خطبة جمعة عن آفة التدخين
أسميتها : الأنفاس الزكية
تفاؤلا بإقلاع المدخنين عن الدخان
وبالتالي زكاء أنفاسهم
عبدالله بن فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الحمدُ للهِ الذي استخلصَ الحمدَ لنفسِهِ ، واستوجبَ الثناء على جميعِ خلقِهِ ، ناصيةُ كلِّ شيءٍ بيديهِ ، ومصيرُ كلِّ شيءٍ إليهِ ، وتُكلانُ كلُّ أمرٍ عليهِ ، وأشهد أنه لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، وصفوتُهُ من خلقِهِ ، وأمينُهُ على وحيهِ ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) أما بعد أيُّها المُسلِمون : فإِنَّهُ ما مِن شيءٍ يَنفعُكُم إلاَّ أبَاحَهُ اللهُ لَكُم فضلاً مِنْهُ وإحْسَاناً ، وما مِن شيءٍ يضرُّكم إلاَّ حرَّمَهُ عليكُم رَحمةً منه وامتِنَاناً ، قال تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) فكَما أنَّ للهِ النِّعمةُ عليكُم ، - بِمَا أبَاحَهُ لَكُم مِن الطَّيبَاتِ،فلَهُ النِّعمَةَ أيضَاً ، بِمَا حَرَّمهُ عليكُم من الخَبَائِثِ والمُضِراتِ ، فعَليكُم أيها المُؤمِنونَ أن تَشكُروا نِعمَةَ اللهِ في الحَالَتين ، أيها النَّاس : مما هو معلوم ضرره ، ومجمع على تصنيفه في زمرة الخبائث ، تفشى في مجتمعات المسلمين ، حتى استمرأ الناس مرارته ، واستعرف الخلق نكارته ، فلا تجد بيتا إلا ما ندر ممن رحم رب البشر، يخلوا من رائحته الكريهة ، ولا تجد بقالة ولا تموينات ، إلا وهو يتصدر رفوفها ، ولا تمر في طريق إلا وترى أعقابه يمنة ويسره ، إنه الدخان ياعباد الله ، إنه العادة المدمرة ، والآفة المشمرة ، إنه الآفة التي بدأ العالم جميعا بمحاربته ، أظهرت دراسة سعودية لأمين عام جمعيات مكافحة التدخين بالمملكة وجود 6 ملايين مدخن في المملكة، بمعدل 35% من البالغين، وأكثر من 40% من المراهقين، بينما تراوحت مع الأسف الشديد نسبة المدخنات بين 6 و10% من النساء في المملكة.
وأشارت الدراسة إلى أن 34% من الطلاب و11% من الطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية هم من المدخنين، بينما لا يُعرف عدد المدخنين في المرحلة الجامعية. وقدم أمين عام الجمعية عرضاً عن أضرار التدخين بيّن فيه ان التدخين سبب في:
78 % من حالات اصابة جلطة القلب. 70% من حالات اصابة الذبحة الصدرية. 68% من حالات اصابة سرطان الرئة. 60% من حالات اصابة سرطان الفم وأن آخر إحصائية للمدخنين على مستوى العالم تجاوزت ملياراً و200 مليون مدخن , 84 % منهم في الدول النامية، مضيفاً أن الدخان يقتل سنوياً 5 ملايين شخصا بمعدل شخص واحد كل 9 ثوانٍ، شيء مذهل ، ومنذر جلل ، وكارثة عظيمة ، فكم تَعَالَتِ الأصوَاتُ في إِنكَارِ شُربِ الدُّخَانِ ، وكم صَدَرَتْ التَّحذِيراتُ الطِّبِيةُ عن إضرارِه و أضرَارِهِ ، وكم صَدَرَ من الفَتاوى الشَّرعِيَّةِ بِتَحرِيمِهِ ، وكمْ أُلِّفَ من الكُتُبِ والرَّسَائِلِ .. بِبيانِ مَفَاسِدِهِ ، ومع هَذا كُلِّهِ فشَارِبُوهُ لا يُجِيبُونَ داعِياً ، ولا يُصغُونَ لِناصِحٍ ، فأسألُك بربِّكَ يامنِ ابُتليتَ بهذا الداءِ الوبيلِ ، والشرِّ المستطيرِ ، هل سألتَ نفسْكَ ، الأنًانَةَ تحتَ وطأةِ هذا الخبيث ، هل قُلتَ لها يوماً ماَ ، إلى متى وأنا أدخنُ ؟ إلى متى وأنا أُجَاذِبُ الأذى ، وأمتصُّ الدَّاءَ ، وأَسُفُّ الوبَاءَ ، نعمْ ، إلى متى وأنتَ تُدخنُ ؟ إنْ كانَ لايهُّمُكَ المالُ فلتُهِِمُّكَ الصحةُ ، وإن كانتْ لاتَهُمُّكَ الصحةُ ، فليُهمُّكَ الدينُ ، وإنَ كانَ لايَهُمُّك شيءٌ من ذلكَ ، فليْهِمُّكَ مَنْ حولُكَ مِنَ المسلمينَ ، فإِنَّكَ تُُسيءُ إلى كُلِّ من يُجَالِسُك ، حيثُ أنَّكَ تَنْفَخُ في وجُوهِ النَّاسِ ، وتُؤذي بِه الأبرِياءَ فتَخنُقَ أنفَاسَهُم ، وتُضَايُقَهُم بِرائِحَتِهِ الكرِيهةِ ، بل تُضايقُ به حتى الملائكةَ ، لأن الملائكةَ ، تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدمَ ، ففي الحدصحيح مسلم من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أن النبيَّ r قالَ { من أكلَ من هذه البقلةِ الثومِ وقال مرةً من أكل َالبصلَ ، والثومَ والكراثَ فلا يقربنَّ مسجدَنا ، فإن الملائكةَ تتأذى مما يتأذى منهُ بنو آدمَ } لقد امتَدَّ أذى التدخينِ ، فصَارَ يُلاَحِقُ النَّاسَ ، في المكَاتِبِ والمتَاجِرِ ، والمراكبِ ، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ، { مَن آذى مُسلٍماً فَقَد أذَاني وَمَن آذَاني فَقَد آذى اللهَ } رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ حسنٍ ، فما عادَ الدُّخاَنُ كما كانَ في الماضي ، يباعُ خِفْيَةً ، ويُشْرَبُ خِلْسَةً ، إنما جِهَارًا نَهاراً ، وقد قالَ النبيُ r {كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرينَ}أيها الأباء والإخوة العقلاء : إنَّ هُناكَ أُناساً يتأسونَ بكم ، وشباباً يَقتدونَ بتصرفاتكم ، فاتقوا الله فيهم ، حتى الأطفالَ الصغارُ ، يتلقفونَ أعقابَ ما يرمى من السَجائرِ ، ظنا منهم ، أنها رمز للرجولة ، ومؤشر للنضج ، يفعلون كما أنت تفعل ،ثمَّ يَألَفَونَ شُربَها ..وَيقَعَونَ في فَخِّهَا .. وبعد ذلك ، ينْضَمَّونَ إلى صُفُوفِ المُدَخِنِينَ ، فتنهَدِمُ أجِسامُهُم ، وتفَسُدُ أخَلاقُهم ، ولربما سلكوا سبلا معوجة ، ليحصلوا على هذا الأذى ، ولربما كان هذا الأذى ، وهذا الدخان ، هو البوابة الأولى لعالم المخدرات ، فاتقوا الله ، واستتروا حتى يعصمَكم الله ،
وأنتَ أيُّها المغتربُ ، يامنِ اغتربتَ عن أهلِكَ وعيالِكَ ، تبحثُ عن لقمةِ العيشِ ، وتعافرُ الترابَ ، وترامِضُ الشمسَ ، وتكابدُ العنتَ والمشقَّةَ ، لماذا تمدُ هذه الأيادي المنهكةُ ، وتستلُّ مِنْ بينِ مقاطرِ عرقِ جبينِكَ ، مبلغاً مِنَ المالِ ، حَرَمَتَ مِنْهُ أمَّكَ وأباكَ ، وولدَكُ وبنتَكَ وزوجتَكَ وأقرباءَك ، تدفعه ثمناً لهذا الخبيثِ ، إسألْ نفسَكَ ، قل لها ، إلى متى وأنا أدخنُ ؟ واللهِ ، إنَّ المسلمَ الحصيفَ ، ليتألَّمُ أشدَّ الألمِ من حالِ المسلمينَ ، إني لأعلَمُ أنَّ المسلمَ المبتلى بالتدخينِ ، غيرُ راضٍ عِنْ نفسِهِ ، ومتأففٌ غايةَ التأفُفِ من وضعِهِ ، فهو في حرجٍ مِنْ ربِّهِ ، وفي حرجٍ من نفسِهِ ، وفي حرجٍ من الناسِ ، لكنَّ هذهِ العادةَ السيئةَ ، صارتْ كالنَّفَسِ الذي يسلُكُ رئتَيْه ، وكالنظرِ الذي يمخرُ حاجبيْه ، فيا أخي المسلمُ ، ليس عيباً أنْ يكونَ الإنسانُ مدخناً ، فالكثيرُ الكثيرُ من الناس ، دخَّنَ زمناً طويلاً ، ثمَّ أقلعَ عنهُ ، بل الكثيرُ الكثير ، مَنْ ارتكبَ أشدَّ من التدخينِ ، ثم قفلَ إلى ربِّ العالمينَ ،
ف{ كلُّ بني آدمَ خطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابونَ } وما اتصفَ اللهُ بصفاتِ التوابِ الغفورِ الرحيمِ ، إلا لوجودِ الذنوبِ والمذنبينَ ، والعصاةِ والعاصينَ ، يقولُ سبحانه وتعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)
بارك الله لي ولكم في القران العظيم
الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
وأما أنت أيها المسلم المصون ، الذي حفظك الله من شره ومصيبته ، إجعل شكرك لله في نصحك للآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأول ما نسأل الله به في هذا اليوم المبارك ، أن يهدي المسئولين في البلدية وغير البلدية ، من المراقبين الميدانيين ، على تركهم له يباع في البقالات والتموينات في كل حي ، وفي متناول أبنائنا وأطفالنا ، وبإمكانهم أن يعملوا على منع هذه المحلات من بيعه ، وأن يراجعوا تراخيص هذه المحلات ، لأن هذه المحلات رخصت لبيع المواد الغذائية فقط ، فهل الدخان من المواد الغذائية ، الدخان ليس من المواد الغذائية ، فما الذي جاء به إلى هذه البقالات والتموينات ، فهم مسؤولون أمام الله سبحانه ، ومن كلفهم بهذه الأمانة ، على تتبع الأوامر وتطبيقها ، ونسأل الله أن يهدي أصحابَ المحلاتِ ، التي تتعاملُ به وتبيعُهُ ، أن تتركَ بيعَهُ لوجه الله ، لأن صاحب المحل سيسأل أمام الله عن كل ما سببه للمسلمين من مفاسد ، وعلى المجتمع أن يتظافر في الوقوف في وجه من يبيعه على أبناءنا ، لأنني سمعت أن من العمالة التي تعمل في هذه البقالات والتموينات ، من يبيع على الصغار بالسجارة ، وهذا الأمر خطير جدا ، وأسأل الله أن يأخذَ بيدِ ولاةِ الأمرِ إلى محارَبتِهِ ونبذِهْ ومنع بيعه ،
أيها الأحبةُ في الله ، يامن بليتم بهذه الآفة : اليومُ يوُمُ الجمعةِ ، وفي آخرِ اليومِ ساعةٌ من أوقاتِ استجابةِ الدعوةِ ، فاصْدُقِ العزيمةَ من هذا المكانِ ، واسألَ اللهَ في هذه الساعةِ ، أن يعْصِمَكَ من التدخينِ ، العادةُ السيئةُ أبدلْهاَ بعادةٍ حسنةٍ ، أذكرُ أنَّ شحصًا تركَ الدخانَ بالصلاةِ ، يقولُ كلما خطَرَ لي الدخان ، قمتُ وتوضأتُ وصليتُ ، حتى تذهبَ عني رغبَتُه ، يقولُ حتى تركتُهُ ، ولاتصاحبْ مدخنينَ ، لأنهُمْ لايساعدونكَ على تركِهِ ، ويُوقِعونَكَ به ثانيةً ، واستترْ ثم استتر ثم استتر يستُرُكَ اللهُ ، ويعينُكَ على تركِهِ ،
ألا وصلّوا وسلّموا على من أمرتم بالصلاة والسلامِ عليه
المفضلات