خطبة جمعة
بعنوان
حقيقة الحياة الدنيا
عبدالله بن فهد الواكد
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المسلمون :
قال ربُكم سبحانَه وتعالى : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى ، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )
أيها المسلمون : ما أكثرَ المتعلقونَ بهذهِ الدنيا ، وما أكثرَ الذين جعلوهَا كلَّ شيءٍ في حياتِهم ، هي رجاؤُهم ومؤمَّلُهُم ومستقبلُهُم ، لها ينامونَ ولها يستيقظونَ ولها يحيونَ ومن أجلها يهلكونَ ، وعليها يتقاتلونَ ، ومن أجلِها يكذبونَ ويزيدونَ وينقصونَ ، ولأجلها يُدنونَ ويُقصونَ ، فكم من إمَّعَةٍ لا يَزِنُ ثيابَهُ التي عليهِ صُدِّرَ المجلسَ من أجلِ الدنيا ، وكَم من تقيٍّ زكيٍّ نقي لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ ، أُقصيَ لخلُوِّهِ منَ الدنيا ، أناسٌ في هذهِ الدنيا ، تُبغِضُ وتُحِبُّ ، وتُبعدُ وتُقربُ ، من أجلِ هذهِ الحقيرةِ ، وما ذلكَ إلا نتيجةَ الجهلِ بحقيقةِ الدنيا ، وعدمِ الفقهِ في مآلاتِ الأمورِ ، والبعدِ عن حقيقةِ شرعِ اللهِ ، أناسٌ في هذه الحياةِ ، غرتهُم الدنيا ، تراهُم ، فرحينَ بالمناصبِ ، معجبينَ بالمظاهرِ ، مسرورينَ بالزخارفِ ، وما علموا أنَّ تحولَهاَ سريعٌ ، وتقلبَها جريءٌ ، وعبثَها بالأفرادِ والجماعاتِ فظيعٌ ، فكم أخذتْ من شيخٍ وفتىً ورضيعٍ ، وكم تركتْ مَنْ غفلَ عنها في أجداثِها صريعٌ ، كم أخذتْ وكم شتتْ وكم مزقتْ وكم سلبتْ دنيا حقيرةٌ مهينةٌ ملعونةٌ كما قالَ النبيُّ : (( الدنيا ملعونةٌ ، ملعونٌ ما فيها ، إلا ذكرَ اللهِ تعالى ، وما والاهُ ، وعالماً أو متعلماً )) والحديثُ حسنٌ رواهُ الترمذيُّ عن أبي هريرةَ
أيها المسلمون : مَنِ الأعلمُ بالدنيا ؟ هل هناكَ أحدٌ أعلمُ بحقيقةِ الدنيا من خالقِها ، وبارئِها ومكونِها ،
هل هنالكَ أحدٌ أعلمُ بالدنيا وحقيقتِها مِنَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى ؟ كلا أيها المسلمون فارعوني أسماعَكم ، لنسمَعَ ماذا قالَ اللهُ عنها ، وبماذَا وصفَها يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آيةٌ عجيبةٌ ، نغفلُ عنها ، ويغفلُ عنها المتعلقونَ بحطامِ الدنيا ، المغرورونَ بهالكِ زينتِها وبساتينِها ودورِها وقصورِها ، المخدوعونَ بأموالِهِم وجاهِهِم ، المتعامونَ عن خرابِ الدنيا وإنْ زانتْ ، السادرونَ عن قِصَرِ الأعمارِ وإنْ طالتْ ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) اليومُ عندَ اللهِ كألفِ سنةٍ مما نعدُّ ، إذن الذي يعمَّرُ مئةَ عامٍ يكونُ عمرُهُ عندَ اللهِ عُشرَ اليومِ ، يعني يكونُ عمرُهُ بضعَ ساعاتٍ ، عمرُكَ بضعُ ساعاتٍ ، إستيقظْ أيها المخلوقُ الضعيفُ ، تنبه أيها العبدُ المسكينُ ، ليسَ لكَ من هذهِ الدنيا ، سوى عمُرَك ، هذه السويعاتُ القليلةُ يقولُ اللهُ عزَّ وجل عن يومِ القيامةِ ( إنهم يرونَهُ بعيداً ونراهُ قريباً ) ويقولُ سبحانَهُ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ) الدنيا سريعةُ المرورِ ، والعمرُ قليلٌ ، والساعاتُ معدودةٌ ، والأنفاسُ محدودةٌ ، عمرُكَ في هذه الحياةِ ، لا يُقارَنُ بما ينتظرُكَ يومَ القيامةِ ، هناكَ حياةٌ سرمديةٌ أبديةٌ ، فاحرصْ أن تكونَ حياتُك هناك ، بينَ حورٍ وحبورٍ ، وبهجةٍ وسرورٍ ، في جنةٍ عاليةٍ ، قطوفُها دانيةٌ ، إحرص أن تكونَ ممن يُقالُ لهُم ( كُلوا واشربُوا هنيئاً بما أسلفتُمْ في الأيامِ الخاليةِ ) إلتفتْ إلى ما ينفَعُك ، وأشحْ بوجهِكَ عن هذه الحسناءِ المُهلكةِ ، خُذْ منها بقدرِ ما يسُدُّ الرمقَ ، ويسترُ الحالَ ، ويعينُ على العبادةِ ، واحذر الإيغالَ فيها ، فكم من موغلٍ فيها ظَلَّ الطريقَ ولم يجدْ للعودةِ سبيلاً ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( يا أيها الناسُ إنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ فلا تغرنَّكم الحياةُ الدنيا ولا يغرنَّكُم باللهِ الغَرُورُ ) بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون :
اتقوا اللهَ واحذروا الدنيا ، فكم مِنْ مغرورٍ دنتْ إليه فرفعتْهُ ، ثم استرسلَ فيها ، فلما اطمأنَّ إليها التفتتْ إليه فوضعتْهُ ، السعيدُ من وُعِضَ بغيرِهِ ، أسأله سبحانه أن لا يجعلَ الدنيا أكبرَ همِّنا ولا مبلغَ علمِنا ، ولا إلى النارِ مصيرُنا وأن يرحمَنا برحمتِه فهو أرحم الراحمين .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
المفضلات