خطبة جمعة
بعنوان
أسباب خراب البلاد وسبل حفظها
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بعدُ أيهاَ المسلمونَ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أما بعدُ أيُّهَا المسلمونَ : حالُ الأمةِ الإسلاميةِ اليومَ وحالُ بلادِ العربِ والمسلمينَ وما يحيقُ بها من الحروبِ والفتنِ والنكباتِ والمحنِ ، أمرٌ يدعوا إلى تفحُّصِ الحالِ ، أمرٌ يدعوا إلى عميقِ النظرِ في العللِ والأسبابِ ، لماذا وصلتْ أمتُنَا اليومَ إلى هذا الوضعِ منَ الفوضى والإحترابِ والدمارِ والخرابِ ، وتسلُّطِ الأعداءِ عليها من الكفار والمشركين ومنَ الروافِضِ والحاقدين ، بلْ وتسلُّطَ بعضِ الفرقِ الضالةِ وغيرِهِم على أهلِ السنةِ ، وعلى أهلِ هذهِ البلادِ خاصةً بالكذبِ والتزويرِ والتلفيقِ عبرَ منابرَ إعلاميةٍ هدفُها تشويهُ الصورةِ وتمزيقُ هذهِ الأمةِ من شرقِها إلى غربِها ،
إنَّ ذلكَ ياعبادَ اللهِ يعودُ إلى ثلاثةِ أسبابٍ ، أما السببُ الأولُ فهوَ بعدُ الناسِ عنْ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعنْ سنةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لزوماً واتباعاً ، وسلوكاً واقتداءً قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) وقال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ ( إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا : كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ) رواهُ الحاكمُ وصححهُ وصححهُ الألبانيُّ ، فهذا هو السبيلُ الوحيدُ الذي لا سبيلَ غيرُهُ إلا سُبلَ الشرِّ والضلالِ ، هذا السبيلُ الذي بيَّنَهُ اللهُ في كتابِهِ وحثَّ على لزومِهِ وبينَهُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في السنةِ المطهرةِ وأمرَ بلزومِهِ وبيَّنَ ما يجبُ على المسلمِ حيالَ الفتنِ التي تقعُ في آخرِ الزمانِ من طاعةِ وليِّ الأمرِ ولزومِ جماعَةِ المسلمينَ ، وعدمِ إستشرافِ الفتنِ فما غرِقَتْ هذه البلدانُ في الحروبِ والدمارِ وسفكِ الدماءِ وضياعِ الأمنِ والتشردِ إلا بسببِ إستشرافِ الفتنِ المنهيِّ عنهُ والمظاهراتِ والمسيراتِ والخروجِ على الحُكَّامِ فكلُّ ذلكَ مخالفٌ لما أمرَ اللهُ ورسولُهُ بهِ ، وأما السببُ الثاني فهو الفرقةُ والتشتتُ وعدمُ وحدةِ الصفِّ والكلمةِ ، فالمسلمونَ إخوةٌ قالِ تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) دينُهُم واحدٌ وعقيدتُهُم واحدةٌ ونبيُّهُم واحدٌ فلمَا هذا التفرقُ والتشرذمُ واللهُ أمرَهُم بالإجتماعِ ولزومِ الجماعةِ وذكَّرَهُمُ اللهُ بنعمةِ الأخوةِ في قولِهِ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) وحذرت الشريعةُ الغراءُ منَ الفُرقةِ والشتاتِ والنزاعِ قال تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ ) ، فكلماَ كانَ المسلمونَ يداً واحدةً وجماعةً واحدةً إحتارَ فيهم عدوُّهُم ولمْ يجرؤْ عليهم ولو كانَ أقوى منهُم لأنَّ الجماعةَ ياعبادَ اللهِ لها هيبةٌ في نفوسِ الناسِ جميعاً وخصوصاً الأعداء ، وأذا أرادَ العدوُّ التربصَ بأمةٍ جعلَها شيعاً وجماعاتٍ ليسهلَ عليهِ الإستيلاءُ عليها قال تعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) وأما السببُ الثالثُ فهو العجلةُ وعدمُ الأناةِ ، فالصبرُ في طلبِ الخيرِ أو كفِّ الشرِّ يحتاجُ إلى حكمةٍ وسعةِ إداراكٍ وبعدِ نظرٍ وصبرٍ قالَ تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) فالصبرُ جاءَ في نيفٍ وسبعينَ موضعاً في كتابِ اللهِ ، جاءَ ملازماً للعباداتِ قالَ تعالى ( واستعينوا بالصبرِ والصلاةِ ) وجاءَ ملازماً للمصائبِ قال سبحانَه ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) واختار اللهُ من الأممِ أئمةَ الهُدَى لقاءَ صبرِهم قالَ سبحانَه ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) فبإستعجالِ الناسِ على حصولِ ما يريدونَ وعدمِ صبرِهم يسلكونَ طُرقاً غيرَ شرعيةٍ فيقعونَ في المصائبِ والمحنِ والفتنِ ، فاللهَ اللهَ ياعبادَ اللهِ بلزومِ الكتابِ والسنةِ فإنْ ابتعدناَ عن كتابِ اللهِ وسنةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، وانجفلْنا لغرورِ الحياةِ الدنيا ، وكَلَناَ اللهُ إلى ما انجفلنا إليه ، ففي الحديثِ ( مَنْ تعلقَ شيئاً وُكِلَ إليهِ ) وإنْ تقرَّبْنا إلى اللهِ تقربَ اللهُ إلينا ، وإنْ نصرْنا اللهَ نصرَناَ اللهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وإنْ أقمْنا شرعَ اللهِ والتزمْنا الكتابَ والسنةَ وحمينا جنابَ التوحيدِ أدامَ اللهُ علينا الأمنَ والأمانَ قالَ تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
الثانية
أما بعدُ أيها المسلمون :
فالحمدُ للهِ ، بلادُنا هذهِ الغاليةُ العزيزةُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ ، بلادُ الحرمينِ الشريفينِ ، حرسَها اللهُ وحفِظَكُم وحفِظَها وحفِظَ ولاةَ أمرِها وعلماءَها وشعبَها وجُندَها , هي بلدُ التوحيدِ والعقيدةِ الصافيةِ ، بلدُ السنةِ والشريعةِ ، حفِظَها اللهُ يومَ أنْ حفِظَتْ دينَ اللهِ وحَمتْ جنابَ التوحيدِ وأصبحتْ في عينِ هذهِ الدواماتِ والفتنِ عزيزةً شامخةً مناضلةً في سبيلِ حمايةِ دينِ اللهِ ، وسنةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ ، ومقدساتِ المسلمينَ ، بعيدةً عنِ المزايداتِ على قضاياَ الأمةِ ، قائمةً على شعوبِ المسلمينَ بذلاً وسخاءً ، وتشهدُ لها سجلاتُ التأريخِ وحقائقُ الزمنِ سواءً في فلسطينَ أو في العراقِ أو في سوريا أو في لبنان أو في غيرِها من بلادِ المسلمينَ ، وسيُخزي اللهُ الإعلامَ الكاذبَ الفاسقَ الفاجرَ وأزلامَه ومأجورِيه ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) فلنكنْ لحمةً واحدةً معَ أمتِناَ وولاةِ أمرِنا ولنحافظْ على أمنِنا واستقرارِنا من كيدِ الكائدينَ وعبثِ العابثينَ
، وصلوا وسلموا على إمام المرسلين محمد كما أمركم بذلك رب العالمين فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) . اللهم صل وسلم على محمد
المفضلات