(1)
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ...
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ ..
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ..
قف مع هذه الآيات .. تأملها .. تدبرها ..
إنها الحقيقة العظيمة .. إنها الحقيقة الحاضرة الغائبة .. فالموت في هذه الدنيا نهاية كل حي .. وختام كل شيء .. وكأس الموت المُتْرَعَة يتجرّعها كل البشر .. تَحَسَّى مرارته الأنبياء والأولياء .. والعلماء والنبلاء .. بل كل صغير وكبير .. وغني وفقير .. ومأمور وأمير..
حُـكْمُ المَنِيَّةِ في البرِيَّة جـارِي ما هـذه الدنيـا بدار قَرَارِي
فـالعَيْش نـومٌ والمنيَّـة يَقْظَةٌ والمرء بينهمـا خَيـال سارِي
ولئن كانت مصيبة الموت بعامّةٍ كبيرة .. والفاجعة بالفَقْد عظيمة .. فإن الرزِيّة تكون أعظم وقْعًا .. وأكبر أثرًا .. حينما تكون بفَقْد عالم من العلماء .. أوصالحٍٍ من الصلحاء ..
أو قارئ للقرآن ..
(2)
ولقد فجعتُ كما فجع غيري من أهل ( حائل ) بفقد الأخ القارئ الشيخ عمر بن عبد الله السعر - رحمه الله تعالى - ..
لقد توفي عمر ..
نعم لقد توفي رجل طالما أسمعنا كتاب الله تعالى بصوته الندي ..
توفي بعد أبكانا ليالي رمضان ..
توفي وقد حفظ كتاب الله بين جنبيه .. جعله الله شفيعاً له في قبره ويوم القيامة ..
توفي وقد علّم أناس كتاب الله ..
توفي وقد نفع الله بقراءته ورقيته أناس وأمم ..
توفي وهو يتجرع مرارة ظلمٍ قاس .. وفعل جائر ..
لازلت أذكر رسائله .. وأطالع حروفها وهي في صندوق الوارد في جوالي ..
يتوجع ويتحسر .. يبكي ويتظلم .. يشتكي من الوحدة والألم ..
كان يشتكي من جفوة الإخوة ( المستقيمين ) معه .. لم يقف معه إلا القليل ..
كان كثير الحنان للإمامة .. كان يقول لي في آخر أيامه : " لقد اشتقت كثيراً للإمامة يا باعبد الرحمن " ..
وإن مما يزيد الحزن على فراقه أنه مات وهو محتاج إلينا !!
نعم مات وهو بحاجة لوقفة صادقة .. ونخوة رجولية !!
ولازلت أتحسر على عدم ردي عليه أيام مرضه ودخوله للمستشفى وقد كنت مسافراً خارج هذه البلاد وفي وضع لم يسمح لي بالرد ؟!!
(2)
لقد عرفت هذا الرجل منذ عشرين عاماً أو أكثر .. عرفته حافظاً لكتاب الله .. قائماً بحدود الله – ولا أزكيه على الله - ..
ولا أنسى كما لا ينسى غيرى من الفضلاء تلك الليلة المشهودة حينما تقدم الحفاظ في جامع برزان ..
فقرأ ( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. الآيات " .. فأبكى جموع الحاضرين بصوته الندي ..
عشت وإياه أياماً نراجع كتاب الله في جامع العريمضي وكنت اسمع له ما أحفظ ..
لقد أبتلي الرجل بفقده والديه .. وإعظم بها من مصيبة .. وابتلي بعدم الإنجاب ..
ثم ابتلي بإبعاده عن الإمامة ؟!!
ومن عجيب الأمر أنه كان يقول لي : " تأمل في الموت فهو المصيبة الحقيقة .. يقول : ولم يأتي في القرآن شيء اسمه مصيبة إلا الموت ؟!! " .. هذا نص كلامه رحمه ..
كان كثيراً ما يتحسر على أحوال المسلمين .. ويظهر في دعائه في رمضان ..
وحينما نذكر رمضان لابد وأن نذكر تلك الجموع العظيمة التي كانت تصلي ورائه وهي ميزان حسناته الآن ..
(3)
ما أعظم هول الفاجعة .. وما أعظم مصيبة الموت ..
تأتي هذه الفاجعة ونحن نسير في هذه الحياة سير الواثق .. نلهث خلف سرابها الزائل ..
نحث الخطى مسرعين نحو لذائذها الفانية .. وأيامها الخالية ..
وننسى في غمرة ذلك السعي الحثيث لحطامها أن نوجه أنفسنا إلى الخير ..
ويسير بنا الحال وكأننا في سباق محموم مع الزمن .. وملذاته التي نخشى فواتها …
إنه باختصار وصف لحالنا وحال نفوسنا في هذه الدنيا .. وتعالوا بنا إلى وقفة نتأمل فيها الحال ونذكر فيها النفوس في خضم الحياة وسدرة الغفلة .. وما أحوج القلوب الراكدة .. والنفوس الغافلة إلى التذكير ..
كنت أطالع وجوه الناس .. وأنظر لنفسي بينهم وأقول : كلنا قدمنا للصلاة على هذا الميت .. وغالبنا ننسى أن هناك ساعة سجلت لكل واحد منا سيغادر فيها هذه الحياة ..
.. سيغسل ويوضع في كفنه .. وسيدخل المسجد محمولاً.. ويحمل لتلك المقبرة .. ويوسد لحده .. وتصف اللبنات فوقه .. ويهال عليه التراب .. وينصرف الناس عنه..
سيتركك الناس .. سيذهبون إلى أعمالهم .. ستكون حديثاً ..
ماذا قدمت ؟ ماذا عملت ؟ ..
هل صليت ؟ هل زكيت ؟ هل وصلت رحمك .. وهل وهل .....
يا لهول الفاجعة وعظم المصيبة ..
ولكن القلوب قاسية ..
(4)
لقد توفي عمر .. وبقي من يحب عمر .. وبقي من قد لا يحبه ..
وهذه رسالة للمحب وغيره ..
قيا أيه المحب زد في حبك له .. فادع الله له .. وتصدق عنه .. وبر به بعد موته ..
ويا وأما غير المحب فأقول له : أبح أخيك وحلله إن أخطأ عليك .. واستغفر الله إن صدر من منك حط في حقه ..
آه ثم آه على فراقك يابا عبد الله ..
اللهم أرحم عبدك عمر واغفر له ونور له في قبره وأفسح له فيه وارفع درجته في المهديين يارب العالمين ..
عبد الله المعيدي
خاص لـ إخبارية حائل
وصية الشيخ بـ قلم أحداهم
(( إليكم الوصية و الرسالة ))
قال الله تعالى في محكم التنزيل (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ))
وقال الله تعالى في كتابه المبين(( كل من عليها فان ))
أخواني و أخواتي في مدينة حائل الشامخة أسطر لكم رسالتي هذه و أنا على يقين تام بأن ذكراي ستضيع و تمحوها الحياة بمشاغلها و زيفها
فبعد أن أغمضت عيناي و أخذني الموت إلى منزلي الترابي
((جعلت رسالتي هذه وفاء للجميع)) .
إليكم جميعاً يا من شاركتموني في فضاء حائل في نشر الخير و الفضيلة
يا من تشرفت بوجود أسمي و أخباري بينكم
أسطر لكم أحرفي هذه و أنا أعلم بأن رحيلي عن دنياكم الفانية يحزنكم وأن بعدي يشقيكم
و لكنه الموت لا بد منه و الحياة و نهايتها ...و الدنيا وتقلباتها
فما أنا ونفسي إلا وديعة الله و جاء موعدها لترد الوديعة لخالقها
و ما المال و الأهلون إلا ودائع .............ولا بد يوماً أن ترد الودائع
أخواني و أخواتي لا تحزنوا علي ولا تطأطؤا رؤؤسكم جزعاً و حزنا ولاتدعوا للدموع مجالاً للنزول ...ولكن دعوة
من القلب في كل سجدة بأن يرحمني و يتغمدني بواسع رحمته هي طلبي الوحيد الآن و أنا مرتهناً في قبري .
إلى كل من عرفت في مدينة حائل و قراها و لكل من شاطروني في الدعوة إلى الله
وإلى كل من قاسموني كل لحظة في الوقف خلفي للصلاة معي
أخواني و أخواتي لقد أختطفني الموت من بينكم و أصاب سهمه في فودعتكم دون سابق إذن منكم ...أسطر كلماتي هذه و أنا أعلم بأن الدموع ترقرقت من أعينكم فانهمرت ..وغابت الإبتسامة فأندثرت ...و ماتت فرحتكم بقرب إجازتكم النصفية للعام الدراسي1431هـ فشمخ الحزن حينما سمعتم بخبر وفاتي و إنقطاع الأمل لرؤيتكم أبداً.
