السنن الرواتب والنوافل
خطبة جمعة
كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأُولى
الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ وَصَوَّرَهُ ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ، ثمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ،
أَمَّا بَعْدُ أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ الْقَائِلِ ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عَبَادَ اللهِ : لَقَدْ شَرَعَ اللهُ هَذَا الدِّينَ العَظِيمَ ، وَكَتَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ ، خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَالَّليْلَةِ ، فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ ، فَرَضَهاَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَّمَهَا نَبِيَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ، وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ تُؤَدَّى فِي أَوْقَاتِهَا جَمَاعَةً فِي المَسَاجِدِ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) فَالْجَمَاعَةُ مَدْرَسَةٌ إِيمَانِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ إِجْتِمَاعِيَّةٌ ، تُكَمِّلُ رِسَالَةَ الْبَيْتِ وَالأُسْرَةِ التَّرْبَوِيَّةِ ، فَمِنْ خِلَالِ أَدَائِهَا جَمَاعَةً فِي المَسْجِدِ ، يَرْتَبِطُ المُسْلِمُ بِإِخْوَانِهِ المُسْلِمِينَ ، وَتَبْرُزُ سِمَاتُ الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ ، يُسَلِّمُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَيَتَفَقَّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، الحَاضِرُ يَسْأَلُ عَنْ الغَائِبِ ، وَالصَّحِيحُ يَعُودُ الْمَرِيضَ ، وَالقَوِيُّ يُسْنِدُ الضَّعِيفَ ، وَالمُوسِرُ يُعَينُ الْمُعْسِرَ ، فَتَقْوَى أَوَاصِرُ المَحَبَّةِ وَالمَوَدَّةِ بَيْنَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ ، فَالحَمْدُ لِلهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ.
أَيُّهَا النَّاسُ : وَقَدْ أَحَاطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الفَرَائِضَ بِنَوَافِلَ تَحْمِيهَا وَتَحْرُسُهَا مِنَ النَّقْصِ وَالخَلَلِ فعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ " . رواه الترمذي
فالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَعُمُومُ صَلَاةِ النَّوَافِلِ ، عَادَةً يَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى أَدَائِهَا فِي المَسْجِدِ ، فَلَا يَكُونُ لِلْبَيْتِ مِنْهَا نَصِيبٌ ، وَلَوْ تَتَبَّعْناَ السُّنَّةَ المُطَهَّرَةَ ، وَسِيرَةَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَكَاَامَ أَهْلِ العِلْمِ ، لَوَجَدْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَالرِّوَايَاتِ ، التِي تُرَغِّبُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي البُيُوتِ ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ : أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَعِيدَةً عَنْ الرِّيَاءِ ، وَأَمَّا الفَرَائِضُ فَشُرِعَتْ لِإِشَادَةِ الدِّينِ ، وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ بَأَنْ تُؤَدَّى جَمَاعَةً فِي المَسَاجِدِ ، وَلَقَدْ حَرِصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْ بَعْدِهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى صَلَاةِ النَّوَافِلِ فِي البُيُوتِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُقِيمُ بِجَانِبِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي تَعْدِلُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ، أَوْ بِجَانِبِ المَسْجِدِ الحَرَامِ الذِي تَعْدِلُ الصَّلَاةُ فِيهِ مِئَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ، فَصَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي البُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي المَسَاجِدِ ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً )) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ ، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي المِنْهَاجِ " : مَعْنَاهُ : صَلُّوا فِيهَا ، وَلَا تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ مَهْجُورَةً مِنَ الصَّلَاةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ : صَلَاةُ النَّافِلَةِ ، أيْ : صَلُّوا النَّوَافِلَ فِي بُيُوتِكُمْ " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ : إِلَّا مَنْ كَانَ مُعْتَكِفاً أَوْ خَافَ فَوَاتَ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ فَيُصَلِّيهَا فِي المَسْجِدِ ، وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهاَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ: ((كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلَّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرَ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِماً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّىَّ رَكْعَتَيْنِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي المِنْهَاجِ : "فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فِي البَيْتِ كَاَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ غَيْرُهَا ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا ، وَبِهِ قَالَ الجُمْهُورُ ، وَسَوَاءً عِنْدَناَ وَعِنْدَهُمْ رَاتِبَةُ فَرَائِضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ" وَفِيهِ : أَنَّ النَّفْلَ فِي البَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي المَسْجِدِ وَلَوْ بِالمَسْجِدِ الحَرَامِ " وَالأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ، فَصَلَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الرَّوَاتِبَ ، وَقِيَامَ اللَّيْلِ ، وَالضُّحَى ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَيْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ العُلَمَاءِ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي البَيْتِ حِكَماً فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي المُغْنِي : " وَالتَّطَوُّعُ فِي البَيْتِ أَفْضَلُ ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي البَيْتِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ ، وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِ السِّرِّ ، وَفِعْلُهُ فِي المَسْجِدِ عَلَانِيَةً ، وَالسِّرُّ أَفْضَلُ " وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي المَسْجِدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَإِنَّمَا المَقْصُودُ التَّعَوُّدُ عَلَى أَدَائِهَا فِي البَيْتِ لَأَنُّهُ أَفْضَلُ كَاََ ذُكِرَ ، نَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ ، وَيَجْعَلَ أَعَمَالَنَا خَالِصَةً لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَأَنْ يُفَقِّهَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي دِينِهِ، وَأَنْ يُعَلِّمَناَ مَا جَهِلْنَا, وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلِمْنَا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أيُّهَا الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ : السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ أَوْ صَلَاةُ الرَّوَاتِبِ هِيَ: نَوْعٌ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ المُؤَقَّتِ بِزَمَنٍ، تَخْتَصُّ بِكَوْنِهَا تَابِعَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ المَفْرُوضَاتِ، إِمَّا قَبْلَ صَلَاةِ الفَرْضِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ ذَلِكَ الفَرْضِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالإِنْتِهَاءِ مِنْ فِعْلِ صَلَاةِ الفَرْضِ ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُرُوجِ وَقْتِ الفَرْضِ ، وَقَدْ شُرِعَتْ رَاتِبَةُ الفَرْضِ جَبْرًا لِلْخَلَلِ الحَاصِلِ فِي كَاَُلِ الفَرْضِ ، كَنُقْصَانِ خُشُوعٍ أَوْ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ ، وَالرَّوَاتِبُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الأَسْحَارِ ، وَفِي الآخِرَةِ مِنَ الأَبْرَارِ ، وَأَنْ يَحْشُرَناَ وَإِيَّاكُمْ وَآبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا فِي زُمْرَةِ سَيِّدِ الخَلْقِ ، صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المُصْطَفَى المُخْتَارِ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ، سَيِّدِ الأَشْرَافِ وَالأَطْهَارِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المفضلات