خطبة جمعة بعنوان
مخالفوا أنظمة العمل والإقامة
عبدالله فهد الواكد
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ مَا انتظمتْ بتدبيرِهِ الأمُورْ ، وتوالتْ بحكمتِهِ السّنينُ والشهورْ ، وسبحتْ بفناءِ صنعتِهِ أسرابُ الطُيورْ، وسعَ المُقترفين بعفوِهِ وغُفرانِهْ ، وعمَّ المُفتَقِرِينَ بفضلِهِ وإحسانِهْ ،خَرَّتْ لِعَظَمَتِهِ جِبَاهُ العَابِدِينَ ، فَطُوبَى لِمَنْ عَبَدَ ، وَاعْتَرَفَتْ بِوِحْدَانِيَّتِهِ قُلوبُ العَارِفِينَ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ جَحَدَ ، كَمْ سُئلَ فَأَجْزَلَ ، وَكَمْ عُصِيَ فَأَمْهَلَ ، لَا رَاتِقَ لِمَا فَتَقَ ، وَلَا فَاتِقَ لِمَا رَتَقَ ، وَلَا رَازِقَ لِمَنْ حَرَمَ ، وَلَا حَارِمَ لِمَنْ رَزَقَ ، وَأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النّاسُ : إِنَّ الأَنْظِمَةَ التِي وَضَعَهاَ وُلَاةُ الأَمْرِ لِلإقَامَةِ وَالعَمَلِ ،عَظِيمَةُ النَّفْعِ ، فَقَدْ وُضِعَتْ وَشُرِعَتْ لِرِعَايَةِ مَصَالِحِ النَّاسِ وَتَنْظِيمِ شُئُونِ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ نِظَامٍ وَاحِدٍ يَضْمَنُ الحُقُوقَ وَالوَاجِبَاتِ لِصَاحِبِ العَمَلِ وَالعَامِلِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ، وَمِنْ ذَلِكَ أُمُورُ اسْتِقْدَامِ العَمَالَةِ مِنَ الخَارِجِ ، وَتَجْرِيمُ التَّحَايُلِ عَلَى الأَنْظِمَةِ أَوْ التَّسَتُّرُ عَلَى العَمَالَةِ المُتَخَلِّفَةِ المُخَالِفَةِ لِلنِّظَامِ أَوْ التَّعَامُلُ مَعَهَا ، وَلَا يُنْكِرُ نَفْعَ هَذِهِ الأَنْظِمَةِ التِي تَرْعَى مَصَالِحَ الأُمَّةِ العَامَّةِ إِلَّا صَاحِبُ هَوَىً ، وَلِذَلِكَ فَقَدْ أَفْتَتْ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ بِوُجُوبِ الإِلْتِزَامِ بِهَذِهِ الأَنْظِمَةِ وَتَحْرِيمِ مُخَالَفَتِهَا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) فَمَا أَصْدَرَهُ وَلِيُّ الأَمْرِ تَحْقِيقاً لِلْمَصْلَحَةِ العَامَّةِ فِإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الإِلْتِزَامُ بِهِ وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ .
وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَقْلُ العَمَالَةِ الوَافِدَةِ أَوْ تَشْغِيلُهَا إِلَّا وُفْقَ مَا تَقْتَضِيهِ الأَنْظِمَةُ وَالتَّعْلِيمَاتُ فِي هَذَا الشَّأْنِ ، وَيَأثَمُ المُتَسَتِّرُ عَلَى تِلْكَ العَمَالَةِ وَيَأثَمُ مَنْ يُشَغِّلُهَا ، وَيَأْثَمُ مَنْ يَنْقُلُهَا مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى مُخَالَفَةِ النِّظَامِ وَعَدَمُ الإِلْتِزَامِ بِتَعْلِيمَاتِ وَلِيِّ الأَمْرِ ، قَالَ تَعَالَى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ لِوُجُودِ العَمَالَةِ السَّائِبَةِ المُخَالِفَةِ لِلْأَنْظِمَةِ أَضْرَارٌ وَأَخْطَارٌ لَا تَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ ، مِنْهَا مَا هُوَ دِينِيٌّ وَعَقَدِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَمْنِيٌّ كَارْتِكَابِ الجَرَائِمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالجِنَائِيَّةِ البَشِعَةِ ، وَاسْتِخْدَامِ هَذِهِ العَمَالَةِ السَّائِبَةِ التِي تَتَصَرَّفُ وَتَتَنَقَّلُ كَيْفَمَا شَاءَتْ مِنْ قِبَلِ جِهَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ مَشْبُوهَةٍ وَمُغْرِضَةٍ ، لِتَنْفِيذِ أَعْمَالٍ إِرْهَابِيَّةٍ ، أَوْ تَجَسُّسِيَّةٍ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ ، أَوْ عَلَى صُنْعِ وَتَرْويجِ الخُمُورِ وَالمُخَدِّرَاتِ ، حَاشَا إِخْوَانَناَ العُمَّالَ المُتَقَيِّدِينَ بَأَنْظِمَةِ العَمَلِ وَالإِقَامَةِ ، أَمَّا هَذَا العَامِلُ المُتَسَيِّبُ فَلَا تَهُمُّهُ بِلَادُكُمْ وَلَا يَهُمُّهُ أَهْلُهَا وَلاَ صَلَاحُهاَ وَلَا فَسَادُهاَ ، وَلاَ عَمَارُهاَ وَلاَ دَمَارُهاَ ، لَا يَهُمُّهُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِنَّمَا هَمُّهُ هُوَ النَّهْشُ مِنْ أَمْوَالِ وَخَيْرَاتِ هَذِهِ البِلَادِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَتْ ، وَقَدْ مَرَّ عَلَيْكُمْ فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ وَفِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ الكَثِيرُ مِنَ العَبَثِ وَالغِشِّ وَالتَّلَاعُبِ مَا وَصَلَ حَدَّ الإِسْتِهْتَارِ بِالنَّاسِ وَحَيَاتِهِمْ وَبِالقِيَمِ وَالأَخْلَاقِ مِنْ هَذِهِ العَمَالَةِ سَوَاءً فِي المَحَلَّاتِ أَوْ فِي المَطَاعِمِ أَوْ غَيْرِهاَ ، فَهُمْ يَتَكَدَّسُونَ فِي مَنَاطِقٍ وَتَجَمُّعَاتٍ عَشْوَائِيَّةٍ فَتَنْتَشِرُ جَرَّاءَ ذَلِكَ الفَوْضَى وَالفَسَادُ وَالجَرِيمَةُ وَالمُخَدِّرَاتُ ، وَتَنْتَشِرُ بِسَبَبِهِمْ الأَمْرَاضُ وَالأَوْبِئَةُ ، فَهُمْ وَبِحُكْمِ تَسَيُّبِهِمْ لاَ يَخْضَعُونَ لإِجْرَاءَاتِ الوِقَايَةِ وَالسَّلاَمَةِ الصِّحِّيَّةِ التِي تُقَدِّمُهاَ الدَّوْلَةُ لِلْعُمَّالِ جَمِيعاً ، وَيُزَاوِلُونَ أَنْشِطَةً تِجَارِيَّةً وَزِرَاعِيَّةً وَصِنَاعِيَّةً غَيْرَ نِظَاِميَّةٍ وَقَائِمَةٌ فِي غَالِبِهَا عَلَى الغِشِّ التِّجَارِيِّ وَمُزَاحَمَتُهُمْ لِلْعَامِلِينَ النِّظَامِيِّينَ سَوَاءً كَانُوا مُوَاطِنِينَ أَوْ عَامِلِينَ فِي سُوقِ العَمَلِ وَاحْتِكَارُهُمْ لِلأَسْوَاقِ مِمَّا يُسَاهِمُ فِي زِيَادَةِ البَطَالَةِ وَالإِضْرَارِ بِالمَرَافِقِ العَامَّةِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ الإِلْتِزَامَ بِالأَنْظِمَةِ وَاللوَائِحِ الرَّسْمِيَّةِ وَالقَوَانِينِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ المُجْتَمَعَاتِ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لاَ ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ) وَالتَّقَيُّدُ بِالأَنْظِمَةِ وَالقَوَانِينِ وَاحْتِرَامُهَا أَمْرٌ يَكْفُلُ لِلْجَمِيعِ حُقُوقَهُمْ فَالنِّظَامُ هُوَ عَصَبُ الحَيَاةِ فِي المُجْتَمَعَاتِ ، يَسَهِّلُ مَسِيرَتَهَا اليَوْمِيَّةَ وَيُحَقِّقُ رُقِيَّهَا وَازْدِهَارَهَا ، فَلْنَجْعَلْ احْتِرَامَنَا لِلأَنْظِمَةِ قُرْبَةً للهِ وَعَادَةً وَثَقَافَةً يَتَرَبَّى عَلَيْهَا الأَجْيَالُ
بَاَرَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِفَضْلِ جُهُودِ القَائِمِينَ وَالعَامِلِينَ فِي الحَمْلَاتِ المَيْدَانِيَّةِ لِمُخَالِفِي أَنْظِمَةِ الإِقَامَةِ وَالعَمَلِ فَقَدْ تَمَّ مِنْ شَهْرِ صَفَرَ المَاضِي إِلَى شِهْرِ صَفَرَ هَذَا العَامُ تَمَّ ضَبْطُ أَكْثَرَ مِنْ مِلْيُونَيِّ مُخَالِفٍ مَا بَيْنَ مُخَالِفِي إِقَامَةٍ وَمُخَالِفِي عَمَلٍ وَحَالَاتِ تَسَلُّلٍ عَبْرَ الحُدُودِ وَهَذَا العَدَدُ الذِي تَمَّ ضَبْطُهُ فِي سَنَةٍ كَامِلَةٍ لَيْسَ قَلِيلاً وَلَا يَزَالُ العَمَلُ مُسْتَمِرَّا حَتَّى يَتِمَّ بِإِذْنِ اللهِ ثُمَّ بِجُهُودِ العَامِلِينَ المُخْلِصِينَ تَنْظِيفُ بِلَادِنَا مِنْ هَؤُلَاءِ العَمَالَةِ المُخَالِفَةِ ، وَيَجْدُرُ بِنَا جَمِيعاً أَنْ نَتَظَافَرَ مَعَ الجِهَاتِ المَسْؤُولَةِ فِي سَبِيلِ القَضَاءِ عَلَى هَذِهِ المُخَالَفَاتِ نَسْألُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ شَأنَ المُسْلِمِينَ وَيَحْفَظَ بِلَادَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا
صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ
المفضلات