الحمدُ للهِ ،قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ شهادةَ حقٍ ، لايشوبها شكٌ ، أنَّهُ لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد : أيها الأحبةُ في الله ، فَإنَّ الحسدَ أصلُ الشرِّ ، ومَنْ أضمرَ الشرَّ في قلبِهِ ، أنبتَ لهُ نباتاً مُرَّ المذاقِ ، نماؤُهُ الغيظُ ، وثمرتُهُ البغضاءُ والضغينه ، والحسدُ أيُّها الأحبةُ في الله ، يَسربُ إلى القلبِ ، فَيجثمُ فيهَ ، ويَتَرعرعُ فيهَ ، حتى رُبَّما مَلئَهُ فَأترغَهُ ، والحَسودُ الحقُودُ ، يَعيشُ قَلِقاً كَئيباً ، ويَزدادُ قَلقُهُ وهَمُّهُ ،كُلَّما رأى مَن يُبغضُهُ ، في مكانٍ مَرمُوق ، أو أَثنَا النّاسُ على من يُبغِضُه خيراً ، إذا سَمِعَ ثناءُ النَّاسِ خيراً ، على من يُبغضهُ ، سآءَهُ ذلك وقَلِقَ ، وتَكدَّرَ عليه قلبُهُ ، ما يُريدُهم يُثنونَ عليهِ خيراً ، يَحسدُ أخاه ، على الفضلِ الذي آتاهُ اللهُ إيَّاه ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقول (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)ويقولُ سُبحَانَه (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فيا أيها الفُضلاءُ ، واجبٌ علينا إن نتفقدَ القلوبَ ، من هذا الدّاءِ وغيرِهِ من الأدواء ، التي تأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ ، يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ{ دبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلَكُم ، الحسدُ والبغضاءُ ، هي الحالقةُ لا أقولُ تحلِقُ الشعرَ ، ولكن تحلِقُ الدّينَ } ومشكلةٌ أُخرى أيُّها الأحبه ، وهيَ رُبَّما أّنَّ المصابَ بهذه الأدواءِ لا يُحِسُ بها ، يَتأَلَّفُ مَعَهَا ،وتنموا وتتضاعفُ ، دونَ أن يُحسَ ذلك من نفسِهِ ، بل دونَ أن يُأنِّبَ نفسَهُ عليها ، فَمَنْ الَّذي وقفَ مع نفسِهِ مُعنفاً ، لأنه أحسَّ بالبغضاءِ تدبُ في قلبِهِ؟ ومَنْ الذي وقفَ مع نفسِهِ مُحَذِّراً ، لأن الحسدَ تحركَ بين جوانحِهِ ؟ ومَنْ الَّذي وقفَ مع نفسِهِ مَذعوراً ، لأنه أحسَّ فيها شهوةَ تَصَدُّرٍ ؟ إن هذه مشكلةٌ أُخرى ، وهي أن الإنسانَ ، يتألفُ مع هذه الخطايا والأمراضِ ، ولا يتفقدُها في نفسِهِ ، بل رُبَّما يَتَعَدَّى ذلك ، إلى تبريرِ هذه الخطايا ، وفلسفةِ هذه الأمراضِ ، وما أيسرَ ذلك ، على صاحبِ الهوى ، أن يصطنعَ المعاذرَ لنفسِهِ ، ويَفتَحَ َلها سُبُلَ التهرِبِ ، سُألَ النبيُ e ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: {كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ } قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ِ قَال:َ {هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ } إننا إيُّها الأحبه بِأشدِّ الضرورةِ ، إلى تفقدِ خَطَراتِ القلوبِ وتصفيتِها ، وأن يَعلمَ كلٌّ منَّا ، إِنَّهُ يَومَ يَدبُّ إلى قلبِهِ ، شيءٌ من خطايا القلوبِ ، فَإنَّ مَعنَى ذلك ، أن النَّارَ تشتعلُ في ثيابِهِ ، ويوشكُ أن تُحرقَ بدنَهُ ، فانظرْ كم يُضيِّعُ على نفسِهِ من الخيرِ ، مَنْ يحملُ في قلبِهِ الأحقادَ والضغائنَ ، ثُمَّ انظرْ إلى القلوبِ التي تعالتْ عن الحسدِ والبغضاءِ والغضبِ لنفسِها ، الإمامُ أحمدُ رحمه الله ، ضُرِبَ في زمنِ المعتصمِ ، ضَرباً شديداً ، فلما كان زمنُ المتوكلِ ، أحسَّ الإمامُ بأذى في ظَهرِهِ ، فإذا هي لَحمَةٌ فاسدةٌ ، التأمَ عليها الجرحُ، ولم يكنْ بُدٌّ من شَقِّ الظهرِ وإخراجَها، قالوا: فلما أحسَّ الإمامُ بألمِ المبضعِ ، وحرِّ الشقِّ قالَ: اللهمْ اغفرْ للمعتصمِ … أُنظر إلى نقاءِ القلوب ، يستغفرُ لمن كانَ سبباً في ألمِهِ!!! إِنَّهُ منطقٌ عظيمٌ ، لا تعرفُهُ القلوبُ الضيقةُ الْمُبغِضه ، والنفوسُ الصغيرةُ الشريرة . إنها قُلُوبٌ تسامتْ عن ذاتِها، فأينَ من هؤلاءِ ، مَنْ يحملُ على أخيهِ ، لكلمةٍ خرجتْ من غيرِ قصدٍ ، فيحملُها على الشرِّ ، وهو يَجدُ لها في الخيرِ مَحمَلاً ؟ وأين مِنْ هؤلاء من يَتَمَيّزُ غيظاً على أخيهِ ، لأنَّهُ رأى النَّاس اجتَمعوا عليه ، وأثنوا عليهِ خيراً ، وأينَ من هؤلاءِ ، مَنْ يَجعلُ مِن ذهنِهِ حَاسُوباً ، يُسجِلُ فيه كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من هفواتِ إخوانِهِ ، حتى إذا غَضِبَ على أحدِهم ، أخرجَ له قائمةً طويلةً ، فيها الحوادثُ والأرقامُ والتواريخُ ؟ وأين من هؤلاءِ ، من لا يكادُ يَصفُو قلبُهُ لأحدٍ ، فهو يَحسِدُ هذا، ويَحقِدُ على ذاك، ويغضبُ على الثالثِ، ويسيءُ الظنَّ بالرابعِ، ويَتَهِمُ الخامسَ ، ويَشي بالسادِسِ ، وهكذا دَواليك ؟ فلماذا كُلَّ هَذا ؟ أليس سلامةُ الصَّدرِ أولى وأطهرَ وأبردَ للقلبِ؟ أليس جمالُ الحياةِ أن تقولَ لأخيكَ كُلَّمَا صافحتَهُ: اللهم اغفرْ لي ولأخي ، بلى واللهِ ، بلى واللهِ ، بلى واللهِ ،ولكِنها البغضاءُ والحسَدُ والضغينة ،التي لا يَحمِلُها قلبٌ مؤمن ، اللهُمَّ اهْدِي قَلْوبَنا وَسَدِّدْ ألِسِنتنا وَاسْلُلْ سَخَائِمَ قَلْوبَنا وآتي نفوسنا تقواها ، وزكِّها أنتَ خيرُ من زَكَّها ، أنتَ وليُها وملاها .. بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
الحمد للهِ ، نحمَدُه حمداً يَلِيقُ بكريمِ وجهِهِ ، وبعظيمِ سلطانهِ ، نحمدُه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ونشهدُ أن لا إله إلا هو سبحانه لا شريك له ولاندَّ له ولاشبيه . ونشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، وصفيُهُ وخليلُهُ ، نبياً شرحَ اللهُ صدرَهُ ، ووضعَ عنه وزرَهُ ورفعَ ذكرَهُ . صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ، الطيبينَ الطاهرينَ ، وعلى من سارَ على نهجِهِم إلى يومِ الدينِ ، وسلم تسليماً كثير اً : أما بعد : أيها الأخوةُ في الله ، من آثارِ الْحَسَدِ والبغضاءِ ، السرورُ بالمُصيبةِ ، إذا حلت بمن يبغضهُ ، وهذا من فعل المُنافقين ، قال تعالى ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ) فالمبغض يتصفُ بصفةٍ ، من صفات المُنافقين ، وهي الفرحُ على أهلِ الأيمانِ ، بالمصائبِ والشدائدِ ، ومن آثارِ البغضاءِ ، أنهُ يُمكنُ أن يُفشي لهُ سِراً ،ويتربص بهِ الدوائِر ،ويطيرُ فَرَحاً بالوشايةِ والشائعةِ عليه ، ومن آثارِهَا ، أنهُ ربُّما يَمنعَهُ حَقاً من حقوقِهِ ، حقاً مالياً ، أَو صِلَتِ رَحِم ، أو مَظلمةٍ من المظالم ، ورُبما يترتبُ على البغضاء ، قطيعةٌ بين المُؤمنين ،من الهجرِ ونحوهِ ، والذي هو من أسبابِ دخولِ النار ، كما قالrكما في سُننِ أبي داوود من حديثِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r {لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ} ويتركُ الْمُبغِضُ صلةُ الرّحم ، وصلةُ الرّحم فريضةٌ ، وأمرٌ حتمٌ لازم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام ، في الحديث المُتفق عليه { لا يدخل الجنة قاطعُ رحمْ } فقاطعُ الرّحم ، لا يدخُلُ الجنة ، فهذه من آثار البغضاء ،وهناكَ آثارٌ لا يَتسع المقامُ لحصرها . عبادَ الله صلّوا رحمني الله وإياكم على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي }وقال{ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ أعفوا عنَّا ، ويا وسعَ المغفرةِ إغفر لنا ، ويا قريبَ الرّحمةِ، أرحمنا برحمَتِك الواسعة ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ،اللهُم من أرادنا بسؤ ، فأبطل باسه ونكس راسه ، واجعل النار لباسه ، وشَرِّد بالخوفِ نُعَاسَه، اللهم قَطِّع مَفَاصِلَه ، وأصب مَقَاتِلَه ،واستُرنا اللهُمَّ فوق الأرض وتحت ألأرض ويَومُ العرض ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات