صاحبي يشعر برغبة عارمة بحك أذنه عند شعوره بالحيرة والتشتت الذهني نتيجة مايدور حوله من أحداث تحير اللي ما يتحيرش ، لاشعوريا يمد صاحبي يده إلى جيبه ليخرجها بيضاء من غير سوء ومعه مفتاح سيارته فذلك المفتاح له فيه مآرب أخرى ، من تلكم المآرب حك أذنه به عند وصوله للحالة التي ذكرتها آنفا ، وحتى لايفهم صاحبي على غير مقصده فليس هدفه من تلكم الحركة تشغيل مخه فقد سمعته يقطع عهدا على نفسه بعدم تشغيل مخه إلا للشديد القوي ولا أعلم متى سيأتي الشديد القوي ، كما أرجو ألا تسيؤوا الظن بصاحبي فدواعي تلك الحكة ليست أوساخا وإنما هي عادة ورثها صاحبي كابرا عن كابر .
من جهتي ألتمس العذر لصاحبي فالوضع جد محير ولم يعد المرء قادرا على التفريق بين الحق والباطل فكم من باطل دثروه بدثار الحق فطار به الجهال وكم من حق شوّهوه أمام الملأ فرماه الناس خلف ظهورهم
يقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنا ماليس بالحسن
سكت أفواه الحكماء وخرست ألسن العلماء وتعالت الصيحات تلهج : اللهم سلم سلم ، وحدهم سفهاء الأحلام وحدثاء الأسنان من الرويبضة الذين يتسع لهم المقام دائما وأبدا في زماننا ، هؤلاء التافهون الذين يتكلمون في شأن العامة فيأتون بالعجب العجاب ، أبواب القنوات لهم مشرعة ، وكاميرات الصحف تأتي إليهم مسرعة ، يتكلمون في كل فن ، ويفصلون في أحوال الإنس والجن ، هم جهال ويجهلون أنهم جهال ، فجهلهم إذن مركب ، بينهم وبين الحكيم توما شبه وحمار الحكيم يتذمر منهم فقد ذكر في القصص أن حمارا لجاهل يسمي نفسه الحكيم توما قال : لو أنصف الناس لكنت أركب لأنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب .
رويبضة زماننا فاقوا الرويبضة في كل زمان فلم يتركوا خرم إبرة يستطيعون أن يلجوا من خلاله إلا وولجوا ، خاضوا في أعراض الناس وأصولهم ، خاضوا في مسائل الحكم ، خاضوا فيما يثير الفتن والقلاقل بين أطياف الشعب ومكوناته ، تكلموا في النوازل التي أسكتت أهل العلم ولم يجدوا من يلطمهم على وجوهم ليذكرهم بأنهم نكرات تكلموا في زمن سكوت فانتبه الناس لترهاتهم ، فحق فيهم المثل الشعبي القائل : قالوا لفرعون من فرعنك ؟ قال : مالقيت أحد يردني .
أرأيتم أن الوضع يجبرك على حك أذنك محتارا ، وكيف أن صاحبي معذور في تلك الحكة وأنني ربما سأواسيه في حكته تلك بأن أشاركه الحك ، وسأقترح عليه مستقبلا أن يستبدل تلك الحكة بقرصة للأذن علها أن تجدي نفعا معه وتجعله يرى الأمور على حقيقتها .
المفضلات