الحمد لله، ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون. وما تُسرِونَ وما تُعلِنُون. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه الصادقَ المأمونَ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدُون بالحقِّ وبهِ يعدِلُون. وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ يُبعثُون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد : أيُّها الأحبةُ في الله ، اعلموا أن الإيمانَ باليومِ الآخرِ ، هو أحدُ أركانِ الإيمانِ الستة ، التي لا يَصحُّ الإيمانُ إلا بها قال تعالىلَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) ولما سأل جبريلُ النبيَّ rعن الإيمان قال: { أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ} ولما كان ذلك اليوم مسبوقاً بعلاماتٍ تَدلُّ على قُربِ وقوعِهِ – وهي أشراطُ الساعةِ – ناسبَ أن نعرفَهَا لأن الإيمانَ بِها واجبٌ وهو من صُلبِ العقيدة، قال تعالى:(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وقال تعالى:(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) أَشْرَاطُهَا أي: علامَاتُها. ولما كان أمر الساعةِ شديدًا ، كان الاهتمام بشأنِهَا أكثَرُ من غيرِها. ولهذا أكثر النبي rمن بيان أشراطها ، ونبه أُمَتَهُ وحَذَّرهُم ، ليتأهبوا لذلك ، وأما وقتُ مَجيئِها ، فهو مما انفردَ اللهُ بعلمِهِ وأخفَاهُ على العباد ، لأجلِ مصلَحَتِهِم ، ليكونوا على استعدادٍ دائمٍ. كما أخفى سُبحانَهُ عن كُلِّ نفسٍ وقتَ حُلولِ أجَلِهِا لتكونَ على أُهبةِ الاستعدادِ, وأَلاَّ تتكاسل عن العمل. وقد جاء في كتاب الله ، ما يَدلُّ على أن وقتَ وقوعِ الساعةِ من خصائصِ عِلمِ الله، ولذا فإنه لم يُطلِعْ أحداً على وقُوعِهِا، لا ملكاً مُقرب، ولا نبياً مُرسلاً. قال تعالىيَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وقال تعالى( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) وهذه الآياتُ واضحةُ الدلالةِ ، على أن الوقتَ الذي تَكونُ فيه الساعةَ ، لا يعلَمُهُ إلاَّ الله . وأنَّها تأتي بغتةً. وأن الرسولَ rلا يدري متى هُو. بل لما قال جبريلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ عليه الصلاة والسلام :{مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ} فالبحث في هذا الأمر ، والزَّعم أن الساعةَ سَتَقَعُ في عامٍ بعينِهِ ، تقوُّلٌ على اللهِ بغيرِ عِلم . والذين يَبحثُون في هذا المجال ، يظنونَ أنَّهُ يُمكنِهُم أن يعلموا ما لم يعلمْهُ الرسولُ rوجبريل عليه السلام! وكفى بذلك واعظاً ورادعاً ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. والنبي rلم يُخبر إلاَّ عن أشراطِهَا ، والعلامات الدالة على قربها. وأما وقت مجيئِها ، فقد سكتَ عنهعليه الصلاة والسلام ، لعلمِهِ أَنَّهُ من خصائصِ الله عز وجل. والكلام عن أشراطِ الساعةِ ، مُهِمٌ جِدا ، ويمكننا أن نوجز الفوائد التي نحصل عليها من وراء دراسة الأخبار ، التي تَتَحدَّثُ عن أشراط الساعةِ والمغيبَات المستقبليةِ في الأمور التالية:منها أن الإيمانَ بالأخبار التي وردَ فيها ذِكرُ أشراطِ الساعةِ ، هُو من الإيمانِ بالغيبِ وقد قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ومنها،أنَّ وقوعَ تلك الْمُغيبات على النَّحوِ الذي حَدَّثت به الأخبار ، يُثبِّت الإيمان ويقويه. فالمسلمون يُشاهِدُونَ في كل عَصرٍ شَيئاً من الأحداث التي أخبرَ النبي rعن وقوعها.وهذا مما يثبت الإيمان ويقويه. وقد يكون ذلك مَدخلاً لدعوة الآخرين إلى هذا الدين ، الذي جاءنا من عِندِ الله ،ومنها أنَّ هُناكَ وقائِعَ وأحداث ، تَقَعُ في آخرِ الزمانِ يخفى على المسلمينَ وجهِ الحق فيها . لو تُرِكَ المسلمون إلى اجتهادِهِم ، فإنَّهم قد يختلفون ، وقد لا يهتدون إلى الصّواب. بين الرسول rوجه الصوابَ فيها ، وما ينبغي أن يفعله المسلمون عند وقوعها . فمن ذلك مثلاً إِخبَارُهُ r ،عن حقيقة الدّجَال وبيانُ ما يأتي به من الشُّبهات ، وما هو التَّصرفُ الأمثلَ حِيالَها ، من ـ أن الدجالَ – يَمكثُ في الأرضِ أربعينَ يوماً:يقول عليهِ الصلاةُ والسلام { يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ }وقد سأل الصحابة النبي rعن تلك الأيامِ الطويلةِ أتكفي في الواحدِ منها صلاةُ يوم؟ قالوايَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ {لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ }ولو وُكِلَ العبادُ إلى اجتهادهم لاقتصروا على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة ، في غير هذه الأيام. ويكفي أن الإيمانَ بأشراطِ الساعةِ ، وما ورد فيها من أخبار ، هو من الإيمانِ باللهِ ورَسُولِهِ ، إذ كيف نؤمن بالله ورسوله ثم لا نصدق بما جاء عنهما في ذلك ؟ومن الفوائدِ ، تذكير المؤمنين بأن المستقبلَ للإسلام ، وأن العزةَ للهِ (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) خُصوصاً في هذا الزمان ، الذي قَويت فيهِ شَوكةُ الكُفَّار ، وضَعُفت فيهِ قُوةُ المؤمنين. خاصة إذا قرأ المؤمن الأخبارَ التي ورَدَ فيها الانتِصَارُ على الرّومِ واليهودِ والدَّجال .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-فإن أشراطَ الساعةِ التي ذكرَهَا الرسولُ rقَسمَها أهلُ العِلِمِ إلى ثلاثةِ أقسام:* القسمُ الأول: ظَهَرَ وانقضَى وهي الأَماراتُ الصُّغرى: كانشقاقِ القَمَر ومُوت النّبي r, ومِثلُ تَقارُب الزّمَان وتَتَابُع الفتن.* والقِسمُ الثاني: ظَهَر ولم ينقضِ : بل لا يَزالُ في زيادةٍ وبعضُهُ لم يَظَهر. وهي الأماراتُ الوسطى.* القسم الثالث: الأَماراتُ الكُبْرى والتي تَعقُبُها الساعة ، وهي تتابُعٍ كَنِظَامِ خَرَزاتٍ انقطعَ سِلكُها. وأولُها ظُهورُ المسيحِ الدَّجال.اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطنعبادَ اللهِ، صلّوا على المعصومِ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ والتَّسليم فَلإنه يقولُ بأبي هو وأُمي { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }ويقول{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ،، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات