[align=justify]ينتابني الذهول حين أمعن النظر في بعض الأشخاص الموالين لجهة ما والذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتحدث بلسانها في كل صغيرة وكبيرة ، وسبب ذلك الذهول هو أن كل تلك الشخصيات أجد بينها قاسماً مشتركاً وهو خلوّ رؤوسهم من الحكمة والحصافة وخلو ألسنتهم من الفصاحة واختيار الألفاظ المناسبة ، ودائماً ما "تجيب العيد" وتتسبب في تأليب الناس على تلك الجهة حمقاً منها فيكونون كمن : أراد نفعاً فضرّ من غير قصدٍ // ومن البرّ ما يكون عقوقا ، وكأن تلك الجهة بالفعل قد عجزت عن إيجاد حليف أفضل من الموجود حالياً ، أو أنها تعتمد على المثل القائل : "الجود من الموجود" ، وتستعير عبارة الرمز النصراوي عبدالرحمن بن سعود رحمه الله لتقول : النصر بمن حضر .

بعض الجبناء يغريهم نوم الأسد في عرينه فينهالون عليه بالسبّ والشتم والتطاول وهو عنهم في شغل فالنوم سلطان ، ولكنهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام "أكلاُ" حين يغريهم نوم ذاك الأسد أكثر وأكثر ليتقدم أشقى القوم فيلطمه على وجهه لطمة توجعه فتوقظه ، فيبدأ بالاقتصاص منهم واحداً تلو الآخر وعندها لن يكون الترتيب بحسب الإساءة بالطبع بل سيكون بحسب الأسمن والأكبر وزناً ولا عزاء للمربربين ، ولهذا قالوا قديماً "إيّاك أن تصفع أسداً نائماً" !

حين اختلى أصدقاء يوليوس قيصر به في قصره ليقتلوه ، وحين انهالت خناجرهم تنهش من جسده ، وحين كان يهمّ بمفارقة الدنيا على إثر خيانة أصدقاء الأمس وأعداء اليوم ، طعنة واحدة فقط من بين كل تلك الطعنات هي التي آلمته أشد الألم ، وفتكت به أشد الفتك ، إنها طعنة بروتس الذي أحسن إليه يوليوس قيصر كثيرا ، ومنحه الثقة المطلقة وأحاطه بالحب الكبير ، حتى قال يوليوس قيصر - وهو مقبل على الموت - جملته الشهيرة التي أصبحت مضرب مثل فيما بعد : "حتى أنت يابروتس" ؟! .

"حتى أنت يابروتس"؟! ، قالها يوليوس قيصر حين سقط قناع بروتس وبدا وجهه الحقيقي ، ويحقّ لكل أحد أن يقولها لمن نال ثقته وحظى بتأييده وحبّه ، لكنه في ليلة ذات غباء ، سدّد له طعنة لا سلّمه الله بعدها إن سلم منها المطعون ، وعلى الباغي تدور الدوائر .

في مضارب بني "تعس" حاولت سمية ذات يوم أن تستدرج عنترة بعبارة "اشرب ياكاويني" بعد أن هيأت له كل ما يريد من الأصفر والأحمر والاقحواني والمودماني ، لكنّ عنترة أبى لأنه أراد أن يشرب بالعزّ كأس الحنظلِ ، فأثبت لها بأنه أسد وإن طالت نومته فإنه إن استيقظ سيستيقظ أسداً ولن يصيّره طول نومه قطّاً أبداً ، وأّنه لا تغريه الملذّات ولا المكرمات ، وأن "الكرامة" والمروءة تلصق به كما تلصق البمبرة في الرخام الأملسِ ، وأن الرضوخ والخنوع يبعد عنه كبعد العبدلي عن خطّ وفرةِ ، وأن مصير كلّ من يراهن على صبر أسد مصفوع على وجهه رفسة كرفسة الحصان في بطن قطوةِ ، وأن عبارات السبّ والشتم من قبل سميّة وأشباهها لن تؤثر فيه وسيواجهها مستعيراً عبارة يوليوس قيصر الشهيرة ولكن بتهكم وسخرية هذه المرة قائلاً "حتى أنت ياسميّة"؟!
[/align]