.
.
علموني كيف أسلو!
أنواع الخرجة في الموشحات الأندلسية

الموشح الأندلسي فن شعري جميل مطرب, وهو كما يعرّفه د. رضا محسن القريشي: ضرب من ضروب الشعر تتعدد قوافيه وأوزانه تبعا لرغبة ناظمه، ويعد ثورة على الشعر المقفى التقليدي الذي يخضع لقيدي الوزن الواحد والقافية الواحدة .
وشاع هذا الفن الشعري الأندلسي وانتشر في الأندلس وأولع به بعض بعض الشعراء المشارقة, وهو فن كان مرتبطا بالغناء لتعدد أوزانه وقوافيه وقيوده.
وتختلف الموشحات عن القصائد العربية من حيث البناء إذ يتألف الموشح من أجزاء مختلفة يكوّن مجموعها بناء الموشح الكامل، وللموشحة أجزاء هي (المطلع - القفل - الدور - السمط - الغصن - البيت - الخرجة) ويمكن اختصار هذه الأجزاء باثنين: (القفل) ويشمل المطلع والأقفال المماثلة والخرجة, و(البيت) وهو كل ما يقع بين بين قفلين ويُسمى أيضا (الدور), وهو غير البيت في القصيدة التقليدية, لأن بيت الموشحة يتكون من عدد من الأجزاء وهي (الأغصان). وكل قفل مع البيت الذي يليه يسمى (السمط), وسيأتي في نهاية هذه المقالة نوذج لموشحة كاملة.
وما يعنيني هنا من هذا كله هو (الخرجة) وهي القفل الأخير في الموشحة, وهي أجمل ما في الموشحة عادة لأن لها تقليدا لغويا ومعنويا خاصا, ولأنها آخر ما يعلق بذهن السامع صار الوشاحون يتفنون فيها ويحاولون أن تكون حلوة مؤثرة, ولذلك فإنهم يُفَضَّل أن تكون (عامية) اللغة, وقد تكون (أجنبية) أي بلغة أهل الأندلس الأصليين, وقد تكون (معرّبة) أي فصيحة وهو الأكثر, قال ابن سناء الملك (دار الطراز في عمل الموشحات): والشرط فيها أن تكون حجّاجية (نسبة إلى الشاعر البغدادي الماجن ابن الحجاج ت 391هـ) من قبل السخف, قزمانية (نسبة إلى ابن قزمان القرطبي شاعر الزجل المشهور ت 555هـ) من قبل اللحن, حارة محرقة, حادة منضجة, من ألفاظ العامة, ولغات الداصة (السفلة الخساس), فإن كانت معربة الألفاظ منسوجة على منوال ما تقدمها من الأبيات والأقفال خرج الموشح من أن يكون موشحا, اللهم إلا إن كان موشح مدح وذَكَر الممدوح في الخرجة فإنه يحسن أن تكون الخرجة معرّبة, كقول ابن بقي:
إنما يحيى سليل الكرام .. واحد الدنيا ومعنى الأنام
وقد تكون الخرجة معربة وإن لم يكن فيها اسم الممدوح ولكن بشرط أن تكون ألفاظها غزلة جدا, هزازة سحارة خلابة, بينها وبين الصبابة قرابة, وهذا معجز معوز, وما يوجد منه في الموشحات سوى اثنين أو ثلاثة, كقول ابن بقي:
ليلٌ طويل ولا معين .. يا قلب بعض الناس أما تلين؟
فمن قدر أن يقول مثل هذا فليعرّب وإلا فليغرّب.
انتهى كلام ابن سناء الملك.
ويجعل الوشاحون الخرجة في الغالب على ألسنة الصبيان والنسوان والسكارى, أو على ألسنة الحيوانات كالحمام أو المجردات كالغرام والحرب ويمهدون لها بكلمة (قال) أو (غنى) أو ما يقارب ذلك, كقول ابن عبادة:
إن الحمام في أيكها تشدو:
قل هل عُلم أو هل عُهد أو كان
كالمعتصم والمعتضد ملِكان؟
وهناك صفات أخرى للخرجة ذكرها ابن سناء الملك في كتابه المذكور.
وفيما يلي نماذج حلوة للخرجة حسب أنواعها الثلاثة (المعرّبة ـ الأجنبية ـ العامية) وأحلاها وألذها بالطبع العامية كما سيأتي, وسيرى القارئ أن في بعضها من الإسفاف ماذكره ابن سناء الملك من أن من صفاتها أن تكون (من لغات الداصة):

أولا: الخرجة المعرّبة:

1- قال ابن اللباقة يمدح بني عباد:
لك الفضل .. وإنك من آله
رأى الكل .. بكم نيل آماله
فما يخلو .. من ينشد في حاله
بني عباد .. بكم نحن في أعياد .. وفي أعراس لا عد متم و للناس


2- وغادة تبدو .. كالبدر في السعد
أمالها النهدُ .. في غُصُنٍ رند
أوراقها البردُ .. أينع بالورد
باتت وهي تشدو
حبيبي اعزم .. وقم .. واهجم .. وقبّل فم .. وجي وانضم
إلى صدري وقم بخلخالي .. إلى أقراطي قد اشتغل زوجي

