صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 41

الموضوع: ..نظرة على كاتب .. مصطفى لطفى المنفلوطى..

  1. #11
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17

    ..الشهداء..



    *
    *


    وقصتنا التالية


    اَلشُّهَدَاء

    مُتَرْجَمَة



    لَمْ يَبْقَ لَهَا بَعْد مَوْت زَوْجهَا وَأَبَوَيْهَا إِلَّا وَلَد صَغِير يُؤْنِسهَا وَأَخ شَفِيق يَحْنُو
    عَلَيْهَا وَصَبَابَة مِنْ اَلْمَال تترشف اَلرِّزْق مِنْهَا تَرْشُفَا مُصَانَعَة لِلدَّهْرِ فِيهَا .
    أَمَّا اَلصَّبَابَة فَقَدْ نَضَبَتْ وَأَمَّا اَلْأَخ فَقَدْ ضَمَّهُ اَلدَّهْر ضَمَّة ذَهَبَتْ بِمَالِهِ وَبِجَمِيع مَا
    تُمَلِّك وَبِجَمِيع مَا تَمْلِك يَده فَهَاجَرَ هِجْرَة بَعِيدَة لَا تَعْرِف مَصِيره فِيهَا فَأَصْبَحَتْ مِنْ
    بَعْده لَا تَمْلِك مَالًا وَلَا عَضُدًا .
    لَقُدَّ لَقِيَتْ هَذِهِ اَلْمَرْأَة اَلْمِسْكِينَة مِنْ اَلشَّقَاء فِي طَلَب اَلْعَيْش مَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ
    يَحْتَمِلهُ بِشَرّ فَخَاطَتْ اَلْمَلَابِس حَتَّى عَشَّى بَصَرهَا وَغَسَلَتْ اَلثِّيَاب حَتَّى يَبِسَتْ أَطْرَافهَا
    وَدَخَلَتْ اَلْمَصَانِع حَتَّى كَلَّتْ وَخَدَمَتْ فِي اَلْمَنَازِل حَتَّى ذَلَّتْ وَلَكِنَّهَا اِسْتَطَاعَتْ أَنْ تَحْيَا
    وَيَحْيَا وَلَدهَا بِجَانِبِهَا .
    مَا كَانَ لِمَثَلِهَا أَنْ يَحْيَا عَلَى مِثْل ذَلِكَ وَلَكِنَّ اَللَّه كَانَ أَرْحَم بِهَا مِنْ أَنْ يَسْلُبهَا
    اَلسَّعَادَة وَيَسْلُبهَا اَلْعَزَاء عَنْهَا مَعًا فَقَدْ كَانَتْ إِذَا دَجَا لَيْل اَلْحَوَادِث حَوْلهَا
    وَأَظْلَمَتْ اَلْحَيَاة أَمَام عَيْنَيْهَا رَأَتْ فِي اَلْأُفُق اَلْبَعِيد ثَلَاثَة أَشِعَّة تَنْبَعِث مِنْ سَمَاء
    اَلرَّحْمَة اَلْإِلَهِيَّة حَتَّى تَتَلَاقَى فِي فُؤَادهَا فَتَمْلَأهُ عَزَاء وَصَبْرًا شُعَاع اَلْأُنْس
    بِوَلَدِهَا وَشُعَاع اَلرَّجَاء فِي أَخِيهَا وَشُعَاع اَلسُّرُور بِمَا وُفِّقَتْ إِلَيْهِ مِنْ صِيَانَة عِرْضهَا
    .
    دَارَتْ اَلْأَيَّام دَوْرَتهَا فاكتهلت اَلْأُمّ وَشَبَّ اَلْوَلَد وَانْتَقَلَ قَلْبهَا إِلَى قَلْبه وَكَانَ
    لَا بُدّ لَهُ أَنْ يَعِيش وَأَنْ يُحْسِن إِلَى تِلْكَ اَلَّتِي طَالَمَا أَحْسَنَتْ إِلَيْهِ فَمَشَى يَتَصَفَّح
    وُجُوه اَلرِّزْق وَجْهًا وَجْهًا وَيَرُدّ مَنَاهِله مَنْهَلًا مَنْهَلًا حَتَّى وَجَدَهُ حَتَّى مَهْر فِيهَا
    وَالْمَهَارَة لَا تَدُلّ عَلَى صَاحِبهَا وَحْدهَا بَلْ هُوَ اَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهَا بِحِيلَتِهِ وَرِفْقه وَمَا
    كَانَ اَلْفَتَى يَمْلِك أَدَاة ذَلِكَ وَلَا يَعْرِف اَلسَّبِيل إِلَيْهِ فَاسْتَمَرَّ خَامِلًا مَغْمُورًا لَا
    تَدُرْ لَهُ مِهْنَته إِلَّا اَلْقَطْرَة بَعْد اَلْقَطْرَة فِي اَلْفَيْنَة بَعْد اَلْفَيْنَة فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
    يُسْعِد أُمّه وَلَكِنَّهُ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَسُدّ خَلَّتْهَا فَقَنِعَتْ مِنْهُ بِذَلِكَ وَلَزِمَتْ مَنْزِلهَا وَوَجَدَتْ
    بِرَدّ اَلرَّاحَة فد صَدْرهَا .
    إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ اَلْغَائِب اَلنَّائِي عَنْهَا حَنَّتْ إِلَيْهِ حَنِين النيب إِلَى
    فِصَالهَا وَأَحْزَنَهَا أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ مُنْذُ خَمْسَة عَشَر عَامًا وَلَمْ تَرَ مِنْهُ كِتَابًا مُنْذُ عَشَرَة
    أَعْوَام حَتَّى اَلْيَوْم فَلَا تُجْدِ لَهَا بُدًّا كُلَّمَا هاجها اَلْوَجْد إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ تَلْجَأ إِلَى
    ذَلِكَ اَلْمَلْجَأ اَلْوَحِيد اَلَّذِي يَفْزَع إِلَيْهِ جَمِيع اَلْبَائِسِينَ وَالْمَحْزُونِينَ فِي بأسائهم
    وضرائهم خَلْوَتهَا وَدُمُوعهَا فَتُبْكِي مَا شَاءَ اَللَّه أَنْ تَفْعَل ثُمَّ تَخْرُج لِاسْتِقْبَال
    وَلَدهَا بَاشَّة بَاسِمَة مأن لَمْ تَكُنْ بَاكِيَة قَبْل ذَلِكَ .
    دَخَلَ عَلَيْهَا وَلَدهَا يَوْمًا فِي خَلْوَتهَا فَرَآهَا تَبْكِي وَرَأَى فِي يَدهَا صُورَة فَتُبَيِّنهَا
    فَإِذَا هِيَ صُورَة خَاله فَأَلَم بِسَرِيرَة نَفْسهَا وَأَمْسَكَ بَيْن أَهْدَاب عَيْنَيْهِ دَمْعَة
    مُتَرَقْرِقَة مَا تَكَاد تَتَمَاسَك فَمَشَى إِلَيْهَا حَتَّى وَضْع يَده عَلَى عَاتِقهَا
    وَقَالَ رَفِّهِي عَنْ
    نَفْسك يَا أُمَّاه فَسَتَعْلَمِينَ خَبَر غائبك عَمَّا قَلِيل فَتُطْلِق وَجْههَا وَأَضَاءَ
    وَقَالَتْ كَيْفَ
    اَلسَّبِيل إِلَى ذَلِكَ قَالَ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ مَعْرَضًا سَيُقَامُ لِلرَّسْمِ فِي وَاشُنْطُون حَاضِرَة
    أَمْرِيكَا بَعْد بِضْعَة شُهُور وَأَنَّهُمْ قَدَّرُوا لَهُ جَوَائِز مُخْتَلِفَة صُغْرَى وَكُبْرَى وَقَدْ وَعَدَنِي
    بَعْض أَصْدِقَائِي أَنْ يُسَاعِدنِي عَلَى اَلشُّخُوص إِلَيْهِ عَلَنِي استطيع أَنْ أَنَال مَا أُقِيم بِهِ
    وَجْهِي وَأُنْقِذ بِهِ نَفْسِي وَنَفْسك مِنْ هَذَا اَلشَّقَاء هُنَالِكَ أُفَتِّش عَنْ غائبك حَتَّى أَجِدهُ أَوْ
    أَجِد مُنْقَطِع أَثَره فاستسر بِشَرِّهَا اَلَّذِي كَانَ مُتَلَأْلِئًا
    وَقَالَتْ لَا تَفْعَل يَا بَنِي فَمَا
    أَنَا بِشَقِيَّة مَا رَأَيْتُك بِجَانِبِي وَمَا أَنْتَ بِشِقِّي مَا قَنِعَتْ بما قِسْم اَللَّه لَك وَلَئِنْ
    فَعَلَتْ لَا تكونن اِمْرَأَة عَلَى وَجْه اَلْأَرْض أَعْظَم مِنِّي لَوْعَة وَلَا أَشْقَى وَلَئِنْ بَكَيْت
    لِفِرَاق أَخِي مَرَّة فَسَأَبْكِي لِفِرَاقِك أَلْف مَرَّة وَإِنِّي كُلَّمَا ذَكَّرْته وُجِدَتْ فِي وَجْهك
    اَلْعَزَاء عَنْهُ فَمَنْ لِي بِالْعَزَاءِ عَنْكُمَا إِنْ فَقَدَتْ وَجْهَيْكُمَا مَعًا .
    فَمَا زَالَ يُرَوِّضهَا وَيَمْسَحهَا وَيُمَنِّيهَا فِي رِحْلَته اَلْأَمَانِي اَلْعَذَاب حَتَّى أَسْلَسَتْ وَهَدَأَتْ
    وَأَسْلَمَتْ إِلَى اَللَّه أَمْرهَا .



    تابعونا


    *
    *



    التعديل الأخير تم بواسطة لوليتا ; 24-01-2010 الساعة 01:43
    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  2. #12
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *



    وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى ضَرْب اَلدَّهْر بَيْنهمَا بِضَرَبَاتِهِ فَإِذَا اَلْأُمّ وَحِيدَة فِي
    فرنسا لَا مُؤْنِس لَهَا وَإِذَا اَلْوَلَد غَرِيب فِي أَمْرِيكَا لَا يَعْرِف لَهُ سَنَدًا وَلَا عَضُدًا
    .
    وَصَلَ اَلْفَتَى إِلَى مَعْرَض اَلرَّسْم فَعَرْض رَسْمه هُنَاكَ وَكَانَ يُمَثِّل فِيهِ مَوْقِف اَلْوَدَاع اَلَّذِي
    جَرَى بَيْنه وَبَيْن امه عَلَى شَاطِئ اَلْبَحْر يَوْم رَحِيله وَكَانَ مَوْقِفًا مُحْزِنًا فَأَحْسَن
    تَمْثِيله فَأُعْجِبَ اَلْقَوْم بِجَمَالِهِ وَأَثَر فِي نُفُوسهمْ مَنْظَره فَقَضَوْا لَهُ بِالْجَائِزَةِ اَلَّتِي
    كَانَ يَمَنِيّ نَفْسه بِهَا فَمَا حَصَلَتْ فِي يَده حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَسْعَد أَهْل اَلْأَرْض طرا
    وَأَنَّ هَذَا اَلْيَوْم هُوَ أَوَّل يَوْم هَبَطَ فِيهِ عَالَم اَلْوُجُود وَأَنَّهُ مَا ذَاقَ قَبْل اَلسَّاعَة
    مَرَارَة اَلْعَيْش وَلَا رَأَى صُورَة اَلشَّقَاء .
    وَكَذَلِكَ يَعْبَث اَلدَّهْر بِالْإِنْسَانِ مَا يَعْبَث وَيُذِيقهُ مَا يُذِيقهُ نِمْنَ صُنُوف اَلشَّقَاء
    وَأَلْوَان اَلْآلَام حَتَّى إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَوْحَشَهُ وَأَرَابَهُ وَمَلَأَ قَلْبه غَيْظًا وَحَنَقًا
    أَطْلَعَ لَهُ فِي تِلْكَ اَلسَّمَاء اَلْمُظْلِمَة اَلْمُدْلَهِمَّة بَارِقَة وَاحِدَة مِنْ بوارق اَلْأَمَل
    اَلْكَاذِب فَاسْتَرَدَّهُ بِهَا إِلَى حَظِيرَته رَاضِيًا مُغْتَبِطًا كَمَا تقاد السائمة اَلْبَلْهَاء
    بِأَعْوَاد اَلْكَلَأ إِلَى مَصْرَعهَا فَمَا ‎ اسعد اَلدَّهْر بِالْإِنْسَانِ وَمَا أَشْقَى اَلْإِنْسَان بِهِ .
    أَرْسَلَ اَلْفَتَى إِلَى أُمّه بَعْض اَلْمَال وَاسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ بَعْضًا وَكَتَبَ إِلَيْهَا أَنَّهُ لَنْ يَبْرَح
    هَذِهِ اَلْأَرْض حَتَّى يَفِي لَهَا بِمَا عَاهَدَهَا عَلَيْهِ وَمَشَى فِي طَرِيقه يُفَتِّش عَنْ خَاله فِي
    أَنْحَاء اَلْبِلَاد وَيُسَائِل عَنْهُ كُلّ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ اَلْقَاطِنِينَ وَالطَّارِئَيْنِ وَحَتَّى حَدَّثَهُ
    بَعْضهمْ أَنَّ آخِر عَهْدهمْ بِهِ رِحْلَة رَحْلهَا عَنْهُمْ مِنْ بِضْع سَنَوَات إِلَى بَعْض اَلْجُزُر
    اَلْجَنُوبِيَّة فِي اَلتَّفْتِيش عَنْ مَعْدِن نُحَاس هُنَاكَ ثُمَّ لَمْ عَدّ بَعْد ذَلِكَ فَمَشَى فِي اَلطَّرِيق
    اَلَّتِي عَلِمَ أَنَّهُ سَلَكَهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى جَزِيرَة مُوحِشَة مُقْفِرَة وَكَانَتْ لَا تَزَال تَغُشِّي
    سَمَاء تِلْكَ اَلْبِلَاد بَقِيَّة مِنْ ظُلُمَات اَلْعُصُور اَلْأَوْلَى فَمَرَّ بِقَبِيلَة مِنْ قَبَائِل اَلزِّنْج
    نَازِلَة هُنَاكَ وَرَاء بَعْض اَلْجِبَال اَلْمُنْقَطِعَة فَمَا رَاؤُهُ حَتَّى هَاجَتْ فِي صُدُورهمْ أَحْقَاد
    تِلْكَ اَلْعَدَاوَة اللونية اَلَّتِي لَا يَزَال يُضْمِرهَا هَؤُلَاءِ اَلْقَوْم لِكُلّ شَيْء أَبْيَض حَتَّى
    لِلشَّمْسِ اَلْمُشْرِقَة وَالْكَوَاكِب اَلزَّاهِرَة فَدَارُوا بِهِ دَوْرَة سَقَطَ مِنْ بَعْدهَا أَسِيرًا فِي
    أَيْدِيهمْ بِالْإِغْوَاءِ حَتَّى وَصَلُوا بِهِ إِلَى دِيَارهمْ فاحتبسوه هُنَاكَ فِي نَفَق تَحْت اَلْأَرْض
    كَانُوا يُسَمُّونَهُ سِجْن اَلِانْتِقَام .
    هُنَالِكَ عَلَم ان تِلْكَ اَلْبَارِقَة اَلَّتِي لَاحَتْ لَهُ فِي سَمَاء اَلسَّعَادَة مِنْ اَلْأَمَل يَوْم
    اَلْمَعْرَض إِنَّمَا هِيَ خُدْعَة مِنْ خُدَع اَلدَّهْر وَأُكْذُوبَة مِنْ أَكَاذِيبه وَأَنَّ مَا كَانَ يُقَدِّرهُ
    لِنَفْسِهِ مِنْ سَعَادَة وَهَنَاء فِي مُسْتَقْبَل أَيَّامه قَدْ ذَهَبَ بِذَهَاب أَمْس اَلدَّابِر وَأَصْبَحَ
    صَحِيفَة بَالِيَة فِي كِتَاب اَلدَّهْر اَلْغَابِر .
    وَلَقَدْ كَانَ فِي اِسْتِطَاعَة أَنْ يُخْلِد لِلنَّازِلَةِ اَلَّتِي نَزَلَتْ بِهِ وَيَسْتَمْسِك لَهَا لَوْ أَنَّهُ
    اِسْتَقَلَّ بِحَمْلِهَا وَلَكِنَّ اَلَّذِي آذَاهُ وَأَثْقَله أَنْ هُنَاكَ إِنْسَانًا آخَر كَرِيمًا عَلَيْهِ يُقَاسِمهُ
    إِيَّاهَا فَقَدْ أَصْبَحَ يَحْمِل مُصِيبَته وَمُصِيبَة أُمّه فِيهِ عَلَى عَاتِق وَاحِد .

    نَزَلُوا بِهِ إِلَى اَلْمَحْبِس وَقَادُوهُ إِلَى سِلْسِلَة غَلِيظَة اَلْحَلَقَات فَسَلَكُوهُ فِيهَا ثُمَّ
    أَغْلَقُوا اَلْبَاب مُنْذُ ونه وَتَرَكُوهُ وَشَأْنه فَمَا اِنْفَرَدَ بِنَفْسِهِ حَتَّى فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلَمْ
    يَرَ أَمَامه شَيْئًا فَلَمْ يَعْلَم هَلْ كَفَّ بَصَره أَمْ اِشْتَدَّتْ اَلظُّلْمَة أَمَام عَيْنَيْهِ فَحَجَبَتْ عَنْ
    نَاظِره كُلّ شَيْء حَتَّى نَفْسهَا فَلَمْ يَزَلْ فِي حَيْرَته حَتَّى اِنْقَضَى اَللَّيْل فَانْحَدَرَ إِلَيْهِ مِنْ
    ثُقْب صَغِير فِي حَائِط اَلْمَحْبِس خَيْط أَبْيَض دَقِيق مِنْ شُعَاع اَلشَّمْس حَتَّى اِسْتَقَرَّ بَيْن يَدَيْهِ
    فَأُنْس بِهِ أَنَس اَلْغَرِيب وَشُكْر لِلشَّمْسِ رَسُولهَا اَلَّذِي أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ لِيُؤْنِسهُ فِي وَحْدَته
    وَاسْتَمَرَّ بَصَره عَالِقًا بِهِ لَا يُفَارِقهُ أَيْنَمَا سَارَ وَحَيْثُمَا اِنْتَقَلَ حَتَّى رَآهُ يتقبض
    شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَتَرَاجَع قَلِيلًا قَلِيلًا ثُمَّ عَلَا إِلَى ثقبة اَلَّذِي اِنْحَدَرَ مِنْهُ ثُمَّ طَارَ
    إِلَى سَمَائِهِ اَلَّتِي هَبَطَ مِنْهَا فَحَزِنَ لِفِرَاقِهِ حُزْن العشير لِفِرَاق عشيره وَدَار بِعَيْنَيْهِ
    حَوْل نَفْسه فَإِذَا قَطَعَ سَوْدَاء مُظْلِمَة تتدجى وَتَتَكَاثَف مِنْ حَوْله ويملس بَعْضهَا فِي
    أَحْشَاء بَعْض وَإِذَا هُوَ نَفْسه قِطْعَة مِنْ تِلْكَ اَلْقِطَع هَائِمَة بَيْنهَا هَيْمَان اَلرُّوح
    اَلْحَائِر فِي ظُلُمَات اَلْقُبُور فَمَا كَادَ يَعْرِف مَكَانه مِنْهَا فَمَشَى فِي ذَلِكَ اَلْمُعْتَرَك
    اَلْمَائِج يُفَتِّش عَنْ نَفْسه وَيَتَلَمَّسهَا بِيَدِهِ تَلْمِسَا حَتَّى سَمِعَ صَلْصَلَة اَلسِّلْسِلَة اَلْمُلْتَفَّة
    عَلَى قَدَمَيْهِ فَوَجَدَهَا وَكَانَ قَدْ أَجْهَدَهُ اَلْمُسَيَّر فَتَسَاقَطَ عَلَى نَفْسه بَاكِيًا مُنْتَحِبًا .
    وَكَذَلِكَ اِنْقَطَعَ هَذَا اَلْمِسْكِين عَنْ عَالَم كُلّه خَيْره وَشَرّه وَلَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْنه مِنْ
    صِلَة إِلَّا ذَلِكَ اَلشُّعَاع اَلْأَبْيَض اَلَّذِي يَزُورهُ كُلّ صَبَاح وَذَلِكَ اَلسَّجَّان اَلْأَسْوَد اَلَّذِي
    يَطْرُقهُ كُلّ مَسَاء .
    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  3. #13
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *




    وَمَا مَرَّتْ بِهِ عَلَى حَاله تِلْكَ سَنَة وَاحِدَة حَتَّى نَسَّى نَفْسه وَنَسِيَ أَمَّهُ وَنَسِيَ اَلْعَالِم
    اَلَّذِي كَانَ يَعِيش فِيهِ وَالْعَالِم اَلَّذِي اِنْتَقَلَ إِلَيْهِ وَنَسِيَ اَللَّيْل وَالنَّهَار وَالظُّلْمَة
    وَالنُّور وَالسَّعَادَة وَالشَّقَاء وَأَصْبَحَ فِي مَنْزِلَة بَيْن مَنْزِلَتِي اَلْحَيَاة وَالْمَوْت فَلَا
    يُفْرِح وَلَا يَتَأَلَّم وَلَا يُذَكِّر اَلْمَاضِي وَلَا يَرْجُو اَلْمُسْتَقْبَل وَلَا يَعْلَم هَلْ هُوَ حَجَر
    بَيْن تِلْكَ اَلْأَحْجَار أَوْ قِطْعَة بَيْن قِطَع اَلظَّلَام أَوْ جَسَد يَتَحَرَّك أَوْ خَيَال يُسْرِيّ أَوْ
    وَهُمْ مِنْ اَلْأَوْهَام أَوْ عَدَم مِنْ اَلْإِعْدَام !
    مَرَّتْ عَلَى تِلْكَ اَلْأُمّ اَلْمِسْكِينَة بِضْعَة أَعْوَام لَا تَرَى وَلَدهَا وَلَا تَجِد مَنْ يَدُلّهَا
    عَلَيْهِ فَأَصْبَحَ مَنْ يَرَاهَا فِي طَرِيقهَا يَرَى عَجُوزًا حَدْبَاء والهة متسبلة مذهوبا بِهَا
    قَدْ تَوَكَّأَتْ عَلَى عَصَا مَا تَزَال تَضْطَرِب فِي يَدهَا وَأَسْبَلَتْ جِسْمهَا اَلنَّاحِل المحقوقف
    أهداما خُلُقَانَا يَحْسَبهَا اَلنَّاظِر إِلَيْهَا لِكَثْرَة مَا نَالَتْ يَد البلى مِنْهَا أخدابا
    مُتَلَاصِقَة أَوْ مَزَّقَا مُتَطَايِرَة تَقِف صَدْر اَلنَّهَار بِأَبْوَاب اَلْمَعَابِد وَالْكَنَائِس تَسْأَل
    اَللَّه أَنْ يَرْحَمهَا وَالنَّاس أَنْ يُطْعِمُوهَا حَتَّى إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْس عَنْ كَبِد اَلسَّمَاء أَخَذَتْ
    سَمَّتْهَا إِلَى شَاطِئ اَلْبَحْر وَجَلَسَتْ فَوْق بَعْض صُخُوره تُنَاجِي أَمْوَاجه وَرِمَاله وَتَرْقُب
    أُفُقه اَلْبَعِيد كَمَا يَرْقُب اَلْمُنَجِّم كَوْكَبه فِي أُفُق اَلسَّمَاء فَإِذَا سَرَّتْ إِلَيْهَا نِسْمَة
    وَجَدَتْ رِيح وَلَدهَا فِيهَا وَإِذَا عَلَيْهَا مَوْجَة ظَنَّتْ أَنَّهَا رَسُول مِنْهُ إِلَيْهَا وَإِذَا
    تَرَاءَتْ لَهَا سَفِينَة ماخرة عَلَى سَطْح اَلْمَاء حَسِبْتهَا اَلسَّفِينَة اَلَّتِي تُحَمِّلهُ فَلَا
    يَزَال بَصَرهَا عَالِقًا بِهَا لَا يُفَارِقهَا حَتَّى تَرْسُو عَلَى اَلشَّاطِئ فَتَقِف فِي طَرِيق
    ركبانها تَتَصَفَّح اَلْوُجُوه وَتَتَفَرَّس اَلشَّمَائِل وَتَهْتِف بِاسْم وَلَدهَا صَارِخَة مُعَوِّلَة وَتَقُول
    :
    عِبَاد اَللَّه مَنْ يَدُلّنِي عَلَى وَلَدِي أَوْ يَنْشُدهُ لِي فِي مَعَالِم اَلْأَرْض وَمَجَاهِلهَا فَقَدْ
    أَضْلَلْته مُنْذُ عَهْد بَعِيد فَحَارَ بِي اَلدَّهْر مِنْ بَعْده فَلَا أَنَا سالية عَنْهُ وَلَا واجدة
    إِلَيْهِ سَبِيلًا فَاحْتَسَبُوهَا يَدًا عِنْد اَللَّه وَحَدَّثُونِي عَنْهُ هَلْ عَادَ مَعَكُمْ أَوْ تَخَلَّفَ
    عَنْكُمْ لِيَأْتِيَ عَلَى أَثَركُمْ أَوْ اِنْقَطَعَ اَلدَّهْر بِعْ فَلَا أَمَل فِيهِ بَعْد اَلْيَوْم فَلَا يَلْتَفِت
    إِلَيْهَا أَحَد وَلَا يَفْهَم أَحَد مَا تَقُول وَرُبَّمَا لَمَحَهَا بَعْض اَلنَّاس فَظَنَّهَا اِمْرَأَة
    ملتاثة فَرَثَى لَهَا أَوْ سَائِلَة فَتُصَدِّق عَلَيْهَا .
    وَلَا يَزَال هَذَا شَأْنهَا فِي مَوْقِفهَا هَذَا حَتَّى تَرَى اَلْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات وَالْفَتَيَات قَدْ
    عُدْنَ بِأَوْلَادِهِنَّ وَإِخْوَانهنَّ وَآبَائِهِنَّ إِلَى مَنَازِلهنَّ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى شَاطِئ اَلْبَحْر مِنْ
    غَادٍ وَلَا رائح سِوَاهَا فَتَنَاوَلَ عَصَاهَا وَتَعَوَّدَ أَدْرَاجهَا إِلَى بَيْتهَا فَتَأْخُذ مَجْلِسهَا
    مِنْ حَافَّة قَبْر كَانَتْ قَدْ احتفرته بِيَدِهَا فِي أَرْض قَاعَتهَا وَتَوَهَّمَتْهُ مَدْفِنًا لِوَلَدِهَا
    فَتَظَلّ تَبْكِي وَتَقُول :
    فِي أَيّ بَطْن مِنْ بُطُون اَلْأَرْض مَضْجَعك يَا بَنِي وَتَحْت أَيّ نَجْم مِنْ نُجُوم اَلسَّمَاء مصرعك
    وَفِي أَيّ قَاع مِنْ قِيعَان اَلْبَحْر مَثْوَاك وَفِي أَيّ جَوْف مَنْ أجواف اَلْوُحُوش اَلضَّارِبَة
    مَأْوَاك ?
    لَوْ يُعَلِّم اَلطَّيْر اَلَّذِي مَزَّقَ حَثَّتْك أَوْ اَلْوَحْش اَلَّذِي ولغ دَمك أَوْ اَلْقَبْر اَلَّذِي ضَمَّك
    إِلَى أَحْشَائِهِ أَوْ اَلْبَحْر اَلَّذِي طواك فِي جَوْفه أَنَّ وَرَاءَك أَمَّا مِسْكِينَة تَبْكِي عَلَيْك مَنْ
    بَعَّدَك لرحموك مِنْ أَجْلِي ?
    عُدْ إِلَيَّ يَا بَنِي فَقِيرًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ كَفِيفًا فَحَسْبِي مِنْك أَنَّ أَرَاك بِجَانِبِي فِي
    اَلسَّاعَة اَلَّتِي أُفَارِق فِيهَا هَذِهِ اَلْحَيَاة لِأَقْبَلك قُبْلَة اَلْوَدَاع وَأَعْهَد إِلَيْك بِزِيَارَة
    مَضْجَعَيْ مَطْلَع كُلّ شَمْس وَمَغْرِبهَا لِتَخَفٍّ بزورتك عَنِّي ضَمَّة اَلْقَبْر وَتَسْتَنِير بِوَجْهِك
    اَلْوَضَّاء ظُلُمَاته اَلْحَالِكَة .
    مَا أَسْعَدَ اَلْأُمَّهَات اَللَّوَاتِي يَسْبِقْنَ أَوْلَادهنَّ إِلَى اَلْقُبُور وَمَا أَشْقَى اَلْأُمَّهَات
    اَللَّوَاتِي يَسْبِقْنَ أَوْلَادهنَّ إِلَيْهَا وَأَشْقَى مِنْهُنَّ تِلْكَ اَلْأُمّ اَلْمِسْكِينَة اَلَّتِي تَدِبّ إِلَى
    اَلْمَوْت دَبِيبًا وَهِيَ لَا تَعْلَم هَلْ تَرَكَتْ وَلَدهَا وَرَاءَهَا أَوْ أَنَّهَا سَتَجِدُهُ أَمَامهَا ?
    وَهَكَذَا كَانَ شَأْنهَا صَبَاحهَا وَمَسَاءَهَا فَلَمْ تَزَلْ تُبْكِي وَلَدهَا بُكَاء يَعْقُوب وَلَده حَتَّى
    ذَهَبَ بَصَرهَا ذَهَاب بَصَره وَلَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَنْ يوسفها صَبْرًا .
    دَخَلَ اَلسَّجَّان عَلَى اَلْفَتِيّ عَشِيَّة لَيْلَة فِي مَحْبِسه فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَمَدَّ يَده إِلَى سِلْسِلَته
    اَلْمُثَبَّتَة فِي اَلْجِدَار فَانْتَزَعَهَا مِنْ مَكَانهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَلَمْ يُسَائِل نَفْسه هَلْ
    هِيَ سَاعَة نَجَاته أوس اعة حَمَّامه ثُمَّ قَادَهُ إِلَى خَارِج اَلْمَحْبِس حَتَّى وَصَلَ بِهِ إِلَى
    صَخْرَة جَاثِمَة عَلَى مَقْرُبَة مِنْ مُجْتَمَع اَلْقَبِيلَة فَشَدّ سِلْسِلَته إِلَيْهَا وَتَرْكه مَكَانه
    وَمَضَى فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَأَى مَكَانًا غَيْر مَكَانه وَمَنْظَرًا غَيْر مَنْظَره وَسَمَّاهُ وَأَرْضًا غَيْر
    سَمَائِهِ وَأَرْضه فَبَدَأَ شُعُوره يَعُود إِلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى استفاق فَتَذَمَّرَ مَا كَانَ
    فِيهِ وزاى مَا صَارَ إِلَيْهِ .
    هُنَا تُذَكِّر اَلسَّعَادَة وَالشَّقَاء وَالْغُرْبَة وَالْوَطَن وَالسِّجْن وَظُلْمَته وَالْقَيْد وَوَطْأَته ثُمَّ
    طَارَ بِخَيَالِهِ إِلَى مَا وَرَاء اَلْبِحَار فَذِكْر أُمّه وَشَقَاءَهَا مِنْ بَعْده وَحَنِينهَا وَيَأْسهَا
    مِنْ لِقَائِهِ فَذَرَفَتْ عَيْنَيْهِ دَمْعَة كَانَتْ هِيَ أَوَّل دَمْعَة أَرْسَلَهَا مِنْ جَفْنَيْهِ مِنْ تَارِيخ
    شَقَائِهِ وَمَا زَالَ يُرْسِل اَلْعَبْرَة إِثْر اَلْعِبْرَة لَا يَهْدَأ وَلَا يستفيق حَتَّى مَضَى شَطْر مِنْ
    اَللَّيْل وَهَدَأَ اَلنَّاس جَمِيعًا فِي مَضَاجِعهمْ فَأُسَلِّم رَأْسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَذَهَب بِخَيَالِهِ
    إِلَى حَيْثُ شَاءَ أَنْ يَذْهَب .
    فَإِنَّهُ لكذلك وَقَدْ رنقت فِي عَيْنَيْهِ سِنَة مِنْ اَلنَّوْم إِذْ شَعَرَ بِيَد تَلَمُّس كَتِفَيْهِ فَرَفَعَ
    رَأْسه فَإِذَا شَبَح أَبْيَض قَائِم فَوْق رَأْسه فَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ مَلَكًا نُورَانِيًّا نَزَلَ إِلَيْهِ عَنْ
    عَلْيَاء اَلسَّمَاء لِيُنْقِذهُ مِنْ شَقَائِهِ فَتُبَيِّنهُ فَإِذَا فَتَاة جَمِيلَة بَيْضَاء مَا اِلْتَفَّتْ
    اَلْأَزْر عَلَى مِثْلهَا حُسْنًا وَبَهَاء تَتَمَشَّى فِي بَيَاضهَا سُمْرَة رَقِيقَة كَسُمْرَة اَلسَّحَاب
    اَلزَّهْو اَلَّذِي يُخَالِط وَجْه اَلشَّمْس فِي ضحوة اَلنَّهَار فَسَأَلَهَا مَنْ أَنْتَ ?
    قَالَتْ أَنَا فَتَاة مِنْ فَتَيَات هَذَا اَلْحَيّ وَقَدْ أَلْمَمْت بِشَيْء مِنْ أَمْرك فَعَلِمَتْ أَنَّك شَقِيّ
    فَرَحْمَتك مِمَّا أَنْتِ فِيهِ فَجِئْتُك أَطْلَقَ وِثَاقك لِتَذْهَب حَيْثُ تَشَاء فَلَا مَثُوبَة يُقَدِّمهَا
    اَلْمَرْء بَيْن يَدَيْ رَبّه يَوْم جَزَائِهِ أَفْضَل مِنْ مُوَاسَاة اَلْبَائِس وَتَفْرِيج كُرْبَة المكروب
    فَعَجِبَ لِزِنْجِيَّة بَيْضَاء وَوَثَنِيَّة تَعْبُد اَللَّه وَبَرْبَرِيَّة تَحْمِل بَيْن جَبِينهَا قَلْبًا يَعْطِف
    عَلَى اَلْبُؤَسَاء وَالْمَنْكُوبِينَ وَقَالَ فِي نَفْسه مَا لِهَذِهِ اَلْفَتَاة بُدّ مِنْ شَأْن وَوَرْد عَلَيْهِ
    مِنْ أَمْرهَا مَا ذَهَبَ بِلُبِّهِ وَمَلِك عَلَيْهِ نَفْسه وَهَوَاهُ وَأَنْسَاهُ كُلّ شَأْن فِي اَلْحَيَاة إِلَّا
    شَأْنهَا فَلَبِثَ صَامِتًا وَاجِمًا لَا يَنْطِق وَقَالَ لَهَا اِذْهَبِي لِشَأْنِك يَا سَيِّدَتِي فَإِنَّنِي لَا
    أُرِيد اَلنَّجَاة فَعَلِمَتْ أَنَّهَا ثَوْرَة مِنْ ثَوْرَات اَلْيَأْس فَدَنَتْ مِنْهُ وَوَضَعَتْ يَدهَا عَلَى
    عاتقة لَا تَجْعَل لِلْيَأْسِ إِلَى قَلْبك أَيُّهَا اَلْفَتَى سَبِيلًا وَانْجُ بِحَيَاتِك مِنْ يَد اَلْمَوْت
    فَلَيْسَ بَيْنك وَبَيْنه إِنْ بَقِيَتْ هُنَا إِلَّا أَنْ يَنْحَدِر عَنْ وَجْهك قِنَاع هَذَا اَللَّيْل فَإِذَا
    أَنْتَ فَلَذَّ طَائِرَة مَعَ شَفَرَات اَلسُّيُوف فَلَا تُفْجِع نَفْسك فِي نَفْسك وَلَا تُفْجِع هَذِهِ
    اَلْمِسْكِينَة اَلْوَاقِفَة بَيْن يَدَيْك فَإِنَّ شَدِيدًا عَلَى جِدًّا أَنْ أَرَاك بَعْد قَلِيل ذَبِيحَة
    فِي يَد الأبح أَوْ مُضْغَة فِي فَم اَلْآكِل قَالَ إِنَّك لَا تَسْتَطِيعِينَ نَجَاتِي قَالَتْ لَا أَفْهَم
    مَا تَقُول فَإِنَّنِي مَا جِئْتُك إِلَّا وَأَنَا عَالِمَة مَاذَا أَصْنَع قَالَ قَدْ كُنْت قَبْل اَلْيَوْم
    مُوثَقًا بِوِثَاق وَاحِد فَأَصْبَحَتْ مُوثَقًا بِوِثَاقَيْنِ فَانٍ اِسْتَطَعْت أَنْ تُحَلَّى وِثَاق قَدَمِي
    فَإِنَّك لَا تَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحِلِّي وِثَاق قَلْبِي فَأَلَمَّتْ بِسَرِيرَة نَفْسه فَرَفَعَتْ وَجْههَا إِلَى
    اَلسَّمَاء وَلَبِثَتْ شَاخِصَة إِلَيْهَا سَاعَة فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيْهَا وَلَبِثَ شَاخِصًا إِلَى وَجْههَا
    نَظَر اَلْمُصَوِّر اَلْمَاهِر إِلَى تِمْثَاله اَلْبَدِيع حَتَّى شَعَرَ بِدَمْعَة حَارَّة قَدْ سَقَطَتْ مِنْ
    جَفْنهَا عَلَى وَجْهه فَجَرَتْ فِي مَجْرَى اَلدُّمُوع مِنْ خَدّه فَانْحَدَرَتْ مِنْ جَفْنه دَمْعَة مِثْلهَا
    فَالْتَقَتْ بِدَمْعَتِهَا فَامْتَزَجَتَا مَعًا فَمَدَّ يَده إِلَى رِدَائِهَا بِالْإِغْوَاءِ إِلَيْهِ وَقَالَ قَدْ
    طَالَ وُقُوفك يَا سَيِّدَتِي فَاجْلِسِي بِجَانِبِي نَتَحَدَّث قَلِيلًا فَجَلَسَتْ عَلَى مَقْرُبَة مِنْهُ فَقَالَ
    لَهَا إِنَّ اِمْتِزَاج دَمْعِي بِدَمْعِك فِي هَذِهِ اَلسَّاعَة قَدْ دَلَّنِي عَلَى أَنَّنَا لَنْ تَفْتَرِق بَعْد
    اَلْيَوْم أَحْيَاء أَوْ أَمْوَاتًا فَإِنْ كُنْت تُرِيدِينَ لِي اَلنَّجَاة فَإِنَّنِي لَا أَنْجُو إِلَّا بِك
    قَالَتْ لَيْتَنِي أَسْتَطِيع ذَلِكَ يَا سَيِّدِي قَالَ وَمَا يَمْنَعك مِنْهُ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ نَظْرَة دَامِعَة
    وَقَالَتْ أَخَافَ أَنْ أُحِبّك قَالَ وَلِمَ تَخَافِينَ قَالَتْ لَا أَعْلَم قَالَ أَنَا لَا أَسْأَلك عَمَّا
    تَكْتُمِينَ فِي صَدْرك مِنْ اَلْأَسْرَار وَلَكِنِّي أَسْأَلك أَنْ تَتْرُكِينِي وَشَأْنِي فِي يَد اَلْقَدْر
    يَفْعَل بِي مَا يَشَاء فَقَدْ كُنْت أَخَاف اَلْمَوْت قَبْل أَنْ أَرَاك أَمَّا اَلْيَوْم فَحَسْبِي عَزَاء
    عَمَّا أُلَاقِيه مِنْ غصصه وَآلَامه نَظْرَة رَحْمَة تَلْقِينهَا عَلَيَّ فِي مصرعي وَدَمْعَة حُزْن
    تَسْكُبِينَهَا مِنْ بَعْدِي عَلَى تُرْبَتِي فَمَا اِسْتَقْبَلَتْهُ إِلَّا بِدُمُوعِهَا تَنْحَدِر عَلَى خَدَّيْهَا
    كَالْعُقَدِ وَهِيَ سلكة فَانْتَثَرَ ثُمَّ مَدَّتْ يَدهَا إِلَى قَيْده فَعَالَجَتْهُ حَتَّى انصدع وَقَالَتْ
    إِنِّي ذَاهِبَة مَعَك وَلْيَقْضِ اَللَّه فِي وَفِيك قَضَاءَهُ .
    مَشَيَا يَطْوِيَانِ القفار وَيَعْبُرَانِ اَلْأَنْهَار وَيُضَحِّيَانِ مَرَّة ويخصران أُخْرَى وَيَرِدَانِ آجن
    اَلْمِيَاه وَصَفُوهَا وَيَقْتَاتَانِ يَابِس اَلثِّمَار وَرُطَبهَا فَإِذَا لَاحَ لَهُمَا ظَلَّ شَجَرَة أَوْ
    شَاطِئ غَدِير أَوْ سَفْح جَبَل أَوَيَا إِلَيْهِ فَاسْتَرَاحَا بِجَانِبِهِ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَا إِلَى
    شَأْنهمَا .
    وَكَانَتْ لَا تَزَلْ تَغْشَى وَجْه اَلْفَتَاة مذ فَارَقَتْ مَوْطِنهَا سَحَابَة سَوْدَاء مِنْ اَلْحُزْن مَا
    تَكَاد تَنْقَشِع عَنْهُ وَكَانَا إِذَا نَزَلَا مَنْزِلًا وَأَخَذَا مَضْجَعهمَا مَنْ تَرَّبَهُ وَأَحْجَاره نَهَضَتْ
    مِنْ مَرْقَدهَا بَعْد هَدْأَة مِنْ اَللَّيْل وانتحت نَاحِيَة مِنْ حَيْثُ تَظُنّ أَنَّهُ لَا يَشْعُر
    بِمَكَانِهَا وَمَدَّتْ يَدهَا إِلَى صَدْرهَا فَتَنَاوَلَتْ صَلِيبًا صَغِيرًا فَقَبِلَتْهُ ثُمَّ أَنْشَأَتْ تُهِمّهُمْ
    بِكَلَام خُفَّيْ كَأَنَّهَا تُنَاجِي بِهِ شَخْصًا غَائِبًا عَنْهَا فَسَتَغْفِرُهُ مِنْ ذَنَب جَنَّته إِلَيْهِ مَرَّة
    وَتَطْلُب مَعُونَته عَلَى أَمْر لَا تَعْرِف مَصِيره وَلَا تَعْلَم وَجْه اَلصَّوَاب فِيهِ أُخْرَى حَتَّى
    يَنْبَثِق نُور اَلْفَجْر فَتَعُود إِلَى مَرْقَدهَا وَكَانَ كُلَّمَا سَأَلَهَا عَنْ شَأْنهَا اَلتُّوت عَلَيْهِ
    وَدَافِعَته عَنْهَا حَتَّى تَلُوم أَنْ يُعَاوِدهَا فَتَرَكَهَا وَشَأْنهَا وَقَدْ أَصْبَحَ يَحْمِل فِي صَدْره
    مِنْ اَلْهَمّ فَوْق مَا تَحْمِل مَنْ هُمْ نَفْسهَا حَتَّى أَشْرَفَا بَعْد مُسَيَّر ثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى
    سَوَاء اَلْعُمْرَان فَاسْتَبْشَرَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا قَدْ اصحبا فِي اَلسَّاعَة اَلْأَخِيرَة مِنْ سَاعَات
    اَلشَّقَاء .
    وَكَانَا قَدْ وَصَلَا إِلَى نَهْر صَغِير هُنَاكَ فَجَلَسَا بِجَانِبِهِ تَحْت شَجَرَة مُورِقَة يَتَحَدَّثَانِ
    وَهِيَ أَوَّل مَرَّة جَلَسَا فِيهَا لِلْحَدِيثِ فَقَالَ لَهَا مَا حَفِظَ اَللَّه حَيَاتنَا فِي هَذِهِ اَلسُّفْرَة
    اَلطَّوِيلَة فِي هَذِهِ اَلْقَفْزَة اَلْجَرْدَاء اَلْمُوحِشَة إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ لَنَا فِي لَوْح مَقَادِيره
    سَعَادَة لَا أَحْسَب أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّ خَيْرًا مِنْهَا لِعِبَادِهِ اَلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات اَلنَّعِيم قَالَتْ
    وَمَتَى كَانَتْ هَذِهِ اَلْحَيَاة مَوْطِنًا لِلسَّعَادَةِ أَوْ مُسْتَقِرًّا لَهَا وَمَتَّى سَعِدَ أَبْنَاؤُهَا بِهَا
    فَنُسْعِد مِثْلهمْ كَمَا سَعِدُوا وَإِنْ كَانَ لَابُدَّ مِنْ سَعَادَة فِي هَذِهِ اَلْحَيَاة فَسَعَادَتهَا أَنْ
    يَعِيش اَلْمَرْء فِيهَا مُعْتَقَدًا أَنْ لَا سَعَادَة لَهُ فِيهَا لِيَسْتَطِيعَ أَنْ يَقْضِي أَيَّامه
    اَلْمَقْدِرَة لَهُ عَلَى ظَهْرهَا هَادِئ اَلْقَلْب سَاكِن اَلنَّفْس لَا يُكَدِّر عَلَيْهِ عَيْشه أَمَل كَاذِب
    وَلَا رَجَاء خَائِب قَالَ :
    إِنَّ اَلسَّعَادَة حاطرة بَيْن أَيْدِينَا وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنهَا إِنَّ اردناها إِلَّا أَنْ نَطْوِي
    هَذِهِ اَلْمَرْحَلَة اَلْبَاقِيَة مِنْ هَذَا اَلْقَفْر فَنَلْجَأ إِلَى أَوَّل بَيْت نَلْقَاهُ فِي طَرِيقنَا مِنْ
    بُيُوت اَللَّه فَنَجْثُو أَمَام مَذْبَحه سَاعَة نُخْرِج مِنْ بَعْدهَا زَوْجَيْنِ سَعِيدَيْنِ لَا يَحُول
    بَيْننَا حَائِل وَلَا يُكَدِّر صُفُوفنَا مُكَدَّر فَأَطْرَقَتْ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسهَا فَإِذَا دَمْعَة
    صَافِيَة تَنْحَدِر عَلَى خَدّهَا فَقَالَ مَا بُكَاؤُك يَا سَيِّدَتِي فَقَالَتْ أَتَذَكَّر لَيْلَة اَلنَّجَاة إِذْ
    دَعَوْتنِي إِلَى اَلْفِرَار مَعَك فَقُلْت لَك إِنِّي أَخَاف إِنْ فَرَرْت مَعَك أَنْ أُحِبّك ? قَالَ نَعَمْ
    قَالَتْ وأسفاه لَقَدْ وَقَعَ اَلْيَوْم مَا كُنْت مِنْهُ أَخَاف ثُمَّ صَرَخَتْ صَرْخَة عَالِيَة وَقَالَتْ
    مَاذَا يَا أُمَّاه وَسَقَطَتْ مكبة عَلَى وَجْههَا فَدَنَا مِنْهَا وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا فَإِذَا رعدة
    شَدِيدَة تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا البرداء وَعَمَدَ إِلَى بَعْض اَلْأَشْجَار فَاقْتَطَعَ
    مِنْهَا بِضْعَة أَعْوَاد وَمَشَى يُفَتِّش عَنْ اَلنَّاس فِي كُوخ كَانَ يَتَرَاءَى لَهُ عَلَى اَلْبُعْد حَتَّى
    بَلَغَهُ فَوَجَدَ عَلَى بَابه كَاهِنًا شَيْخًا جَلِيل اَلْمَنْظَر فَدَنَا مِنْهُ وَحَيَّاهُ تَحِيَّة حَيّ بِأَحْسَن
    مِنْهَا وَقَالَ لَهُ مَا شَأْنك يَا بَنِي ? قَالَ إِنَّ بِجَانِب ذَلِكَ اَلنَّهْر فَتَاة مِسْكِينَة
    تَرَكْتهَا وَرَائِي تَشْكُو اَلْبَرْد فَهَلْ أَجِد عِنْدك جَذْوَة نَار أَعُود بِهَا إِلَيْهَا لِتَصْطَلِيَ
    بِهَا ? فَمَكَّنَهُ مِنْ طَلَبَته وَتُقَال لَهُ كُتُب اَللَّه وَلِعَلِيلَتِك اَلسَّلَامَة يَا بَنِي فَاذْهَبْ
    فَإِنِّي عَلَى أَثَرك فَعَدَا اَلْفَتَى عَدُوًّا شَدِيدًا حَتَّى بَلَغَ اَلنَّهْر فَأَدْهَشَهُ أَنْ رَأَى اَلْفَتَاة
    هَادِئَة سَاكِنَة طَيِّبَة اَلنَّفْس لَا يَشْكُو بَرْدًا وَلَا أَلَمًا فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا مُتَهَلِّلًا وَقَالَ
    لَهَا لَعَلَّ مَا كَانَ يُخَالِط نَفْسك مِنْ اَلْأَلَم لِذِكْر أَهْلك وَوَطَنك قَدْ ذَهَبَ بِذَهَاب اَلْأَيَّام
    قَالَتْ مَا كَانَ يُخَالِط نَفْسِيّ مِنْ ذَلِكَ شَيْء فَاجْلِسْ أَحْدَثك حَدِيثِي فَقَدْ آنَ أَنْ أُفْضِي بِهِ
    إِلَيْك فَجَلَسَ بِجَانِبِهَا فَأَنْشَأَتْ تُحَدِّثهُ وَتَقُول :
    أَنَا فَتَاة غَرِيبَة مِثْلك عَنْ هَذِهِ اَلدِّيَار لَا أَعْرِف مِنَن سَاكِنِيهَا غَيْر نَفْسِيّ وَلَا مَنْ
    أَرْضَهَا غَيْر قَبْر قَدْ زَالَ اَلْيَوْم رَسْمه بَلِيَ مَعَ اَلْأَيَّام دفينه فَقَدْ وَلَّدَتْنِي أُمِّي عَلَى
    فِرَاش رَجُل أَبْيَض وَفْد مِنْ دِيَاركُمْ مُنْذُ عِشْرِينَ عَامًا فَالتَّقِيّ بِهَا عِنْد مُرُور بِحَيِّهَا
    فَأُحِبّهَا وَأَحَبَّتْهُ ثُمَّ فَرَّتْ مَعَهُ إِلَى مَا وَرَاء هَذِهِ اَلصَّحْرَاء فَدَانَتْ بِدِينِهِ ثُمَّ تُزَوِّجهَا
    فوالداني وَعِشْنَا جَمِيعًا حِقْبَة مِنْ اَلدَّهْر عَيْش اَلسُّعَدَاء اَلْآمِنِينَ وَكَانَ رِجَال
    قَبِيلَة أُمِّي لَا يَزَالُونَ يَتَطَلَّبُونَ اَلسَّبِيل إِلَيْنَا حَتَّى سَقَطُوا عَلَيْنَا سُقُوط اَلْقَضَاء
    فِي جُنْح لَيْلَة مِنْ لَيَالِي اَلظَّلَام فَاقْتَادُونَا جَمِيعًا إِلَى أَرْضهمْ وَكُنْت إِذْ ذَاكَ لَمْ
    أَسْلَخ اَلْعَاشِرَة مِنْ عمرى فَقَتَلُوا أَبِي وَأُمِّي وَأَمَام أُمَّيْ قَتَلَة لَا يَزَال مَنْظَرهَا
    حَاضِرًا بَيْن يَدِي حَتَّى اَلسَّاعَة لَا يُفَارِقنِي فَحَزِنَتْ أُمِّي عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا مَا زَالَ
    يَدْنُو بِهَا مِنْ اَلْقَبْر شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى جَاءَتْ سَاعَتهَا فَحَضَرَ مَوْتهَا يَدْنُو بِهَا مِنْ
    اَلْقَبْر شَيْئًا فَسَيِّئًا حَتَّى جَاءَتْ سَاعَتهَا فَحَضَرَ مَوْتهَا رَسُول مِنْ رُسُل اَلْمَسِيح كَانَ لَا
    يَزَال يَخْتَلِف إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين فَدَعَتْنِي إِلَيْهَا أَمَامه وَقَالَتْ لِي يَا بِنْيَة إِنَّ
    أُمِّي قَدْ وَلَدَتْنِي لِلشَّقَاءِ فِي هَذَا اَلْعَالِم وَأَحْسَب أَنِّي قَدْ وَلَّدْتُك لَهُ كَذَلِكَ فَحَسْبنَا
    ذَلِكَ وَلَا تَكُونِي سَبَبًا فِي شَقَاء أَحَد مِنْ بَعْدك وانذري نَفْسك لِلْعَذْرَاءِ نُذُرًا لَا
    يُحِلْهُ إِلَّا اَلْمَوْت فَأَذْعَنَتْ لِأَمْرِهَا وَأَشْهَدَتْ اَلْكَاهِن عَلَى نَذْرِي فَتَلَأْلَأَ وَجْههَا بِشْرًا
    وَسُرُورًا ثُمَّ نَظَرَتْ نَظْرَة فِي اَلسَّمَاء وَقَالَتْ هَا انذا عَلَى أَثَرك يَا رافائيل ثُمَّ
    فَاضَتْ رُوحهَا .
    فَاضْطَرَبَ اَلْفَتِيّ عِنْد سَمَاع هَذَا اَلِاسْم وَقَالَ لَهَا عهل تَعْرِفِينَ وَطَن أَبِيك وَأُسْرَته
    قَالَتْ نَعَمْ وَسِمَتهَا لَهُ فاستطير فَرَحًا وَسُرُورًا وَقَالَ أَحْمَدك اَللَّهُمَّ فَقْد وَجَدَتْ ضَالَّتِي
    فَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ وَقَالَتْ وَأَيّ ضَالَّة تُرِيد قَالَ أتذكرين لَيْلَة اَللِّقَاء إِذَا اِمْتَزَجَتْ
    دمعتانا مَعًا فَقُلْت لَك إِنَّهَا صِلَة بَيْنِي وَبَيْنك لَا يَقْطَعهَا إِلَّا اَلْمَوْت قَالَتْ نَعَمْ
    قَالَ قَدْ كُنْت أَمَتّ إِلَيْك قَبْل اَلْيَوْم بِحُرْمَة اَلْحُبّ وَحْدهَا فَأَصْبَحَتْ أَمُتْ إِلَيْك بِحُرْمَة
    اَلْحُبّ وَالْقُرْبَى فَأَنْتِ اَلْيَوْم حَبِيبِي وَابْنَة خَالِي مَعًا فَقَالَتْ بِصَوْت خَافِت أَحْمَد اَللَّه
    فَقَدْ وَجَدَتْ لِي فِي هَذِهِ اَلسَّاعَة اَلْعَصِيبَة أَخَا وَأَخَذَ جِسْمهَا يَضْطَرِب اِضْطِرَابًا شَدِيدًا
    وَوَجْههَا يربد شَيْئًا فَشَيْئًا فَذُعِرَ اَلْفَتَى وَارْتَاعَ وَحَنَا عَلَيْهَا وَقَالَ مَاذَا أَرَى
    قَالَتْ لَا تُرَع فاصغ إِلَى فَانٍ لِحَدِيثَيْ بَقِيَّة لَمْ تَسْمَعهَا إِنَّنِي مُنْذُ حَفَّظَتْ وَصِيَّة أُمِّي
    وَوَهَبَتْ اَلْعَذْرَاء نَفْسِي كَانَ لَابُدَّ لِي أَنْ أَتَّخِذ لِي مَلْجَأ أَفْزَعَ إِلَيْهِ فِي اَلْيَوْم اَلَّذِي
    أَخَافَ أَنْ يَغْلِبنِي فِيهِ هَوَايَ عَلَى دِينِي فَكُنْت لَا أَزَال أَحْمِل تِلْكَ اَلْقَارُورَة مَعِي
    حَتَّى جَاءَ اَلْيَوْم اَلَّذِي خِفْته فَلَجَأَتْ إِلَيْهَا فَنَجَوْت وأستودعك اَللَّه فَنَظَر اِلْفِتِي حَيْثُ
    أَشَارَتْ فَرَأَى قَارُورَة مِطْرَحَة وَرَاءَهَا فَتُنَاوِلهَا فَإِذَا هِيَ فَارِغَة إِلَّا مِنْ بَقِيَّة
    صَفْرَاء فِي قرارتها فَفَهْم كُلّ شَيْء .
    هُنَالِكَ شَعَرَ كَأَنَّ شَعْبه مِنْ شِعَاب قَلْبه هَوَتْ بَيْن أَضْلَاعه وَكَأَنَّ طَائِرًا قَدْ نَفَضَ
    جَنَاحَيْهِ ثُمَّ طَارَ عَنْ رَأْسه إِلَى جَوّ اَلسَّمَاء فَصَعَقَ فِي مَكَانه صَعْقَة لَمْ يَشْعُر بَعْدهَا
    بِشَيْء مَا حَوْله فَلَمَّ يستفيق إِلَّا بَعْد حِين فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَإِذَا اَلْفَتَاة بِجَانِيهِ جُثَّة
    بَارِدَة وَإِذَا اَلْكَاهِن صَاحِب اَلْكُوخ وَاقِفًا أَمَامه يَحْمِل عَلَى كَفّه طَعَامًا كَانَ قَدْ جَاءَ
    بِهِ إِلَيْهِمَا وَيَقْلِب نَظَره حَائِرًا لَا يَفْهَم مِمَّا يَرَى شَيْئًا فَوَثَبَ اَلْفَتِيّ إِلَيْهِ حَتَّى
    صَارَ أَمَامه وَجْهًا لِوَجْه وَنَظَر إِلَيْهِ نَظْرَة شزراء كَتِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي يُلْقِيهَا
    اَلْمُوتُور عَلَى وَجْه واتره وَكَأَنَّ قَدْ خولط فِي عَقْله فَأَخَذَ يَهْذِي وَيَقُول :
    أَتَدْرِي أَيُّهَا اَلرَّجُل لِمَ مَاتَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة لِأَنَّهَا وَهَبَّتْ نَفْسهَا لِلْعَذْرَاءِ ثُمَّ عَرَضَ
    لَهَا اَلْحُبّ فِي طَرِيقهَا فَوَقَفَتْ حَائِرَة بَيْن قَلْبهَا وَدِينهَا فَلَمْ تَجِد لَهَا سَبِيلًا إِلَى
    اَلْخَلَاص إِلَّا سَبِيل اَلِانْتِحَار فَانْتَحَرَتْ تِلْكَ جَرَائِمكُمْ يَا رِجَال اَلْأَدْيَان اَلَّتِي
    تَقْتَرِفُونَهَا عَلَى وَجْه اَلْأَرْض مَا كَفَاكُمْ أَنْ جَعَلْتُمْ أَمْر اَلزَّوَاج فِي أَيْدِيكُمْ تَحِلُّونَ
    مِنْهُ مَا تَحِلُّونَ وَتَرْبُطُونَ مَا تَرْبُطُونَ حَتَّى قَضَيْتُمْ بِتَحْرِيمِهِ قَضَاء مُبْرَمًا لَا يَقْبَل
    أَخْذًا وَلَا رَدًّا ?
    إِنَّ اَلَّذِي خَلَقَنَا وَبَثَّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَامنَا هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَنَا هَذِهِ اَلْقُلُوب وَخَلَقَ
    لَنَا فِيهَا اَلْحُبّ فَهُوَ يَأْمُرنَا أَنْ نُحِبّ وَأَنْ نَعِيش فِي هَذَا اَلْعَالَم سُعَدَاء هَانِئِينَ
    فَمَا شَأْنكُمْ وَالدُّخُول بَيْن اَلْمَرْء وَرَبّه وَالْمَرْء وَقَلْبه ?
    إِنَّ اَللَّه بِعِيد فِي عَلْيَاء سَمَائِهِ عَنْ أَنْ تَتَنَاوَلهُ أَنْظَارنَا وَتَتَّصِل بِهِ حَوَاسّنَا وَلَا
    سَبِيل لَنَا أَنْ نَرَاهُ إِلَّا فِي جَمَال مَصْنُوعَاته وَبَدَائِع آيَاته فَلَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ
    نَرَاهَا وَنُحِبّهَا لِنَسْتَطِيعَ أَنْ نَرَاهُ وَنُحِبّهُ .
    إِنْ كتنتم تُرِيدُونَ أَنْ نَعِيش عَلَى وَجْه اَلْأَرْض بِلَا حُبّ فَانْتَزَعُوا مِنْ بَيْن جَنُوبنَا
    هَذِهِ القلبو اَلْخَفَّاقَة ثُمَّ اُطْلُبُوا مِنَّا بَعْد ذَلِكَ مَا تَشَاءُونَ فَإِنَّنَا لَا نَسْتَطِيع أَنْ
    نَعِيش بِلَا حُبّ مَا دَامَتْ لَنَا أَفْئِدَة خَافِقَة .
    أتظنون أَيُّهَا اَلْقَوْم أَنَّنَا مَا خُلِقْنَا فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا إِلَّا لِنَنْتَقِل فِيهَا مِنْ ظُلْمَة
    اَلرَّحِم إِلَى ظُلْمَة اَلدَّيْر وَمِنْ ظُلْمَة اَلدَّيْر إِلَى ظُلْمَة اَلْقَبْر ?
    بِئْسَتْ اَلْحَيَاة حَيَاتنَا إِذَنْ وَبِئْسَ اَلْخَلْق خَلْقنَا إِنَّنَا لَا نَمْلِك فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا
    سَعَادَة نَحْيَا بِهَا غَيْر سَعَادَة اَلْحُبّ وَلَا نَعْرِف لَنَا مَلْجَأ نَلْجَأ إِلَيْهِ مِنْ هُمُوم
    اَلْعَيْش وأرزائه سِوَاهَا فَفَتَّشُوا لَنَا عَنْ سَعَادَة غَيْرهَا قَبْل أَنْ تَطْلُبُوا مِنَّا أَنْ
    نَتَنَازَل لَكُمْ عَنْهَا .
    هَذِهِ اَلطُّيُور اَلَّتِي تُغَرِّد فِي أفنائها إِنَّمَا تُغَرِّد بِنَغَمَات اَلْحُبّ وَهَذَا اَلنَّسِيم اَلَّذِي
    يَتَرَدَّد فِي أَجْوَائِهِ إِنَّمَا يَحْمِل فِي أعطافه رَسَائِل اَلْحُبّ وَهَذِهِ اَلْكَوَاكِب فِي سَمَائِهَا
    وَالشُّمُوس فِي أَفْلَاكهَا وَالْأَزْهَار فِي رِيَاضهَا وَالْأَعْشَاب فِي مُرُوجهَا والسوأئم فِي
    مَرَاتِعهَا والسوارب فِي أَحْجَارهَا وَإِنَّمَا تَعِيش جَمِيعًا بِنِعْمَة اَلْحُبّ فَمَتَى كَانَ
    اَلْحَيَوَان اَلْأَعْجَم وَالْجَمَاد اَلصَّامِت أَيُّهَا اَلْقُسَاة اَلْمُسْتَبِدُّونَ أَرْفَع شَأْنًا مِنْ
    اَلْإِنْسَان اَلنِّطَاق وَأَحْمَق مِنْهُ بِنِعْمَة اَلْحَيّ وَالْحَيَاة ? ?
    فَهَنِيئًا لَهَا جَمِيعهَا أَنَّهَا لَا تَعْقِل عَنْكُمْ مَا تَقُولُونَ وَلَا تَسْمَع مِنْكُمْ مَا تَنْطِقُونَ
    فَقَدْ نَجَتْ بِذَلِكَ مِنْ شَرّ عَظِيم وَشَقَاء مُقِيم .
    إِنَّنَا لَا نُعَرِّفكُمْ أَيُّهَا اَلْقَوْم وَلَا نَدِين بِكُمْ وَلَا نَعْتَرِف لَكُمْ بِسُلْطَان عَلَى
    أَجْسَامنَا أَوْ أَرْوَاحنَا وَلَا نُرِيد أَنْ نَرَى وُجُوهكُمْ أَوْ نَسْمَع أَصْوَاتكُمْ فَتَوَارَوْا عَنَّا
    اِذْهَبُوا وَحْدكُمْ إِلَى مَعَابِدكُمْ أَوْ مغاوركم فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيع أَنْ نَتْبَعكُمْ إِلَيْهَا وَلَا
    أَنْ نَعِيش مَعَكُمْ فِيهَا .
    إِنَّ وَرَاءَنَا نِسَاء ضِعَاف اَلْقُلُوب وَرِجَالًا ضِعَاف اَلْعُقُول وَنَحْنُ نَخَافكُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ
    يَمْتَدّ شَرّكُمْ إِلَيْهِمْ فَلَا بُدّ لَنَا أَنْ نَقِف فِي وُجُوهكُمْ وَنَعْتَرِض سَبِيلكُمْ لِنُذُورِكُمْ عَنْهُمْ
    حَتَّى لَا تَصِلُوا إِلَيْهِمْ فَتُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ اَلْبَقِيَّة اَلْبَاقِيَة مِنْ قُلُوبهمْ وَعُقُولهمْ .
    إِنَّا لَا نَعْبُد إِلَّا اَللَّه وَحْده وَلَا نُشْرِك بِهِ غَيْره وَفِي اِسْتِطَاعَتنَا أَنْ نَعْرِف
    اَلطَّرِيق إِلَيْهِ وَحْدنَا بِدُون دَلِيل يَدُلّنَا عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة لَنَا بِكُمْ وَلَا بَسَاطَتكُمْ .
    كِتَاب اَلْكَوْن يُغْنِينَا عَنْ كِتَابكُمْ وَآيَات اَللَّه تُغْنِينَا عَنْ آيَاتكُمْ وَأَنَاشِيد
    اَلطَّبِيعَة وَنَغَمَاتهَا تُغْنِينَا عَنْ أَنَاشِيدكُمْ وَنَغَمَاتكُمْ هَذَا اَلْجَمَال اَلْمُتَرَقْرِق فِي
    سَمَاء اَلْكَوْن وَأَرْضه وَنَاطِقه وَصَامِتَة وَمُتَحَرِّكَة وَسَاكِنه وَإِنَّمَا هُوَ مِرْآة نَقِيَّة صَافِيَة
    تَنْظُر فِيهَا فَنَرَى وَجْه اَللَّه اَلْكَرِيم مَشْرِقًا مُتَلَأْلِئًا فَنَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ سَاجِدِينَ ثُمَّ
    نُصْغِي إِلَيْهِ لِنَسْتَمِع وَحَيّه فَنَسْمَعهُ يَقُول لَنَا أَيُّهَا اَلنَّاس إِنَّمَا خُلُق اَلْجَمَّال مُتْعَة
    لَكُمْ فَتَمَتَّعُوا بِهِ وَإِنَّمَا خَلَقْتُمْ حَيَاة لِلْجِمَالِ فَأَحْيَوْهُ .
    ذَلِكَ أَمْر اَللَّه اَلَّذِي نَسْمَعهُ وَلَا نَسْمَع أمرأ سِوَاهُ .
    وَمَا وَصَلَ إِلَى حَدِيثه إِلَى هَذَا اَلْحَدّ حتي ثِقَل لِسَانه وَوَهَنَتْ عَزِيمَته وَارْتَعَدَتْ
    مَفَاصِله فَسَقَطَ فِي مَكَانه يزفر زَفِيرًا شَدِيدًا وَيَئِنّ أَنِينًا مُحْزِنًا فَاقْتَرَبَ مِنْهُ
    اَلشَّيْخ وَوَضْع يَده عَلَى رَأْسه وَقَالَ لَهُ :
    أَرْفُق بِنَفْسِك يَا بَنِي فَمَا أَنْتَ بِأَوَّل ثاكل عَلَى وَجْه اَلْأَرْض وَلَا فَقِيدك بِأَوَّل رَاحِل
    عَنْهَا وَإِنَّ فِي رَحْمَة اَللَّه وَرِضْوَانه عَزَاء لِلصَّابِرِينَ وَجَزَاء لِلْمُحْسِنِينَ فَأَهْوَى اَلْفَتِيّ
    عَلَى يَده وَأَخْذ يَقْبَلهَا ويوقل أَغْفِر لِي ذَنْبِي يَا ‎ أَبَتْ فَقَدْ كَانَتْ مِنْ اَلظَّالِمِينَ قَالَ
    غَفَرَ اَللَّه لَك يَا بَنِي فَمَا دُون رَحْمَة اَللَّه بَاب مُوصَد وَلَا رتاج , مُعْتَرِض قَالَ لِلَّهِ
    يَا ‎ أَبَتْ إِنَّ هَذِهِ اَلْفَتَاة غَرِيبَة عَنْ هَذِهِ اَلْأَرْض وَلَيْسَ لَهَا فِيهَا أَحَد سِوَايَ وَقَدْ
    مَاتَتْ مِنْ أَجْلِي وَفِي سَبِيلِي فَهَلْ تَأْذَن لِي أَنْ أَدْنُو مِنْهَا لِأَقْبَلهَا قُبْلَة اَلْوَدَاع فِي
    آخِر سَاعَة مِنْ سَاعَتهَا علد وَجْه اَلْأَرْض قَالَ اِفْعَلْ يَا بَنِي فَزَحَفَتْ عَلَى رُكْبَتِي حَتَّى
    بَلَّغَ مَكَانهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ضَمَّة شَدِيدَة وَأَهْوَى بِفَمه عَلَى فَمهَا فَقَبِلَهَا لِأَوَّل مَرَّة فِي
    حَيَاته قُبْلَة فَاضَتْ رُوحه فِيهَا .
    فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي دُفِنَّ فِيهَا خذان اَلشَّهِيدَانِ تَحْت تِلْكَ اَلشَّجَرَة اَلْمُورِقَة عَلَى شَاطِئ
    ذَلِكَ اَلنَّهْر اَلْجَارِي مَرَّتْ بِكُوخ اَلْعَجُوز اِمْرَأَة مِنْ جَارَاتهَا كَانَتْ تَعْتَادهَا اَلزِّيَارَة
    مِنْ حِين إِلَى حِين فَنَظَرَتْ إِلَى مَكَانهَا اَلَّذِي اِعْتَادَتْ أَنْ تَتَّخِذهُ مِنْ حَافَّة ذَلِكَ اَلْقَبْر
    اَلْمَفْتُوح فَرَأَتْهُ خَالِيًا فَأَشْرَقَتْ عَلَى اَلْحُفْرَة فَوَجَدَتْهَا مُتَرَدِّيَة فِيهَا مُعَفَّرَة
    بِتُرَابِهَا لَا حَرَاك بِهَا فَمَلَأَتْ بِالتُّرَابِ اَلَّذِي كَانَ مُجْتَمَعًا حَوْل اَلْحُفْرَة تِلْكَ
    اَلْأَشْبَار اَلْخَمْسَة اَلَّتِي هِيَ مَسَافَة مَا بَيْن اَلْحَيَاة وَالْمَوْت ثُمَّ فَوْق تُرْبَتهَا
    دَمْعَة كَانَتْ هِيَ كُلّ نَصِيبهَا مِنْ اَلدُّنْيَا .




    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  4. #14
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *




    وَمَا مَرَّتْ بِهِ عَلَى حَاله تِلْكَ سَنَة وَاحِدَة حَتَّى نَسَّى نَفْسه وَنَسِيَ أَمَّهُ وَنَسِيَ اَلْعَالِم
    اَلَّذِي كَانَ يَعِيش فِيهِ وَالْعَالِم اَلَّذِي اِنْتَقَلَ إِلَيْهِ وَنَسِيَ اَللَّيْل وَالنَّهَار وَالظُّلْمَة
    وَالنُّور وَالسَّعَادَة وَالشَّقَاء وَأَصْبَحَ فِي مَنْزِلَة بَيْن مَنْزِلَتِي اَلْحَيَاة وَالْمَوْت فَلَا
    يُفْرِح وَلَا يَتَأَلَّم وَلَا يُذَكِّر اَلْمَاضِي وَلَا يَرْجُو اَلْمُسْتَقْبَل وَلَا يَعْلَم هَلْ هُوَ حَجَر
    بَيْن تِلْكَ اَلْأَحْجَار أَوْ قِطْعَة بَيْن قِطَع اَلظَّلَام أَوْ جَسَد يَتَحَرَّك أَوْ خَيَال يُسْرِيّ أَوْ
    وَهُمْ مِنْ اَلْأَوْهَام أَوْ عَدَم مِنْ اَلْإِعْدَام !
    مَرَّتْ عَلَى تِلْكَ اَلْأُمّ اَلْمِسْكِينَة بِضْعَة أَعْوَام لَا تَرَى وَلَدهَا وَلَا تَجِد مَنْ يَدُلّهَا
    عَلَيْهِ فَأَصْبَحَ مَنْ يَرَاهَا فِي طَرِيقهَا يَرَى عَجُوزًا حَدْبَاء والهة متسبلة مذهوبا بِهَا
    قَدْ تَوَكَّأَتْ عَلَى عَصَا مَا تَزَال تَضْطَرِب فِي يَدهَا وَأَسْبَلَتْ جِسْمهَا اَلنَّاحِل المحقوقف
    أهداما خُلُقَانَا يَحْسَبهَا اَلنَّاظِر إِلَيْهَا لِكَثْرَة مَا نَالَتْ يَد البلى مِنْهَا أخدابا
    مُتَلَاصِقَة أَوْ مَزَّقَا مُتَطَايِرَة تَقِف صَدْر اَلنَّهَار بِأَبْوَاب اَلْمَعَابِد وَالْكَنَائِس تَسْأَل
    اَللَّه أَنْ يَرْحَمهَا وَالنَّاس أَنْ يُطْعِمُوهَا حَتَّى إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْس عَنْ كَبِد اَلسَّمَاء أَخَذَتْ
    سَمَّتْهَا إِلَى شَاطِئ اَلْبَحْر وَجَلَسَتْ فَوْق بَعْض صُخُوره تُنَاجِي أَمْوَاجه وَرِمَاله وَتَرْقُب
    أُفُقه اَلْبَعِيد كَمَا يَرْقُب اَلْمُنَجِّم كَوْكَبه فِي أُفُق اَلسَّمَاء فَإِذَا سَرَّتْ إِلَيْهَا نِسْمَة
    وَجَدَتْ رِيح وَلَدهَا فِيهَا وَإِذَا عَلَيْهَا مَوْجَة ظَنَّتْ أَنَّهَا رَسُول مِنْهُ إِلَيْهَا وَإِذَا
    تَرَاءَتْ لَهَا سَفِينَة ماخرة عَلَى سَطْح اَلْمَاء حَسِبْتهَا اَلسَّفِينَة اَلَّتِي تُحَمِّلهُ فَلَا
    يَزَال بَصَرهَا عَالِقًا بِهَا لَا يُفَارِقهَا حَتَّى تَرْسُو عَلَى اَلشَّاطِئ فَتَقِف فِي طَرِيق
    ركبانها تَتَصَفَّح اَلْوُجُوه وَتَتَفَرَّس اَلشَّمَائِل وَتَهْتِف بِاسْم وَلَدهَا صَارِخَة مُعَوِّلَة وَتَقُول
    :
    عِبَاد اَللَّه مَنْ يَدُلّنِي عَلَى وَلَدِي أَوْ يَنْشُدهُ لِي فِي مَعَالِم اَلْأَرْض وَمَجَاهِلهَا فَقَدْ
    أَضْلَلْته مُنْذُ عَهْد بَعِيد فَحَارَ بِي اَلدَّهْر مِنْ بَعْده فَلَا أَنَا سالية عَنْهُ وَلَا واجدة
    إِلَيْهِ سَبِيلًا فَاحْتَسَبُوهَا يَدًا عِنْد اَللَّه وَحَدَّثُونِي عَنْهُ هَلْ عَادَ مَعَكُمْ أَوْ تَخَلَّفَ
    عَنْكُمْ لِيَأْتِيَ عَلَى أَثَركُمْ أَوْ اِنْقَطَعَ اَلدَّهْر بِعْ فَلَا أَمَل فِيهِ بَعْد اَلْيَوْم فَلَا يَلْتَفِت
    إِلَيْهَا أَحَد وَلَا يَفْهَم أَحَد مَا تَقُول وَرُبَّمَا لَمَحَهَا بَعْض اَلنَّاس فَظَنَّهَا اِمْرَأَة
    ملتاثة فَرَثَى لَهَا أَوْ سَائِلَة فَتُصَدِّق عَلَيْهَا .
    وَلَا يَزَال هَذَا شَأْنهَا فِي مَوْقِفهَا هَذَا حَتَّى تَرَى اَلْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات وَالْفَتَيَات قَدْ
    عُدْنَ بِأَوْلَادِهِنَّ وَإِخْوَانهنَّ وَآبَائِهِنَّ إِلَى مَنَازِلهنَّ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى شَاطِئ اَلْبَحْر مِنْ
    غَادٍ وَلَا رائح سِوَاهَا فَتَنَاوَلَ عَصَاهَا وَتَعَوَّدَ أَدْرَاجهَا إِلَى بَيْتهَا فَتَأْخُذ مَجْلِسهَا
    مِنْ حَافَّة قَبْر كَانَتْ قَدْ احتفرته بِيَدِهَا فِي أَرْض قَاعَتهَا وَتَوَهَّمَتْهُ مَدْفِنًا لِوَلَدِهَا
    فَتَظَلّ تَبْكِي وَتَقُول :
    فِي أَيّ بَطْن مِنْ بُطُون اَلْأَرْض مَضْجَعك يَا بَنِي وَتَحْت أَيّ نَجْم مِنْ نُجُوم اَلسَّمَاء مصرعك
    وَفِي أَيّ قَاع مِنْ قِيعَان اَلْبَحْر مَثْوَاك وَفِي أَيّ جَوْف مَنْ أجواف اَلْوُحُوش اَلضَّارِبَة
    مَأْوَاك ?
    لَوْ يُعَلِّم اَلطَّيْر اَلَّذِي مَزَّقَ حَثَّتْك أَوْ اَلْوَحْش اَلَّذِي ولغ دَمك أَوْ اَلْقَبْر اَلَّذِي ضَمَّك
    إِلَى أَحْشَائِهِ أَوْ اَلْبَحْر اَلَّذِي طواك فِي جَوْفه أَنَّ وَرَاءَك أَمَّا مِسْكِينَة تَبْكِي عَلَيْك مَنْ
    بَعَّدَك لرحموك مِنْ أَجْلِي ?
    عُدْ إِلَيَّ يَا بَنِي فَقِيرًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ كَفِيفًا فَحَسْبِي مِنْك أَنَّ أَرَاك بِجَانِبِي فِي
    اَلسَّاعَة اَلَّتِي أُفَارِق فِيهَا هَذِهِ اَلْحَيَاة لِأَقْبَلك قُبْلَة اَلْوَدَاع وَأَعْهَد إِلَيْك بِزِيَارَة
    مَضْجَعَيْ مَطْلَع كُلّ شَمْس وَمَغْرِبهَا لِتَخَفٍّ بزورتك عَنِّي ضَمَّة اَلْقَبْر وَتَسْتَنِير بِوَجْهِك
    اَلْوَضَّاء ظُلُمَاته اَلْحَالِكَة .
    مَا أَسْعَدَ اَلْأُمَّهَات اَللَّوَاتِي يَسْبِقْنَ أَوْلَادهنَّ إِلَى اَلْقُبُور وَمَا أَشْقَى اَلْأُمَّهَات
    اَللَّوَاتِي يَسْبِقْنَ أَوْلَادهنَّ إِلَيْهَا وَأَشْقَى مِنْهُنَّ تِلْكَ اَلْأُمّ اَلْمِسْكِينَة اَلَّتِي تَدِبّ إِلَى
    اَلْمَوْت دَبِيبًا وَهِيَ لَا تَعْلَم هَلْ تَرَكَتْ وَلَدهَا وَرَاءَهَا أَوْ أَنَّهَا سَتَجِدُهُ أَمَامهَا ?
    وَهَكَذَا كَانَ شَأْنهَا صَبَاحهَا وَمَسَاءَهَا فَلَمْ تَزَلْ تُبْكِي وَلَدهَا بُكَاء يَعْقُوب وَلَده حَتَّى
    ذَهَبَ بَصَرهَا ذَهَاب بَصَره وَلَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَنْ يوسفها صَبْرًا .
    دَخَلَ اَلسَّجَّان عَلَى اَلْفَتِيّ عَشِيَّة لَيْلَة فِي مَحْبِسه فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَمَدَّ يَده إِلَى سِلْسِلَته
    اَلْمُثَبَّتَة فِي اَلْجِدَار فَانْتَزَعَهَا مِنْ مَكَانهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَلَمْ يُسَائِل نَفْسه هَلْ
    هِيَ سَاعَة نَجَاته أوس اعة حَمَّامه ثُمَّ قَادَهُ إِلَى خَارِج اَلْمَحْبِس حَتَّى وَصَلَ بِهِ إِلَى
    صَخْرَة جَاثِمَة عَلَى مَقْرُبَة مِنْ مُجْتَمَع اَلْقَبِيلَة فَشَدّ سِلْسِلَته إِلَيْهَا وَتَرْكه مَكَانه
    وَمَضَى فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَأَى مَكَانًا غَيْر مَكَانه وَمَنْظَرًا غَيْر مَنْظَره وَسَمَّاهُ وَأَرْضًا غَيْر
    سَمَائِهِ وَأَرْضه فَبَدَأَ شُعُوره يَعُود إِلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى استفاق فَتَذَمَّرَ مَا كَانَ
    فِيهِ وزاى مَا صَارَ إِلَيْهِ .
    هُنَا تُذَكِّر اَلسَّعَادَة وَالشَّقَاء وَالْغُرْبَة وَالْوَطَن وَالسِّجْن وَظُلْمَته وَالْقَيْد وَوَطْأَته ثُمَّ
    طَارَ بِخَيَالِهِ إِلَى مَا وَرَاء اَلْبِحَار فَذِكْر أُمّه وَشَقَاءَهَا مِنْ بَعْده وَحَنِينهَا وَيَأْسهَا
    مِنْ لِقَائِهِ فَذَرَفَتْ عَيْنَيْهِ دَمْعَة كَانَتْ هِيَ أَوَّل دَمْعَة أَرْسَلَهَا مِنْ جَفْنَيْهِ مِنْ تَارِيخ
    شَقَائِهِ وَمَا زَالَ يُرْسِل اَلْعَبْرَة إِثْر اَلْعِبْرَة لَا يَهْدَأ وَلَا يستفيق حَتَّى مَضَى شَطْر مِنْ
    اَللَّيْل وَهَدَأَ اَلنَّاس جَمِيعًا فِي مَضَاجِعهمْ فَأُسَلِّم رَأْسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَذَهَب بِخَيَالِهِ
    إِلَى حَيْثُ شَاءَ أَنْ يَذْهَب .
    فَإِنَّهُ لكذلك وَقَدْ رنقت فِي عَيْنَيْهِ سِنَة مِنْ اَلنَّوْم إِذْ شَعَرَ بِيَد تَلَمُّس كَتِفَيْهِ فَرَفَعَ
    رَأْسه فَإِذَا شَبَح أَبْيَض قَائِم فَوْق رَأْسه فَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ مَلَكًا نُورَانِيًّا نَزَلَ إِلَيْهِ عَنْ
    عَلْيَاء اَلسَّمَاء لِيُنْقِذهُ مِنْ شَقَائِهِ فَتُبَيِّنهُ فَإِذَا فَتَاة جَمِيلَة بَيْضَاء مَا اِلْتَفَّتْ
    اَلْأَزْر عَلَى مِثْلهَا حُسْنًا وَبَهَاء تَتَمَشَّى فِي بَيَاضهَا سُمْرَة رَقِيقَة كَسُمْرَة اَلسَّحَاب
    اَلزَّهْو اَلَّذِي يُخَالِط وَجْه اَلشَّمْس فِي ضحوة اَلنَّهَار فَسَأَلَهَا مَنْ أَنْتَ ?
    قَالَتْ أَنَا فَتَاة مِنْ فَتَيَات هَذَا اَلْحَيّ وَقَدْ أَلْمَمْت بِشَيْء مِنْ أَمْرك فَعَلِمَتْ أَنَّك شَقِيّ
    فَرَحْمَتك مِمَّا أَنْتِ فِيهِ فَجِئْتُك أَطْلَقَ وِثَاقك لِتَذْهَب حَيْثُ تَشَاء فَلَا مَثُوبَة يُقَدِّمهَا
    اَلْمَرْء بَيْن يَدَيْ رَبّه يَوْم جَزَائِهِ أَفْضَل مِنْ مُوَاسَاة اَلْبَائِس وَتَفْرِيج كُرْبَة المكروب
    فَعَجِبَ لِزِنْجِيَّة بَيْضَاء وَوَثَنِيَّة تَعْبُد اَللَّه وَبَرْبَرِيَّة تَحْمِل بَيْن جَبِينهَا قَلْبًا يَعْطِف
    عَلَى اَلْبُؤَسَاء وَالْمَنْكُوبِينَ وَقَالَ فِي نَفْسه مَا لِهَذِهِ اَلْفَتَاة بُدّ مِنْ شَأْن وَوَرْد عَلَيْهِ
    مِنْ أَمْرهَا مَا ذَهَبَ بِلُبِّهِ وَمَلِك عَلَيْهِ نَفْسه وَهَوَاهُ وَأَنْسَاهُ كُلّ شَأْن فِي اَلْحَيَاة إِلَّا
    شَأْنهَا فَلَبِثَ صَامِتًا وَاجِمًا لَا يَنْطِق وَقَالَ لَهَا اِذْهَبِي لِشَأْنِك يَا سَيِّدَتِي فَإِنَّنِي لَا
    أُرِيد اَلنَّجَاة فَعَلِمَتْ أَنَّهَا ثَوْرَة مِنْ ثَوْرَات اَلْيَأْس فَدَنَتْ مِنْهُ وَوَضَعَتْ يَدهَا عَلَى
    عاتقة لَا تَجْعَل لِلْيَأْسِ إِلَى قَلْبك أَيُّهَا اَلْفَتَى سَبِيلًا وَانْجُ بِحَيَاتِك مِنْ يَد اَلْمَوْت
    فَلَيْسَ بَيْنك وَبَيْنه إِنْ بَقِيَتْ هُنَا إِلَّا أَنْ يَنْحَدِر عَنْ وَجْهك قِنَاع هَذَا اَللَّيْل فَإِذَا
    أَنْتَ فَلَذَّ طَائِرَة مَعَ شَفَرَات اَلسُّيُوف فَلَا تُفْجِع نَفْسك فِي نَفْسك وَلَا تُفْجِع هَذِهِ
    اَلْمِسْكِينَة اَلْوَاقِفَة بَيْن يَدَيْك فَإِنَّ شَدِيدًا عَلَى جِدًّا أَنْ أَرَاك بَعْد قَلِيل ذَبِيحَة
    فِي يَد الأبح أَوْ مُضْغَة فِي فَم اَلْآكِل قَالَ إِنَّك لَا تَسْتَطِيعِينَ نَجَاتِي قَالَتْ لَا أَفْهَم
    مَا تَقُول فَإِنَّنِي مَا جِئْتُك إِلَّا وَأَنَا عَالِمَة مَاذَا أَصْنَع قَالَ قَدْ كُنْت قَبْل اَلْيَوْم
    مُوثَقًا بِوِثَاق وَاحِد فَأَصْبَحَتْ مُوثَقًا بِوِثَاقَيْنِ فَانٍ اِسْتَطَعْت أَنْ تُحَلَّى وِثَاق قَدَمِي
    فَإِنَّك لَا تَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحِلِّي وِثَاق قَلْبِي فَأَلَمَّتْ بِسَرِيرَة نَفْسه فَرَفَعَتْ وَجْههَا إِلَى
    اَلسَّمَاء وَلَبِثَتْ شَاخِصَة إِلَيْهَا سَاعَة فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيْهَا وَلَبِثَ شَاخِصًا إِلَى وَجْههَا
    نَظَر اَلْمُصَوِّر اَلْمَاهِر إِلَى تِمْثَاله اَلْبَدِيع حَتَّى شَعَرَ بِدَمْعَة حَارَّة قَدْ سَقَطَتْ مِنْ
    جَفْنهَا عَلَى وَجْهه فَجَرَتْ فِي مَجْرَى اَلدُّمُوع مِنْ خَدّه فَانْحَدَرَتْ مِنْ جَفْنه دَمْعَة مِثْلهَا
    فَالْتَقَتْ بِدَمْعَتِهَا فَامْتَزَجَتَا مَعًا فَمَدَّ يَده إِلَى رِدَائِهَا بِالْإِغْوَاءِ إِلَيْهِ وَقَالَ قَدْ
    طَالَ وُقُوفك يَا سَيِّدَتِي فَاجْلِسِي بِجَانِبِي نَتَحَدَّث قَلِيلًا فَجَلَسَتْ عَلَى مَقْرُبَة مِنْهُ فَقَالَ
    لَهَا إِنَّ اِمْتِزَاج دَمْعِي بِدَمْعِك فِي هَذِهِ اَلسَّاعَة قَدْ دَلَّنِي عَلَى أَنَّنَا لَنْ تَفْتَرِق بَعْد
    اَلْيَوْم أَحْيَاء أَوْ أَمْوَاتًا فَإِنْ كُنْت تُرِيدِينَ لِي اَلنَّجَاة فَإِنَّنِي لَا أَنْجُو إِلَّا بِك
    قَالَتْ لَيْتَنِي أَسْتَطِيع ذَلِكَ يَا سَيِّدِي قَالَ وَمَا يَمْنَعك مِنْهُ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ نَظْرَة دَامِعَة
    وَقَالَتْ أَخَافَ أَنْ أُحِبّك قَالَ وَلِمَ تَخَافِينَ قَالَتْ لَا أَعْلَم قَالَ أَنَا لَا أَسْأَلك عَمَّا
    تَكْتُمِينَ فِي صَدْرك مِنْ اَلْأَسْرَار وَلَكِنِّي أَسْأَلك أَنْ تَتْرُكِينِي وَشَأْنِي فِي يَد اَلْقَدْر
    يَفْعَل بِي مَا يَشَاء فَقَدْ كُنْت أَخَاف اَلْمَوْت قَبْل أَنْ أَرَاك أَمَّا اَلْيَوْم فَحَسْبِي عَزَاء
    عَمَّا أُلَاقِيه مِنْ غصصه وَآلَامه نَظْرَة رَحْمَة تَلْقِينهَا عَلَيَّ فِي مصرعي وَدَمْعَة حُزْن
    تَسْكُبِينَهَا مِنْ بَعْدِي عَلَى تُرْبَتِي فَمَا اِسْتَقْبَلَتْهُ إِلَّا بِدُمُوعِهَا تَنْحَدِر عَلَى خَدَّيْهَا
    كَالْعُقَدِ وَهِيَ سلكة فَانْتَثَرَ ثُمَّ مَدَّتْ يَدهَا إِلَى قَيْده فَعَالَجَتْهُ حَتَّى انصدع وَقَالَتْ
    إِنِّي ذَاهِبَة مَعَك وَلْيَقْضِ اَللَّه فِي وَفِيك قَضَاءَهُ .
    مَشَيَا يَطْوِيَانِ القفار وَيَعْبُرَانِ اَلْأَنْهَار وَيُضَحِّيَانِ مَرَّة ويخصران أُخْرَى وَيَرِدَانِ آجن
    اَلْمِيَاه وَصَفُوهَا وَيَقْتَاتَانِ يَابِس اَلثِّمَار وَرُطَبهَا فَإِذَا لَاحَ لَهُمَا ظَلَّ شَجَرَة أَوْ
    شَاطِئ غَدِير أَوْ سَفْح جَبَل أَوَيَا إِلَيْهِ فَاسْتَرَاحَا بِجَانِبِهِ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَا إِلَى
    شَأْنهمَا .
    وَكَانَتْ لَا تَزَلْ تَغْشَى وَجْه اَلْفَتَاة مذ فَارَقَتْ مَوْطِنهَا سَحَابَة سَوْدَاء مِنْ اَلْحُزْن مَا
    تَكَاد تَنْقَشِع عَنْهُ وَكَانَا إِذَا نَزَلَا مَنْزِلًا وَأَخَذَا مَضْجَعهمَا مَنْ تَرَّبَهُ وَأَحْجَاره نَهَضَتْ
    مِنْ مَرْقَدهَا بَعْد هَدْأَة مِنْ اَللَّيْل وانتحت نَاحِيَة مِنْ حَيْثُ تَظُنّ أَنَّهُ لَا يَشْعُر
    بِمَكَانِهَا وَمَدَّتْ يَدهَا إِلَى صَدْرهَا فَتَنَاوَلَتْ صَلِيبًا صَغِيرًا فَقَبِلَتْهُ ثُمَّ أَنْشَأَتْ تُهِمّهُمْ
    بِكَلَام خُفَّيْ كَأَنَّهَا تُنَاجِي بِهِ شَخْصًا غَائِبًا عَنْهَا فَسَتَغْفِرُهُ مِنْ ذَنَب جَنَّته إِلَيْهِ مَرَّة
    وَتَطْلُب مَعُونَته عَلَى أَمْر لَا تَعْرِف مَصِيره وَلَا تَعْلَم وَجْه اَلصَّوَاب فِيهِ أُخْرَى حَتَّى
    يَنْبَثِق نُور اَلْفَجْر فَتَعُود إِلَى مَرْقَدهَا وَكَانَ كُلَّمَا سَأَلَهَا عَنْ شَأْنهَا اَلتُّوت عَلَيْهِ
    وَدَافِعَته عَنْهَا حَتَّى تَلُوم أَنْ يُعَاوِدهَا فَتَرَكَهَا وَشَأْنهَا وَقَدْ أَصْبَحَ يَحْمِل فِي صَدْره
    مِنْ اَلْهَمّ فَوْق مَا تَحْمِل مَنْ هُمْ نَفْسهَا حَتَّى أَشْرَفَا بَعْد مُسَيَّر ثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى
    سَوَاء اَلْعُمْرَان فَاسْتَبْشَرَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا قَدْ اصحبا فِي اَلسَّاعَة اَلْأَخِيرَة مِنْ سَاعَات
    اَلشَّقَاء .
    وَكَانَا قَدْ وَصَلَا إِلَى نَهْر صَغِير هُنَاكَ فَجَلَسَا بِجَانِبِهِ تَحْت شَجَرَة مُورِقَة يَتَحَدَّثَانِ
    وَهِيَ أَوَّل مَرَّة جَلَسَا فِيهَا لِلْحَدِيثِ فَقَالَ لَهَا مَا حَفِظَ اَللَّه حَيَاتنَا فِي هَذِهِ اَلسُّفْرَة
    اَلطَّوِيلَة فِي هَذِهِ اَلْقَفْزَة اَلْجَرْدَاء اَلْمُوحِشَة إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ لَنَا فِي لَوْح مَقَادِيره
    سَعَادَة لَا أَحْسَب أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّ خَيْرًا مِنْهَا لِعِبَادِهِ اَلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات اَلنَّعِيم قَالَتْ
    وَمَتَى كَانَتْ هَذِهِ اَلْحَيَاة مَوْطِنًا لِلسَّعَادَةِ أَوْ مُسْتَقِرًّا لَهَا وَمَتَّى سَعِدَ أَبْنَاؤُهَا بِهَا
    فَنُسْعِد مِثْلهمْ كَمَا سَعِدُوا وَإِنْ كَانَ لَابُدَّ مِنْ سَعَادَة فِي هَذِهِ اَلْحَيَاة فَسَعَادَتهَا أَنْ
    يَعِيش اَلْمَرْء فِيهَا مُعْتَقَدًا أَنْ لَا سَعَادَة لَهُ فِيهَا لِيَسْتَطِيعَ أَنْ يَقْضِي أَيَّامه
    اَلْمَقْدِرَة لَهُ عَلَى ظَهْرهَا هَادِئ اَلْقَلْب سَاكِن اَلنَّفْس لَا يُكَدِّر عَلَيْهِ عَيْشه أَمَل كَاذِب
    وَلَا رَجَاء خَائِب قَالَ :
    إِنَّ اَلسَّعَادَة حاطرة بَيْن أَيْدِينَا وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنهَا إِنَّ اردناها إِلَّا أَنْ نَطْوِي
    هَذِهِ اَلْمَرْحَلَة اَلْبَاقِيَة مِنْ هَذَا اَلْقَفْر فَنَلْجَأ إِلَى أَوَّل بَيْت نَلْقَاهُ فِي طَرِيقنَا مِنْ
    بُيُوت اَللَّه فَنَجْثُو أَمَام مَذْبَحه سَاعَة نُخْرِج مِنْ بَعْدهَا زَوْجَيْنِ سَعِيدَيْنِ لَا يَحُول
    بَيْننَا حَائِل وَلَا يُكَدِّر صُفُوفنَا مُكَدَّر فَأَطْرَقَتْ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسهَا فَإِذَا دَمْعَة
    صَافِيَة تَنْحَدِر عَلَى خَدّهَا فَقَالَ مَا بُكَاؤُك يَا سَيِّدَتِي فَقَالَتْ أَتَذَكَّر لَيْلَة اَلنَّجَاة إِذْ
    دَعَوْتنِي إِلَى اَلْفِرَار مَعَك فَقُلْت لَك إِنِّي أَخَاف إِنْ فَرَرْت مَعَك أَنْ أُحِبّك ? قَالَ نَعَمْ
    قَالَتْ وأسفاه لَقَدْ وَقَعَ اَلْيَوْم مَا كُنْت مِنْهُ أَخَاف ثُمَّ صَرَخَتْ صَرْخَة عَالِيَة وَقَالَتْ
    مَاذَا يَا أُمَّاه وَسَقَطَتْ مكبة عَلَى وَجْههَا فَدَنَا مِنْهَا وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا فَإِذَا رعدة
    شَدِيدَة تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا البرداء وَعَمَدَ إِلَى بَعْض اَلْأَشْجَار فَاقْتَطَعَ
    مِنْهَا بِضْعَة أَعْوَاد وَمَشَى يُفَتِّش عَنْ اَلنَّاس فِي كُوخ كَانَ يَتَرَاءَى لَهُ عَلَى اَلْبُعْد حَتَّى
    بَلَغَهُ فَوَجَدَ عَلَى بَابه كَاهِنًا شَيْخًا جَلِيل اَلْمَنْظَر فَدَنَا مِنْهُ وَحَيَّاهُ تَحِيَّة حَيّ بِأَحْسَن
    مِنْهَا وَقَالَ لَهُ مَا شَأْنك يَا بَنِي ? قَالَ إِنَّ بِجَانِب ذَلِكَ اَلنَّهْر فَتَاة مِسْكِينَة
    تَرَكْتهَا وَرَائِي تَشْكُو اَلْبَرْد فَهَلْ أَجِد عِنْدك جَذْوَة نَار أَعُود بِهَا إِلَيْهَا لِتَصْطَلِيَ
    بِهَا ? فَمَكَّنَهُ مِنْ طَلَبَته وَتُقَال لَهُ كُتُب اَللَّه وَلِعَلِيلَتِك اَلسَّلَامَة يَا بَنِي فَاذْهَبْ
    فَإِنِّي عَلَى أَثَرك فَعَدَا اَلْفَتَى عَدُوًّا شَدِيدًا حَتَّى بَلَغَ اَلنَّهْر فَأَدْهَشَهُ أَنْ رَأَى اَلْفَتَاة
    هَادِئَة سَاكِنَة طَيِّبَة اَلنَّفْس لَا يَشْكُو بَرْدًا وَلَا أَلَمًا فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا مُتَهَلِّلًا وَقَالَ
    لَهَا لَعَلَّ مَا كَانَ يُخَالِط نَفْسك مِنْ اَلْأَلَم لِذِكْر أَهْلك وَوَطَنك قَدْ ذَهَبَ بِذَهَاب اَلْأَيَّام
    قَالَتْ مَا كَانَ يُخَالِط نَفْسِيّ مِنْ ذَلِكَ شَيْء فَاجْلِسْ أَحْدَثك حَدِيثِي فَقَدْ آنَ أَنْ أُفْضِي بِهِ
    إِلَيْك فَجَلَسَ بِجَانِبِهَا فَأَنْشَأَتْ تُحَدِّثهُ وَتَقُول :
    أَنَا فَتَاة غَرِيبَة مِثْلك عَنْ هَذِهِ اَلدِّيَار لَا أَعْرِف مِنَن سَاكِنِيهَا غَيْر نَفْسِيّ وَلَا مَنْ
    أَرْضَهَا غَيْر قَبْر قَدْ زَالَ اَلْيَوْم رَسْمه بَلِيَ مَعَ اَلْأَيَّام دفينه فَقَدْ وَلَّدَتْنِي أُمِّي عَلَى
    فِرَاش رَجُل أَبْيَض وَفْد مِنْ دِيَاركُمْ مُنْذُ عِشْرِينَ عَامًا فَالتَّقِيّ بِهَا عِنْد مُرُور بِحَيِّهَا
    فَأُحِبّهَا وَأَحَبَّتْهُ ثُمَّ فَرَّتْ مَعَهُ إِلَى مَا وَرَاء هَذِهِ اَلصَّحْرَاء فَدَانَتْ بِدِينِهِ ثُمَّ تُزَوِّجهَا
    فوالداني وَعِشْنَا جَمِيعًا حِقْبَة مِنْ اَلدَّهْر عَيْش اَلسُّعَدَاء اَلْآمِنِينَ وَكَانَ رِجَال
    قَبِيلَة أُمِّي لَا يَزَالُونَ يَتَطَلَّبُونَ اَلسَّبِيل إِلَيْنَا حَتَّى سَقَطُوا عَلَيْنَا سُقُوط اَلْقَضَاء
    فِي جُنْح لَيْلَة مِنْ لَيَالِي اَلظَّلَام فَاقْتَادُونَا جَمِيعًا إِلَى أَرْضهمْ وَكُنْت إِذْ ذَاكَ لَمْ
    أَسْلَخ اَلْعَاشِرَة مِنْ عمرى فَقَتَلُوا أَبِي وَأُمِّي وَأَمَام أُمَّيْ قَتَلَة لَا يَزَال مَنْظَرهَا
    حَاضِرًا بَيْن يَدِي حَتَّى اَلسَّاعَة لَا يُفَارِقنِي فَحَزِنَتْ أُمِّي عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا مَا زَالَ
    يَدْنُو بِهَا مِنْ اَلْقَبْر شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى جَاءَتْ سَاعَتهَا فَحَضَرَ مَوْتهَا يَدْنُو بِهَا مِنْ
    اَلْقَبْر شَيْئًا فَسَيِّئًا حَتَّى جَاءَتْ سَاعَتهَا فَحَضَرَ مَوْتهَا رَسُول مِنْ رُسُل اَلْمَسِيح كَانَ لَا
    يَزَال يَخْتَلِف إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين فَدَعَتْنِي إِلَيْهَا أَمَامه وَقَالَتْ لِي يَا بِنْيَة إِنَّ
    أُمِّي قَدْ وَلَدَتْنِي لِلشَّقَاءِ فِي هَذَا اَلْعَالِم وَأَحْسَب أَنِّي قَدْ وَلَّدْتُك لَهُ كَذَلِكَ فَحَسْبنَا
    ذَلِكَ وَلَا تَكُونِي سَبَبًا فِي شَقَاء أَحَد مِنْ بَعْدك وانذري نَفْسك لِلْعَذْرَاءِ نُذُرًا لَا
    يُحِلْهُ إِلَّا اَلْمَوْت فَأَذْعَنَتْ لِأَمْرِهَا وَأَشْهَدَتْ اَلْكَاهِن عَلَى نَذْرِي فَتَلَأْلَأَ وَجْههَا بِشْرًا
    وَسُرُورًا ثُمَّ نَظَرَتْ نَظْرَة فِي اَلسَّمَاء وَقَالَتْ هَا انذا عَلَى أَثَرك يَا رافائيل ثُمَّ
    فَاضَتْ رُوحهَا .
    فَاضْطَرَبَ اَلْفَتِيّ عِنْد سَمَاع هَذَا اَلِاسْم وَقَالَ لَهَا عهل تَعْرِفِينَ وَطَن أَبِيك وَأُسْرَته
    قَالَتْ نَعَمْ وَسِمَتهَا لَهُ فاستطير فَرَحًا وَسُرُورًا وَقَالَ أَحْمَدك اَللَّهُمَّ فَقْد وَجَدَتْ ضَالَّتِي
    فَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ وَقَالَتْ وَأَيّ ضَالَّة تُرِيد قَالَ أتذكرين لَيْلَة اَللِّقَاء إِذَا اِمْتَزَجَتْ
    دمعتانا مَعًا فَقُلْت لَك إِنَّهَا صِلَة بَيْنِي وَبَيْنك لَا يَقْطَعهَا إِلَّا اَلْمَوْت قَالَتْ نَعَمْ
