الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِناومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَن يُضلل فلاهادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً((. أمَّا بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدْيِ هدْيُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعد ...أيها الناس / اتقوا اللهَ حَقَّ التّقوى، فتقوَى الله سَبيلُ الهدَى، والإعراضُ عنها طريقُ الشّقا(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
عباد الله /لا تزال المحرقةُ النصيريةُ تَعِيث في الأرض الفساد ، لا تزال مناظرُ الأشلاء وشلالاتُ الدماء تنزفُ في أرض الشام ، مشاهدٌ فاقت المعقول ، وأدهشت العقول ، فآهٍ ثم آه ، من مراراتٍ في القلوب ، ولوعاتٍ في الضمير لا نملك معها إلا الحوقلةَ ، واستقطارَ الدموع ، والاستعاذةَ بالله تعالى من ولاية من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، نعوذ بالله من قلوبٍ كالحجارة بل أشد ، نزعت منها الرحمة والرأفة والإنسانية ، نعوذ بالله من ألسنةٍ حداد ، لا تفتر في شتم الدين ، والكفرِ بالله رب العالمين. لسنا بحاجة عباد الله أن نستذكرَ الفواجع ، ونستدرَ المواجع ، لسنا بحاجة أن نصوِّر توجُّعاتِ المصابين ، ولا آهاتِ المقهورين ، ولا أنَّاتِ المكلومين ، بل حتى المساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً لم تسلمْ من هذه الهجمة النصيرية.
لنتجاوز هذا كلَّه – ياعباد الله - فعدساتُ الإعلامِ قد كفتنا تصويرها ، والصورةُ أبلغ من ألفِ قولٍ ومقال ، وإنما سيكون الحديثُ عن مِنَحٍٍ بيضاء ، ومكاسبَ موجودة ، وخيرِ حاصلِ ،نخفف بها جراحاتنِا ، ونحيي بها جذوةَ الأمل ، فما أضيق العيشَ لولا فسحةُ الأملِ.
فالله لا يقدِّر شرًّا محضًا؛ بل قضاءُ الله فيه من الخيرِ والخيرية ما يغيب على كثيرٍ من العباد، فأيُّ مصابٍ أعظم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن يُتَّهَم في عِرْضِه، وتُرمى زوجتُه - أحبُّ الخَلْق إليه - بالفاحشة، ويمكثُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شهرًا كاملاً، بهمِّه وغمِّه، ينتظر خبر السماء، ثم يأتي الوحي بَلْسَمًا على قلب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – ((لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)) فمن غير اللائق بأمَّة الإسلام، أمَّة الشهادة والحُجَّة، أمَّة البَذْل والهداية والإرشاد أن تنوح على مآسيها ، وتتوجَّع لخسائرها ، وتتناسى مكاسبها ومرابحها .
عباد الله :وأول مكاسب نطقت بها أحداث سوريا :إظهار سوأةَ النظام النصيري في المنطقة وفضحه بين العالم ، هذا النظام الذي أصم الآذان دهوراً بشعارات المقاومة للعدو ، فإذا هذا النظام الطائفي يرتكب من المجازر والقتل والوحشية في بضعة أشهر ما لم يرتكبة الصهاينة في خمسين سنة؛ بل لم يعرف المسلمون في واقعهم المعاصر نظاماً أجبر الناس على الكفر ، واستهدف المساجد ومزق المصاحف ، واستهزأ بالشعائر كما فعله النظام النصيري في سوريا.
ومن مكاسب الثورة في سوريا : انكماشُ التمدد الشيعي في العالم الإسلامي والشامي على وجه الخصوص فكم أَنفقت حكومة ملالي طهران من المليارات لنشر التشيع في الشام خلال سنوات طويلة تحت نظر وحماية النظام النصيري وكل هذه الجهود ذهبت هباء منثوراً فلم ولن يحتمل الشعب السوري السني بعد مواجعه هذه أيَّ نشاط صفوي في بلادهم. عباد الله : ومن أعظم مكاسب الثورة في سوريا : اجتماع الناس وتوحدهم تحت راية الدين ، وارتباط القلوب بالله رب العالمين والتمسك بسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام،شكواهم ((حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ)) وشعارهم (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) ورؤيتهم ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) وعزاؤهم (( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ))ويقينهم(( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )) وسلواهم((وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ))أصبحت المساجد هي الملاذ وهي مقر الانطلاق، آيات القرآن لم ينقطع دويها وعبارات التكبير والتهليل دام هتافها .
