خطبة جمعة
21/6/1436
بعنوان
( العاصفة والصفوف المتراصفة )
كتبها وضبطها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بعدُ أيهاَ المسلمونَ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ القائلِ ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ )
أيهَا المسلمونَ: كُنَّا معَكُم في خُطبتينِ ماضيتينِ عن شدِّ مئزرِ الحزمِ والقوةِ معَ فئةٍ باغيةٍ ظالمةٍ ، إنحرفَتْ عقيدتُها ، وشذَّ سلوكُها ، وصارَ فلكُ ولائِها وتبعيتِها للصفويةِ وإيرانَ ، وسارَ مَن سارَ وراءَها على علمٍ أو على جهلٍ ، كانَ الحديثُ عن الحوثيينَ وتطاولِهم على شرعيةِ بلادِهم ، وانقلابِهِم على رئيسِهِم ، فبدأتْ عاصفةُ الحزمِ ، تستجيبُ لنداءِ الأخوةِ ، وتدحرُ فلولَ الشرِّ والخديعةِ والإستبدادِ ، لتقفَ هذهِ العاصفةُ معَ الشعبِ اليمنيِّ الأبيِّ ، ورئيسِهِ الذي انتخبَهُ حينما كانَ حُراًّ طليقاً ، مضى هؤلاءِ الحوثيونَ ، يعيثونَ في اليمنِ فساداً ، وينتزعونَ الأمرَ من صاحبِهِ ، بالتواطؤاتِ والخياناتِ ، في سبيلِ مصالحَ لا تمتُّ لليمنِ ولا لأهلِ اليمنِ بصلةٍ ، ممن باعوا ولاءَهُم ووطنيتَهُم ، فجاسوا خلالَ الديارِ ، يقتلونَ الأبرياءَ ، ويدمرونَ ، ويختطفونَ مَنْ يعارضُهُم أو يقفُ في وجوهِهِم ، قتلوا الأنفسَ ، وانتهكوا الحرماتِ ، وقسروا الناسَ وغالبُوهُم على إرادَتِهم ، واستولوا على حريتِهِم وبلدانِهم ، دمَّرُوا منازلَهُم ، وسلبوا متاعَهُم ، وأماَّ عاصفةُ الحزمِ فماضيةٌ بإذنِ اللهِ حتى يعودَ الحقُّ إلى نصابِهِ ،
أيها المسلمونَ : كما ترونَ وتسمعونَ من خلالِ الأخبارِ ، الحشودَ العسكريةَ الهائلةَ من قِبَلِ دولِ التحالفِ ، ضدَّ هذهِ الجماعةِ وأعوانِها ، إنَّما هو لكفِّ أذى هذهِ الجماعةِ ، وقطعِ وتينِ تدابيرِها لنشرِ التشيعِ في اليمنِ ، والإدلاءِ بالصفويةِ والرافضةِ والفرسِ على حمى الأمةِ العربيةِ ، فماذا تريدُ فارسُ من أمَّتِنا ؟ هذا التشيعُ الذي يتشدقونَ بهِ إنَّما هو عباءةٌ تُخفي تحتَها مطامعَ الفرسِ ، وحلمَهُم الإمبراطوري ، وهذا التحالفُ إنَّما نهضَ لكبحِ جماحِ هذه المطامعِ الخبيثةِ من خلالِ هذهِ الجماعةِ الباغيةِ ، هذا التحالفُ نهضَ لتحقيقِ الأمنِ اليمنيِّ والأمنِ الإقليميِّ ، وتحتَ سحابةِ هذه العملياتِ المنصورةِ بإذنِ اللهِ ، تكتنفونَ أنتم جبهةً داخليةً لا تقلُّ أهميةً عن جبهةِ الأمةِ الخارجيةِ ، إذ يجبُ عليكم جميعاً أيها المسلمونَ ، أنْ تقفوا صفاًّ واحداً ، كأُنَّكم بنيانٌ مرصوصٌ ، حافظوا على لحمتِكم المباركةِ ، وذودوا عن عقيدتِكم الصافيةِ ، وصونوا مواطنتَكم الكريمةَ ، ولا يتمُّ ذلكَ إلا بالسمعِ والطاعةِ لولاةِ أمرِنا ، الذينَ يذودونَ عنَّا وعنْ عقيدتِنا وأمنِنا ، وأمنِ إخوانِنا أهلِ اليمنِ ، قفوا معَ رجالِ الأمنِ البواسلِ ، بل كونوا أنتم رجالَ أمنٍ أمناءَ ، وعيوناً ساهرةً في الشوارعِ والأحياءِ ، فالأمنُ كما ترونَ وللهِ الحمدُ والثناءُ ، ضاربٌ أطنابَهُ ، بفضلِ اللهِ تعالى ، ثم بفضلِ ما تقومُ به الدولةُ حفظَها اللهُ من واجبٍ تجاهَ ذلكَ ، ثم بفضلِ وعيِكُم أنتم وإدراكِكُم للواقعِ الذي تعيشونَ فيهِ ، وللمؤامراتِ التي تُحاكُ ضدَّ أمتِنا ، فعليكُم بالإعتصامِ بحبلِ اللهِ فالفرقةُ والشتاتُ هي معولُ الفتاتِ قال تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
أيها المسلمونَ : لا تخفى على كريمِ ألبابِكُم ثورةُ الإتصالاتِ في هذا الزمانِ ، وانتشارُها حيثُما انتشرتِ الجوالاتُ ، من خلالِ وسائلِ التواصلِ الإجتماعيِّ ، وكأنَّ طرفةَ بنَ العبدِ يرى هذهِ الوسائلَ حينما قال
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيكَ بالأخبارِ منْ لم تزوِّدِ
يأتيكَ الخبرُ قبلَ أنْ تنشرَهُ مصادرَهُ
الأخبارُ أيها المسلمونَ هذهِ الأيامُ لا يُعوَّلُ على كثيرٍ منها ، وخصوصاً في الأزماتِ والملماتِ ، تأتي من كلِّ حدبٍ وصوبٍ ، بغثِّها وسمينِها وصدقِها وكذبِها ، يُرمى من بعضِها التظليلُ ومن بعضِها التقليلُ ومن بعضِها إخفاءُ الحقائقِ وتزويرُ الأنباءِ ، وتَرمِي إلى الإرجافِ والبلبلةِ ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فكونوا على حذرٍ منها ومِنْ نشرِها ، فمِنَ الناسِ هداهُمُ اللهُ لا يقرأُ أبداً مهمتُهُ يقصُّ ويلزِّقُ ، ويعيدُ إرسالَ ، إنتبهوا باركَ اللهُ فيكم فكثيرٌ من الرسائلِ هذه الأيامُ خصوصاً مغرضةً وترمي لأهدافِ تفكيكِ الناسِ ، وبعثرةِ آرائِهم ، وخلقِ سوءِ الظنِ بينَهُم ، فانتبهوا باركَ اللهُ فيكم ، وهناكَ قنواتٌ رسميةٌ للأخبارِ ، وجهاتٌ رسميةٌ متخصصةٌ بنقلِ الحدثِ ، وموثوقةٌ فخذوا النبأَ عنها .
أيها المسلمونَ :
هؤلاءِ الجنودُ الذين يخوضونَ حرباً مع الحوثيينَ وأعوانِهم ، سواءً كانوا من دُولِ التحالفِ ، أو مِنْ إخوانِهم أهلِ اليمنِ الشرفاءِ الأباةِ ، وسواءً كانوا في الجوِّ أم في البرِّ أم في البحرِ ، هم إخوانُنا وأولادُنا ، هم صقورُ الأمةِ الإسلاميةِ والعربيةِ ، وهم أسودُها وفهودُها ، نفتخرُ بهم ، ونؤمِّلُ بعدَ اللهِ عليهِم ، تعلمون أنهم يركبونَ عُبابَ المخاطرِ والحروبِ ، تركوا أبناءَهُم وأُسَرَهُم ، وهبوا فداءً لهذهِ الأمةِ ، وحمايةً للأوطانِ ، ودحراً للبغاةِ الحوثيينَ ، ومَنْ باعَ الوطنَ والأمةَ من أعوانِهم ، هؤلاءِ الأبطالُ ، واللهِ إني لأفتخرُ بهِم ، وأُحِسُّ أنَّ قامتي تمتشقُ السماءَ عزةً ومجداً ، وأدعو اللهَ أنْ ينصرَهُم على عُملاءِ الصفويةِ ، وأذنابِ الرافضةِ ، ومِنْ حقِّ هؤلاءِ البواسلِ عليكُم أيها المسلمون ، ومِنْ حقِّ ولاةِ أمرِكم وأوطانِكم ، الدعاءُ لهم باللهِ عليكُم أن تدعو لهُم ، في كلِّ وقتٍ وحينٍ ، في صلواتِكم وقيامِكم ، فرُبَّ بَنانٍ أمضى من ألفِ سنان ، وقد كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ في معركةِ بدرٍ يدعو اللهَ حتى سقطَ رداءُه وهو يدعو ويجبُ علينا بعدَ الأخذِ بالأسبابِ ، أنْ نسألَ اللهَ النصرَ ونُلحُّ عليهِ فهو الذي نصرَ المسلمينَ في بدرٍ على قِلَّتِهم (لقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا ) فلا نغترُّ بالعددِ والعُدَّةِ ، على المسلمينَ مهما بلغَ عندَهُم من القوةِ ورفعةِ الرأسِ ، أنْ يكونَ عندَهُم أكثرَ من ذلكَ خضوعاً وخشوعاً وإخباتاً لربِّ العالمين ، النصرُ لا يتحققُ إلا بإذنِ اللهِ وتوفيقِهِ وتأييدِهِ ، فاللهَ اللهَ بالدعاءِ أيها المسلمونَ ، ففيكم من هو ذو بِرٍّ وتقوى ، وأبوابُ اللهِ مُشرعَةٌ ، فثَمَّ الإلحاحُ بالدعاءِ ، وثَمَّ بابُ الثلثِ الأخيرِ من الليلِ ، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ ، ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : " هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ "
نسألُ اللهَ أنْ ينصرَ جندَناَ على الحوثيِّ ومَنْ ظاهرَهُ
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
الحمدُ للِه الخلاقِ ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله العليمُ الرزاقُ ، وأشهد أنَّ محمدا عبدُه ورسولُه متممُ مكارمِ الأخلاقِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أوصيكم أيها المسلمون ونفسي بتقوى الله القائل (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عبادَ الله :
أهلُ اليمنِ الكرماءِ يمرُّونَ بمحنةٍ عظيمةٍ ، وفتنةٍ جسيمةٍ ، جرَّهُم إليها هذا المتمردُ الخبيثُ ، بخروجِهِ على رئيسِهِ وانقلابِهِ عليهِ هو ومن ظَاهَرَهُ ، ونحنُ قلوبُنا معَ أهلِ اليمنِ ، فيجبُ علينا الدعاءَ لهم بالحفظِ والأمانِ والنصرِ والتمكينِ ، ونعلمُ أنَّ هذا الباغيَ الخاسرَ ، يُجبرُهُم فيقولونَ مالا يريدونَ ، ويفعلونَ مالا يودونَ ، فقد اغتصبَ حقوقَهم ، وسلبَ إرادتَهم ، ولكنَّ اللهَ سيُمْكِنُ من هذا الباغي وحزبِه وجندِه نسألُ اللهَ أنْ يلطُفَ باليمنِ وأهلِه وأنْ يحرسَهُم من كلِّ سوءٍ ، وأنْ يُهلكَ الحوثيَّ وأعوانَهُ ، وما ذلكَ على اللهِ بعزيز ، صلوا وسلموا على محمد ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
المفضلات