( الـْحَياةُ الطَّيبةُ )
قالَ تَعالى((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[ النحل : 97 ]
في هذه الآيةِ مِنَ الدُّروسِ : أنَّ العملَ الصَّالِحَ الَّذي ينفعُ العبدَ هو ما كان خالصاً لله تعالى صواباً على سُنَّةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم وإنْ كانَ قليلاً ، كما قالَ تعالى ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) [الكهف: 110]
وَمِنَ الدُّروسِ في هذهِ الآيةِ : أنَّ العملَ الصّالِحَ مَهْما كان قليلاً وقدْ وافقَ إخلاصاً لله منْ صاحبهِ ! فإنَّهُ يَنْفَعُهُ بِإذْنِ اللهِ تعالى ، فَقَدْ رَوَى أَبُوذَرٍّ الْغِفَاري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) [رواهُ مُسلم]
وَمِنَ الدُّروسِ في هذهِ الآيةِ : أنَّ العملَ الصّالِحَ سَبَبٌ في الْحُصولِ على السَّعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ ، فَفِي الدُّنيا يَعيِشُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ حياةً طيبةً في عِباداتِهِ ،حياةً طيبةً معَ أوْلادهِ ،حياةً طيبةً معِ أفْرادِ مُـجْتَمَعِهِ في عملِهِ وَفي تـِجارتهِ وَفي خَلْوَتِهِ يعيشُ حياةً طيِّبةً ولوْكانَ فَقِيراً مُعدماً فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) [رواهُ مُسلم ]
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ)؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: (اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ) [ رواه الترمذي ،وحسّنه الألباني]
قال ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :إنَّ في القلب شَعَثٌ : لا يَلُمُّهُ إلّا الإقْبالُ على الله، وَعَليْهِ وَحْشَةٌ: لا يُزِيلُها إلّا الأُنْسُ بهِ في خَلْوَتِهِ، وفيه حُزْنٌ : لا يُذْهِبُهُ إلا السُّرورُ بِمعْرفتهِ وصِدْقِ مُعامَلَتهِ، وفيه قَلَقٌ: لا يُسْكِنُهُ إلّا الاجْتِماعُ عليْهِ والْفِرارُ مِنْهُ إليْهِ، وفيهِ نِيرانُ حَسراتٍ : لا يُطْفِئُها إلا الرِّضا بأمرهِ ونهيهِ وقضائهِ ومُعانقةِ الصَّبرِ على ذلكَ إلى وقتِ لقائهِ ، وفيه طلبٌ شديدٌ: لا يَقِفُ دونَ أنْ يَكُون َهُوَ وَحْدُهُ الْمَطُلُوب ، وفيهِ فاقةٌ: لا يَسُدُّها الّا مَـحَبَّتُهُ وَدوامُ ذِكْرِهِ والاخْلاصُ لَهُ، وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنيا وما فيها لَـمْ تَسُدُّ تِلْكَ الْفَاقَةَ أَبَداً!!
وَأمَّا فِيِ الْآخِرَةِ فَهناكَ حياةً طيِّبةً أُخْرَى لايَعْلَمُها إلاّ خَالِقُها ،فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) ثُمَّ قَرَأَ (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات