الحمد للهِ الذي أحكمَ بحكمتِهِ ، ما فطرَ وما بنى وقربَّ من خلقِهِ برحمتِهِ ، من تقربَ ودنا ، ورضيَ بالشكرِ من بريتِهِ ، لنعمِهِ ثمناً ، أمرَنا بخدمتِهِ لا لحاجتِهِ ، بل لنا ، يغفرُ الخطايا ، لمن أساءَ وجنا ، أحمدُهُ مُسِراً للحمدِ ومُعلِناً ، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ هو، يجزلُ العطايا لمن كان محسِناً ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، إمامَ الهدى ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأمناءِ ، وسلَّم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد : أيها الأخوة في الله :فإنَّ الإنسانَ الذي أسرفَ على نفسهِ بالذنوبِ والمعاصي ، ترى في وجهِهِ ظلمةً من آثارِ الذنوبِ والمعاصي ، وما إن يُقبلُ على اللهِ بالتوبةِ الصادقةِ ، وبالعبادةِ الخالصةِ للهِ ، إلاَّ وترى وجهاً منيراً بالإيمانِ وطاعةِ الرحمنِ ، لأنه كما أنَّ للمعصيةِ سواداً في الوجهِ ، فإنَّ للطاعةِ نوراً في الوجهِ ، قال عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ رضي للهُ عنهما [إنّ للحسنةِ ضياءً في الوجهِ، ونوراً في القلبِ، وسَعةً في الرزقِ، وقوَّةً في البدنِ، ومحبةً في قلوبِ الخلقِ. وإن للسيئةِ سواداً في الوجهِ، وظلمةً في القلبِ ، ووهناً في البدنِ ، ونقصاً في الرزقِ، وبُغضاً في قلوبِ الخلقِ]فالإيمانُ له أثرٌ معنويٌ وحسيٌ ،وهوَ، يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصيةِ ، وهذا مُعتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ ، قال تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) وفي حديثِ سحرةِ فرعونَ الذين قصَّ اللهُ قصتَهم في القرآنِ الكريمِ ، عِبرةٌ وذكرى ، لمن أرادَ التدبرَ والاتعاظَ ، فانظرْ كيفَ تغيرتْ شخصياتُهم ؟ وكيف انقلبتْ موازينُهم ؟ كيف تحولتْ أفكارُهم وقلوبُهم ؟ كانت هِمَمُهُم مشدودةً إلى المالِ حينما قالوا: (أَإِنَّ لَنَا لاَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ) وكانتْ آمالُهم منوطةً بفرعونَ ، حينَ أقسموا بعزتِهِ ( وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ )كان هذا منطقَهم قبلَ أن يؤمنوا ، فلمّا ذاقوا حلاوةَ الإيمانِ ، كان جوابُهم بالرغمِ من التهديدِ والوعيدِ ، في بساطةٍ ويقينٍ ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (طـه:72) فبعد أن كانَ همُّهم الدنيا ، صارَ همُّهم الآخرةَ ( لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا ) وبعد أن كانوا يحلفونَ بعزةِ فرعونَ ، صاروا يحلفونَ باللهِ ربِّ العالمين ، الذي فطرَهم ، تغيرَ الاتجاهُ… وتغيرَ المنطقُ … وتغيرَ السلوكُ… وتغيرتْ الألفاظُ ، في لحظاتٍ ، أصبحَ القومُ غيرَ القومِ ، فمن أيِّ شيءٍ كانَ هذا التحولُ السريعُ ، والتغيرُ الفظيعُ؟! إنه الإيمانُ ، الَّذي وصلَ إلى الأعماقِ ، وانظروا أيها الأحبةُ في الله ، ماذا صنعَ الأيمانُ في قلوبِ أصحابِ محمدٍ e يُقدِّمُونَ رِقَابَهم في سبيلِ اللهِ ، وبعضُ النّاسِ ولِلأَسفِ الشديدِ كما قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ )(المنافقون: من الآية4) لكنهم لايشهدونَ الصلاةَ معَ الجماعةِ ، ويستثقلونَ الطاعةَ ،فأحدُهم ، يسمعُ المؤذنَ ، وهو يُرددُ حي على الصلاةِ ، حي على الفلاح ِ، ولا يُجيبُ : فَأيُّ إيمانٍ هذا ، الَّذي لا يُوصِلُ صاحبُهُ إلى المسجدِ ، خبيبُ بنُ عديٍّ t , عرضَهُ المشركونَ على مَشنقةِ الموتِ، وسألوهُ: مَاذا تُريدُ يا خبيبُ ؟ قال: أريدُ أن أُصليَ ركعتينِ، فكانَ أوّلَّ من سنَّ صلاةَ ركعتينِ قبلَ القتلِ، وتوضأَ وصلى ركعتينِ ، واستعجلَ فيهما ، ثم فرغَ منهما ، وقالَ لهم: واللهِ لولا أن تَظنوا أن ما بي جزعٌ ، لطولتُها.فللهِ درُّ هَذِهِ الْهِمَمِ العاليةِ ، هَكَذا كانوا رضي اللهُ عنهُم ، أمَّا نحنُ والعياذُ باللهِ ، فتكفي الإشارةُ عن العبارةِ ، وأهلُ مكةَ أدرى بشعابِها!!!فَرُفِعَ رضي اللهُ عنهُ إلى المشنقةِ ، فدعا عليهم قائلاً: اللهم احصْهِم عدداً ، واقتلْهُم بدداً ، ولا تُغَادِرْ مِنهُم أحداً، قالوا له: أتريدُ أن يكونَ محمدٌ مكانَكَ ،وأنتَ في أهلِكَ ومالِكَ؟! قال: لا واللهِ، لا أريدُ أنّ رسولَ اللهِ e يصابُ بشوكةٍ ، وأنا في أهلي ومالي, ثم أنشدَ t أنشودةَ الموتِ وهي قصيدةُ الفداِء:
ولستُ أبالي حين أُقتلُ مسلماً
على أيِّ جنبٍ كانَ في اللهِ مصرعي
وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإن يشأْ
يباركْ على أشـلاءِ شلـوٍ ممـزعِ
ثم قُتلَ t ، يقولُ أهلُ السيرِ كان خبيبُ بنُ عدي يقولُ ، قبلَ أن يُقْتَلَ: اللَّهُم أبلغْ عنا رسولَكَ ما لَقِينا، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ ، وهو في مكةَ والرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ في المدينةِ ، فأخذَ النبيُ e يقولُ في تلك اللحظةِ: عليكَ السلامُ يا خُبَيبُ, عليكَ السلامُ يا خبيبُ، عليكَ السلامُ يا خبيبُ،
، هكذا الأيمانُ باللهِ وبرسولِهِ ، وهكذا الصبرُ على دينِ اللهِ ، والثباتُ على الحقِّ.
بعنا النفوسَ فلا خيارَ ببيعِنا أعظِمْ بقـومٍ بايعـوا الغفـارا
فَأَعَاضَنَا ثمَناً أَلذَّ من المُنى جَنَاتِ عـدنٍ تُتحـفُ الأبرارا
فَلِمِثلِ هذا قُمْ خَطيباً مُنشِداً يروي القريضَ ويَنظُمُ الأشعارا
إنهُ الإيمانُ والنفوسُ المؤمنةُ ، ثباتٌ على المبادءِ وصدقٌ مع الباري ، وإخلاصٌ في الظاهِرِ والخافي ،
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم،
ونفعني وإيّاكُم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ للهِ حمداً لا ينفدْ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الفردُ الصمدْ، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ أفضلَ من تعبّدْ، اللهم صلِ وسلمْ وباركْ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ إلى يومِ الدينِ.أما بعدُ: أيُّها الأحبةُ في الله: فَإنَّ المؤمنَ الحقَّ ، هو الذي يَجدُ نفسَه عظيماً عليها ، أن تُخالفَ أمرَ اللهِ جل وعلا، يرى نفسَهُ ، عظيماً عليها أن تخالفَ الحقَّ ، أو أن تأتيَ الباطلَ ، الكثيرُ مِنّا أيها الأخوةُ ، يَرتكبُ الذنوبَ ، ويفعلُ المعاصي ، ويَنقصُ أيمانُهُ ويضعفُ ، وربما يموتُ إيمانُهُ ، ولكنّه لا يشعرُ بذلك ، ولا يَسئلُ عن ذلك ، ألم يشتكِ حنظلةُ من تَقَلَّبِ إيمانِهِ ، ويقولُ: نافقَ حنظلةُ ، ويصفُ له رسولُ اللهِ r العلاجَ ، إِنَّهم يَعرِضُونَ أمَراضَهم ، التي تُدخلُهم النارَ ، ويُخفُونَ أمراضَهم الجسديةَ حتى يُقالَ لأحدِهم ، ماذا تشتكي ؟ يَقولُ أشتكي ذنوبي . أنحضرُ لك الطبيبَ ؟ يقولُ الطبيبُ أمرضني ، أمَّا نحنُ والعياذُ باللهِ ، فحتى الصلاةَ التي هي صلةٌ بينَ العبدِ وربّهِ ، والتي هي مناجاةٌ بين العبدِ وربِّهِ ، فكما ترونَ ، ما أحسنَ من أشكالِِنا ولباسِنا ، إذا وقفنا في الصلاةِ ، وما أغفلَ من قلوبِنا بين يدي اللهِ ، فنصلي بلا خشوعٍ ، ونُصَلي بلا قلوبٍ ، فنشكوا إلى اللهِ قَسوةً في قُلوبِنا ، ونسألُهُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يصلحَ فسادَ قلوبِنا ، وأن يسترنَا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ ، اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات