السلام عليكم ورحمة الله
هديتي لكم هذه الخطبة
أسأل الله أن ينفع بها
لا تنسوني من الدعاء
وفقكم الله
الخطبة في ملف مرفق
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبرئ البرايا، مجزل العطايا، له جزيل الحمد وكريم التحايا، خلق خلقه وجعل نفوسهم مستودعات عرايا، وأرسل إليهم رسله بجميل الخصال وحسن السجايا, يهدون للتي هي أقوم، ويدعون للأحسن بالأحكم، وينذرون الموقف الأعظم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الناس :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فاتقوا الله يا عباد الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أيها الأخوة المؤمنون :
حديثنا في هذه الجمعة عن رجل من المسلمين بل ومن الصحابة ،
قد ابتلي بشرب الخمر , بل من شدة تعلقه بالخمر يوصي ابنه ويقول:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفني في الفلاة فإنني ** أخاف إذا مت أن لا أذوقها
إنه الصحابي أبو محجن الثقفي الذي طالما عوقب على الخمر ويعود ويعاقب ويعود فلما تداعى المسلمون للجهاد ولقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن , وحمل زاده ومتاعه ولم ينس أن يحمل خمرا دسها بين متاعه فلما وصلوا القادسية طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين وبدأت المراسلات بين الجيشين , عندها وسوس الشيطان لهذا الصحابي فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر فلما علم به سعد غضب عليه وحرمه من دخول القتال وأمر أن يقيد بالسلا سل ويغلق عليه في خيمة.
فلما ابتدأ القتال وسمع ضرب السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل وصيحات الأبطال وعلم أن سوق الجهاد قد قامت ، وأبواب الجنة قد فتحت جاشت نفسه وهاجت أشواقه إلى الجهاد فلم يطق أن يصبر على القيد واشتاق للشهادة بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين
وبذل روحه لله , وإن كان عاصيا ، وإن كان مدمن خمر إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله. وأخذ يترنم قائلا:
كفى حزنا أن تدخل الخيل بالقنى ** وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت ** مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ** وقد تركوني مفردا لا أخا ليا
فلله عهد لا أحيف بعهده ** لأن خرجت لا أزور الحوانيا
ثم أخذ ينادي بأعلى صوت! فأجابته امرأة سعد ماذا تريد؟
فقال: فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد،
فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد وإن بقيت فلك علي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في رجلي، وأخذ يرجوها ويناشدها فرحمت أشواقه ، واحترمت عاطفته وخلت سبيله ، فوثب على فرس لسعد يقال لها : البلقاء ، ثم أخذ الرمح وانطلق لا يحمل على كتيبة إلا كسرها، ولا على جمع إلا فرقه ، وسعد يشرف على المعركة ويعجب ويقول : الكرُّ كَرُّ البلقاء ، والضرب ضرب أبي محجن ، وأبو محجن في القيد.
، وتعجب الناس منه وهم لايعرفونه ولم يروه بالنهار، ومضى يقاتل ويبذل روحه رخيصة في ذات الله عز وجل .
فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد ،
ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟
فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال :
والله لا جلدتك في الخمر أبدا ، فقال أبو محجن :
وأنا والله لا شربت الخمر أبدا .
فلله در أبي محجن لم تمنعه معصيته من الجهاد في سبيل الله.
الله أكبر – يا عباد الله – ما الذي حمل أبا محجن وهو صاحب الكبيرة على هذا الفعل ؟
إنها الغيرة على دين الله ، وهكذا المؤمن الصادق غيور على دين الله, غيور على أحكام الدين من التحريف وعلى شرائعه من التعطيل وعلى رجالاته من الطعن والاعتداء والتشويه، وعلى بلاد الإسلام ومقدساته من الغصب والاحتلال، وعلى أهل الإسلام وأعراضهم من العدوان والانتهاك، وجدير بالمسلم أن تكون عنده النخوة والشهامة والغيرة لأجل الدين ، وإن كان مقصراً فالله ذكر الخيرية لهذه الأمة بفضل أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإن وجد من هو مقصر ومرتكب لبعض الذنوب في أفرادها قال تعالى ((كنتم خير أمة أخرجتْ للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. ))
وهذه النخوة والغيرة والشهامة تمثلت في مجتمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكان العمل للإسلام يخالط شغاف قلوبهم ، يترجم ذلك أقوالهم وأفعالهم مع خاصة أهليهم وأفراد مجتمعهم، يؤثر الواحد منهم أخاه ولا يستأثر لنفسه، يطوي لأحدهم جائعاً حتى يشبع أخوه، يشتركون في الآمال والآلام، وكان من نتيجة ذلك أن تهيأ لهم من التكاتف والترابط ما يندر وجودة في سائر المجتمعات، فنعموا بالحياة الطيبة، وقويت هيبتهم في نفوس أعدائهم وأعلى الله شأنهم ورفع مكانتهم وقدرهم .
عباد الله / المتأمل لأحوال مجتمع المسلمين اليوم يجد أن من أسباب الضعف التي تنخر في أساس المجتمع: تهرب كثير من الناس من مسئولياتهم تجاه الإسلام والمسلمين، والاستظلال بظل التقصير أو التوكل أو التسويف؛ حتى تعطل من جرّاء ذلك خير كثير، والعجب أن هذا الخلل يقل أو ينعدم عند غير المسلمين، فبنظرة إلى تكاتف أهل الديانات الباطلة والمذاهب المنحرفة يرى المرء عجباً من قوة تكاتفهم وشدة ترابطهم في سبيل نشر مبادئهم مع اختلافهم المتباين في المكان والزمان والحال ، إلا أن العمل لمصلحة مبادئهم هو المحور والمرتكز الذي يؤمه الجميع .
إن استشعار الفرد المسلم مسئوليته تجاه أفراد مجتمعه من أعظم خطوات البناء في تقوية أساس المجتمع الإسلامي الصحيح .
وعلى هذا فليجعل كل مسلم على نفسه مسئولية العمل للإسلام بكل ما يستطيع من الوسائل والسبل فإن الجهود إذا تضافرت وتكاتفت؛ أينعت ثمارها وآتت أكلها وليكن كل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام ، والحذر كل الحذر من احتقار الجهد إن كان يسيراً فالجهود اليسيرة إذا تكاثرت كانت عظيمة النفع والأثر.
قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) رواه مسلم .
نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير ومغاليق للشر. اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقهم البصيرة فيما يصلح شئونهم . اللهم اجعلنا ممن يعمل للإسلام وينفع الله به المسلمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : عباد الله / فالحمية والغيرة لهذا الدين ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تظهر جلياً حتى في أحوال صغار المسلمين وصبيانهم فها هما معاذ بن الجموح ومعوذ بن عفراء صبيان صغيران يعاهد كل منهما الآخر ربه ويقول: لا نجوت إن نجا. وعزما على قتل أبي جهل حمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يقوم به أبو جهل من أذاه،وهكذا كان شأن أهل الإسلام جميعًا في صدر هذه الأمة، لا يطيقون أن يمس رجالات الإسلام بسوء ولا أن يمس دين الله بسوء،وإن الأمة في أشد الحاجة إلى أمثال هؤلاء الرجال الذين تتأجج قلوبهم حمية للدين وغيرة عليه وبذلاً من أجله.
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة
اللهم أنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
المفضلات