خطبة جمعة
26/7/1436
بعنوان
( كلمات على أبواب الإمتحانات )
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
ما مِنْ أُمَّةٍ بَلَتْ .. ولا أُخرى عَلَتْ، إلاَّ ولَهَا شعارٌ ترفعُهُ ، ووسامٌ تفتخرُ بهِ، وسُلَّمٌ ترتقي عليهِ ، ورداءٌ تزدهي بهِ ، تجالدُ بهِ أعداءَها وخصومَها ، هم شريحةٌ من أيِّ مجتمعٍ ، بلْ هُم عمادُهُ ، وهم مجامعُ قوتِهِ ، وهم زنادُ سلاحِهِ ، بدونِهم لا تقومُ لأمةٍ قائمةٌ ، وبفقدانِهِم تبقى الأمةُ حبيسةَ التخلفِ والضعفِ ، قابعةً في مؤخرةِ الركبِ ، لابسةً أثوابَ الذلةِ والصغارِ ..
إنهمُ .. الشبابُ .. أنتم أيها الشبابُ ، نعم أنتم ، أتستصغرُ نفسَك ؟ إياكَ ،
وإذا كانت النفوسُ كِبارا
تَعِبَتْ في مُرادِها الأجسامُ
أنتم أيها الشبابُ ، عمادُ الأمةِ ، وسلاحُها في وجهِ أعدائِها ، أنتم مَنْ تؤثرونَ في الأمةِ سلبًا وإيجابًا ، أنتم من تدفعونَ عجلةَ التأريخِ نحوَ أملٍ مشرقٍ ، ومستقبلٍ زاهرٍ ، ولذلكَ يُهلكُ الأعداءُ أنفسَهُم في إغراقِكُم في وحولِ المخدراتِ ، ومستنقعاتِ الشهواتِ ، ليحطِّمُوا رجاءَ الأمةِ وأملَهَا ، ويكسروا أعناقَ تطاوُلِها ، فيوهنونَ عزائمَ شبابِها ، ليديروا أمَّتَهُم إلى الوراءِ جهلاً وحمقًا ، ليوجِّهوا الأمةَ ، نحوَ المفاهيمِ المنكوسةِ ، والسلوكِ الأرعنِ ، والمسلكِ الأهوجِ ، وقَلِّبْ صفحاتِ التاريخِ ، تجدْ في عُبَابِها العجبَ العجابَ ، الشبابُ قوةُ الأُممِ ، وفَخَارُها وذُخْرُها وسندُها ،
فيا فلذةَ كبدي : كلماتٌ ، دفعني لها حُبُّ أمتي ، أمةَ الإسلامِ ، وحبُّ بلادي وموطني ، وحُبُّكَ أيها الشابُ ، وحبُّ الخيرِ لكَ ،
قُل لي باركَ اللهُ فيكَ ، مَنِ الخليفةُ في الأمةِ إذا ذهبَ العلماءُ ؟ وذهبَ الفقهاءُ ! وذهبَ الدعاةُ ! وذهبَ المفكرونَ ! وذهبَ العاملونَ ! وذهبَ المصلحونَ ! وذهبَ الأباءُ والأمهاتُ ! إذا ذهبَ هؤلاءِ الرجالُ الذينَ مِنْ حولِكَ ، مَنْ سيسُدُّ مكانَهُم ، ومَنْ سيُكمِلُ بناءَهم ؟ أتسدُّ مكانَهُم النساءُ ! أم يسدُّ مكانَهُم الأعداءُ ! فشمِّرْ إلى أماكِنِهم ، فالإمتحاناتُ على الأبوابِ ، فارتقِ في الأسبابِ ، والأمةُ لا تريدُ كمَّا ، إنما تريدُ نوعا ً، ما حاجةُ الأمةِ بالآلافِ مِنَ الشبابِ ، الذين همُّهُم أنْ لا يرسُبَ فقطْ ، ولو كانَ على حافَةِ الرسوبِ ، بل بعضُهُم رُبَّما تسألُهُ عماَّ امتحنَ بهِ بالامسِ فلا تجدُ إلا بيتاً خِواءً ، لماَ لا تكونُ الهمَمُ أيها الشبابُ للدرجاتِ العُلى ، لما لا تكونُ العزائمُ للتحصيلِ العلميِّ والرقيِّ المعرفيِّ ،
وما نَيلُ المطالبِ بالتمنِّي
ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلابا
فالشهادةُ بحدِّ ذاتِها ليستْ مطلباً ، إنَّما المطلبُ الذي يهُمُّ الأمةَ معَ هذهِ الشهادةِ هو التحصيلُ العلميُّ ، والجمعُ المعرفيُّ ، الذي تُبنى بهِ المصانعُ والمنشآتُ ، وتقادُ بهِ الطائراتُ ، وتدارُ بهِ المؤسساتُ والشركاتُ ، وتُواكِبُ بهِ الأمةُ دفَّ خُطى الحضارةِ والرقيِّ ، وتَلحقُ بالأمَمِ المتقدمةِ في مجالِ العلمِ والمعرفةِ ،
أيها اليافِعُ المُؤمَّلُ : ذُبَّ عن نفسِكَ هذا الركونَ ، واطرحْ عنكَ جلبابَ الكسلِ ، إليكَ عنْ رُفقاءِ الإستراحاتِ التي أضحتْ مَعَاكِفَ ، لا يبرحُها الشبابُ إلا للنومِ ، إليكَ عن أهلِ التثبيط ِوالتكسيلِ ، الصاحبُ الكسولُ :
يريدُ الناسَ كلَّهُموا كُسالى
ويفرحُ بالكسولِ إذا لقاهُ
يُضيعُ الوقتَ في قالوا وقالَ
ولا يبغي النجيبَ إذا رآهُ
فإن كانت الإستراحات للترويح ، فلا بأسَ بالترويحِ عنِ النفسِ معَ الأصدقاءِ والأصحابِ ، ولكنْ ليسَ بهذِهِ الساعاتِ الطوالِ التي أخذَتْ كثيراً منَ الناسِ والشبابَ خاصةً عن أهلِهِم وذويهِم ومصالحِهم وأعمالِهم ودروسِهم ، وتنميةِ معرفتِهم وتحصيلِهم ،
أيها المسلمون : الأمةُ لا تسموا إلا بالعقولِ ، والعقولُ لا تصلُ إلى مقاماتِ الدقائقِ من العلومِ ، والنوادرِ منَ المعارفِ ، بِكَلٍّ كَسُولٍ ، فلا تكن كَلاًّ على أُمتِك ، وحِملاً على مجتمعِك ، لا تصحبَنَّ إلا مَنْ يشمخُ بكَ إلى العلياءِ ، أوما سمعتَ قولَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظرْ أحدُكُم من يُخالل))..
وروى البخاريُّ ومسلمٌ عنْ أبي موسى رضيَ اللهُ عنهُ عنَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((إنِّما مثلُ الجليسِ الصالحِ، والجليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ، ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ، إمَّا أنْ يُحذيَكَ، وإما أنْ تبتاعَ منهُ، وإماَّ أنْ تجدَ منهُ ريحًا طيبةً ، ونافخُ الكيرِ، إماَّ أنْ يُحرقَ ثيابَكَ، وإماَّ أنْ تجدَ منهُ ريحًا خبيثةً)).
أيها الأخُ المسلمُ : صاحبُكَ ، الذي يُقرِّبُك لما يُرضي اللهَ ، ويعينُكَ على الصلاةِ .. ويُبعدُك عنِ المعاصي والسيئاتِ ويحرصُ على نجاحِكَ وتفوُّقِك ، ويَحُثك على الخيرِ ، يحثُّكَ على الدراسةِ والمذاكرةِ ، ويعينُكَ على ذلكَ ، وإنْ لم يكن كذلكَ فهو عدوُّك وليسَ صاحبُك
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّـاٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ ياٰلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * ياٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَـاٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
أيها الشبابُ : هذهِ هي أيامُ الإمتحاناتِ ، وقد بدتْ طلا ئِعُها ، فاستغلوا باركَ اللهُ فيكم هذهِ الأيامَ بالجدِّ والإجتهادِ وذُبوا عنكُمُ الدَّعَةَ والراحةَ ، ولا يُمَزِّقَنَّ الشيطانُ وقتَكم بالتسويفِ والقيلِ والقال ، فمنْ زرعَ شيئًا حصدَهُ ، ويجبُ علينا تصحيحَ هذه المفاهيمِ الخاطئةِ ، فالدراسةُ ليسَ الهدفُ منها الشهادةُ نَفْسُها ، ولكنَّ الهدفَ منها هو التحصيلُ المعرفيُّ ، أسألُ اللهَ لنا ولكُم التوفيقَ والنجاحَ
ألا وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المفضلات