[align=justify]
ما أقسى الزمان حين يتظاهر أنه يسير إلى الأمام بينما هو يعود أدراجه إلى الوراء إلى حيث زمن الألواح الخشبية وأصابع الطباشير وعصا الفلقة ، إلى ماضٍ بعيد جديد لا يختلف عن ذلك الماضي القديم سوى أنه أحاطت به الألوان من كل الجهات لتغيّر حقيقته في حين كان الماضي القديم محدّد المعالم " يا أبيض يا أسود " .
كتاتيب البدون ... هي سفينة النجاة التي جاءت من بين أمواج العنصرية المتلاطمة التي هي كالجبال تحول بين أطفال البدون وحقوقهم ؛ لتنادي من حرم من التعليم من أطفال البدون وتقول له : " يابنيّ اركب معنا " لتتعلم لتدرس لتشعر بآدميتك بطفولتك بأنك حيّ حين تمنوا هم لك الموت جهلاً ، وأنّك مبتسم حين تمنوا هم لك الوفاة حزناً ، وأنّك قويّ حين تمنوا هم لك الانتحار ضعفاً ، وأنّك صابر مثابر حين قضى بعض إخوانك "نحبهم" إحباطاً والبعض الآخر منهم ينتظر .
هكذا هي بعض المشكلات تولد ويولد معها بعض الاهتمام بها ولكنها حين تكبر بسرعة يكون الاهتمام بها ومحاولة حلها بطيء الكِبر حتى إذا ما بعدت المسافة اختار الاهتمام بها أن يموت في صغره ، لذلك أتت كتاتيب البدون لتبقي مشكلة حرمان بعض أطفال البدون من التعليم في المدارس الحكومية والخاصة محطّ اهتمام ، وتغذي الاهتمام بها من دُرّ رعايتها ومتابعتها وتسليط الضوء عليها وإلباسها طوق النجاة الذي يبقيها على السطح بدلاً من النزول في القاع لعل أن يلتقطها بعض "السيّارة" ويسيرون بها نحو الحلّ .
كتاتيب البدون شمعة توقد في ظلامٍ كثُر لاعنوه ، وإشراقة شمس في ليل يأبى أن ينجلي ، وبصيص ضوء في كهف مظلم يخبرنا أن المخرج بات وشيكاً ، وفرحة ترتسم على شفتي طفل يريد أن يحدث أقرانه عن المدرسة كما يحدثونه هم ، وسعادة طفلة غامرة وهي معجبة "بمريولها" ، و أَ أُ إِ تصمّ آذان الطغاة .
نعم كتاتيب البدون ليس حلاّ كما تفضل القائمون عليه وفقهم الله ، ولكنه مشروع ولد حتى لا تموت القضية ، وحضر حتى لاتغيب أحلام أطفال لا ذنب لهم ، واستيقظ حتى لا تنام ضمائرنا ، وصرخ حتى لا نفقد حاسّة السمع ، ودوّن حتى لا ننسى ويسجّل التاريخ ، فنحن شعب أصابه الزهايمر ، تنسيه كل مصيبة ما قبلها حتى أصبح لدينا "شرب المصايب مثل شرب الفناجيل" !
ابتسم ياصغيري فأنت المنتصر ، فمع كل حرف تتعلمه ... تكتبه ... تحفظه ... تشدو به ... فإنك تغيظهم
ابتسم يا صغيري واجتهد ولتكن أول حروفٍ تتعلمها وتكتبها هي : ( ش ك ر ا ي ت ب ل د و ن ) لتخط بحرفك الجميل المصحوب بابتسامتك : شكراً يا كتاتيب البدون .


‏‫منصور الغايب
twitter : @Mansour_m[/align]