[align=justify]
تتعدد الهموم والحزن واحد ، وتتنوع الآلام والجرح واحد ، وتتكاثر الدموع والحسرة واحدة ، وكل الطرق تؤدي إلى لاشيء في عالم يريد منك أن تشاركه همّه بينما يقف هو موقف المتفرج عليك وأن تصارع همومك .
يلومونه لأنه لايشاطرهم همومهم تجاه الوطن الذي يحتويهم وهو الذي يعتبر نفسه أخاً لهم في المواطنة ، يسألون عن غيابه عن محافلهم ندواتهم اعتصاماتهم ساحاتهم مسيراتهم ، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء سؤال أنفسهم عن غيابهم هم عن كل ما يخصّه .
ياسادتي الكرام قد تتشابه ملامح الهموم لكن تفاصيلها حتماً تكون مختلفة ، فرفقاً بصاحبكم يرحمكم الله ، وأقيلوا عليه لا أبا لأبيكم من اللوم أو دعوه وشأنه ، فإن صاحبكم عن همومكم في همّ ، فحين تشتكون أنتم من همّ المشاكل السياسية التي تعصف بالبلد يكون همّه هو تلقّف مانشيتات الصحف لتصاريح بعض الساسة ممن يبيعون خبز الوهم للجوعى على قارعة الطريق منذ عقود ، وتتبع وعود الحكوميين منهم ممن يذهبون بك إلى النهر ثم لايسمحون لك بالشرب لتعود منه عطشاناً ، وتتبع صيحات المعارضين منهم ممن لم يجعلوه أولوية بالنسبة لهم ولا حتى ثانوية بل جعلوه قضيته كقطع غيار يستخدمونها حال الهدوء الذي يسبق عواصفهم .
وحين تشتكون أنتم من همّ المشكلة الإسكانية يكون همّه منصبّاً على كيفية تحصيل إيجار مسكنه ودفعه لصاحب البيت الجشع الذي لا يرقب فيه إلاًّ ولا ذمّة قبل أن يدخل الشهر الجديد ليبدأ ذات الهمّ من جديد وتبدأ معه مرحلة تجميع الإيجار الذي هو أساساً يفوق راتبه وهذا لغزٌ لا يفهمه إلا من عاشه ! ، كما أنه يحاول ألا ينسى أن يدعو الله في كل صلاة أن يعمي بصر صاحب البيت عن عدّ أولاده لأنه في بلدنا أصبح الإيجار مرتبط بعدد الأولاد ولا عزاء للصين ! .
وحين تشتكون أنتم من همّ المشكلة التعليمية وضعف التعليم يكون همّه هو كيف يوفّر ما يحتاجه أبناؤه من لوازم مدرسية أصبحت تثقل كاهل أصحاب الرواتب العالية فكيف بمن راتبه لا يتجاوز الثلاثمائة دينار ، حاملاً في الوقت ذاته همّ حثّ أولاده على المواصلة في التعليم وعدم الاستسلام للسؤال الذي يراود كل أبناء جلدتهم وهو : وماذا بعد الدراسة ؟! .
وحين تشتكون أنتم من همّ الغلاء وضعف الرواتب يكون همّه هو منصبّاً على الدعاء بألا يطرد من وظيفته البسيطة التي لا يجد معها أي أمانٍ وظيفي فقرار طرده خاضع لمزاجية مسؤوله مهما كانت وظيفته فقد ينام موظّفاً ويصبح عاطلاً ، وهو في الوقت ذاته يحمل همّ التفكير في أنه سيظل يعمل ويعمل ويعمل حتى يوسّد في التراب دفيناً إذ لا تقاعد يلوح في الأفق يمكنه أن يتمتّع به كباقي البشر .
أرأيتم ياسادة كيف أنه أشغله همّه عن همومكم ؟! ، ولعلّ وجه التشابه الوحيد بين همّه وهمومكم أن كلّكم يشتكي وطنه ، لكن الفرق هو أنكم تشتكون وطناً يماطل في إعطاء حقوقكم ، بينما يشتكي هو وطناً يجحد حقوقه أساساً ، فرفقاً به وهو الذي عاش خمسة عقود "بدون" أمل ، ويتمنى أن يعيش ما تبقى من عمره "بدون" ألم ، واعلموا أن لكم "همّكم" وله "همّ" .


‏‫منصور الغايب
twitter : @Mansour_m[/align]