خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان
هَوِيَّتُنَا الجَمَاعَةُ
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بعدُ أيهاَ المسلمونَ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ لِزِيَارَةِ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِمَنْطِقَتِكُمْ حَائِلَ وَقَبْلَهَا مَنَاطِقَ أُخْرَى الأَثَرَ الكَبِيرَ فِي نُفُوسِ الصِّغَارِ وَالكِبَارِ ، لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَارَةَ تُجَسِّدُ اللُّحْمَةَ وَالتَّرَابُطَ بَيْنَ وَلِيِّ الأَمْرِ وَشَعْبِهِ ، وَتُبْرِزُ أَسْمَى مَعَانِي الرَّحْمَةِ وَالمَوَدَّةِ التِي حَبَاهَا اللهُ لَنَا جَمِيعًا حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ ، يَتَجَلَّى ذَلِكَ فِيمَا جَادَ بِهِ لِهَذِهِ المَنْطِقَةِ مِنْ مَشَارِيعَ خَيْرِيَّةٍ وَتَنْمَوِيَّةٍ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهُ وَأَنْ يَجْعَلَهُ ذُخْرًا لِلإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ، وأَرْسَخُ هَذِهِ المَعَانِي هِيَ التَّرَابُطُ وَالتَّلَاحُمُ الذِي أَمَرَ بِهِ الدِّينُ الحَنِيفُ لِأَنَّ المُحَافَظَةَ علىٰ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ ؛ مِنْ أعْـظَـمِ أُصُولِ الإِسْلَامِ ، وَهُوَ مِمَّا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَىٰ بِها فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ ، وَعَظَّمَ اللهُ ذَمَّ مَنْ تَرَكَها ، إِذْ يَقُولُ جَـلَّ وَعَـلَا :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ .
وَهَذَا الأَصْلُ ، أَعْنِي المُحَافَظَةَ عَلَىٰ الجَمَاعَةِ ؛ مِمَّا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِهِ فِي مَوَاطِنَ عَـامَّـةٍ وَخَـاصَّـةٍ ، مِثْلُ قَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » رواه الترمذي .
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ ،
وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » رواه مسلم .
وَقَوْلِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَّاتٌ وَهَنَّاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ ؛ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ ، كَائِنًا مَنْ كَانَ » رواه مسلم .
وَمَا عَظُمَتْ الوَصِيَّةُ بِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَوَحْـدَةِ الصَّفِّ ؛ إلَّا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ كُـبْـرَىٰ ، وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ فَقْدِهَا مِنْ مَفَاسِدَ عُـظْـمَىٰ ، يَعْرِفُهَا العُقَلاءُ ، وَلَهَا شَوَاهِدُهَا فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ .
أَيُّهَا النَّاسُ : لَقَدْ أَنْـعَـمَ اللهُ عَلَىٰ أَهْـلِ هَذِهِ البِلَادِ ، بِاجْتِمَاعِهِمْ حَوْلَ قَيَادَتِهِم عَلَىٰ هَـدْيِ الـكِـتَـابِ والسُّنَّةِ ، لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ ، وَلَا يُشَتِّتُ أَمْرَهُمْ تَيَّارَاتٌ وَافِدَةٌ ، وَأَحْـزَابٌ مُبْتَدَعَةٌ ؛ إِمْتِثَالًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ . وَقَدْ حَافَظَتِ المَمْلَكَةُ عَلىٰ هَذِهِ الهَوِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ ، فَمَعَ تَقَدُّمِهَا وَتَطَوُّرِهَا ، وَأَخْذِهَا بِالأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ المُبَاحَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَرْضَى بِأَفْـكَـارٍ وَافِـدَةٍ مِنَ الـغَـرْبِ أَوْ الـشَّـرقِ ، تَنْتَقِصُ مِنْ هَـذِهِ الهَوِيَّةِ ، أو تُـفَـرِّقُ هَذِهِ الجَمَاعَةَ.
وَإِنَّ مِنْ نِـعَـمِ اللهِ عَــزَّ وَجَــلَّ عَلَىٰ أَهْـلِ هَذِهِ البِلَادِ حُـكَّـامًـا وَمَحْكُومِينَ ، أَنْ شَـرَّفَـهُـمْ بِخِدْمَةِ دِينِ اللهِ وَخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ اللَّـذَيْـنِ وَللهِ الحَمْدُ والفَضْلُ سُبْحَانَهُ يَنَالَانِ الـرِّعَـايَةَ التَّامَّةَ مِنْ هَذِهِ الدَّوْلَةِ المُبَارَكَةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىٰ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ .
فَالوَاجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعاً أَنْ نَعْتَبِرَ بِمَا آلَتْ إِلَيْهِ بِلَادُ المُظَاهَرَاتِ وَالمَسِيرَاتِ مِنَ الفَوْضَى وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَهَتْكِ الأَعْرَاضِ وَذَهَابِ الأَمْنِ وَالدَّمَارِ وَأَنْ نَسْتَشْعِـرَ نِـعْـمَـةَ اجْـتِـمَـاعِ الـكَـلِـمَـةِ ، عَلَىٰ هَـدْيٍ مِنَ الـكِـتَـابِ والسُّنَّةِ ، فِي ظِلِّ قِيَادَةٍ حَـكِـيمَـةٍ ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى إِلَىٰ بَـذْلِ كُـلِّ الأسْبَابِ الَّتِي تَـزِيـدُ مِنَ اللُّحْـمَـةِ ، وَتُوَثِّقُ الْأُلْـفَـةَ ، وَالحَذَرَ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : مِنْ كُـلِّ الأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَىٰ خِلَافِ ذَلِكَ ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعاً التَّنَاصُحُ والتَّعَاوُنُ عَلَىٰ الــبِــرِّ وَالـتَّـقْـوَىٰ ، والتَّنَاهِي عَنِ الإِثْـمِ وَالـعُـدْوَانِ ، وَأَنْ نَعْمَلَ عَلَى نَبْذِ الإِرْتِبَاطَاتِ الـفِـكْـرِيَّةِ والـحِـزْبِـيَّـةِ المُـنْـحَـرِفَـةِ ، إِذِ الأُمَّةُ فِي هَذِهِ البِلَادِ جَمَاعَةً وَاحِـدَةً ، مُتَمَسِّكَـةً بِـمَـا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَتَابِعُوهُمْ ، مِنْ لُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، والمُنَاصَحَةِ الصَّادِقَةِ ، وَعَـدَمِ التَّرْكِيزِ عَلَى العُيُوبِ وَإِشَـاعَـتِـهَـا ، فَالكَمَالُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالأَخْطَاءُ غَيْرُ المَقْصُودَةِ وَارِدَةٌ فِي كُلِّ المُجْتَمَعَاتِ وَالشُّعُوبِ ، والنَّصِيحَةُ لَهاَ مَـقَـامٌ عَـالٍ فِي الـدِّيـنِ ، حَيْثُ قَـالَ النَّبِيُّ ﷺ :« الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قِيلَ : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ :« لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رواه مسلم .
وَلَكِنَّ النَّصِيحَةَ ، لَهَا أُسْلُوبُهَا الشَّرعِيُّ ، الَّـذِي يَـجْـلِبُ المَصْلَحَةَ ، وَيَدرَأُ المَفْسَدَةَ ، والإِصْلَاحُ وَالنَّصِيحَةُ ، لَا تَكُونُ بِالوَسَائِلِ وَالأَسَالِيبِ ، الَّتِي تُـثيـرُ الفِتَنَ ، وَتُفَرِّقَ الجَمَاعَةَ ، وَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ البِلَادَ ؛ قَـائِـمَـةٌ عَلَىٰ الـكِـتَـابِ وَالسُّنَّةِ وَالبَيْعَةِ وَالطَّاعَةِ وَلُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ مَنَّ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ قِيَادَةً وَشَعْباً بِالتَّوْفِيقِ ، وَكَشْفِ مَا يُحَاكُ ضِدَّهَا مِنْ مُؤَامَرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الإِنْحِرَافَاتِ الفِكْرِيَّةِ وَالعَقَدِيَّةِ ، نَسْأَلُ الله أن يَحْفَظَ بِـلَادَنَـا وَبِـلَادَ المسلمين من كُـلِّ سُـوءٍ وَمَـكْـرُوهٍ ، وأن يَجْمَعَ كَلِمَتَنَا علىٰ الـحَـقِّ ، وأن يُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَيَـهْـدِيَـنَـا سُـبُـلَ السَّلَامِ ، وأن يُـرِيَـنَـا الحَـقَّ حَـقًّـا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اتِّـبَـاعَـهُ ، وَيُـرِيَـنَـا الـبَـاطِـلَ بَـاطِـلًا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اجْـتِـنَـابَـهُ ، وَأنْ يَـهْـدِيَ ضَـالَّ المُسْلِمِينَ ، وَهُـوَ المَسْؤُولُ سُبْحَانَهُ ؛ أنْ يُـوَفِّـقَ وُلَاةَ الأَمْــرِ لِـمَـا فِيهِ صَـلَاح الـعِـبَـادِ وَالـبِـلَادِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ ،
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً
المفضلات