنَ الشَّبَابِ ، وَالآلاَفِ مِنَ الشَّهَادَاتِ الخَاوِيَةِ إِلاَّ مِنْ ذَلِكَ المَعْبَرِ الضَّيِّقِ الذِي جَاءَتْ مِنْ خِلَالِهِ الدَّرَجَاتُ ،
فَالشَّهَادَةُ بِحَدِّ ذَاتِهَا لَيْسَتْ مَطْلَباً ، إِنَّمَا المَطْلَبُ الذِي يَهُمُّ الأُمَّةَ مَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ هُوَ التَّحْصِيلُ العِلْمِيُّ ، وَالجَمْعُ المَعْرِفِيُّ ، الذِي تُبْنَى بِهِ المَصَانِعُ وَالمُنْشَآتُ ، وَتُقَادُ بِهِ الطَّائِرَاتُ ، وَتُدَارُ بِهِ المُؤَسَّسَاتُ وَالشَّرِكَاتُ ، وَتُواكِبُ بِهِ الأُمَّةُ دَفَّ الحَضَارَةِ وَالرُّقِيِّ ، وَتَلْحَقُ بِالأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ فِي مَجَالِ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ ،
أَيُّهَا اليَافِعُ المُؤمَّلُ : ذُبَّ عَنْ نَفْسِكَ هَذَا الرُّكُونَ ، وَاطْرَحْ عَنْكَ جِلْبَابَ الكَسَلِ ، إِلَيْكَ عَنْ رُفَقَاءِ الإِسْتِرَاحَاتِ التِي أَضْحَتْ مَعَاكِفَ ، لاَ يَبْرَحُهاَ الشَّبَابُ إِلاَّ لِلنَّوْمِ ، إِلَيْكَ عَنْ أَهْلِ التَّثْبِيطِ وَالتَّكْسِيلِ ، فَالصَّاحِبُ الكَسُولُ :
يُرِيدُ النَّاسَ كُلَّهُمُوا كُسَالَى
وَيَفْرَحُ بِالكَسُولِ إِذَا لَقَاهُ
يُضِيعُ الوَقْتَ فِي قُلْنَا وَقَالَ
وَلاَ يَبْغِي النَّجِيبَ إِذَا رَآهُ
فَإِنْ كَانَتْ الإِسْتِرَاحَاتُ للِتَّرْوِيحِ ، فَلاَ بَأْسَ بِالتَّرْويِحِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهَذِهِ السَّاعَاتِ الطِّوَالِ التِي أَخَذَتْ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ وَالشَّباَبِ خَاصَّةً عَنْ أَهْلِهِمْ وَذَوِيهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَدُرُوسِهِمْ ، وَتَنْمِيةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَتَحْصِيلِهِمْ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الأمَّةُ لاَ تَسْمُوا إِلاَّ بِالعُقُولِ ، وَالعُقُولُ لاَ تَصِلُ إِلَى مَقَامَاتِ الدَّقَائِقِ مِنَ العُلُومِ وَالنُّقُولِ ، وَالنَّوَادِرِ مِنَ المَعَارِفِ ، بِكَلٍّ كَسُولٍ ، فَلاَ تَكُنْ كَلاًّ عَلَى أُمَّتِكَ ، وَحِمْلاً عَلَى مُجْتَمَعِكَ ، لاَ تَصْحَبَنَّ إِلاَّ مَنْ يَشْمَخُ بِكَ إِلَى العَلْيَاءِ ، أَوَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ: ((المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل))..
وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : ((إنِّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِماَّ أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الِكِيرِ، إِماَّ أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِماَّ أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً)).
فَصَاحِبُكَ الذِي يُقرِّبُكَ لِمَا يُرضِي اللهَ ، وَيُعِينُكَ عَلَى الصَّلاَةِ ، وَيُبْعِدُكَ عَنِ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَيَحْرِصُ عَلَى نَجَاحِكَ وَتَفَوُّقِكَ ، وَيَحُثَّكَ عَلَى الخَيْرِ ، يَحُثُّكَ عَلَى الدِّرَاسَةِ وَالمُذَاكَرَةِ ، وَيُعِينُكَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ صَاحِبُ سُوءٍ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّـاٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ ياٰلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * ياٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَـاٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
أَيُّهَا الشَّبَابُ : هَذِهِ هِيَ أَيَّامُ الإِمْتِحَانَاتِ ، قَدْ بَدَتْ طَلَا ئِعُهَا ، فَاسْتَغِلُّوا بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ بِالجِدِّ وَالإِجْتِهَادِ وَذُبُّوا عَنْكُمُ الدَّعَةَ وَالرَّاحَةَ ، وَلا يُمَزِّقَنَّ الشَّيْطانُ وَقْتَكُمْ بِالتَّسْوِيفِ وَالقِيلِ وَالقَالِ ، فَمَنْ زَرَعَ شَيْئًا حَصَدَهُ ، وَمَنْ أَدْرَكَ خَيْرًا رَصَدَهُ ، وَلَيْسَ الهَدَفُ مِنَ الدِّرَاسَةِ الشَّهَادَةَ نَفْسَها ، وَلَكِنَّ الهَدَفَ مِنْهَا هُوَ التَّحْصِيلُ المَعْرِفِيُّ ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا تَصْحِيحُ هَذِهِ المَفَاهِيمِ الخَاطِئَةِ ، أسأَلُ اللهَ لَناَ وَلَكُم التَّوفيقَ والنَّجَاحَ
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ
المفضلات