وما قدروا الله حق قدره
وما قدروا الله حق قدره
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أمابعد
فإن تعظيمَ الله عز وجل مِن أجل العبادات القلبية ، التي يتعين ترسيخه في القلوب ، وتزكية النفوس به , فعلى قدرِ المعرفة يكون تعظيمُ الرب – سبحانه وتعالى - في القلب ، وأعرف الناس به أشدُّهم له تعظيماً وإجلالاً.
وقد ذمَّ الله – تبارك وتعالى - مَن لم يعظِّمه حقَّ عظمتِه , ولم يعرَفه حقَّ معرفته ، ولم يصفه حقَّ وصفه ، فقال - سبحانه وتعالى - : (( مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا )) قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس – رضي الله تعالى عنهما - في تفسير هذه الآية : (ما لكم لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته).
ولقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يربي الصحابة على تعظيم الله - تبارك وتعالى - ، فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء
حَبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد , إنَّا نجد أنَّ الله يجعل السمواتِ على إصبع ، والأراضين على إصبع ، والشجَر على إصبع ، والماءَ والثرى على إصبع ، وسائرَ الخلق على إصبع ، فيقول: أنا الملك ، فضحِك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدَت نواجذه تصديقاً لقولِ الحبر , ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)).
ومن تفكر في آياتِ الله - عز وجل - وإعجازه في الكون ، امتلأ قلبه إجلالاً وتعظيماً ورغبةً ورجاء لله – سبحانه وتعالى – وانطلق لسانه دعاءً له سبحانه :
((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)).
ومن تفكر في الشمس والقمر وهما يدوران، والليلِ والنهار وهما يتقلبان , وبديع خلق الإنسان ؛ يدرك عظمة الرحيم الرحمن : ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ اله غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ اله غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ)).
ومن تفكر في خلق النبات والشجر, والفاكهة والثمر، والبحر والنهر، وطاف العقل في الكائنات ونظر ، أدرك على صفحاتها قدرةَ المليك المقتدر - تبارك وتعالى - :
((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ))
ومن تفكر في آياتِ الله وإعجازه في الكون خافَ من اللهَ – تبارك وتعالى - لا محالة ؛ لأنه علم صفاتِ الجمال والجلال والكبرياء لله - عز وجل - ، فهو -
سبحانه - العزيز الكريم المتعال الواحد القهار ، ، وهو الذي قهَر كلَّ شيء وغلبه ، والذي لا يُطاق انتقامُه ، ومذلُّ الجبابرة , وقاسمُ ظهور الملوك والأكاسرة ، وهو – سبحانه - القوي الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته ، ويتضاءل كل عظيم أمام عظمتِه.
وإذا تحقق التفكر المطلوب في آيات الله – تعالى - وإعجازه في الكون كان المتفكر ممن وجِلت قلوبهم لذكر الله - تعالى - : ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )) ، ويقول - تبارك وتعالى - : ((وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )).
والذين لا يُقدِّرون اللهَ حقَّ قدره , ولا يعظِّمونه حقَّ تعظيمه , تصاب نفوسهم بالوهَن , وتمتلئ قلوبهم برهبةِ البشر ، وهذه الهزيمة النفسية التي تلازمهم مهما أوتوا من قوة ، وهذه بذاتها أشد الأخطار والمصائب على مستقبل الأمة , قال تعالى: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)).
وختاماً ... فإن الكون كتابٌ مفتوح ، ومَن تأمل شيئاً فيه دلَّه على عظمة الخالق البارئ وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
لَكَ الْحَمْدُ وَالنَّعَماءُ والمُلْكُ رَبَّنَا
مليكٌ عَلَى عَرْشِ السَّماءِ مُهَيْمِنٌ
فَلا شَيءَ أَعْلَى مِنْكَ مَجْداً وَأَمْجَدُ
لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الوجُوهُ وَتَسْجُدُ
فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَعْرِفُ الْخَلْقُ قَدْرَهُ
تُسَبِّحُهُ الطَّيْرُ الكَوَامِنُ فِي الْخَفَا
وَأنَّى يَكُوْنُ الْخَلْقُ كَالْخالِقِ الَّذِي
هُوَ اللهُ بَارِي الْخَلْقِ والْخَلْقُ كُلُّهُمْ
وَمَنْ هُو فَوْقَ الْعَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ
وَإِذْ هِيَ فِي جَوِ السَّمَاءِ تصْعَدُ
يَدُومُ وَيِبْقَى والْخَلِيقَةُ تَنْفَدُ
إِمَاءُ لَهُ طَوْعاً جَمِيعاً وَأَعْبُدُ
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المفضلات