3- جسمي نحيل لا يستبين .. تطلبه الجلاس حيث الأنين
تجاوز الحدا .. قلبي اشتياقا
وكلف السهدا .. من لو أطاقا
قلت وقد مدا .. ليلى رواقا
ليل طويل ولا معين .. يا قلب بعض الناس أما تلين؟

4- زحف الصبر فولى ... عندما هزوا القدود رماحا
رب خصر دق منك فراقا
يعقد السيف عليه نطاقا
فتشكى ثقل ردف فضاقا
فلذا دق هواي وجلا ... إن من مات هوى اِستراحا
لست أشكو غير هجر مواصل
مذ منعت القلب عن عذل عاذل
وتغنيت لهم قول قايل:
علموني كيف أسلو وإلا ... فاحجبوا عن مقلتي الملاحا
ثانيا: الخرجة الأعجمية:

1 - لابن عبادة شاعر المرية (عصر الطوائف).
مو سيدي إبراهيم
يا نوامن دلج
فنت نيب
ذي نخت
إن نن شنن كرش
ارم تب
غرمي أوب
لغرت
Meu sidi Imbrahim
Ya nuemne dolje
Vente mib
De nokhte
In non، si non queris،
Ireme tib؛
garme a ub
Legarte
وترجمته: يا سيدي إبراهيم ؟
يا اسما حلوا - تعال إلي ؟الليلة - وإلا
إن كنت لا ترغب ؟
أجيء أنا إليك - آه -
أخبرني أين أجدك؟


2 - للوزير ابن المعلم (عصر الطوائف)
بن يا سحارة
ألب قشت كن بلفغور
كند بني بدي مور
ven، ya sahhara!
ALBA QUESTA CON BEL VIgORE
CUANDO VENE PIDE AMORE
وترجمته: تعالي، يا سحارة!
الفجر الذي هو جميل كعادته
حين يجيء يتطلب حبيبا

3 - للأعمى التطيلي (عصر المرابطين):
مو الحبيب انفرم ذي مو أمر
كن دشتر
ننفيس اميب كسد نوليغر
Meul - habib cnfeymo de meu amar
Que no destay؟
Non ves a mib que s e ha de no lleqar؟
وترجمته:
حبيبي مريض بسبب الحب
وكيف لا يكون ذلك؟
ألا ترى انه لن يرجع إلي أبدا

4- للأعمى التطيلي:
الب ذيا اشت ذيا
ديا ذي العنصرة حقا
بيشتري مو المدبج
ونشق الرمح شقا
Albo dia este dia
Dia del ansara haqqa
Vestire meu L - mudabbaj
Wa nashuqqu I - rumha shaqqa
وترجمته:
يا فجر اليوم، هذا اليوم الجميل
يوم العنصرة حقا
سألبس مدبجي
ونشق الرمح شقا

ثالثا: الخرجة العامية
1- تُرجى الحياة به بالفتكِ .. والعيش باَلحيْنْ
ملكت منه سرير المُلكِ .. بالحق لا الَميْن
هيهات ماليَ عنه مهرب
صادف منه غليلي مشرب
فاسمع لما قد جرى لي واطرب
وإن شربتَ عليه فاشرب
دفع لي بوسه فُمَيْم* المُلْكِ .. فبستو ثنتين
لولا نخاف إنه مني يبكي .. لبستو ميتين
ــــــــــــــ
* فميم: تصغير فم, كما نقول: أُفيم.


2- حَنَّ فؤادي ومثله حَنَّا .. لِمُرَّةِ الهجر حُلْوةِ المجنى
وإن بعضي ببعضها جُنّا .. فظل يُكني متيم غَنّى:
صُغَيّري لا ينام من تحتي .. همَّا
جاع المُسَيْكين وصاح يا ستي .. مَمَّا

3- العذل فيها قبيح .. كمثل من أفحشا .. في موسم الحج
وجارتي جايرة .. لم ترع لي حق الجوار
ملولة هاجرة .. مخلوقة لي من نفار
وإن أتت زايرة .. غنّت لنا وسط النهار
حبيبي دعني نروح .. دخل عليّ العِشا .. واسّا* يجي زوجي
ـــــــــــــــــ
* اسّا: أي هذه الساعة, وهي بالعامية تعني: هالحين

4- ومن له في السماء مثوى .. فما لخَلْقٍ به لحاق
إلا إذا صُيِّرت مطايا .. له من البرق والبراق
قد نلت من سعده مرامي .. بالمال والجاه والشبيبة
وكم أتتني إلى مقامي .. رغيبة منه بل غريبة
وطالما قلت يا كلامي .. اسكت فقد أثبت الحقيبة
وربما همت من غرامي .. وربما قلت في الحبيبه:
حبيبتي حلوى حلوى حلوى ... يا لله ما أحلاها في العناق
لا سيما إذا نبيت عرايا ... وتلتوي ساق فوق ساق!