    قَالَ قَدْ كُنْت أَمَتّ إِلَيْك قَبْل اَلْيَوْم بِحُرْمَة اَلْحُبّ وَحْدهَا فَأَصْبَحَتْ أَمُتْ إِلَيْك بِحُرْمَة
    اَلْحُبّ وَالْقُرْبَى فَأَنْتِ اَلْيَوْم حَبِيبِي وَابْنَة خَالِي مَعًا فَقَالَتْ بِصَوْت خَافِت أَحْمَد اَللَّه
    فَقَدْ وَجَدَتْ لِي فِي هَذِهِ اَلسَّاعَة اَلْعَصِيبَة أَخَا وَأَخَذَ جِسْمهَا يَضْطَرِب اِضْطِرَابًا شَدِيدًا
    وَوَجْههَا يربد شَيْئًا فَشَيْئًا فَذُعِرَ اَلْفَتَى وَارْتَاعَ وَحَنَا عَلَيْهَا وَقَالَ مَاذَا أَرَى
    قَالَتْ لَا تُرَع فاصغ إِلَى فَانٍ لِحَدِيثَيْ بَقِيَّة لَمْ تَسْمَعهَا إِنَّنِي مُنْذُ حَفَّظَتْ وَصِيَّة أُمِّي
    وَوَهَبَتْ اَلْعَذْرَاء نَفْسِي كَانَ لَابُدَّ لِي أَنْ أَتَّخِذ لِي مَلْجَأ أَفْزَعَ إِلَيْهِ فِي اَلْيَوْم اَلَّذِي
    أَخَافَ أَنْ يَغْلِبنِي فِيهِ هَوَايَ عَلَى دِينِي فَكُنْت لَا أَزَال أَحْمِل تِلْكَ اَلْقَارُورَة مَعِي
    حَتَّى جَاءَ اَلْيَوْم اَلَّذِي خِفْته فَلَجَأَتْ إِلَيْهَا فَنَجَوْت وأستودعك اَللَّه فَنَظَر اِلْفِتِي حَيْثُ
    أَشَارَتْ فَرَأَى قَارُورَة مِطْرَحَة وَرَاءَهَا فَتُنَاوِلهَا فَإِذَا هِيَ فَارِغَة إِلَّا مِنْ بَقِيَّة
    صَفْرَاء فِي قرارتها فَفَهْم كُلّ شَيْء .
    هُنَالِكَ شَعَرَ كَأَنَّ شَعْبه مِنْ شِعَاب قَلْبه هَوَتْ بَيْن أَضْلَاعه وَكَأَنَّ طَائِرًا قَدْ نَفَضَ
    جَنَاحَيْهِ ثُمَّ طَارَ عَنْ رَأْسه إِلَى جَوّ اَلسَّمَاء فَصَعَقَ فِي مَكَانه صَعْقَة لَمْ يَشْعُر بَعْدهَا
    بِشَيْء مَا حَوْله فَلَمَّ يستفيق إِلَّا بَعْد حِين فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَإِذَا اَلْفَتَاة بِجَانِيهِ جُثَّة
    بَارِدَة وَإِذَا اَلْكَاهِن صَاحِب اَلْكُوخ وَاقِفًا أَمَامه يَحْمِل عَلَى كَفّه طَعَامًا كَانَ قَدْ جَاءَ
    بِهِ إِلَيْهِمَا وَيَقْلِب نَظَره حَائِرًا لَا يَفْهَم مِمَّا يَرَى شَيْئًا فَوَثَبَ اَلْفَتِيّ إِلَيْهِ حَتَّى
    صَارَ أَمَامه وَجْهًا لِوَجْه وَنَظَر إِلَيْهِ نَظْرَة شزراء كَتِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي يُلْقِيهَا
    اَلْمُوتُور عَلَى وَجْه واتره وَكَأَنَّ قَدْ خولط فِي عَقْله فَأَخَذَ يَهْذِي وَيَقُول :
    أَتَدْرِي أَيُّهَا اَلرَّجُل لِمَ مَاتَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة لِأَنَّهَا وَهَبَّتْ نَفْسهَا لِلْعَذْرَاءِ ثُمَّ عَرَضَ
    لَهَا اَلْحُبّ فِي طَرِيقهَا فَوَقَفَتْ حَائِرَة بَيْن قَلْبهَا وَدِينهَا فَلَمْ تَجِد لَهَا سَبِيلًا إِلَى
    اَلْخَلَاص إِلَّا سَبِيل اَلِانْتِحَار فَانْتَحَرَتْ تِلْكَ جَرَائِمكُمْ يَا رِجَال اَلْأَدْيَان اَلَّتِي
    تَقْتَرِفُونَهَا عَلَى وَجْه اَلْأَرْض مَا كَفَاكُمْ أَنْ جَعَلْتُمْ أَمْر اَلزَّوَاج فِي أَيْدِيكُمْ تَحِلُّونَ
    مِنْهُ مَا تَحِلُّونَ وَتَرْبُطُونَ مَا تَرْبُطُونَ حَتَّى قَضَيْتُمْ بِتَحْرِيمِهِ قَضَاء مُبْرَمًا لَا يَقْبَل
    أَخْذًا وَلَا رَدًّا ?
    إِنَّ اَلَّذِي خَلَقَنَا وَبَثَّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَامنَا هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَنَا هَذِهِ اَلْقُلُوب وَخَلَقَ
    لَنَا فِيهَا اَلْحُبّ فَهُوَ يَأْمُرنَا أَنْ نُحِبّ وَأَنْ نَعِيش فِي هَذَا اَلْعَالَم سُعَدَاء هَانِئِينَ
    فَمَا شَأْنكُمْ وَالدُّخُول بَيْن اَلْمَرْء وَرَبّه وَالْمَرْء وَقَلْبه ?
    إِنَّ اَللَّه بِعِيد فِي عَلْيَاء سَمَائِهِ عَنْ أَنْ تَتَنَاوَلهُ أَنْظَارنَا وَتَتَّصِل بِهِ حَوَاسّنَا وَلَا
    سَبِيل لَنَا أَنْ نَرَاهُ إِلَّا فِي جَمَال مَصْنُوعَاته وَبَدَائِع آيَاته فَلَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ
    نَرَاهَا وَنُحِبّهَا لِنَسْتَطِيعَ أَنْ نَرَاهُ وَنُحِبّهُ .
    إِنْ كتنتم تُرِيدُونَ أَنْ نَعِيش عَلَى وَجْه اَلْأَرْض بِلَا حُبّ فَانْتَزَعُوا مِنْ بَيْن جَنُوبنَا
    هَذِهِ القلبو اَلْخَفَّاقَة ثُمَّ اُطْلُبُوا مِنَّا بَعْد ذَلِكَ مَا تَشَاءُونَ فَإِنَّنَا لَا نَسْتَطِيع أَنْ
    نَعِيش بِلَا حُبّ مَا دَامَتْ لَنَا أَفْئِدَة خَافِقَة .
    أتظنون أَيُّهَا اَلْقَوْم أَنَّنَا مَا خُلِقْنَا فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا إِلَّا لِنَنْتَقِل فِيهَا مِنْ ظُلْمَة
    اَلرَّحِم إِلَى ظُلْمَة اَلدَّيْر وَمِنْ ظُلْمَة اَلدَّيْر إِلَى ظُلْمَة اَلْقَبْر ?
    بِئْسَتْ اَلْحَيَاة حَيَاتنَا إِذَنْ وَبِئْسَ اَلْخَلْق خَلْقنَا إِنَّنَا لَا نَمْلِك فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا
    سَعَادَة نَحْيَا بِهَا غَيْر سَعَادَة اَلْحُبّ وَلَا نَعْرِف لَنَا مَلْجَأ نَلْجَأ إِلَيْهِ مِنْ هُمُوم
    اَلْعَيْش وأرزائه سِوَاهَا فَفَتَّشُوا لَنَا عَنْ سَعَادَة غَيْرهَا قَبْل أَنْ تَطْلُبُوا مِنَّا أَنْ
    نَتَنَازَل لَكُمْ عَنْهَا .
    هَذِهِ اَلطُّيُور اَلَّتِي تُغَرِّد فِي أفنائها إِنَّمَا تُغَرِّد بِنَغَمَات اَلْحُبّ وَهَذَا اَلنَّسِيم اَلَّذِي
    يَتَرَدَّد فِي أَجْوَائِهِ إِنَّمَا يَحْمِل فِي أعطافه رَسَائِل اَلْحُبّ وَهَذِهِ اَلْكَوَاكِب فِي سَمَائِهَا
    وَالشُّمُوس فِي أَفْلَاكهَا وَالْأَزْهَار فِي رِيَاضهَا وَالْأَعْشَاب فِي مُرُوجهَا والسوأئم فِي
    مَرَاتِعهَا والسوارب فِي أَحْجَارهَا وَإِنَّمَا تَعِيش جَمِيعًا بِنِعْمَة اَلْحُبّ فَمَتَى كَانَ
    اَلْحَيَوَان اَلْأَعْجَم وَالْجَمَاد اَلصَّامِت أَيُّهَا اَلْقُسَاة اَلْمُسْتَبِدُّونَ أَرْفَع شَأْنًا مِنْ
    اَلْإِنْسَان اَلنِّطَاق وَأَحْمَق مِنْهُ بِنِعْمَة اَلْحَيّ وَالْحَيَاة ? ?
    فَهَنِيئًا لَهَا جَمِيعهَا أَنَّهَا لَا تَعْقِل عَنْكُمْ مَا تَقُولُونَ وَلَا تَسْمَع مِنْكُمْ مَا تَنْطِقُونَ
    فَقَدْ نَجَتْ بِذَلِكَ مِنْ شَرّ عَظِيم وَشَقَاء مُقِيم .
    إِنَّنَا لَا نُعَرِّفكُمْ أَيُّهَا اَلْقَوْم وَلَا نَدِين بِكُمْ وَلَا نَعْتَرِف لَكُمْ بِسُلْطَان عَلَى
    أَجْسَامنَا أَوْ أَرْوَاحنَا وَلَا نُرِيد أَنْ نَرَى وُجُوهكُمْ أَوْ نَسْمَع أَصْوَاتكُمْ فَتَوَارَوْا عَنَّا
    اِذْهَبُوا وَحْدكُمْ إِلَى مَعَابِدكُمْ أَوْ مغاوركم فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيع أَنْ نَتْبَعكُمْ إِلَيْهَا وَلَا
    أَنْ نَعِيش مَعَكُمْ فِيهَا .
    إِنَّ وَرَاءَنَا نِسَاء ضِعَاف اَلْقُلُوب وَرِجَالًا ضِعَاف اَلْعُقُول وَنَحْنُ نَخَافكُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ
    يَمْتَدّ شَرّكُمْ إِلَيْهِمْ فَلَا بُدّ لَنَا أَنْ نَقِف فِي وُجُوهكُمْ وَنَعْتَرِض سَبِيلكُمْ لِنُذُورِكُمْ عَنْهُمْ
    حَتَّى لَا تَصِلُوا إِلَيْهِمْ فَتُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ اَلْبَقِيَّة اَلْبَاقِيَة مِنْ قُلُوبهمْ وَعُقُولهمْ .
    إِنَّا لَا نَعْبُد إِلَّا اَللَّه وَحْده وَلَا نُشْرِك بِهِ غَيْره وَفِي اِسْتِطَاعَتنَا أَنْ نَعْرِف
    اَلطَّرِيق إِلَيْهِ وَحْدنَا بِدُون دَلِيل يَدُلّنَا عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة لَنَا بِكُمْ وَلَا بَسَاطَتكُمْ .
    كِتَاب اَلْكَوْن يُغْنِينَا عَنْ كِتَابكُمْ وَآيَات اَللَّه تُغْنِينَا عَنْ آيَاتكُمْ وَأَنَاشِيد
    اَلطَّبِيعَة وَنَغَمَاتهَا تُغْنِينَا عَنْ أَنَاشِيدكُمْ وَنَغَمَاتكُمْ هَذَا اَلْجَمَال اَلْمُتَرَقْرِق فِي
    سَمَاء اَلْكَوْن وَأَرْضه وَنَاطِقه وَصَامِتَة وَمُتَحَرِّكَة وَسَاكِنه وَإِنَّمَا هُوَ مِرْآة نَقِيَّة صَافِيَة
    تَنْظُر فِيهَا فَنَرَى وَجْه اَللَّه اَلْكَرِيم مَشْرِقًا مُتَلَأْلِئًا فَنَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ سَاجِدِينَ ثُمَّ
    نُصْغِي إِلَيْهِ لِنَسْتَمِع وَحَيّه فَنَسْمَعهُ يَقُول لَنَا أَيُّهَا اَلنَّاس إِنَّمَا خُلُق اَلْجَمَّال مُتْعَة
    لَكُمْ فَتَمَتَّعُوا بِهِ وَإِنَّمَا خَلَقْتُمْ حَيَاة لِلْجِمَالِ فَأَحْيَوْهُ .
    ذَلِكَ أَمْر اَللَّه اَلَّذِي نَسْمَعهُ وَلَا نَسْمَع أمرأ سِوَاهُ .
    وَمَا وَصَلَ إِلَى حَدِيثه إِلَى هَذَا اَلْحَدّ حتي ثِقَل لِسَانه وَوَهَنَتْ عَزِيمَته وَارْتَعَدَتْ
    مَفَاصِله فَسَقَطَ فِي مَكَانه يزفر زَفِيرًا شَدِيدًا وَيَئِنّ أَنِينًا مُحْزِنًا فَاقْتَرَبَ مِنْهُ
    اَلشَّيْخ وَوَضْع يَده عَلَى رَأْسه وَقَالَ لَهُ :
    أَرْفُق بِنَفْسِك يَا بَنِي فَمَا أَنْتَ بِأَوَّل ثاكل عَلَى وَجْه اَلْأَرْض وَلَا فَقِيدك بِأَوَّل رَاحِل
    عَنْهَا وَإِنَّ فِي رَحْمَة اَللَّه وَرِضْوَانه عَزَاء لِلصَّابِرِينَ وَجَزَاء لِلْمُحْسِنِينَ فَأَهْوَى اَلْفَتِيّ
    عَلَى يَده وَأَخْذ يَقْبَلهَا ويوقل أَغْفِر لِي ذَنْبِي يَا ‎ أَبَتْ فَقَدْ كَانَتْ مِنْ اَلظَّالِمِينَ قَالَ
    غَفَرَ اَللَّه لَك يَا بَنِي فَمَا دُون رَحْمَة اَللَّه بَاب مُوصَد وَلَا رتاج , مُعْتَرِض قَالَ لِلَّهِ
    يَا ‎ أَبَتْ إِنَّ هَذِهِ اَلْفَتَاة غَرِيبَة عَنْ هَذِهِ اَلْأَرْض وَلَيْسَ لَهَا فِيهَا أَحَد سِوَايَ وَقَدْ
    مَاتَتْ مِنْ أَجْلِي وَفِي سَبِيلِي فَهَلْ تَأْذَن لِي أَنْ أَدْنُو مِنْهَا لِأَقْبَلهَا قُبْلَة اَلْوَدَاع فِي
    آخِر سَاعَة مِنْ سَاعَتهَا علد وَجْه اَلْأَرْض قَالَ اِفْعَلْ يَا بَنِي فَزَحَفَتْ عَلَى رُكْبَتِي حَتَّى
    بَلَّغَ مَكَانهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ضَمَّة شَدِيدَة وَأَهْوَى بِفَمه عَلَى فَمهَا فَقَبِلَهَا لِأَوَّل مَرَّة فِي
    حَيَاته قُبْلَة فَاضَتْ رُوحه فِيهَا .
    فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي دُفِنَّ فِيهَا خذان اَلشَّهِيدَانِ تَحْت تِلْكَ اَلشَّجَرَة اَلْمُورِقَة عَلَى شَاطِئ
    ذَلِكَ اَلنَّهْر اَلْجَارِي مَرَّتْ بِكُوخ اَلْعَجُوز اِمْرَأَة مِنْ جَارَاتهَا كَانَتْ تَعْتَادهَا اَلزِّيَارَة
    مِنْ حِين إِلَى حِين فَنَظَرَتْ إِلَى مَكَانهَا اَلَّذِي اِعْتَادَتْ أَنْ تَتَّخِذهُ مِنْ حَافَّة ذَلِكَ اَلْقَبْر
    اَلْمَفْتُوح فَرَأَتْهُ خَالِيًا فَأَشْرَقَتْ عَلَى اَلْحُفْرَة فَوَجَدَتْهَا مُتَرَدِّيَة فِيهَا مُعَفَّرَة
    بِتُرَابِهَا لَا حَرَاك بِهَا فَمَلَأَتْ بِالتُّرَابِ اَلَّذِي كَانَ مُجْتَمَعًا حَوْل اَلْحُفْرَة تِلْكَ
    اَلْأَشْبَار اَلْخَمْسَة اَلَّتِي هِيَ مَسَافَة مَا بَيْن اَلْحَيَاة وَالْمَوْت ثُمَّ فَوْق تُرْبَتهَا
    دَمْعَة كَانَتْ هِيَ كُلّ نَصِيبهَا مِنْ اَلدُّنْيَا .




