زكاة الفطــــــــــــر
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، وَبَعْدُ :
قَالَ تَعَالَى ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )) [ سورة الأعلى : 14-15 ]
ذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن عبدالعزيز كان يتلو هذه الآية عندما يأمر الناس بزكاة الفطر، وذكر ابن قدامة في المغني،والزركشي على مختصر الخرقي، أن سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز قالا في هذه الآية: قد أفلح من تزكى هو زكاة الفطر .
في هذه الآية من الدروس : أن زكاة الفطر فريضة على كل مسلم ؛ الكبير والصغير ، والذكر و الأنثى ، و الحر والعبد ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ؛ على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين . " أخرجه البخاري
ومعنى فرض؛ أي: ألزم وأوجب، ونقل أهل العلم الإجماعَ على ذلك.
على من تجب ؟ تجب على المسلم إذا كان يجد ما يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته ، فيخرجها عن نفسه ، وعمن تلزمه مؤنته من المسلمين كالزوجة والولد ، و الأولى أن يخرجوها عن أنفسهم إن استطاعوا ؛ لأنهم هم المخاطبون بها . أما الحمل في البطن فلا يجب إخراج زكاة الفطر عنه ؛ لعدم الدليل ، وإنما يستحب إخراجها .
وفي هذه الآية من الدروس : أن الحكمة من إخراجها،ما جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين . " أخرجه أبوداود وابن ماجة بسند حسن .
فهي إحسان إلى الفقراء، وكفهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم؛ ليكون عيدًا للجميع ، وكذلك الاتصاف بخُلق الكرم وحب المواساة، وفيها تطهير الصائم مما يحصل في صيامه؛ من نقص ولغو وإثم، وفيها إظهار شكر نعمة الله لإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه.
وجنس الواجب فيها : طعام الآدميين ؛ من تمر أو بُر أو أرز أو غيرها من طعام بني آدم . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : " كنا نخرج يوم الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا الشعير والزبيب و الأقط والتمر " أخرجه البخاري .
وأماحكم إخراج قيمتها : لا يجزئ إخراج قيمتها ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن الأصل في العبادات هو التوقيف ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدٍ من أصحابه أنه أخرج قيمتها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه مسلم .
ووقت إخراجها : وقت جواز وهو قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة يفعلون ؛ فعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع : " و كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " أخرجه البخاري ، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال : " فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين ".
ووقت فضيلة في صباح العيد قبل الصلاة، فقد جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة" متفق عليه
وقوله: "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة": يدل على أن المبادرة بها هي المأمور بها؛ ولهذا يُسَن تأخير صلاة العيد يوم الفطر؛ ليتسع الوقت على من أراد إخراجها، كما يسن تعجيل صلاة العيد يوم الأضحى؛ ليذهب الناس لذبح أضاحيهم ويأكلوا منها.
أما من أخرجها بعد صلاة العيد، فإن الفريضة قد فاتتْه؛ فهي صدقة من الصدقات ، قال صلى الله عليه وسلم ((من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات ((أخرجه أبو داود وحسنه الألباني .
وأما مقدارها : صاع عن كل مسلم لحديث ابن عمر السابق .
والصاع المقصود هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ضابط ما يكال ، بمكيال أهل المدينة كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة " أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح . والصاع من المكيال ، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
المستحقون لزكاة الفطر : هم الفقراء والمساكين من المسلمين ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق : " ..وطعمة للمساكين "
تنبيه : من الخطأ دفعها لغير الفقراء و المساكين ، كما جرت به عادة بعض الناس من إعطاء الزكاة للأقارب أو الجيران أو على سبيل التبادل بينهم و إن كانوا لا يستحقونها ، أو دفعها لأسر معينة كل سنة دون نظر في حال تلك الأسر ؛ هل هي من أهل الزكاة أو لا ؟
مكان دفعها : تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه ، و يجوز نقلها إلى بلد آخر عند الحاجة على القول الراجح ؛ لأن الأصل هو الجواز ، و لم يثبت دليل صريح في تحريم نقلها .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات