الحمدُ للهِ الكريمِ الوهابِ ، خلقَ خلقَهُ من ترابٍ ،( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ هُوَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ والأصحاب ِ، ومن سارَ على نهجِهِم واتبعَ طريقَهُمْ إلى يومِ الحسابِ ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ، أما بعد :( يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوْتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُون ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً واتَّقُواْ اللهَ الَّذِيْ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَقُوْلُوا قَولاً سَدِيْداً يُصْلِح لَكُم أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيْماً ) أيها الاخوةُ في اللهِ ، لقد منَّ اللهُ علينا جميعاً ببلوغِ هذا الشهرِ الكريمِ ، فنعمةٌ عظيمةٌ جدُّ عظيمةٍ ، أن مَدَّ اللهُ في أَعمَارِنا ، وبلَّغَنا جميعاً هذا الشهرَ المباركَ ،نسألهُ عزَّ وجلَّ أن يجعلَنا جميعاً ، ممن يصومَهُ ويقومَهُ إيماناً واحتِساباً ، وأنْ كما بلغنا أولَهُ بفضلهِ وإحسانِهِ ، أنْ يُبلغنا تمامَهُ على خيرِ عمل ، ونسألُه عزَّ وجلَّ، أن يعينَنا على الصيامِ والقيامِ ، ونسألُه عزَّ وجل ، أن يوفقَنا وإياكم ، لفعلِ الخيراتِ ، وتقديمِ الطَّاعاتِ ، وأن يتقبلَ منَّا الصيامَ والقيامَ ، ويغفرَ لنا سيئاتِنا ، فإنه عزَّ وجل ، أتاحَ لنا الفرصةَ ، وأعطانا المهلةَ ، ومكننا من العملِ الذي ينفعُنا ، يقولُ عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، كان رسول اللهe يعلمنا هؤلاء الكلمات ، إذا جاء رمضان {اللهم سلمنى لرمضان وسلم رمضان لى وتسلمه منى متقبلا } فنعمةٌ عظيمةٌ جدُّ عظيمةٍ ، يَجبُ علينا أن نفرحَ بها غايةَ الفرحِ ، قالَ تعالى ( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون ) فاغتنموا أوقاتَ هذا الشهرِ بمزيدٍ من الأعمالِ الصالحةِ والقرباتِ ، قال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّىَ لَهُ الْذِّكْرَىَ يَقُوُلُ يَا لَيْتَنِيْ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )
فترحَّل من الدنيا بزادٍ من التقى فعمـرُكَ أيَّامٌ وهنَّ قلائِلُ
يا ابنَ آدمَ ، إنَّك ناظرٌ إلى عملِكَ ، يُوزنُ خيُرُهُ وشرُّهُ ، فلا تحقرنَّ من الخيرِ شيئاً ، وإِنْ هُوَ صَغُرَ ، فإنَّك إذا رأيتَهُ سَرَّكَ مكانُهُ ، ولا تحقرنَّ من الشرِّ شيئاً ، فإنَّك إذا رأيتَهُ ، ساءَكَ مكانُهُ ، ورحمَ اللهُ رجلاً كسبَ طيباً ، وأنفقَ قصداً ، وقدَّمَ فضلاً لِيومِ فقرِهِ وفاقتِهِ ،
سبيلُك في الدنيا سبيلُ مسافرٍ ولا بدَّ من زادٍ لكلِّ مسافرِ
أيها الاخوةُ في اللهِ ، فضيلةُ الصومِ معروفةٌ ، والجزاءُ على الصومِ عظيمٌ ، وثوابُهُ جزيلٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها،يقول عليه الصلاةُ والسلام ،كما في مسند الإمامِ أحمد ، من حديثِ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ الصَّوْمُ جُنَّةٌ }اللهُ أكبر ، يَدَعُ الإنسانُ طعامَهُ وشرابَهُ للهِ ، فيطعمُهُ اللهُ من ثمارِ الجنةِ ، ويسقيه من السلسبيلِ ، ويَمنعُ الإنسانُ نفسَهُ من شهواتِها ، ويكفُّ نفسَهُ عن القيلِ والقالِ ، فيزوجُه ربُّهُ من الحورِ ، واللهُ عندَهُ حسنُ الثوابِ ، وما ربُّك بظالمٍ ولا بخيلٍ ، ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) والذي عندَ اللهِ كثيرٌ ، والذي تعملونَهُ قليلٌ ، وفي الجنَّةِ بابٌ ، يقالُ لهُ الريَّانُ ، لا يدخلُ منه إلاَّ الصائمينَ ، واللهُ تعالى يقولُ : ( إِنَّ الْمُتَّقِيْنَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُون وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُون كُلُواْ وَشْرَبُواْ هَنِيْئاً بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُون ) سيندمُ عبدٌ واجَهَ الحسابَ بِلا عملٍ ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّا لَهُ الذِّكْرَىَ يَقُولُواْ يَا لَيْتَنِيْ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) واعلموا أن الصيامَ ، إنَّما شُرِعَ ليتحلَّى الإنسانُ بالتقوى ، ويمنعُ جوارِحَهُ من محارمِ اللهِ ، فيتركَ كلَّ فعلٍ محرَّمٍ ،وكلَّ قولٍ محرَّمٍ ، من الغشِّ والخداعِ والظلمِ ، ونقصِ المكاييلِ والموازينِ ، ومنعِ الحقوقِ والنظرِ إلى المُحَّرَمِ ، وسماعِ المُحرَّم ، من الكذبِ والغيبةِ والنميمةِ وغيرِها ، وعند البُخاري من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه ،يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام {مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ } هكذا قالَ الحبيبُ eوإن سابَّكَ أحدٌ أو شاتَمك ، فقلْ إني صائمٌ ، ولا تُردَّ عليه بالمثلِ ، لما ثبتَ عن النبي e أنه قالَ : { الصيامُ جُنةٌ ، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفثْ ولا يصخبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو شاتمَهُ فليقلْ إني صائمْ } وبعضُ الناسِ هداهُم اللهُ يزيدُ شرُّهم في رمضانَ عن غيرِهِ ، لأنهم لا يعرفونَ له حُرمةً ولا يُقدِّرون له قيمةً ، ولا يخافون مما يُسجَّلُ عليهم فيه من مخالفاتٍ وآثامٍ ، وهذا من أعظمِ الحرمانِ لهم ، وأشدِّ المصائبِ عليهم ، حيث ضيعوا الفرصةَ على أنفسِهِم ، وأعرضوا عن فوائدِ هذا الشهرِ الْمُبارك ، وصرفوا أوقاتَهُم في غيرِ ما هيئة له ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ، وحافظوا على شهرِكُم وأكثروا فيه من طاعةِ ربِّكم ، لعلَّكم تُكتبون فيه ، من الفائزينَ ، بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعد : أيُّها الأحبةُ في الله ،اغتنموا فضلَ ربِّكم ، ذي الجود والإحسانِ ، وتعرَّضوا لنفحاتِهِ ، في أوقاتِ شهرِكم الحسانِ ، واعطفوا على أقارِبِكم ، وصلوهم يصلْكم اللهُ برحمتِهِ ، واحذروا أن تَمحَقُوا صَومَكم ، بالفسوقِ العصيانِ ، وأكثروا من التَّسبيحِ والأذكارِ ، وتلاوةِ القرآنِ ، ومن الصلاةِ والسلامِ على النبي المختارِ ، ومن شهادةِ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وطلبِ المغفرةِ ، وسؤالِ الجنةِ ، والتَّعوذِ من نارِ جهنمَ ، وإيَّاكم أن تُدخِلوا بُطُونَكم غذاءً حراماً ، في سَحورٍ أو فَطورٍ، فإنَّ ذلك محضُ خيبةٍ وخُسرانٍ ، وادخلوا دارَ الصومِ راشدين واحرصوا على شعائرِ إسلامِكم واحذروا أن تكونوا مستهترين من الذين فسدتْ قلوبُهُم ، وضلَّتْ عقولُهُم ، وساءتْ تربيتُهم ، فيفطرون في رمضانَ ، ويُعرضونَ عن ربِّهم ، ويهدمونَ من أركانِ الإسلامِ أقواها ، فَيُحِلَّهم اللهُ دارَ البوارِ ، (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) ، ولا يخدعنَّكم الشيطانُ ، بالتسويفِ والتأخيرِ ، فإن الشيطانَ كما قالَ تعالى ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ) فإنَّكم لا تدرونَ متى يكونُ المصير ُ، فأين إخوانُكُم الذين كانوا ينافسُونَكم ، في الأعمالِ الصالحةِ ،ويُخالطونَكم في أحوالِكُم كلِّها ، أين الّذين كانوا يهجرونَ لذيذَ المنامِ ، ويَتَمنَّونَ أَنْ لو كانَ رمضانُ على الدوامِ ، أين الْمُجتهدون في الصيامِ والقيامِ ، وأين الْمُتَهَجِدونَ في ظلامِ الليلِ ، والنّاسُ نيام ، أما طحنتْهُم رَحَى المنونِ ، وقطعتْ مِنهُم الأعمالَ والآجالَ ، وقَدِمُوا على جميعِ ما قَدَّمُوا من الأفعالِ ، فانتَبِهوا رَحمكم اللهُ ، ولا تكونوا من الغافلينَ ، ولا تجترحوا السيئاتِ ،فَإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) عباد الله ،صلّوا على المعصوم ، عليهِ أفضل الصلاةِ وأتم التسليم فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه فقال سبحانه قولا كريما ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلي وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، صاحب الوجه الأنوار ، والجبين الأزهر ، الشافع المُشَّفَعُ في المحشر ، اللهم صل وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المتقين، وأشرف المرسلين ، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشدين ،والأئِمةِ المهديين ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي وعن سائرِ أصحابِ نبيِّكَ أجمعين ، وعن التابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة ، يا رب العالمين ، عبادَ اللهِ : إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى ، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرون فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم واشكروه على نعمِهِ يزدْكم ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ .
المفضلات