الحمد للهِ الكريمِ الوهابِ ، غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهْ ، ولا ربَّ لنا سواهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً):أما بعدُ أيها الأحبةُ في الله : فَإنّ نَفْسُكَ أمانةٌ في عُنقِكَ، لا تَتَعدَّ عليها، ولا تَتعرضْ لها بسوءٍ، فأنتَ مسؤولٌ عنها، وَيَجِبُ عليكَ المحافظةُ عليها ، واعلم أنَّ قتلَ النَّفسِ من كبائرِ الذنوبِ، وسببٌ لعذابِ اللهِ ، وسخطِهِ وغَضبِهِ يومَ القيامةِ ، ومِنْ أعظمِِ النّفوس حُرمَةً عِندَ اللهِ ، نفسَكَ التي بين جنبيكَ، قالَ تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]، فَها قد نَهانا اللهُ عن قتلِ أنفُسِنا ، لأنّه تعالى بنا رحيمٌ ، ولِذَا وجَبَ على المسلمِ ، الصبرُ على البلاءِ ، وحُرِّمَ عليهِ ، الاستعجالُ بقتلِ نفسِهِ ، بل نُهي عن تمنِّي الموتِ ، وأُمرَ بالصّبرِ والاحتسابِ.فيا أيُّها أيّها المسلمُ، إنّ سنّةَ نبيِّكَ r بَيّنَتْ عِظمَ قتلِ الإنسانِ نفسَهُ، وأنّ قَتلَ الإنسانِ نفسَهُ كبيرةٌ من كبائرِ الذنوبِ، تُوعِّدَ عليها بالنَّارِ يومَ القيامةِ، ففي الصحيحِ أنّهُ r قالَ: {من قتلَ نفسَهُ بشيءٍ في الدّنيا عُذِّبَ بهِ يومَ القيامةِ} ، أي: يكونُ عذابُهُ بذلك النّوعِ الذي أزهَقَ به نفسَهُ، وفي الصحيحِ أيضًا من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه ، أنّه r قالَ:{ مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهْوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسَمُّهُ فِى يَدِهِ ، يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ ، يَجَأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا} ويقولُ r : { الَّذِى يَطْعَنُ نَفْسَهُ إِنَّمَا يَطْعُنُهَا فِى النَّارِ وَالَّذِى يَتَقَحَّمُ فِيهَا يَتَقَحَّمُ فِى النَّارِ وَالَّذِى يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِى النَّارِ } في عهدِهِ r رجلٌ غَازٍ معَهُ r لا يدَعُ للمشركينَ شاذّةً ولا فاذّةً ، إلاّ قضى عليها،كما عند البخاري من حديث سهلٍ بن سعد الساعدي رضي الله عنه ، لا يدَعُ للمشركينَ شاذّةً ولا فاذّةً ، فقالَ النبيُّ r : {أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ }، فقالَ بعضُ الصَّحابةِ: إن يَكُنْ هذا في النّارِ فمنْ يدخلُ الجنةَ؟! لِمَا رُأِىَ من شجاعتِهِ ودِفَاعِهِ، فَلمّا آلمتْهُ الجِراحُ ، استعجَلَ الموتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سيفِهِ في الأرضِ وذُبابَهُ بينَ ثَدْيَيهِ ثُمَّ تَحَامَلَ على سيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ ، فخَرَجَ الرجلُ إلى رسولِ اللهِ r وقالَ: أشهدُ أَنّكَ رسولُ اللهِ؛ قَالَ ومَا ذَاكَ ؟ قَالَ الرجلُ الذي ذَكرتَ آنِفاً أَنَّهُ مِنْ أَهلِ النَّار ، فَأَعظَمَ النَّاسُ ذلك ، فَقلتُ أَنا لَكُمْ بِهِ ، فَخَرْجتُ في طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرحَاً شديداً فاستعجَلَ الموتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سيفِهِ في الأرضِ وذُبابَهُ بينَ ثَدْيَيهِ ثُمَّ تَحَامَلَ على سيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ..فقال رسولُ الله r عِندَ ذلك : إِنَّ الرجُلَ ليَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجنَّةِ فيما يَبْدو للناسِ وَهُوَ مِنْ أهلِ النَّارِ وإِنَّ الرَّجُلَ ليَعمَلُ عَمَلَ أهلِ النَّارِ فِيمَا يَبدو للنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهلِ الجنَّة}، وفيهِ أيضًا أنّ رجلاً أصابتْهُ جراحٌ، فَجَزِعَ فأخذَ سِكّينًا ، فحزَّ بها يَدَهُ ، فَلمْ يرقأْ الدّمُ حتى ماتَ، فقالَ اللهُ: {بادرَني عبدي بنفسِهِ قد حرّمتُ عليهِ الجنّةَ}أيّها المسلمُ، هذه أحاديثٌ صحيحةٌ صريحةٌ ، تُبيِّنُ لك جريمةَ قتلِ النّفسِ ، وأنّها خطيرةٌ عظيمةٌ، تدلُّ على ضَعفٍ في الإيمانِ ، وقلّةٍ في الصبرِ، وعلى فسادٍ في العقلِ ، والعياذُ باللهِ.وَإلاَّ، بأيّ حقٍّ تقتلُ نفسَكَ؟! وعلى أيِّ دليلٍ تَعتَمِدُ؟! وبأيِّ سُلطانٍ تَلقَى اللهَ يومَ القيامةِ؟! إنّك تُقدِمُ على أمرٍ خطيرٍ ، فيهِ إنهاءٌ لحياتِكَ ، فهل تكونُ حياتُكَ حياةَ شقاءٍ ، وتَختِمُ حياتَكَ بسوءِ الفعلِ ، وتلقى اللهَ بهذه الخاتمةِ السيّئةِ؟!إنْ قَتلتَ نفسَكَ ، فَقَدْ عَصيتَ ربَّكَ، وخَالَفتَ هَديَ نبيِّكَ r ، فيا يا من تَخافَ اللهَ وترجوهُ ، إيّاكَ أَنْ يَستَدرِجَكَ الشيطانُ ، وتَمضيَ في الهوى ،وتَصُمَّ أُذُنَكَ عن سماعِ الحقِّ ، وعن العملِ بهِ ، وَإني من على هذا المنبر ، أُوصيكَ أن تَنتهي عمَّا نهاكَ الله عنهُ بقولهِ سُبحانَه (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)،وَأَن تَتأدّبَ بآدابِ نبيِّكَ مُحمدٍ r ، الَّذي أَمَرَكَ بأن تُحَافظَ على نفسِكَ ، ونهاكَ عن الإقدامِ على هذه الجريمةِ. ، هل تُريدُ أن تلقَى ربَّكَ وقد خُتِمَ لكَ بسوءٍ ، في يَومٍ يَتبرّأُ منكَ القريبُ قبلَ البعيد ، (يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ *وَأُمّهِ وَأَبِيهِ *وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ *لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34-37].حياةٌ متّعَكَ اللهُ بها ، فاستغِلَّها إلى أن يأتيَكَ الأجلُ المكتوبُ ، فالعبدُ ما دامَ في الحياةِ ، فإنّه يَستَقيمُ ويعمَلُ عملاً صالحًا ، ويَرجُو أن يُوفَّقَ لتوبةٍ نصُوحٍ ، فَيَلقَى اللهَ على حُسنِ حالٍ ، فاستقِمْ على الطاعةِ والهدى ، وحافِظْ على نفسِكَ، والزَمْ الطريقَ المستقيمَ ، واحرِص على ما يزدادُ به إيمانُك ، فإنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقصُ ، يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصيةِ ، وهذا معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ ،وما التفكيرُ بالإنتحار ، إِلاَّ بسببِ ضعف الإيمان ، أو رُبما لفَقدِ الإيمان ، أسألُ اللهَ جلَّ في عُلاَه ، أن يَحفَظَني وإيّاكم بالإسلامِ ، وأن يُحبب إلينا الإيمان ، ويُزينهُ في قُلوبنا ، وأن يُكَرِّهَ إلينا الكُفرَ والفُسُوقَ والعِصيَان ، وأن يجعلنا من الراشدين ، وأن يُعيذَنا من شُرورِ أنفسِنا ، ومن سيّئاتِ أعمالِنا ، ومن سوءِ الخاتمةِ.
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم،
ونفَعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تَسمعون، وأستغفِر الله لي ولكم
الحمدُ للهِ وكَفَى، وصَلاةً وسَلاماً على النبيِّ المصطفى، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ، ومَنْ اتبعَ هُداهُم واستنَّ بِسُنَتِهم واقتفى.وبعد: فإنَّ اللهَ قد فتحَ لعبادِهِ أبوابَ التوبةِ ، ودلَّهم على الاستغفارِ ، وجَعَلَ لهم من أعمالِهمُ الصالحةِ كَفَّاراتٍ ، وفي ابتلائِهم مُكَفِّراتٍ ، بل إنَّهُ بفضلِهِ وكَرَمِهِ ، يُبدلُّ سيئاتِهم حسناتٍ:قال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) لقد جعلَ اللهُ في التوبةِ مَلاذاً مكيناً ، ومَلجأً حَصِيناً ، يَدخلُهُ الْمُذنِبُ مُعتَرفاً بذنبِهِ ، مُؤمِّلاً في ربِّهِ ، نَادِماً على فعلِهِ ،غَيرَ مُصِرٍّ على ذَنبِهِ.كارِهاً أن يعودَ فيه ، يَحتَمي بِحمَى الاستغفارِ، ويُتبعُ السيئةَ الحسنةَ ، فَيُكَفِّرُ اللهُ عنه سيئاتِهِ ، ويَرفَعُ درجاتِهِ ، فيا مَنْ وقعتَ في الذنوبِ ،صَغيرِها وكَبيرِها ، عَظيمِها وحَقيرِها ، نداءُ اللهِ لكَ: (قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) عبادَ اللهِ صلّوا على المعصومِ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ فقد قالَ بأبي هو وأمي { إن من أفضَلِ ِأيامِكُم يومَ الجمعةِ فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبِضَ وفيهِ النفخةُ وفيهِ الصعقةُ فأكثروا علي من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ علي قالوا وكيفَ تعرضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرمتَ فقالَ إن اللهَ عز وجل حَرّمَ على الأرضِ أن تأكلَ اجسادَ الأنبياءِ}اللهم صل وسلّم وأنعم وأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، ورض اللهم عن أصحابه الأطهار ماتعاقب الليل والنهار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل في قُلوبِنا نُوراً نهتدي به إليك ، وتولنا بِحُسنِ رعايتِك ، حتى نتوكلَ عليك ، وارزقنا حلاوةَ التذلُلِ بين يديكَ ، فالعزيزُ من لاذَ بعزِكَ ، والسعيدُ من التجأَ إلى حماكَ وجودِك ، والذليلُ من لم تُؤَيّدْهُ بعنايتِكَ ، والشقيُّ من رضيَ بالإعراضِ عن طاعتِكَ ، اللهم نَزِّه قلوبَنا عن التعلقِ بمن دونِك ، واجعلنا من قومٍ تحبُهم ويحبونَك ، وَأَعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُجاهدينَ المُوَحِدِّينَ ،اللهم سدد رميهم ، ووحِّد صفهم ، وثبِّت أقدامَهُم ، وانصرهم على عدوّك وعدوِّهِم ، اللهم عليك باليهودِ والنصارى المعتدينَ الحاقدينَ ، ومن كرِهَ الإسلامَ والمسلميَن ، اللهم احفظْ بلادَنا ، وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات