بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة إستسقاء
للشيخ / محمد المهوس
خطيب جامع الحمادي بالدمام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله طريق النجاة والسلامة، وسبيل الفوز والكرامة، بالتقوى تزداد النعم وتتنزل البركات، وبها تُصرف النقم، وتُستدفع الآفات.
عباد الله:تأملوا في هذه الحياة، مدبرٌ مقبلُها، ومائلٌ معتدلُها، كثيرة عِللُها، إن أضحكت بزخرفها قليلاً، فلقد أبكت أكدارها طويلاً، تفكروا في حال من جمعها ثم منعها، انتقلت إلى غيره، وحمل إثمها ومغرمها، فيا لحسرة من فرط في جنب الله، ويا لندامة من اجترأ على محارم الله.
أقوام غافلون جاءتهم المواعظ فاستَثقلوها، وتوالت عليهم النصائح، فرفضوها، توالت عليهم نعم الله فما شكروها، ثم جاءهم ريب المنون فأصبحوا بأعمالهم مرتهنين، وعلى ما قدمت أيديهم نادمين ((أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ)) [الشعراء: 205 ـ 207].
عباد الله، يا أمة محمد: ما حلَّ بتاريخ الأمم من شديد العقوبات، ولا أُخذوا من غِيَر بفظيع المثلات إلا بسبب التقصير في التوحيد والتقوى، وإيثار الشهوات، وغلبة الأهواء، ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) [الأعراف: 96].
إن كل نقص يصيب الناس في علومهم وأعمالهم، وقلوبهم وأبدانهم وتدبيرهم وأحوالهم وأشيائهم وممتلكاتهم، وما يحدث من فتن في بلادهم سببه والله الذنوب والمعاصي ((وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ)) [الشورى: 30].((ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) [الروم: 41].
وقد تُبتلى بعض الديار من قلة الأمطار، وما يصيب المواشي والزورع من نقص وأضرار، كله سببه إضاعة أمر الله، والتقصير في جنب الله.
فالمعاصي تفسد الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة، كيف يطمع العبد في الحصول من ربه على ما يحب، وهو مقصر فيما يجب؟!، ذنوب ومعاصي، إلى الله منها المشتكى، وإليه وحده المفر، وبه سبحانه المعتصم وربنا سبحانه وتعالى يخوفنا بالآيات والنذر، والشدة والنكال، زلازل وبراكين، ورياح وأعاصير، وحروب وفيضانات، يصيب بها من يشاء، ويصرفها عمن يشاء، وهو شديد المحال.
فتفكروا ـ رحمكم الله ـ في حُكم المولى وحكمته في تصريف الأمور وتدبير الأحوال، ما أصاب العباد فبما كسبت أيديهم، ولكنه بفضله يعفو عن كثير ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ)) [فاطر: 45].
عباد الله / توبوا إلى ربكم , وأنيبوا إلى بارئكم ، واستغفروه الله وأحسنوا الظن به، اجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم، ومحط قلوبكم، فربكم نعم المولى، ونعم المرتجى، يغفر الذنوب، ويكشف الكروب، ولا يملأن قلوبكم اليأس من روح الله وفضله وإفضاله، فتظنون به ما لا يليق بجلاله وكماله، أليس هو الذي رزق الأجنة في بطون أمهاتهم، ربّاها صغارًا، وغمرها بفضله كبارًا.
تراكمت الكروب فكشفها، وحلت الجدوب فرفعها، أطعم وأسقى، وكفى وآوى، وأغنى وأقنى، نعمه لا تحصى، وإحسانه لا يستقصى، كم قصدته النفوس بحوائجها فقضاها، وانطرحت بين يديه ففرج كربها وأعطاها، سبحانه وبحمده، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، هو ربنا ومولانا، وهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
((فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)) [نوح: 10 ]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مرئيًا، صببًا سحًا مجلِّلاً، عامًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم تسقي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
سبحان الله، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، اللهم ارفع عنا من الجوع والجهد والعُري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الخوف، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم ارحم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمعين، اللهم ياذا الجلال والإكرام، يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم، لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى حولنا ولا إلى قوتنا فإننا فقراء إليك، محتاجون إليك، اللهم فارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وأغث قلوبنا وديارنا، اللهم أغدق علينا من كرمك العميم، وأسبغ علينا من فضلك العظيم، اللهم إنا نسألك البركة في أعمالنا وأعمارنا وأولادنا وبلادنا وأموالنا وأوقاتنا، وحروثنا وزروعنا وتجاراتنا وصناعتنا.
عباد الله، اقلبوا أرديتكم تأسيًا بنبيكم محمدٍ – صلى الله عليه وسلم - واجتهدوا في الدعاء، وألحوا في المسألة، وأخلصوا وأحسنوا، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم فيغيث القلوب بالرجوع إليه، والبلد بإنزال الغيث عليه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المفضلات