فلا تحزنوا أحبتي و أصبروا و الهجوا بالدعاء لي بالرحمة و أذكروا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم التي وصى بها و ها أنا أوصيها لكم الآن
(( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ))
فوداعًا أحبتي يا من تعرفت عليكم في جامع الحوطي ...
ودعاً أحبتي يا من تعرفت عليكم في جامع برزان و جامع الشهداء
وداعاً يا من صلى خلفي في كل جامع و مسجد
وداعاً يا حي العزيزية وداعاً ..
وداعاً لكل من أحبني و صلى خلفي و جاورني و زاورني
فإذا مررتم أحبتي في حارتي و قرب جامع الحوطي الذي أمضيت فيه أعواماً عديدة و أنا أتشرف بإمامته و الصلاة
فيه أن تدعو لي و أغفروا لي كل ما بدر مني بكلمة دعاء و صفح عني ..
وداعاً و إلى لقاءنا في الجنة بإذن الله تعالى ...
وداعاً يا من احب شذى ذكراي الأنفة فحديثي إلى كل من تذكر صحبتي ورفقتي ولكل من قلب شريط ذكرياته معي وهو يقرأ خبر وفاتي
فأنا اليوم أخبر قلوب أحبتي بأنني في مقبرتي وحيداً جثة هامدة بلا حراك ...
إليكم جميعاً يا من سكبتم العبرات من أعينكم تعبيراً عن لوعتكم لفراقي ....
إليكم يا من أطلقتم الأنات و الزفرات التي خرجت من صدوركم كمداً لرحيلي و وداعي ....
توقفوا أرجوكم
نعم توقفوا عن قتل الإبتسامة من محياكم وأعينكم تنزف الدمع الدافئ المالح كملوحة الحزن و ألم الوداع ...
توقفوا أرجوكم عن سكب الدموع و جرح القلوب ...في عودة من لن يعود أبدً..
أعيدوا الإبتسامة و الضحكات المجللة .....
استمروا بكتابة مواضيعكم المفيدة التي ستكون شاهدة لكم بإذن الله يوم القيامة
فلم الحزن أحبتي ؟؟
فأنا إنسان كان و رحل ..فدعوا الحياة تجري كعادتها .
إلى كل من يقرأ كلماتي هذه وتعانق حروفها ناظريه ...أن يذكر الليل الدامس و غربتي في القبر و حياتي التي
كانت من قبل و كيف أحالها الموت للموت .
فيدعوا لي بالرحمة و أن ينزلني منزل الأبرار وجنات الخلد و البعد عن النار ..
وداعاً لأخواني و أخواتي في مدينتي الحبيبة حائل
وداعاً لمصلاي و جامع الحوطي الذي قضيت فيه أجمل أوقاتي
و داعاً لجامع برزان
وداعاً لجامع الشهداء
وداعاً لمنزلي الصغير
وداعاً لحارتي التي أمضيت فيها طفولتي و أجمل ذكرياتي
وداعاً لحي العزيزية
فلكل من مر بتلك الأماكن بأن يسامحني على ما بدر مني و أغفروا لي كل ما بدر مني بكلمة دعاء و صفحعني ..
وداعاً و إلى لقاءنا في الجنة بإذن الله تعالى ...
وداعاً لأسمي (عـــمـــر السعـر ) لذي تشرفت برفعه عالياً لنفسي فكان نعم الأسم والذي سيخيم عليه الحزن
وداعاً لكل حارة و قرية مررت بها
وداعاً لحائل و أهلها
وداعاً لكل محب
وداعاً لكل من أخطأت بحقه
وداعاً لكل مكان جلست فيه
وداعاً ..لسنوات عمري و أيامي
فأستمروا أحبتي بالدعاء لي في كل حين و وقت
وأخبروا كل من يمر على قبري بأن يدعو لي بالجنان و مراتع الإيمان
فأحبتي لا تحزنوا و لا تشقوا بي
***************
اللهم أغفر لجميع أموات المسلمين و المسلمات و أنزل على قبورهم الضياء والنور
اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم
/
رحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته
المفضلات