الحمد لله الذي زحزح همم الأولياء ، عن السكون إلى العاجلة ، وشرح صدور السعداء ، لإيثار الآجلة ، المتفرد بالكمال والكبرياء ، والجلال والبقاء ، والعز الذي لا نفاد له .
أحمده من إله ، كريم غفور ، يغفر لمن استغفر ، ويجبر من انكسر ، ويجيب سائله .
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى
تباركت تعطي من تشاء وتمنع
إلهي وخلاقي وسؤلي وموئلي
إليك لدى الإعسار واليسر أفزع
إلهي أجرني من عذابك إنني
أسير ذليل خائف لك أخضع
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد ، أيها الناس :
اتقوا الله تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {
عباد الله :
حادثة يندى لها الجبين ، ولايصدقها عاقل ، بل لا يستسيغها مسلم رضي بالله ربا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، وبالإسلام دينا ، ولكنها حدثت ـ أيها الأخوة ـ فلا بد من ذكرها ، والتحذير من تبعاتها ، والحذر من سوء نتائجها .
هي باختصار ـ أيها الأخوة ـ حادثة رجل ، جاء بمعلم لأطفاله ونسائه وأهل بيته ، ليستفيدوا منه ، ولكنه ـ وللأسف ـ معلم خبيث ، شره أكثر من خيره ، باشر عمله دون تأخر ، فصار بين أفراد الأسرة الكريمة ، يبذل ما بوسعه في تعليمهم ما يقضي على مستقبلهم ، فتارة يكون درسه لتسميم أفكارهم ، وأخرى لإفساد أخلاقهم ، وأخرى لتنديس عفافهم ، وأخرى لإضعاف ولائهم وبرائهم ، وأخرى لمحاربة دينهم ، بل وصلت به الوقاحة والخبث ، بأن يعرض لهم صورا لأجساد عارية ، ونماذج لسهرات مختلطة ، تدار فيها الخمور ، وينتشر فيها السفور ، بل حتى أطفالهم لم يسلموا من شره ، بسببه وسبب تعليمه صارت عقيدتهم بالله ضعيفة ، وبالغيب مزعزة ، وبالأقدار منحرفة .
أيها الأخوة :
بالله عليكم ، هل هذا الرجل يعتبر عاقلا ؟ من يأتي بمعلم يعلم أهله وفلذات كبده ، ما يكون سببا في شقائهم ، ووسيلة لإفساد أخلاقهم ، هل هذا عاقل ؟ لا شك إن العقل بواد وهو بواد آخر ، إن له نصيب من الجنون ، بل هو المجنون بعينه .
أيها ـ الأخوة ـ من منا من يتمنى أن يكون هو ذلك الرجل ، الساذج الغاش لرعيته ، الذي يخشى أن يُحرّمُ اللهُ عليه الجنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث يقول : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) . لا شك ـ أيها الأخوة ـ أن العاقل يستعيذ بالله ويسأله أن لا تكون حاله في بيته ومع أهله وأسرته ، كحال هذا الرجل . ولكن حقيقة ـ أيها الأخوة ـ إن ذلك الرجل ، صاحب المعلم ، هو كثير من المسلمين اليوم !
إن المعلم ، الذي ذكرت لكم ، إنه قنوات الفساد الموجودة في أكثر بيوت الناس ، ولم يسلم منها إلا من رحم الله تعالى !
قد عملت إحصائية ـ أيها الأخوة ـ على شريحة من الناس ، وخاصة من يتوقع منهم الخير ، ومن يعرف فيهم الحرص على الدين ، فماذا كانت النتيجة ، أقل واحد وجدت عنده ثلاثون قناة ، وبعضهم عنده أكثر من ألف قناة ، وكل باقة من هذه القنوات لها اتجاه وأهداف ومقاصد معينة ، صحيح ـ أيها الأخوة ـ أن من بينها قنوات إسلامية ، تعلم القرآن وتنشر الدين ، ولكنها قلة ، فالنسبة العظمى لقنوات ذات أهداف تجارية أو سيئة ، فمن بين هذه القنوات قنوات لنشر البدع ، ومحاربة السنة الصحيحة ، كقنوات الرافضة والصوفية ، وقنوات أخرى لتنمية فكر الخوارج ، كالقنوات التي تدس السم بالعسل ، وتنشر فكر الخوارج بدعوى الجهاد ، ونصرة المسلمين ، وأخرى للدعوة لزعزعة الأمن ونشر الفتن بهذا البلاد كقناة الإفساد وليست الإصلاح وأخرى لنشر الرذيلة والشذوذ ، كقنوات المسلسلات والأفلام والمسرحيات ، وأخرى لهدم العقيدة كقنوات الأطفال ، وأخرى وأخرى ، وهذا ما يتوقع من آلاف القنوات ، وهاهي النتائج واضحة .