الاستشهاد بأقوال ابن تيمية وابن القيم والنووي هي أحاديث الشباب هناك،تواصي الناس على الصبر والمصابرة والمرابطة حديث مسموع ، وأحاديثهم عن المقاومة والشهادة خطاب مرفوع ، بل عادت صور التضحيات التي كنا نقرؤها في التراث نراها في الواقع ، نساء شامخات يتجلدن مع ما بهن من الألم والكَلْم ، ويرفضن أن يتلقين العزاء في أبنائهن ، بل يطلبن التهاني بهذه المناسبة .
هذه هي الشام التي عرفها تاريخ الإسلام ، هذه هي الشام التي كانت رمز العز ، وموطن التمكين ، فعلى ثراها دفن سيف الله المسلول ، خالد بن الوليد ،وفي أرضها عسكر موكب الفاروق ثلاثة أيام في أرض الجولان حين ذهب لفتح القدس ، هي موطن الخلافة الأموية ، ومنها انطلقت جيوش الإسلام إلى أرجاء الدنيا ، وهي البلاد التي خرجت للأمة آلاف العلماء والفقهاء والأدباء. هذه البلاد ستبقى إسلامية بهويتها ، سنية بعقيدتها بإذن الله تعالى ، فاللهم إنا نسألك نصرإخواننا المستضعفين من المسلمين في كل مكان يارب العالمين.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله علَى إحسانِه، والشّكرُ له علَى توفيقه وامتِنانِه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحَابه وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله / ومن أعظم مكاسب ثورة الشام : انتصار القيم ، والثبات على المبادئ ،والإصرار على إزالة هذه العصابة الحاكمة التي بلغت جرائمها عنان السماء ، بل أسقطت المقاومة صنم الخوف الذي بناه النظام طيلة أربعين سنة .
لقد ثبت هذا الشعب السوري الأبي ثباتاً يَعِزُّ نظيره في عالم اليوم ، رغم تخاذل القريب والبعيد ، ولسانُ حالهم :
مرحباً بالمنايا في سبيل عزتنا وديننا ، ورفع الظلم القاهر عنا ، فإما حياة تسر الصديق ، وإما ممات يغيظ العِدا. ومن مغانم أحداث الشام : المكاسب الاجتماعية ، التي جعلت أرواح السوريين عبارة عن روح واحدة تسكن ملايين الأجساد .
فرغم المآسي والجرح الغائر ، ورغم أن الظلمة منعوا الشعب أبجديات الحياة من الكهرباء والماء والعلاج ، حتى عمّت الحاجة وشاعت الفاقة ، إلا أن الناس لم ينس بعضهم بعضاً ، لقد شاهد العالم كيف يعيش أهلنا في سوريا حياة التعاون والأخوة والإيثار، فأخرجت لنا هذه الأحداث معادن رجولية ضحت بأرواحها من أجل إسعاف طريح،ومداواة جريح،أو إيصال القوت للأحياء المحاصرة وأخيراً عباد الله لنعلم أن المآسي كلما زاد ألمها وعظم جرحها فدافعتها الأمة بالصبر والتقوى ، فإن التغيير بعدها كبير بكبر حجم هذه المأساة (( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )) اللهم في تدبيرك مايغني عن الحيل ، وفي كرمك ماهو فوق الأمل ، وفي حلمك مايسد الخلل ، وفي عفوك مايمحو الزلل ، اللهم فبقوة تدبيرك وعظيم عفوك وسعة حلمك وفيض كرمك ، أسألك أن تدبر لأهل سوريا بأحسن التدابير ، وتلطف بهم ، وتنجيهم مما يخيفهم وتنصرهم على طاغيتهم وكل من أيده وناصره وأعانه على ظلمه ، اللهم لانضام وأنت حسبنا ولانفتقر وأنت ربنا ولا نخاف وأنت ملاذنا فأصلح لنا شأننا كله ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ولا حول ولاقوة إلا بك ......
المفضلات