الخطبة الأولى
الحمد لله مولي النعم ، صاحب الجود والكرم ، المتفضل على خلقه بدفع النقم
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ،
} الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، النبي الأعظم ، صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { واعلموا ـ أحبتي في الله ـ أن من النعم العظيمة ، التي ينعم بها الله U على عبده المسلم ، نعمة الفراغ ، أن يتفرغ المسلم من مشاغل هذه الحياة ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )) فالفراغ نعمة عظيمة بشهادة النبي r ، ولكن الكارثة والمصيبة ، أن أكثر الناس يفرط بهذه النعمة فيكون ـ والعياذ بالله ـ في
عداد المغبونين .
أيها الأخوة :
كثير هم الذين يجعلون مشاغل الحياة مطية لتقصيرهم ، ووسيلة ومبررا لعدم قيامهم بواجباتهم ، وشماعة لإهمالهم وعدم مبالاتهم بكثير من حقوق غيرهم ، تأمل ـ أخي المسلم ـ عندما تعاتب أحدهم لتقصيره بصلة رحمه ، أو عدم حرصه على ما يقربه من خالقه ، كالصلاة مع الجماعة وطلب العلم وحضور حلق الذكر ، وغير ذلك ، تجده يشتكي من عدم توفر الوقت ، يقول : يا فلان والله مشغول ليس عندي وقت ! وهو ـ والله العظيم ـ إنه لكاذب ، والدليل على كذبه ، أنه يقضي أوقات طويلة ، من أجل شهواته وملذاته ، ، ولكنه يبخل بخمس دقائق يصل بها رحمه ، ويعجز عن ثلاث دقائق يقرأ بها صفحة من كتاب الله ، يكتب له في كل حرف منها عشر حسنات ، فسبحان الله ، أين مشاغله عن شهواته وملذاته !
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الحديث عن قضية الفراغ ، يتأكد في هذه الأيام ، حيث نستقبل بعد أيام قليلة الإجازة ، فهذه النعمة العظيمة ، يتمتع بها شريحة من المجتمع ، وأي شريحة ، بل هي أهم شريحة ، إنها شريحة الشباب ، يقول الشاعر :
إن الفراغ والشباب والجده
مفسدة للمرء أي مفسدة
فلا بد من الاعتناء بهذه الإجازة ، والتخطيط لها ، والاستفادة من دقائقها قبل ساعاتها ، لأنها ـ أيها الأخوة ـ هي جزء من عمر الإنسان ، ورصيد من وقته ، وفي حديث عبدالله بن مسعود يقول الرسول r (( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم )) فهذه الإجازة فترة من العمر ، وجزء من الشباب ، فينبغي استغلالها ، واغتنام لحظاتها ، كما قال النبي r : (( اغتنم خمسا قبل خمس ، حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك )) فذكر منها الفراغ قبل كثرة المشاغل .
عباد الله : إن هذا الفراغ الذي سوف يمر به أبناؤنا ، إذا لم يغتنم بالخير ، فإنهم سوف يستعملونه في الشر ، ولنكن ـ أيها الأخوة صرحاء ـ أبناؤك إذا لم تشغلهم بالخير ، فإنهم سوف يجدون من يشغلهم بالشر .
ومن رعى غنما في أرض مسبعة
ونام عنها تولى رعيها الأسد
إذا لم نعمل على حفظ أوقاتهم ، واستغلالها واستثمارها بما ينفعهم دنيا وأخرى ، فإنهم سوف يقضون أوقاتهم بما يعود وبالاً عليهم ، وعلينا نحن ، بل وعلى مجتمعهم وأمتهم
فينبغي لنا ـ أيه الأخوة ـ أن نرسم الخطط ، لهذا الفراغ الذي سوف يتخرج منه أبناؤنا إما بصلاح وإما بفساد . نعم أخوتي في الله ، شهران أو أكثر ، كفيلة بأن تشكل حياة الشاب ، وترسم أوضاعه ، قد يحفظ فيها أجزاء كثيرة من كتاب الله ، وعددا كبيرا من أحاديث النبي e ، قد يلازم فيها درسا لأحد المشايخ ، أو دورة علمية .
شهران أو أكثر، قد يلازم الابن والده ، والبنت أمها ، فيتعلمان منهما الكثير ، الابن يتعلم معاني الرجولة ، ويتعود الاعتماد على النفس ، والبنت تتعلم من أمها ، مهام النساء ، لتعتمد على نفسها بعد ذلك . وهذا قد يكون في هذه الأيام المقبلة المملوءة بالفراغ ، إذا استغلت استغلالا صحيحا ، وخطط لها تخطيطا سليما .
وأما إذا لم يخطط لها ، وترك الفتى والفتاة ، يسهر الواحد منهم طوال الليل عند القناة الفلانية ، لمتابعة برنامج ساقط ، وعند القناة الأخرى ، لمشاهدة مسلسل هابط ، وعند ثالثة ، لرؤية جسد عار ، وعند رابعة وخامسة وسادسة من قنوات الفساد والإفساد ، فسوف تنتهي الإجازة ، بشهادة ذات تقدير عال في عالم الانحراف والضياع والفساد لكل شاب وشابة .
فلنعمل أيها الأخوة على استغلال أوقات فراغ أبنائنا ، ولنهتم في هذا الأمر ، الذي سوف نكون أول من يجني ثماره ، نعم أول من يجني ثماره ، مهما كانت هذه الثمار ، حلوة أو فاسدة ، لذيذة أو مرة : } وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن قضية الفراغ ، قضية مهمة ، يجب أن لا يستهان بها ، وأن لا يغفل عنها ، ولا أدل على ذلك ، من الاعتناء بها في كتاب الله U ، ومن حرص النبي e عليها ، وأمره باغتنامها وحثه على استغلالها .
وهناك ـ أيها الأخوة ـ حقيقة لابد من قولها والاعتراف بها ، وهي أن فاقد الشيء لا يعطيه ، ولا يجني من الشوك العنب ، فو الله الذي لا إله غيره ، لن نعمل على حفظ أوقات أبنائنا ونحن مفرطون في أوقاتنا ، فلنكن قدوات خير لا قدوات سوء ، في كل شيء ، لا سيما في قضية الوقت والفراغ .
أيها الأخوة :
إن الاهتمام في الوقت ، من صفات الصالحين ، والتفريط فيه وإضاعته ، من أبرز عادات المفرطين ، فالله الله في حفظ أوقاتكم ، فالواحد منكم ما هو إلا أيام ، كلما ذهب يوم ذهب بعضه ، تقول رابعة : يا سفيان : إنما أنت أيام معدودة ، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل ، وأنت تعلم فاعمل .
ويروى عن وهب ابن منبه ـ رحمه الله ـ أنه قال : ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه . وساعة يحاسب فيها نفسه . وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه ، ويصدقونه عن عيوبه . وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويحمد ، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات ، وفضل بلغة واستجمام للقلوب .
اسأل الله U أن يعينني وإياكم على حفظ أوقاتنا ، واستغلال فراغنا بما يفيدنا وينفعنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا من كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر إنه سميع مجيب . هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم بالصلاة والسلام عليه .....
المفضلات