بسم الله الرحمن الرحيم
الفتنة والفساد الكبير
الحمد لله العلي الكبير ، العليم الخبير ، يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها الناس :
اتقوا الله تعالى ، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
عباد الله :
كان الحديث في الجمعة الماضية ، عن أهمية تزويج البنات ، وضرورةِ المبادرة به ، وخطورة تأخيره ، وأشرنا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي حسنه الألباني ـ رحمه الله ـ : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ، فأنكِحوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) وفي رواية (( وفساد عريض )) ولعلنا في هذا اليوم ـ أيها الأخوة ـ نوضح ماهي الفتنة ؟ وماهو ذلك الفساد الكبير ، أو العريض الذي حذرنا منهما النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف .
عباد الله :
مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، جريمة ٌ خطيرة ، يخشى على من بُلي بها من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة ، يقول تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره : أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال ـ رحمه الله ـ أي في الدنيا ، بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك .
فالذي يرفض خُطاّب ابنته أو بناته ، وهم أهل دين وخلق وأمانة ، إنما يرفضهم من أجل فقرهم ، أو قلة مراتبهم ، أو عدم وظائفهم ، أو لاعتبارات جاهلية ، فقد يقع في الفتنة ، أو يكون سببا في تعريض ابنته لها وللفساد العريض الكبير ، الذي يتمنى لو دفع مئات الألوف ، وضحى بأكبر المناصب ، مقابلَ السلامة منه ، نسأل الله والعافية .
نعم ـ أيها الأخوة ـ النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله تعالى : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى كلامه صلى الله عليه وسلم وحي من الله ، وحي من الخبير بخلقه ، اللطيف بعباده ، العليم بأحوال الناس ، وما تؤول إليه أمورُهُم ، وما تصير إليه شئونُهم .
عباد الله :
يترك أحدُهم ابنته ينتظر الأثرياء ، أو ينتظر عِلْية َ القوم ، أو ينتظر كبار المسئولين ، والواحد من هؤلاء ، قد لا يلتفت لهذا ولا لابنته لثرائه أو لمكانته في مجتمعه ، فتتقدم السن بالمسكينة ، ضحية َ الظلم ، فتقعُ في الفتنة والفساد الكبير .
إحدى الفتيات ، وقعت في الفاحشة ، في الفساد الكبير الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أدخلت السجن ، فسألوها عما حملها على ذلك ، وعن سبب وقوعها في فاحشة الزنا ! قالت : أبي لا سامحه الله . قالوا : كيف ؟ قالت : كان يَرُدَّ الخطاب منذ أن كان عمري ثمانية َ عشر عاما .. فلما أكثر ردَّهم .. لم يطرق بابنا خاطب .. حتى جاوزتَ الثلاثين .. فأردتُ أن أنتقم من أبي بهذا الفعل .
عباد الله :
إننا لا نرى هذا عذرا أمام الله تعالى ، ولا نتمناه لبنات المسلمين ، ولكنها عظة وعبرة .
فتأملوا ـ أيها الأخوة ـ سببَ ذلك الفساد الكبير ؟ إنه الوالد ، الذي لم يدرك عواقبَ الأمور ، وما يترتب على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
فليستشعر الآباء معاناة َبناتهم ، وليتقوا الله في فلذات أكبادهم ، وليحذروا الظلم ، ولا يكونوا سببا في أمر لا تُحمد عقباه ، أولُ وآخر من يتجرعُ غُصَصَه هُمْ ، وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ .
والله ـ أيها الأخوة ـ إن بعضهن ليتصلْن على بعض مأذوني الأنكحة ، وخطباء الجوامع ، ومن يُظَن بهم الخير ، مما أصابهن من الضيم والظلم والعضل الذي لا يحتملْنه ؛ يقلن : لا نريد الحرام ، تقدمت بنا الأعمارُ ، كثرت بنا الأمراضُ النفسية والعضوية ، بعضُهُن معلمات ، وبعضهن ممرضات ، المعلمة تموت حسرةً عندما تُدعى لزواج طالبة من طالباتها ، والممرضة ُيتقطع نياط ُقلبِها وهي تطبب من هي بنصف عمرها ، وهي في حالة حمل أو ولادة .
فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ وامتثلوا لأمر ربكم ، واعملوا بتوجيهات نبيكم صلى الله عليه وسلم : وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ و (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ، فأنكحوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إنّ عَضْلَ البنات وتأخيرَ زواجهن ، وما يترتب على ذلك من مفاسدَ عظيمة ، لقضية ٌ خطيرة ، ومشكلة ٌاجتماعية جديرة ٌبالعناية والاهتمام ، وهي مسؤولية الجميع ، كُلٌ على قدر مكانته وعمله ، ولعل من واجبكم أيها الأخوة ، النُّصحَ والتوعية ، لمن وقع في هذا الشر المستطير ، والأمرِ الخطير ، وتذكيره بالله تعالى ، وتحذيرِه من مَغَبّةِ عَضْلِهِ . النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة )) فقال رجل : وإن كان يسيرا يا رسول الله ! فقال صلى الله عليه وسلم : (( وإن كان قضيبا من أراك )) . حتى ولو كان عودُ مسواك . فإن كان عودُ السواك ظلما ، يُدْخِلُ النار ، فكيف بِعَضْلِ امرأةٍ تقف في حَيرة من أمرها ، فإن رفعت أمر أبيها إلى القضاء ، فقد يُعَاب عليها ذلك ، وإن صَبََرت وحبست ألامَها ودموعها ، فقد تنفجر يوما من الأيام ، أو تموت ، فالموتُ أمرٌ تتمناه ، كما تقول أحداهُن ، ولكنها تعلم أن قاتلَ نفسِه في النار ، أو تسيرُ في الحرام ، إرضاءً لرغبتها واستجابة ًلنداء فطرتها ، لا.. لا ، فهي الشريفة العفيفة ، فماذا تفعل .
أبتاهُ ما ذنبي وما الإجرام
وبأي ذنب تقطع الأرحام
أبتاه إن الشيب قارف مفرقي
وتتابعت من عمريَ الأعوام
أبتاه مابي جوعة فتسدها
كلا ومابي علة وسقام
لكنَّ لي أملا إلى مستقبل
من قبل أن تتصرم الأيام
أرنو إلى زوج يواسي روعتي
ويكون لي في النائبات حسام
أرنو إلى طفل أقبل ثغره
وإذا اشتكى بين الضلوع ينام
إن الشباب إذا تولى غدوة
عند الرواح تُبَدَدُ الأحلام
ويكون حقا ما خشيت وينثني
عود الشباب وتكثر الأوهام
مالي أرى للجاهلية صولة
ولها بأيدي الوائدين زمام
أو مالنا في العالمين شريعة
يهدي إلى تطبيقها الإسلام
يا من تسوقون البنات إلى الردى
وأد البنات وعضلهن حرام
أيها الأخوة :
رسالة انقلوها مني ، وبلغوها عني ، لكل فتاة عُضِلت ، فإننا ـ والله ـ نحس بعظيم بلائها ، ونستشعر قدرَ معاناتها ، فلا نجد لها إلا الصبر ، فليكن أملُها بالله كبير ، فهو سبحانه أهلٌ لتفريج الكُرَب ، ورفعِ الهموم ، ودفعِ الغموم ، فلْتصبر ولتحتسب ، فقد يكون في بلائها رفعٌ لدرجاتها ، وتكفيرٌ لسيئاتها ، ونوصيها بالدعاء ، فإن للمظلوم دعوةً مستجابة ، وليكن دعاؤها بهداية والدها ، ولا تفعل كما فعلت تلك المرأة ، التي عند موت والدها ، قالت له : حرمك الله الجنة ، كما حرمتني الزواج . وعليها أن تتقيَ الله َفإن العاقبة للمتقين .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، ورزقا واسعا ، وتوبة نصوحا إنه سميع مجيب .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضى المسلمين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار . اللهم وفق ولاة أمرنا لهداك واجعل عملهم برضاك ، اللهم أحفظ لنا إمامنا خادم الحرمين الشريفين وانصر به دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
الملفات المرفقة
أكثر...
المفضلات