قام الأمير المصري محمد علي في العام 1328ه زمن الخديوي عباس,برحلة الى البلاد الشامية . وقد ألف كتابا أسماه الرحلة الشامية, تحدث عن مشاهداته في البلاد الشامية التي زارها, وقد خص الدنادشة بأكثر من مكان في كتابه, نقتطف منه ما قاله في الصفحة السادسة من كتابه الرحلة الشامية المعنونة "الدنادشة والعكاكرة": هما قبيلتان يقال أن الأولى منهما" الدنادشة" أصل جدهما من اليمن, ونزل حوران منذ ثلاثماية عام, ثم هاجروا من حوران وسكنوا برج الدنادشة, فوق تلكلخ مقرهم الحالي, وكان زعيمهم إذ ذاك يسمى الشيخ اسماعيل1 ولقبه التركمان جيرانه "دندشلي" لأنه كان يزين خيله بعذبات مرسلة تسمى "دنادش".ثم رحل شقيقه مع بعض قبيلته إلى حوران , وهم مسلمون سنيون, لهم ولع غريب بالفروسية , ولهم أيضا عقارات واسعة في سهل البقيعة . وهناك طائفة من المتاولة تسمى الدنادشة أو دندش2 ويقيمون في عكا وما يجاور الهرمل وحمص. وفي الصفحة 131 من الكتاب تحت عنوان زيارات مايلي:وقد جاء إلينا في ذلك البيت 3 جميع الذين كانوا قد استقبلونا عند موقف القطار وغيرهم. فاستقبلناهم بما يليق بهم من الحفاوة والاحترام,وجلسنا معهم مجلسا طويلا نتحدث سويا, وكان بينهم بعض مشايخ وبكوات من عشائر الدنادشة المعروفين في تلك البقاع بالمهارة في ركوب الخيل والمشهورين باقتناء حيادها ايضا4 وقد كنت اعرف ذلك عنهم قبل مخالطتهم في هذا البلد5,ومن ثم قلت لهم في سياق حديثي إني ارجوا إن شاء الله ,أن أرى ما يسرني من كرائكم خيلكم ومهرة فرسانكم فقالوا" إن شاء الله سنتشرف بمقابلة دولتكم عندما تمرون في طريق سفركم السعيد من حمص إلى طرابلس, وإذ ذاك ترون من الخيل والخيالة ما لعله يوافق رغبتكم الشريفة". وفي الصفحة 180 وما بعد كتب ما يلي: وهناك كان من ينتظرنا حضرة البك مع لفيف من أسرته الكريمة ,بينما كان نحو مئة وخمسون فرسا مصطفين على خيلهم أمام تلك الخيمة بغاية النظام , وقد كان بين ظهرانيهم فتاتان من بنات العرب6 مثقلتين بالحلي على لبوسهما العربي اللطيف, وفي إحدى يدي كل واحدة منهما سيف, وفي الأخرى منديل, ثم هما كانتا تغنيان بين هؤلاء الفرسان لأجل تشجيعهم وتهييج عاطفة الفروسية فيهم.وقد نزلنا من العربات ودخلنا ذلك الصيوان7 .وبعد أن أخذنا منه مجالسنا قدمت لنا القهوة المرة ثم الشراب, ولم نلبث بعد أن شربناهما بعد عشر دقائق, أ، قمنا أمام أولئك الفرسان الذين كان يركب اغلبهم أفراسا تتبعها أولادها المهارة, إذ ذاك أخذ العرب الدنادشة يتبارون في اللعب ويتغالبون على الخيل وفي أيديهم بنادقهم على نحو مايرى في الملاعب والميادين مما يسمى عند العامة" البرجاس" وقد خفت حينئذ أن ينفلت رصاصهم على غير عمد فيصيب أحدهم, لأن بنادقهم كانت من الطراز الحديث, وهي من النوع الذي لابد لإطلاق عبوته الهوائية,من وجود الرصاص فيها أولا. ولذلك طلبت إليهم أن يكفوا عن الضرب في ذلك.وفي تلك الأثناء كانت البنتان تدوران حول الخيالة من هنا وهناك, وتترنمان بأناشيد الحرب ونغمات الطعن والضرب, فكانتا تنبهان بذلك الغناء المؤثر, عواطف الفرسان,وتحركان فيهم غريزة الحمية والشجاعة, حتى أخذت الحماسة من نفوسهم مأخذا عظيما, وما زالوا كذلك حتى ركبنا العربات , وركب حضرة محمود بك 8 فرسا وسار بجانب عربتنا , وتبعه جميع الخيالة من خلفنا وأمامنا وعلى جانبينا أيضا, , وهم بين أن يعدوا سراعا, ويعودوا بطاء, وينوعوا في ألاعيبهم الحماسية ,جريا ووقوفا ودفاعا وهجوما , إلى غير ذلك مما لايدرك وصفه إلا بالرؤية وقد كنت آنذاك معجب بشجاعة ألئك القوم ومهاراتهم فوق ما كنت أعجب . وأعجب أيضا من الأفراس الصغار التي كان .عمرها لا يزيد أسبوعين , ومع ذلك كنت أشاهدها تتبع أمهاتها في تلك المسفات البعيدة , على هذا السير الحثيث, وتتحمل مشقة السفر والجري وقد أخذتني بها من أجل ذلك ,رأفة شديدة فطلبت من ألئك الراكضين أن يخففوا السير ويتئدوا لكي لا يشقوا غلى تلك المهارات الصغيرة وهي في ذلك السن الصغيرة. ثم مافتئوا يركضون , على طول المسير ,ويلعبون بأعظم مهارة وأكبر حذق,وكان فيهم فارس كبير السن يلبس ملابس دندشية يسمى "عثمان آغا" وهو يمتاز عن إخوانه بحب الظهور عليهم في الفروسية وخفة الحركة , وحقيقة كان هذا الفارس العجيب يبدي أمامنا من ضروب المهارة في الغدو والرواح والصعود والهبوط على الصخور الجبلية ما كنا نعجب منه غاية العجب , وكذلك كان له حذق غريب في عبور النهر وهو فوق حصانه الذي كان يعدوا تارة في الأرض , وأخرى في الماء أسرع من الطير, وأخف من الهواء , حتى استغربنا أي استغراب من جسارة هذا الرجل الفارس, وجرأته المدهشة على ركوب الخيل بتلك الكيفية التي كانت فوق التصور, وما زلنا كذلك حتى دخل بنا الطريق في مضايق بين جبلين , وكان لا يزال إلى جانبنا "محمود بك وهو ممتلئ رجولة وشهامة لاسيما وأنه طويل القامة , عظيم الشوارب كبير الأهداب ,تتجلى فيه الفروسية بأخص أوصافها, وأجل معانيها. وقد حدث في أثناء السير أن فارسا من فرسان الركب ,لا أدري من ,كان قد ضرب فرس ذلك البك في ذراعها الأيمن فجرحها جرحا بليغا, ومازال ينزف ساق ذلك الفرس المجروح دما حتى احمر لونها بعدما كان أزرق اللون ,وقد خفت على هذا الفرس المصاب أن يهلك تحت راكبه,لأن الجرح كان خطرا ,حيث كان النزف مسترسلا بقوة ,ومن ثم طلبت من محمود بك أن ينزل عنه إشفاقا عليه ورحمة به.أما هو فلا يهمه أن يموت الفرس أو يعيش .......... ثم تأخر عنا نحو دقيقة ,وقد حسبناه أنه نزل عن الفرس,ولكنه ما لبس أن جاء إلى جانبنا كما كان ,ورأينا أنه ليس على فرسه أثر لجرح أو دم الذي رأيناه وقت الحادثة وكان ينزف نزيفا,ففهمنا أنه كان في تلك الفترة القصيرة يعالج فرسه, ولكن لست ادري بما عالجها ,وأي دواء يصل إلى هذه السرعة,. وقد عرفت أن بعض الفرسان الهاجمين كانوا من أبناء بكوات الدنادشة وهم أحداث تتراوح أعمارهم بين السابعة والعاشرة,,ومع ذلك فأنهم يحسنون الركبة مثلما يحسنها إباؤهم وكبارهم, كما كانوا يتقنون اللعب ويتفننون فيه كأنهم مارسوه من زمن بعيد, ولا بدع أن يكونوا كذلك إذ تربوا على الشجاعة منذ نشأتهم واعتادوا على الفروسية وركوب الخيل بكثرة التدريب والتمرين.ثم دخلنا ميدان فسيح , وكان لم يمض على سيرنا أكثر من ثلاثة أرباع الساعة, وهناك كان ينتظرنا عدد من الخيالة ومعهم الخيالة ومعهم البكوات الباقون من عشائر الدنادشة , فاجتمع الفريقان وصاروا ركبا واحدا , ونحن لا نفتأ نتابع المسير حتى وصلنا إلى تلكلخ وهو واقع في الحدود الفاصلة بين ولايتي بيروت ودمشق, وفي أخر حدود الدنادشة 9 وإذ ذاك كنا دخلنا في وقت الظهر وحان موعد الغداء, فذهبنا إلى حضرة محمد بك ألمحمد الدندشي وهو زعيم مشايخ عربان الدنادشة, ونزلنا عليه ضيوفا بعد أن طلب إلينا ذلك بالحاج الكرماء , وكان ينتظرنا هناك بعض موظفي الحكومة.وقد قدم إلينا الطعام على مائدة كبيرة تتسع عشرين نفسا , وكانت على النمط الأوروبي, وفيها عديد وأصناف كثيرة متنوعة , فأكلنا متلذذين من حسن الطعام وجودته.أما الركب الذي كان معنا , وقد عرفت كثرتهم, فقد كانوا يأكلون جميعا موزعون على عدة موائد, وطعامهم كان قاصرا على الأرز واللحم" مناسف" 10 ولم يكن ليدهشني ,لأني لا أستغرب أن يجتمع على موائد هؤلاء العرب عدد كبير كالذي رأيناه أو أكثر, وأنا اعلم أن العرب قوم جبلوا على الكرم , وطبعوا على البذل والعطاء والسخاء ,وإنما الذي كنت أعجب منه عجبا شديدا هو تجهيز المائدة على الطراز الغربي الصرف, ...........ثم بعد أن تهيأنا للسير شكرنا لحضرة محمد بك ألمحمد الدندشي تلك العناية العظمى وأثنينا كذلك على عشائره الكرام, لما بذلوه من الهمة والمعروف ,وقد اجتذبني إلى هؤلاء العرب,جمال هندامهم وحسن بزتهم , وكان بودي لو أن تطول عشرتي بينهم لأتمتع كثيرا برؤية منظرهم الجميل , لولا أن الوقت قصير محدود, على أني لم أبارحهم حتى عمدت إلى أخذ صورتهم بواسطة الفونوغراف لأحتفظ بها تذكارا على طول الزمن.وبعد ذلك أخذنا نسير بين الفرسان ,على الهيئة التي بيناها أولا, واني على قدر ما كنت مسرورا بهذه المظاهر الجليلة, كنت آسفا من ,أني راكب عربة , ولم أكن فارسا ضمن ألئك الفرسان الشجعان, فأدفر فرسي لتعدوا سريعة في ذلك الميدان , وكان يكثر نزوعي إلى مباراتهم كلما كنت أنظر إليهم فأشاهد خفتهم على الأفراس وهم يذهبون بها هنا وهناك , تارة يهجمون ,وأخرى يدافعون , وآونة يسرعون , و أخرى يبطئون.عندما صودرت أملاك الدنادشة , وعصى بما تبقى فلاحوها ,هاجروا إلى دول الخليج وأثبتوا وجودية وأصالة, وتوصلوا إلى مراكز عليا بجدارة وبقوا متميزين بحضورهم وشخصيتهم, وكثير من الشركات تسلموا بها مدراء 1-إسماعيل الدندشي كان والي حمص وهو الذي كلفه السلطان بدر خان بحماي طريق حمص طرابلس بموجب فرمان عام 1906 وأرسل إبراهيم دندشي قطن تلكلخ واليه تنتسب دنادشة سوريا, وشقيقيه حمزة سكن مشتى حمزة وحمود سكن مشتى حمود وكلتاهما لبنانيتان وسميتا بأسمهم 2-حدث في عام1929 أن هاجم بني دندش في لبنان قطارا وأطلقت عليهم السلطات الفرنسية بقطاع الطرق والأشقياء ,فتدخلت الحكومة المصرية ظننا منها اننا المقصودين معترضة لدى المفوض السامي على نعت الدنادشة بالأشقياء ,وهم أهل كرم ونخوة... فأرسلنا له برقية نشكره فيها ونعلمهم أنه لسنا المقصودين بذلك 3- بيت عبد الحميد الدروبي أحد وجهاء حمص4- مشهورة مرابط خيل الدنادشة حتى اليوم . ولها مكانتها وشهرتها بين خيول المنطقة وهي من الأوائل في سباقات بيروت 5- كان قد زاع خبر الدنادشة في المنطقة الشامية فكان البدو من القبائل تعتبر أملاك الدنادشة أملاكهم فكانوا يقصدونها بعد الحصاد و خاصة في سنين الجفاف6- احداهن فطيم العلي الابراهيم الدندشي وكانت النساء تجيد ركوب الخيل والفروسية7- الصيوان :سرادق 8-على الغالب المقصود محمد بك وقد أخطأ مؤلف كتاب الدنادشة ثورة 1919 بتسميته أبو عبود لأن هذا من مواليد 1896م وقد زج هذا الرجل في مواقف كثيرة متناقضة مع عمره 9- اخر حدود املاك الدنادشة ماقبل البحر الابيض المتوسط غربا بضع كيلو متر10- المناسف نسميها دفين الرز أو دفين البرغل , أي المدفون باللحم, وعادة كانت تطبخ بأواني تتراوح حلاقتها, من حلقتين الى اثنا عشرحلقة
مدونة اسامه الدندشي
المفضلات