5- طابت لي .. اللجاجة .. وقلت للأشجان دومي .. ما أنا وحدي
ذو مهجة مقيمة .. في القرب من ظبي غرير .. وهو في البعد
قلبي لها يتوق .. وقلبها يقول
هيهات لا طريق .. هيهات لا وُصُول
فقلت والمَشُوق .. يقنعه القليل
اقضِ لي .. فَرْدَ حاجه .. يا ست بوسه في الفُمَيمِ .. وآخْر في الخد
والحاجة العظيمة .. أن نطلعوا فوق السرير .. ونحطّ يدي

6- قد أينعت زهرةالشباب .. لمُجتَنِيك
ورونق الُحسن قد تَجَلَّى .. لِمجتليك
مَضَى إليها الرسول منَي .. وجاء من عندها يغنّي
وما دَرَى أنه يُهنِّي .. وأنه جاء بالتمني
وقال قالت أبْلِغْهُ عني:
نهُود قد خرّقت ثيابي .. واليوم نَجِيكْ
عُرياناً ترضى بي .. وإلاّنا نرضَ بيكْ

7- بَرِّدْ غليل نَاري .. وَشِم ظبُي الأشفار .. لا تقتلني
لَمَّا أطال حزني .. ولم يَرْحَم
وزاد في التجني .. وما سَلّم
شدوته أُغني .. غِنا مغرم:
حبيبي إنتا جاري .. دارك بجنْبِ داري .. وتهجرني؟

8- ثُمَّ يَجمَحُ .. فهو يداوي ويجرحُ
أتى ثم راح .. فعذري إن همتُ بَيّنُ
وغيري استراح .. وراحتي ليس تُمْكِنُ
فهل من جُناح .. إن قلت لقومٍ ام يحزنوا
يا قوم استحوا .. يَرُوح حبيبي وتفرحوا؟

9- من البَيْنِ .. عدمتُ أشياخي
تراني راضِ .. إن عشتُ عن نفسي
زمانك المعتوب .. أعيا على العُذّال
وغيرك المكذوب .. هذا عناء طال
فاسْل عن المطلوب .. واسمع لمن قد قال
يُهَدِّد المحبوب:
باللَّه عليك اهجُر .. وخُنْ واغدرُ
ولا تنظُر .. ولا تحضُر
على عيني .. لا بُدَّ لي ياخِي
نروح للقاضي .. يَجْعَلْكِ في حَبْسي

10- على حُكْمي ظبيٌ أنيسُ .. له الهزَبْر فريسُ
ظبيٌ ألْمىَ .. رِيِّي لَمَاه
بدرٌ تَمّا .. تحلو حُلاَه
يجلو الظَّلما .. منه سناه
غَنَّى لما .. قبّلتُ فاه
أكَل فَمِّى ممّا يبوسو .. ذي النَّفّقة مِن غير كيسو

11-أنت نصيبي من كل ما اقترحتُ .. حسبي حبي ما شيت لا ماشيتُ
أنا وأنت .. أسوة هذا الهجرِ
بالصبر بنتا .. مع انصداع الفجرِ
ومذ رحلتا .. غنى الجوي في صدري:
سافر حبيبي سحر وما ودعتو .. يا وحش قلبي في الليل إذا افتكرتو

12- ما لي وللحسَن .. عهد من الحب لا يخلق
إن قلت بي جنة .. فأين ما أتلو وأفرق
ألقاك عن عفر .. فلا أناجيكا .. إلا اشتياق
والله ما أدري .. قد التوى فيكا .. أمري وضاق
أشدو وما عذري .. ألا أقاضيكا .. إلى العناق
يا رب ما أصبرني .. نرى حبيب قلبي ونعشقو
لو كان يكون سُنَّه ... فيمن لقي خلو بِعَنِّقو
* * *

ونختم بهذه الموشحة الجميلة, وقد مرت بنا خرجتها الحلوة قبل قليل:


حلت يد الأمطارِ .. أزرة النوارِ .. فيأخذني
اشرب طاب الصبوح .. في ذا اليوم
في روضة تفوح .. لدى الغيم
قد أشرقت تلوح .. لذي القوم
ووجه ذا النهارِ .. مغطى بخمار .. من الدجن
ظلمت إذ بعدت .. عن الصب
فعد كما قد كنت .. إلى قربي
غدرت ونفرت .. فيا حبي
أفديك من غدارِ .. تدين بالنفارِ .. ولا تدني
هذا الهوى يجور .. فما صنعي
قد ضاق با منصور .. به ذرعي
إذ ليس لي نصير .. سوى دمعي
فيا ضعف انتصاري .. إذ أدمعي .. أنصاري .. على حزني
محبوبي هب رضاكا .. وخذ عمري
وعِلَّني لَماكا .. من الثغر
بما حوت عيناكا .. من السحر
برّد غليل ناري .. وشم ظبي الأشفار .. لا تقتلني
لما أطال حزني .. ولم يرحمْ
وزاد في التجني .. وما سلمْ
شدوته أغني .. غنا مغرمْ:
حبيبي إنتا جاري .. دارك بجنب داري .. وتهجرني؟


..