[align=justify]في الصغر وفي أيام الصّبا وفي عصر الشلّة وعصر شجايبك حارتنا وغيرها من الأمور التي تميز بها ذلك العصر عاينت بعض الصبيان المشاكسين المؤذين للناس والذين لم يسلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم ، وكان أكبر دافع لأولئك المشاكسين لفعل ما يحلو لهم دون اكتراث لعواقب الأمور هي الثقة المفرطة من أولياء أمورهم بأنهم الأحسن أخلاقاً على مستوى العالم ، والأفضل تربية بين أقرانهم وأنهم لا يغدرون بذمّة ولا يظلمون النّاس حبّة خردلِ ! ، ولطالما شاهدت بعض أولياء الأمور يضرب أيماناً مغلّظة نافياً فعل ولده لما يشين ، لكنّ أمّ عيني كانت تقول غير ذلك وقد كانت حاضرة حين حدوث الواقعة وهي الآن حاضرة أيضاً لتشاهد ابتسامة خبث من ذلك الصبي يرافقها أيمان مغلّظة من وليّ أمره يعقبها بقوله : مستحيل ولدي ما يسوّيها !.
مرت السنون تتلوها السنون وكبرنا وأصبحنا نشاهد مثالاً آخر لتلك الثقة المفرطة والتي تسببت أيضاً في وقوع الظلم على كثير من الناس ، وأصبحنا حين نذهب للدوائر الحكومية لإنجاز معاملة ما ونشعر بظلم يقع علينا من قبل أحد الموظفين ونقوم بتقديم شكوى لدى مسؤوله نفاجأ بذات الكلمة الناتجة عن ذات الثقة المفرطة التي وضعت في غير محلّها وهي : مستحيل فلان ما يسوّيها ، فلان كفاءة ، فلان من خيرة الموظفين ... وغيرها من العبارات التي تسببت في جعل "فلان" يعيث في أرض المراجعين فساداً .
ينبغي على كل راعٍ في رعيّته ، وعلى كل مدير في إدارته ، وعلى كل وزير في وزارته ، وكل أمير في إمارته ألاّ يفرط في ثقته في من دونه وأن يغلّب فيهم جانب إساءة الظنّ ابتداءً وأن يتحسس سيرتهم ويستمع لشكاوى النّاس ضدهم ليعطي كل سائل مسألته ويرد على كل مظلوم مظلمته وألا يكتفي بترديد : فلان ما يسوّيها وفلان من خيرة الموظفين وفلان من رجالات الدولة ونحن لن نظلم أحداً وغيرها من العبارات التي تعين الظالم على مواصلة ظلمه ولا تسمن المظلوم أو تقيه من جوعه لساعة إنصاف .


‏منصور الغايب[/align]