امرأة تقول دخلت على بناتي وهن يشاهدن إحدى القنوات، وإذا فيه امرأة يتصل بها بنات ، يسألنها عن مستقبلهن، وماذا يحدث لهن من نجاح وزواج وغيره, فتسأل كل واحدة عن عمرها ، ولون بشرتها، ثم ترمي بحجر ، أو بأوراق مرقمة ثم تخبرها بما سيقع لها مستقبلا من زواج أو وظيفة أو فشل وإذا تزوجت كم ستلد من الأولاد وغيرها من الخرافات والخزعبلات.. نعم رأيت وسمعتُ هذا الساحر يعلم المشاهدين طريقة السحر فيعرض ما يزعم أنه حجاب مكتوباً على صحيفة كبيرة على الشاشة ويقول للمتصل (اكتب اسمك في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شيئا بعده) ويقول هذا الساحر – مباشرة على الهواء - لإحدى المتصلات (رزقك عندي .. حياتك عندي.. علاقتك مع زوجك عندي.. لا مو هذا بس.. كل شيء عنك عندي)
عباد الله : هذا نموذج من تأثير هذه القنوات الذي سممت أفكار كثير من الناس ، وأفسدت أخلاقهم ولم يسلم من شرها الصغير والكبير والذكر والأنثى .
فتأملوا ـ أيها الأخوة ـ فعل هذه القنوات ، وهناك الكثير من الناس ، جعلتهم هذه القنوات يرتكبون الفواحش والمنكرات ، بسبب ما تبثه وتنشره طوال ساعات بثها غير المنقطع ، بل عملوا وخططوا على إضلال الشباب المسلم ولهذا من يمعن النظر ويتأمل أحوال شبابنا اليوم يصاب بالدهشة وخيبة الأمل يجد أمامه أنواعا من الشباب على طرق كثيرة من الأهواء والفساد والضلال فنجد أن بعضهم اهتموا بالتزين والتعطر حتى أفرطوا في ذلك فتشبهوا بالنساء بل تدنى بهم الحال إلى لبس قمصان وبنطلونات امتلأت بالفصوص والنقشات .. قصات غريبة، وملابس مشققة، وسلاسلوربطات، ونظارات سوداء في الليل .. ثياب مخصرة على الصدور والأرداف .. وأخرى بهافتحة من الجانب .. فضلا عن ارتداء قمصان رياضية كتبت عليها أسماء بعض اللاعبين وربما بعض العبارا ت التي تدعو للرذيلة بلوصلت الوقاحة في تقليد الغرب في الألبسة إلى قيام بعض الشباببإظهار الملابس الداخلية .. جينز واسع يبدأ من منتصف المؤخرة ..لا تدري هل هو للسترأم للتعري؟
فهذا والله من أعجب العجب وكما قيل:
ولا عجب أنّ النساء ترجّلت ولكنّ تأنيث الرجال عُجاب
فاحذروا ـ أيها الأخوة ـ هذه القنوات ، اسأل الله أنيهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن هذه القنوات ، مصدر شر ، ومنبع خطر ، ففيها نبذ للقيم الدينية ، والعادات الاجتماعية ، وقضاء على اللغة العربية ، وزهد في الآداب الإسلامية ، وهجر للصلوات في المساجد ، وترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتقديس للكفرة والفسقة ، ونشر للفساد بأنواعه ، وتمرد على أحكام الشرع ، وإثارة للشهوات والشبهات ، وإضعاف لعقيدة الولاء والبراء ، وقطع للحواجز بين الكفار والمسلمين ، ودعوة للجريمة ، واستهزاء بالصالحين ، ونشر للأفكار الهدامة ، وتشويه للتاريخ الإسلامي ، كل هذا وغيره تفعله هذه القنوات الخبيثة . فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ واحذروا هذا الخطر المؤكد وتذكروا قول الله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { ولا يكون أحدكم ، كالذين قال الله تعالى عنهم : } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وفي الحديث الصحيح ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا )) .
المفضلات