خطبة جمعة يوم الغد 13/4/1432
بعنوان
من هم أبناء الوطن ؟
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
أيها المسلمون : أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ منْ حديثِ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ سمعَ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -، يقولُ: كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ).
أيها المسلمون : إمرأتانِ معهُمَا طفلانِ صغيرانِ ، هجمَ عليهُماَ ذئبٌ على زمنِ داودَ وسليمانَ عليهِماَ السلامُ فأكلَ الذئبُ ولدَ الكبرى فادَّعتْ المرأةُ الكبرى أنَّ الولدَ الذي لمْ يأكلْهُ الذئبُ ولدَهاَ ، وأنَّ الولدَ المأكولَ هوَ ولدُ الصغرى ، فاحتكمَتاَ لدى داودَ عليهِ السلامُ ، فكانتْ الكبرى ألحنَ حجةً وأسبغَ بياناً ، فقضى داودُ عليهِ السلامُ الولدَ للكبرى ، ثمَّ احتكمَتاَ إلى سليمانَ عليهِ السلامُ ، الذي فهَّمَهُ اللهُ الحكمَ ، يومَ أنْ قالَ اللهُ في حكمِهِ في مسألةِ الغنمِ التي نفشتْ في الحرثِ قال تعالى ( ففهَّمناهاَ سليمانَ ) ، إحتكمتْ هاتانِ المرأتانِ عندَ سليمانَ ، فقالَ سليمانُ عليهِ السلامُ أعطوني سكيناً أشطرُ هذا الولدَ شطرينِ ، وأشقُّهُ نصفينِ ، وكلُّ واحدةٍ منكُماَ تأخذُ نصفاً ، فرضِيَتِ الكُبرى بذلكَ ، وأماَّ الصغرى فرفضَتْ هذا الحكمَ ، وتنازلتْ عنْ نصفِهاَ ، وقالتْ أعطوا الولدَ للكبرى ولا تقسِمُوهُ نصفينِ ، فعلمَ سليمانُ عليهِ السلامُ ، أنَّ الولدَ لهاَ ، أنَّ الولدَ للصغرى ، فحكمَ لهاَ بالولدِ ، لأنَّ سليمانَ عليهِ السلامُ ، يعلمُ أنَّ الأمَّ الحقيقيةَ للولدِ لا ترضى بشَقِّهِ نصيفينِ ، لأنهُ فلذةُ كبدِهاَ ، وثمرةُ فؤادِهاَ ، وأماَّ الأمُّ المزيفةُ ، صاحبةُ الإدعاءِ الباطلِ ، فلا يهمُّهَا ذلكَ ، أشُطِرَ الولدُ أمْ لمْ يُشطَرْ ، أقُتلَ الطفلُ أمْ لمْ يُقتلْ ، بلْ تريدُهُ يُشطرُ ويُقتلُ ، لتتساوى هيَ والصغرى في المصيبةِ ، وتتشاركَ هي والصغرى في فقدِ الولدِ ،
أيها المسلمون : قصةٌ عجيبةٌ ، تحملُ في طيَّاتِهاَ المعنى الحقيقيَّ ، لصدقِِ الإرتباطِ ، هذه القصةُ التي وردتْ في الصحيحينِ ، تجسِّدُ حالَناَ معَ هذهِ التربةِ الغاليةِ ، وهذا الثرى الذي ترعرعناَ على ميثائِهِ الطيبةِ ، وهذا الوطنِ الغالي ، الذي لا يباعُ بالأثمانِ ، إنما الأرواحُ والأبدانُ فداءً لوحدتِهِ وسلامتِهِ
ولي وطنٌ آليتُ ألاَّ أبيعَهُ
وألاَّ أرى غيري لهُ الدهرَ مالكاَ
عَمرْتُ بهِ شرخَ الشبابِ منعَّماً
بصحبةِ قومٍ أصبحوا في ظلالِكاَ
وحَبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهُمُ
مآربُ قضَّاهاَ الشبابُ هنالكَ
إذا ذَكَروا أوطانَهُمْ ذكَّّرَتْهُمُ
عهودُ الصِّباَ فيها فحنُّوا لذلِكاَ
فقدْ ألِفَتْهُ النفسُ حتى كأنَّهُ
لها جسدٌ إنْ بانَ غُودِرَ هالِكاَ
أيها المسلمون : قصةُ هاتينِ المرأتينِ مع ولديْهِماَ ، قصةٌ عجيبةٌ ، تجسِّدُ حالَناَ اليومَ ، معَ هذهِ الدعواتِ المغرضةِ ، دعواتِ الفوضى والمظاهراتِ والمسيراتِ ، التي تفُتُّ في عَضُدِ الأمةِ ، وتُلِينُ قناتَهاَ ، وتُمزِّقُ وحدتَهاَ ، إنَّ الدعاةَ لذلكَ والمحرضينَ عليهِ ، كتلكَ المرأةِ الكبرى المزيفةِ ، لا يهُمُّهُمْ أتَمَزَّقَ الوطنُ ، أتَهَتَّكَتْ أركانُهُ ، أسادَتْ فيهِ الفوضى ، فأيُّ إصلاحٍ هذا القائمُ على أكتافِ الفوضى والفسادِ ، هؤلاءِ واللهِ ليسوا أبناءً حقيقيينَ لهذا الوطنِ ، لأنَّ الإبنَ الحقيقيَّ لهذا الوطنِ ، لا يرضى أنْ يُشاكَ الوطنُ بشوكةٍ فضلاً عن أنْ تمسَّهُ يدُ التمزيقِ ، وكفُّ التحزيبِ ، وذراعُ التخريبِ ، لقدْ تنازلَتْ هذهِ الأمُّ الصغرى عنْ ولدِهاَ ، في سبيلِ بقائِهِ ، وعدمِ تعريضِهِ للهلاكِ ، الإبنُ الحقيقيُّ أيها المسلمونَ ، هوَ منْ يبذلَ روحَهُ ودمَهُ وجميعَ ما يملكُ ، في سبيلِ وحدةِ هذهِ البلادِ الطيبةِ ، وعدمِ تمزيقِهاَ ، فضلاً عنْ أنْ يكونَ معولَ هدمٍ ، وأصابعَ تمزيقٍ ، والواقعُ شهدَ للواقعِ ، وسجَّلَ التأريخَ في الجمعةِ الماضيةِ ، مََنْ هُمْ أهلُ الوطنِ الحقيقيونَ ، الذينَ يُشَدُّ بهمُ المئزرُ ، وتُقارعُ بهمُ الصلابُ ، بعدَ قوةِ وعزةِ العزيزِ الوهابِ ، ويستحقونَ خيراتِ هذا الوطنِ ، نظيرَ وفائِهِمْ ، ولمْ يكونوا أذرعةً تحركُهُمْ قوى خارجيةٌ ، وتوجهاتٌ مغرضةٌ ، يتربصونَ ببلادِ الحرمينِ الشريفينِ ، الفتنةَ والشرَ والفسادَ ، واللهِ أيها المسلمونَ إنَّ ابنَ الوطنِ الحقيقيَّ هو الذي يستميتُ في سبيلِ وحدةِ الصفِّ ، وتماسكِ الأمةِ ، أيها المسلمونّ : الدولُ الكبرى بَنَتْ قواعدَ قوتِهاَ، واستمرارَ نهضتِها ، وقوةَ كلمتِها على التماسكِ والوحدةِ الذي جعلَ منهاَ أمةً واحدةً في نظامِها وتماسكِ شعبِها وتطلُّعِهِ للمستقبلِ فحفظتِ الأمنَ وبذلتْ ما تملكُ لتحقيقِ الإستقرارِ ، وواللهِ إنَّ هذهِ الدولَ الكبرى التي تدَّعِي الديموقراطيةَ ، وتسوِّقُ لها في بُلدانِ المسلمينَ ، لوْ وقعَ في بعضِ ولاياتِها ومُدُنِها ، ما يقعُ في بلادِ المسلمينَ من الفوضى والتخريبِ ، والتفككِ والإضطرابِ ، لماَ دعتْ لضبطِ النفسِ ، ولما تركتِ الحبلَ على الغاربِ ، لكنَّها دعواتٌ لتمزيقِ الأمةِ ، وخلخلةِ العلاقاتِ بينَ بلدانِ المسلمينَ ، وما تزيدُ هذه الدعاوىَ الأمةَ إلاَّ تحزيباً وتفريقاً ، قال تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
أيها المسلمونَ : رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بنى قوةَ أصحابِهِ ، على التآخي والإيثارِ والوحدةِ فأولُ عملٍ قامَ بهِ في المدينةِ يومََ أنْ هاجرَ إليهاَ ، أنْ آخى بينَ المهاجرينَ والأنصارِ، قالَ اللهُ تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ونهى اللهُ عزَّ وجلَّ عنِ الفرقةِ والتحزُّبِ والتفككِ فقالَ تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
أيها الإخوةُ المسلمونَ : نحمَدُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ حباناَ وحباكُمْ هذهِ العقولَ النيرةَ التي أدركتْ ببُعْدِ نظرِها وسلامةِ عقيدتِها ، ما وراءَ هذهِ الدعاوىَ التي باءتْ بفشلِها ، لأنَّ البضاعةَ التي روَّجتْ لها لا يمكِنُ تسويقُها لدى أمةِ التوحيدِ والعقيدةِ الصافيةِ وأمةِ الوفاءِ والشهامةِ وأمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، أمةٍ يحدوا سُراهاَ ، طيبُ حديثِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، الذي أمرَناَ اللهُ عزَ وجلَّ بطاعتِهِ واتباعِهِ فقال سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) وأمرنا بالصلاة والسلام عليه فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
المفضلات