الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي قدّر المقدور ، ويسّر لأهل الإيمان سبلَ السعادة والسرور ،وأشهد أنّ لاإله إلا الله وحده لاشريك له جرتْ مَشِيئَتُهُ في خلقه بتصاريف الأمور ، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله أنار الله به العُقُولَ وشرح به الصّدور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم البعث والنشورِ...
أما بعد: أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله فتقوى الله خير لباس، وأزكى ذُخر عند الشدائد والبأس، وأفضل عُدّة وزاد، يبلّغ إلى جنان ورضوان ربّ العِباد، (( تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلتي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا))
عباد الله / لقد اختار الله لأمة الإسلام منهجها وبيّن لها طريقها، فهي وسط بين الأمم، وطريقها هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، ((وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ)) فهي أمة الوسطية، ودينها وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، فكما أن الجافي عن الأمر مضيّع له فالغالي فيه مضيّع له، فالتزحزحَ عن هذا المنهج الوسط يعتبر افتراءً على الله في حكمه، واستدراكًا عليه في شرعه، وإن وسطية الإسلام وسماحته لا تؤخذ من العقول البشرية، ولكنها تؤخذ من النصوص الشرعية على فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ودين الله تعالى واحد، وهو الحقُّ والنور والهدى، والصراط المستقيم الذي يوصِل إلى رضوانه والجنة، وأديان الشيطان كثيرة، وهي الباطل والضّلال والظلمات، وهي ما عدا الحقّ الذي فرضه الله تعالى على عباده، وبلَّغته رسله عليهم السلام؛ ولذا جاء صراط الله تعالى في القرآن مفردًا، كما جاء النور مفردًا، وجاءت الظلمات بصيغة الجمع، كما جمعت سبُل الباطل، ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا بيده ثم قال: ((هذا سبيل الله مستقيماً))، قال: ثم خط خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال: ((هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه))، ثم قرأ: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) رواه النسائي وأحمد وصححه الحاكم.
وإذا تأملنا في أحوال أمة الإسلام اليوم نجد هاذين الأنموذجين ظاهرين جلياً فمنهم من جفا لما عَرَضت لهم بعض الشبهات في إخوانهم المسلمين فكفروهم ثم قاتلوهم بناء على تكفيرهم لهم، ونتج عن ذلك مفاسد عظيمة من إيقاع الكفر على من لا يستحقه، ثم الاعتداء عليه، واستباحة دمه وماله؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس )) ومنهم من غلا في أشخاص كالغلو ببعض الصحابة رضي الله عنهم كغلوهم مثلاً بعليٍّ رضي الله عنه فادّعوا له العصمة ثم زعم ا النبوةَ فيه، واتّبعهم على ذلك الجهلة من الناس ومن في قلبه مرض ،حتى وصل غلوُّهم بعلي إلى أن خلعوا صفاتِ الربوبية عليه وعلى زوجه وولده رضي الله عنهم ، فاجتمعت الفرقتان على تكفير المسلم وترويعه واستباحة دمه ولو كان أقرب قريب ، ولا شك أن هذا عملٌ يتنافى مع أحكام الشريعة التي جاءت بعصمة دماء المسلمين والمستأمنين، ويخالف مقاصد الشريعة التي جاءت بحفظ الدين والنفس والمال والعرض، والمسلم لا يزال في فسحة في دينه ما لم يصب دمًا حرامًا.
عباد الله / إنه لمن المؤسف جداً والمحزن حقاً أن يسمع المسلم بين وقت وآخر ماتهتز له النفوس حزناً وأسفاً من تلك الاعتداءات الإجرامين من هاتين الفرقتين وغيرها الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم وأجرموا وبغوا واعتدوا وأفسدوا فساداً عظيماً وأقرب مثال وشاهد مايحدث لأخواننا في بلاد الشام واليمن ، وماحدث لأحد رجالات هذا البلد من اختطاف في بلاد اليمن على يد مجموعة مجرمة والتهديد بقتله ذبحاً بالسكين والتهديد كذلك بتفجير سفارة هذا البلاد وقتل المواطنين وكذلك مطالبتهم بالإفراج عن النساء من الفئة الضالة وإرسالهن إلى اليمن وما في هذا من تعد على حقوق محارمهن وأهلهن وأسرهن وولاة أمر هؤلاء النساء وماتضمنه هذا الطلب بارسالهن إلى اليمن من ادعاء أنهم ولاة أمر هؤلاء النساء ولاشك أن ترويع المسلم أو قتله جريمة شنيعة ترتعد منها الفرائص وتنخلع لها القلوب، والله عز وجل يقول : ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))ويقول ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)) ويقول سبحانه وتعالى ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))
وقال صلى الله عليه وسلم ((اجتنبوا السبع الموبقات))، وذكر منها: ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)). وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)).
اللهم أحفظ شبابنا وشباب المسلمين ، اللهم أحفظهم من الأفكار الخبيثة ، اللهم أحفظهم من شياطين الإنس والجن ، اللهم فقهم في الدين واجعلهم هداة مهتدين يارب العالمين .
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين.
عباد الله / إن هذه الاعتداءَات الآثمة والأفعال الطائشة والتصرّفاتِ الإجرامية لن تثني إخواننا رجالَ هذا البلد المبارك عن مواصلة استبسالهم في أداء واجبهم ومواقفهم البطولية المشهودة، في إخلاصٍ وتفانٍ وإتقان وكفاءةٍ؛ لأنهم مطمئنون أنهم على الحقّ والهدى بإذن الله.
بالله عز وجل ثم بأعمالهم ويقظتهم تبقي هذه البلاد عزيزةً محفوظة رافعةً لمنار الدين وراعية الإسلام .
أيها المسلمون/ إن مسؤولية مواجهة هؤلاء الضالين ليست على رجال الأمن وحدهم، ولكنها مسؤولية الجميع، كلٌّ حسب موقعه.
إن الإحساسَ بالخطر على الدين والأهل والديار والفرقة والفوضى هو الأمر الذي يجب أن يستشعره الجميع؛ ليكونوا أكثر يقظةً وحذرًا ونباهةً، ولتكون التصرّفات أكثر وعيًا وحِكمة لما يُحاك ضدّ هذه البلاد ودينها وأهلها وأمنها وولاة الأمر فيها.
فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله على قضائه وقدره ، والحمد لله على نعمِه التي لا تُحصَى؛ جمع كلمتنا على الحق، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، جمعنا على إمام واحد ودين واحد وبلدٍ واحد، فنسأله سبحانه أن يزيدنا أمنًا واستقرارًا ونعمةً وفضلاً وصلاحًا وفلاحًا، وأن يردَّ كيدَ الحاقدين ومكر الماكرين على بلادنا وأئمتنا وولاة أمورنا وعلمائنا وأهلينا، كما نسأله سبحانه أن يعجل بالفرج لأخينا المخطوف وأن يرزق أهله الصبر والسلوان ، كما نسأله أن يمُدّ الساهرين على أمتنا وراحتنا بعونه وتوفيقه، وأن يسدِّد آراءهم وخُططهم ويبارك في أعمالهم وجهودهم ويربطَ على قلوبهم ويكشف لهم كلَّ غامض وأن ينصرهم على كلّ مفسد ومخرِّب ومحارب، إنه سميع مجيب.
ألا وصلّوا وسلّموا على نبيّ الرحمة والملحمة النبي المصطفى والرسول المجتبى، فقد أمركم بذلك المولى جلّ وعلا فقال في محكم تنزيله ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا))
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
المفضلات