خطبة جمعة يوم الغد
بعنوان
وصل الضيف الذي تنتظرونه
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
أيها الاحبةُ المسلمون : هاهي الأيام ، يدفع بعضها بعضا ، لتنفلق عن صبح أغر ، وهاهي الليالي تتساقط عن بعضها ، لتولد ليالي الرحمات ، تبعث بالبشرى ، وتنثر بين يدي العمر ، زهور الايمان ، ورحيق الطاعة ، كأني بالايام ثغرا باسما ، يردد على مسامع العباد ، أتاكم شهر الرحمة والغفران ، أتاكم شهر الطاعة والايمان ، أتاكم شهر العتق من النيران ، وصل الضيف الذي تنتظرونه ، فماذا أعددتم له ؟ ما ذا أعددنا كلنا لهذا الشهر الكريم ، ولهذا الموسم العظيم ، يزف الهادي البشير النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، ولسائر المسلمين ، بشرى إلهية: ((أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبوب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم ، ))
كيف لا يـبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان! كيف لا يـبشر المذنب بغلق أبواب النيران! كيف لا يبشر المسلم بوقت فاضل تغل فيه الشياطين! فتلك والله هي البشرى ، التي يعمل لها العاملون.. ويشمر لها المشمرون.. ويفرح بقدومها المؤمنون.. فأين فرحتك ؟ وأين انبلاج ثغرك ؟ وأين تهلهل البشر على محياك ، إن كان الوالدان يفرحان بالمولود يولد في شهره التاسع ، فإن شهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم تلد في كل سنة وفي الشهر التاسع هذا المولود الأغر الأبلج الذي فضله الله عز وجل على سائر الشهور ، فرحة كل مسلم ، فرحة شهر رمضان أي والله ، فما الارض التي فغرت فاها لماء السحاب ، بأظمأ من قلوبنا ، بأظمأ من قلوب غرقت في بحر التقصير ، وساخت في وحل الخطيئة ، وتمرغت في صهباء الذنب والمعصية ، من منا لم يذنب ، من منا لم يظلم نفسه ، من منا لم يظلم الآخرين ، هذا الشهر هو شهر صيانة البدن ، وصيانة الروح ، وصيانة الأخلاق ، وصيانة العلاقات بالآخرين ، هذا الشهر ، شهر غيث هتان على بيداء تكسرت أغصانها ، وتهتكت اركانها ، أيام وليالي ، سبحان من شرفها ، وكساها مهابةً .. وبهاءً وجمالاً ، سبحان من زادها ، فضلا وعطاءا وكمالا .
أخ الايمان : هل علمت ، أن الصالحين ، كانوا يدعون الله أن يـبلغهم أيام شهر رمضان ، قال المعلى بن الفضل (رحمه الله) : (كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ! ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم !). وقال يحيى بن أبي كثير (رحمه الله) : (كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلاً)
إيها الإخوة في الله : إن كثيرا من الأعمال التي انهمك فيها الناس ، وفرطوا في الآخرة من أجلها ، لجديرة بأن تعطى إجازة في هذا الشهر ، وأن يلتقط أحدنا أنفاسه ، وأن يؤجل ما أمكن تأجيله ، فالدنيا لن يدرك لها طرف، والمشاغل لا تنتهي ، وأهل القبور كلهم ماتوا ولم تنته مشاغلهم ، ولكن الذي ينتهي هو العمر ، والتي تذهب عليها النفس حسرات يوم القيامة ، هي هذه الأوقات الفاضلة ، حينما تذهب كأخواتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ! ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه!)) فيا للتوبة النصوح ، مزق هذه الصفحة الداكنة ، التي تكدرت بالذنوب ، وتدسمت بالمعاصي ، واسودت بالآثام ، مزقها بالإستغفار ، واللجوء إلى العزيز الغفار ، فقد قال سبحانه ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) مزقها ، وافتح مع خالقك صفحة بيضاء نقية.. صافية من شوائب المعاصي .. ومن أدران الذنوب ، كن من الصائمين القائمين التائبين المنيبين
أخي المسلم الحبيب : كم من رمضان يمر على الكثيرين منا وهم غافلون ! قال الحسن البصري (رحمه الله) : (إن العبـد لا يـزال بـخير مـا كـان لـه واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة من همته) كثير أولئك الذين لا يستثمرون هذا الشهر المبارك خطط لوقتك كيف تستثمره في رمضان ، لا بأس أن تأخد ورقة وقلما ، وتنظم وقتك ، وتلزم نفسك بذلك ، لماذا كل شيء نستخدم له الورقة والقلم إلا التخطيط للأخرة ، ورسم المسار إليها ، تب إلى الله من الآن ، وعاهد الله على ذلك ، وأقبل على ربك سبحانه بضرب أكباد الأسباب ، مثلما هو مقبل عليك بالأجر والفضل والثواب ،
إذا كانت لك صفحات في حياتك تلطخت بالمعاصي ، فاعلم أن كل بني آدم خطاؤون ، وخير الخطائين التوابون ، فرمضان موسم يمنحك صفحة بيضاء لتملأها بأعمال صالحه.. بيضاء لا تجعل أيام رمضان وسائر أيامك سواء ، بل اجعل أيام رمضان غرة في جبين عمرك ! قال جابر بن عبدالله (رضي الله عنهما): (إذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك ، عن الكذب ، والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار ، وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ، ويوم فطرك سواء!)
أيها المسلمون : أبنائي الشباب : إن الخير في رمضان لهو في عمارة بيوت الله ، وليس في عمارة المنتزهات واللهو واللعب ، والمباريات ، والتجوال في الشوارع ، والإنجفال إلى دعوات الضلال والإنحراف ، وما تبثه وسائل الإفساد ، والغيبة والقيل والقال ،
إذا لـم يكـن في السمـع مني تـصاون
وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذاً من صومي الجوع والظما
فـإن قلـت إني صمت يومي فـما صمت
وإن لم يكن في بعضها محذور شرعي ، فهي تضييع للأوقات ، وعبث لا فائدة منه
فاتقوا الله ياعباد الله وتعرضوا لنفحات الله في هذا الشهر الكريم فتلك هي الغاية التي من أجلها صام الصائمون.. وتنافس المؤمنون . بل ومن أجلها خلقنا ، قال تعالى اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الثانية
أيها المسلمون : أسأل الله الذي سلمنا لرمضان أن يسلم لنا رمضان ويتسلمه منا متقبلا وأن يجعلنا من صوامه وقوامه اللهم اجعلنا به من القائمين بفضلك ، ومن الصائمين بمنك ، اللهم ارزقنا صدق الصائمين .. وإقبال القائمين .. وخصال المتقين .. واحشرنا يوم النشور في زمرة المنعمين .. وبلغنا برحمتك ورضوانك درجات المقربين .. وحمداً لله تعالى دائماً بلا نقصان .. وصلاة وسلاماً على النبي وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
المفضلات