    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  5. #15
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17

    رسالة الحجاب




    *
    *




    اَلْحِجَاب

    " مَوْضُوعَة "



    ذَهَب فُلَان إِلَى أُورُوبَّا وَمَا نُنْكِر مِنْ أَمْره شَيْئًا فَلَبِثَ فِيهَا بِضْع سِنِينَ ثُمَّ عَادَ
    وَمَا بَقِيَ مِمَّا كُنَّا نَعْرِفهُ مِنْهُ شَيْء .
    ذَهَبَ بِوَجْه كَوَجْه اَلْعَذْرَاء لَيْلَة عُرْسهَا وَعَاد بِوَجْه كَوَجْه اَلصَّخْرَة اَلْمَلْسَاء تَحْت
    اَللَّيْلَة الماطرة وَذَهَبَ بِقَلْب نَقِيّ طَاهِر يَأْنَس بِالْعَفْوِ وَيَسْتَرِيح إِلَى اَلْعُذْر وَعَادَ
    بِقَلْب مِلَفّ مدخول لَا يُفَارِقهُ اَلسُّخْط عَلَى اَلْأَرْض وَسَاكِنهَا وَالنِّقْمَة عَلَى اَلسَّمَاء
    وَخَالِقهَا وَذَهَبَ بِنَفْس غَضَّة خَاشِعَة تَرَى كُلّ نَفْس فَوْقهَا وَعَادَ بِنَفْس ذَهَابه نَزَّاعَة لَا
    تَرَى شَيْئًا فَوْقهَا وَلَا تُلْقِي نَظْرَة وَاحِدَة عَلَى مَا تَحْتهَا وَذَهَبَ بِرَأْس مَمْلُوءَة حَكَمَا
    وَرَأَيَا وَعَاد بِرَأْس كَرَأْس اَلتِّمْثَال اَلْمُثَقَّب لَا يَمْلَؤُهَا إِلَّا لِهَوَاء اَلْمُتَرَدِّد وَذَهَبَ
    وَمَا عَلَيَّ وَجْه اَلْأَرْض أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ دِينه وَوَطَنه وَعَاد وَمَا عَلَى وَجْههَا أَصْغُر فِي
    عَيْنه مِنْهُمَا .
    وَكُنْت أَرَى أَنَّ هَذِهِ اَلصُّورَة اَلْغَرِيبَة اَلَّتِي يَتَرَاءَى فِيهَا هَؤُلَاءِ اَلضُّعَفَاء مِنْ
    اَلْفِتْيَان اَلْعَائِدِينَ مِنْ تِلْكَ اَلدِّيَار إِلَى أَوْطَانهمْ إِنَّمَا هِيَ أَصْبَاغ مُفْرَغَة عَلَى
    أَجْسَامهمْ إِفْرَاغًا لَا تَلْبَث أَنْ تَطَلَّعَ عَلَيْهَا اَلشَّمْس اَلْمَشْرِق حَتَّى تَتَّصِل وَتَتَطَايَر
    ذَرَّاتهَا فِي أَجْوَاء اَلسَّمَاء وَأَنَّ مَكَان اَلْمَدَنِيَّة اَلْغَرْبِيَّة مِنْ نُفُوسهمْ مَكَان اَلْوَجْه
    مِنْ اَلْمِرْآة إِذَا اِنْحَرَفَ عَنْهَا زَالَ خَيَاله مِنْهَا فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أُفَارِق ذَلِكَ اَلصَّدِيق
    وَلَبِسَتْهُ عَلَى عِلَّاته وَفَاء بِعَهْدِهِ اَلسَّابِق وَرَجَاء لِغَدِهِ اَلْمُنْتَظَر مُحْتَمَلًا فِي سَبِيل
    ذَلِكَ مِنْ حُمْقه وَوَسْوَاسه وَفُسَّاد تَصَوُّرَاته وَغَرَابَة أَطْوَاره مَا لَا طَاقَة لِمَثَلِي
    بِاحْتِمَال مِثْله حَتَّى جَاءَنِي ذَات لَيْلَة بِدَاهِيَة اَلدَّوَاهِي وَمُصِيبَة اَلْمَصَائِب فَكَانَتْ
    آخِر عَهْدِي بِهِ .
    دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَرَأَيْته وَاجِمًا مُكْتَئِبًا فحييته فَأَوْمَأَ إِلَى بِالتَّحِيَّةِ إِيمَاء فَسَأَلَتْهُ
    مَا بَاله فَقَالَ مَا زِلْت مُنْذُ اَللَّيْلَة مِنْ هَذِهِ اَلْمَرْأَة فِي عَنَاء لَا أَعْرِف اَلسَّبِيل
    إِلَى اَلْخَلَاص مِنْهُ وَلَا أَدْرِي مَصِير أَمْرِي فِيهِ قُلْت وَأَيّ اِمْرَأَة تُرِيد ? قَالَ تِلْكَ اَلَّتِي
    يُسَمِّيهَا اَلنَّاس زَوْجَتِي وَأُسَمِّيهَا اَلصَّخْرَة اَلْعَاتِيَة فِي طَرِيق مُطَالِبِي وَآمَالِي قَلَّتْ
    إِنَّك كَثِير اَلْآمَال يَا سَيِّدِي فَعَنْ أَيّ آمَالك تَحْدُث ? قَالَ لَيْسَ لِي فِي اَلْحَيَاة إِلَّا
    أَمَل وَاحِد هُوَ أَنْ أُغْمِض عَيْن ثُمَّ أَفْتَحهَا فَلَا أَرَى بُرْقُعًا عَلَى وَجْه اِمْرَأَة فِي هَذَا
    اَلْبَلَد قُلْت ذَلِكَ مَا لَا تَمْلِكهُ وَلَا رَأَى لَك فِيهِ قَالَ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ اَلنَّاس يُرُونَ فِي
    اَلْحِجَاب رَأْيِي وَيَتَمَنَّوْنَ فِي أَمَرّه مَا أَتُمَنِّي وَلَا يَحُول بَيْنهمْ وَبَيْن نَزْعه عَنْ وُجُوه
    نِسَائِهِمْ إبرازهن إِلَى اَلرِّجَال يجالسنهم كَمَا يَجْلِس بَعْضهنَّ إِلَى بَعْض إِلَّا اَلْعَجْز
    وَالضَّعْف وَالْهَيْبَة اَلَّتِي لَا تَزَال تُلِمّ بِنَفْس اَلشَّرْقِيّ كُلَّمَا حَاوَلَ اَلْإِقْدَام عَلَى أَمْر
    جَدِيد فَرَأَيْت أَنْ أَكُون أَوَّل هَادِم لِهَذَا اَلْبِنَاء اَلْعَادِيّ اَلْقَدِيم اَلَّذِي وَقَفَ سَدًّا
    دُون سَعَادَة اَلْأُمَّة وَارْتِقَائِهَا دَهْرًا طَوِيلًا وَأَنْ يَتِمّ عَلَى يَدَيْ مَا لَمْ يَتِمّ عَلَى يَد
    أَحَد غَيْرِي مِنْ دُعَاة اَلْحُرِّيَّة وَأَشْيَاعهَا فَعَرَضَتْ اَلْأَمْر عَلَى زَوْجَتِي فَأَكْبَرَتْهُ وَأَعْظَمَتْهُ
    وَخَيْل إِلَيْهَا أَنَّنِي جُثَّتهَا بِإِحْدَى اَلنَّكَبَات اَلْعِظَام والرزايا اَلْجِسَام وَزَعَمَتْ أَنَّهَا
    إِنْ بَرَزَتْ إِلَى اَلرِّجَال فَإِنَّهَا لَا تَسْتَطِيع أَنْ تَبْرُز إِلَى اَلنِّسَاء بَعْد ذَلِكَ .
    حَيَاء مِنْهُنَّ وَخَجَلًا وَلَا خَجَل هُنَاكَ وَلَا حَيَاء وَلَكِنَّهُ اَلْمَوْت وَالْجُمُود وَالذُّلّ اَلَّذِي
    ضَرَبَهُ اَللَّه عَلَى هَؤُلَاءِ اَلنِّسَاء فِي هَذَا اَلْبَلَد أَنْ يَعِشْنَ فِي قُبُور مُظْلِمَة مِنْ
    خُدُورهنَّ وَخَمْرهنَّ حَتَّى يَأْتِينَ اَلْمَوْت فَيَنْتَقِلْنَ مِنْ مَقْبَرَة اَلدُّنْيَا إِلَى مَقْبَرَة اَلْآخِرَة
    فَلَا بُدّ لِي أَنَّ أَبْلَغ أَمْنِيَّتِي وَأَنْ أُعَالِج هَذَا اَلرَّأْس اَلْقَاسِي اَلْمُتَحَجِّر عِلَاجًا
    يَنْتَهِي بِإِحْدَى اَلْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا بِكَسْرِهِ أَوْ بِشِفَائِهِ .
    فَوَرَدَ عَلَى مَنْ حَدِيثه مَا مَلَأَ نَفْسِي هَمًّا وَحُزْنًا وَنَظَرْت إِلَيْهِ نَظْرَة اَلرَّاحِم اَلرَّاثِي
    وَقُلْت أعالم أَنْتَ أَيُّهَا اَلصَّدِيق مَا تَقُول ?
    قَالَ نَعَمْ أَقُول اَلْحَقِيقَة اَلَّتِي أَعْتَقِدهَا وَأُدِين نَفْسِيّ بِهَا وَاقِعَة مِنْ نَفْسك وَنُفُوس
    اَلنَّاس جَمِيعًا حَيْثُ وَقَعَتْ قُلْت هَلْ تَأْذَن لِي أَنْ أَقُول لَك إِنَّك عِشْت فَتْرَة طَوِيلَة فِي
    دِيَار قَوْم لَا حِجَاب بَيْن رِجَالهمْ وَنِسَائِهِمْ فَهَلْ تَذْكُر أَنَّ نَفْسك حَدَّثَتْك يَوْمًا مِنْ
    اَلْأَيَّام وَأَنْتَ فِيهِمْ بِالطَّمَعِ فِي شَيْء مِمَّا لَا تَمْلِك يَمِينك مِنْ أَعْرَاض نِسَائِهِمْ فَنِلْت
    مَا تَطْمَع فِيهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر مَالِكه ? قَالَ رُبَّمَا وَقَعَ لِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَمَاذَا
    تُرِيد قُلْت أُرِيد أَنْ أَقُول لَك إِنِّي أَخَاف عَلَى عَرْضك أَنْ يُلِمّ بِهِ مِنْ اَلنَّاس مَا أُلِمّ
    بِأَعْرَاض اَلنَّاس مِنْك قَالَ إِنَّ اَلْمَرْأَة اَلشَّرِيفَة تَسْتَطِيع أَنْ تَعِيش بَيْن اَلرِّجَال مِنْ
    شَرَفهَا وَعِفَّتهَا فِي حِصْن حَصِين لَا تَمْتَدّ إِلَيْهِ اَلْمَطَامِع فَتُدَاخِلنِي مَا لَمْ أَمْلِك مَعَهُ
    وَقُلْت لَهُ تِلْكَ هِيَ اَلْخُدْعَة اَلَّتِي بِالْإِغْوَاءِ بِهَا اَلشَّيْطَان أَيُّهَا اَلضُّعَفَاء والثلمة
    اَلَّتِي يغثر بِهَا فِي زَوَايَا رُءُوسكُمْ فَيَنْحَدِر مِنْهَا إِلَى عُقُولكُمْ وَمَدَارِككُمْ فَيُفْسِدهَا
    عَلَيْكُمْ فَالشَّرَف كَلِمَة لَا وُجُود لَهَا فِي قَوَامِيس اَللُّغَة وَمَعَاجِمهَا فَإِنْ أَرَدْنَا أَنْ
    نُفَتِّش عَنْهَا فِي قُلُوب اَلنَّاس وَأَفْئِدَتهمْ قَلَمًا نَجِدهَا وَالنَّفْس اَلْإِنْسَانِيَّة كَالْغَدِيرِ
    اَلرَّاكِد لَا يَزَال صَافِيًا رَائِقًا حَتَّى يَسْقُط فِيهِ حَجَر فَإِذَا هُوَ مُسْتَنْقَع كَدِر وَالْعِفَّة
    لَوْن مِنْ أَلْوَان اَلنَّفْس لَا جَوْهَر مِنْ جَوَاهِرهَا وَقَلَّمَا تُثْبِت اَلْأَلْوَان عَلَى أَشِعَّة
    اَلشَّمْس اَلْمُتَسَاقِطَة قَالَ أَتُنْكِرُ وُجُود اَلْعِفَّة بَيْن اَلنَّاس قُلْت لَا أُنْكِرهَا لِأَنِّي أَعْلَم
    أَنَّهَا مَوْجُودَة بَيْن اَلْبُلْه اَلضُّعَفَاء وَالْمُتَكَلِّفِينَ وَلَكِنِّي أَنْكَرَ وَجَوَّدَهَا عِنْد اَلرَّجُل
    اَلْقَادِر المختلب وَالْمَرْأَة اَلْحَاذِقَة اَلْمُتَرَفِّقَة إِذَا سَقَطَ بَيْنهمَا اَلْحِجَاب وَخَلَا وَجْه
    كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ .
    فِي أَيّ جَوّ مِنْ أَجْوَاء هَذَا اَلْبَلَد تُرِيدُونَ أَنْ تَبْرُز نِسَاؤُكُمْ لِرِجَالِكُمْ ?
    أَفِي جَوّ اَلْمُتَعَلِّمِينَ وَفِيهِمْ مَنْ سُئِلَ مَرَّة لِمَ لَمْ يَتَزَوَّج فَأَجَابَ نِسَاء اَلْبَلَد جَمِيعًا
    نِسَائِيّ .
    أَمْ فِي جَوّ اَلطَّلَبَة وَفِيهِمْ مَنْ يَتَوَارَى عَنْ أَعْيُن خُلَّانه وأتربه وَخَجَلًا أَنْ خَلَتْ
    مَحْفَظَته يَوْمًا مِنْ اَلْأَيَّام مَنْ صُوَر عَشِيقَاته وَخَلِيلَاته أَوْ أقفزت مِنْ رَسَائِل اَلْحُبّ
    وَالْغَرَام ?
    أَمْ فِي جَوّ اَلرُّعَاع وَالْغَوْغَاء وَكَثِير مِنْهُمْ يَدْخُل اَلْبَيْت خَادِمًا ذَلِيلًا وَيَخْرُج مِنْهُ
    صِهْرًا كَرِيمًا ?
    وَبَعْد فَمَا هَذَا اَلْوَلَع بِقِصَّة اَلْمَرْأَة والتمطق بِحَدِيثِهَا وَالْقِيَام وَالْقُعُود بِأَمْرِهَا
    وَأَمْر حِجَابهَا وَسُفُورهَا وَحُرِّيَّتهَا وَأَسْرَارهَا كَأَنَّمَا قَدْ قُمْتُمْ بِكُلّ وَاجِب لِلْأُمَّةِ
    عَلَيْكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ فَلَمْ يَبْقَ الا أَنْ تُفِيضُوا مِنْ تِلْكَ اَلنِّعَم عَلَى غَيْركُمْ .
    بِالْإِغْوَاءِ رِجَالكُمْ قَبْل أَنْ تُهَذِّبُوا نِسَاءَكُمْ فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ اَلرِّجَال فَأَنْتُمْ عَنْ اَلنِّسَاء
    أَعْجَز .
    أَبْوَاب اَلْفَخْر أَمَامكُمْ كَثِيرَة فَاطْرُقُوا أَيُّهَا شئم وَدَعُوا هَذَا اَلْبَاب موصودا فَإِنَّكُمْ
    إِنْ فَتَحْتُمُوهُ فَتَحْتُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَيْلًا عَظِيمًا وَشَقَاء طَوِيلًا .
    أَرَوْنِي رَجُلًا وَاحِدًا مِنْكُمْ يَسْتَطِيع أَنْ يَزْعُم فِي نَفْسه أَنَّهُ يَمْتَلِك هَوَاهُ بَيْن يَدَيْ
    اِمْرَأَة يَرْضَاهَا فَأُصَدِّق أَنَّ اِمْرَأَة تَسْتَطِيع أَنْ تَمْلِك هَوَاهَا بَيْن يَدَيْ رَجُل تَرْضَاهُ .
    إِنَّكُمْ تُكَلِّفُونَ اَلْمَرْأَة مَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَعْجِزُونَ عَنْهُ وَتَطْلُبُونَ عِنْدهَا مَالًا
    تَعْرِفُونَهُ عِنْد أَنْفُسكُمْ فَأَنْتُمْ تُخَاطِرُونَ بِهَا فِي مَعْرَكَة اَلْحَيَاة مُخَاطَرَة لَا تَعْلَمُونَ
    بِالْإِغْوَاءِ مِنْ بَعْدهَا أَمْ تَخْسَرُونَهَا وَمَا أَحْسَبكُمْ إِلَّا خَاسِرِينَ .
    مَا شَكَتْ اَلْمَرْأَة إِلَيْكُمْ ظُلْمًا وَلَا تَقَدَّمَتْ إِلَيْكُمْ فِي أَنْ تَحِلُّوا قَيْدهَا وَتُطْلِقُوهَا مَنْ
    اسرها فَمَا دُخُولكُمْ بَيْنهَا وَبَيْن نَفْسهَا ?
    وَمَا تمضغكم لَيْلكُمْ وَنَهَاركُمْ بِقِصَصِهَا وَأَحَادِيثهَا ?
    إِنَّهَا لَا تَشْكُو إِلَّا فُضُولكُمْ وَإِسْفَافكُمْ وَمُضَايَقَتكُمْ لَهَا وَوُقُوفكُمْ فِي وَجْههَا وَحَيْثُمَا
    سَارَتْ وَأَيْنَمَا خَلَتْ حَتَّى ضَاقَ بِهَا وَجْه اَلْفَضَاء فَلَمْ تُجْدِ لَهَا سَبِيلًا إِلَّا أَنْ تَسْجُن
    نَفْسهَا بِنَفْسِهَا فِي بَيْتهَا فَوْق مَا سَجَنَهَا أَهْلهَا مِنْ دُونهَا بَابهَا وأسلبت
    أَسْتَارهَا تَبَرُّمًا وَفِرَارًا مِنْ فُضُولكُمْ فوا عَجَبًا لَكُمْ تَسْجُنُونَهَا بِأَيْدِيكُمْ ثُمَّ تَقِفُونَ
    عَلَى بَاب سِجْنهَا تُبْكُونَهَا وَتَنْدُبُونَ شَقَاءَهَا !
    إِنَّكُمْ لَا تَرْثُونَ لَهَا بَلْ تَرْثُونَ لِأَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْكُونَ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى أَيَّام
    قَضَيْتُمُوهَا فِي دِيَار يَسِيل جَوّهَا تَبَرُّجًا وَسُفُورًا وَيَتَدَفَّق خَلَاعَة وَاسْتِهْتَارًا وَتَوَدُّونَ
    بجدع اَلْأَنْف لَوْ ظَفِرْتُمْ هُنَا بِذَلِكَ اَلْعَيْش اَلَّذِي خَلَقْتُمُوهُ هُنَاكَ .
    لَقَدْ كُنَّا وَكَانَتْ اَلْعِفَّة فِي سِقَاء مِنْ اَلْحِجَاب موكوء فَمَا زِلْتُمْ بِهِ تَثْقُبُونَ فِي
    جَوَانِبه كُلّ يَوْم ثَقْبًا وَالْعِفَّة تَسَلُّل مِنْهُ قَطْرَة قَطْرَة حَتَّى تَقْبِض وتكرش ثُمَّ لَمْ
    يُكَلِّفكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى جِئْتُمْ اَلْيَوْم تُرِيدُونَ أَنْ تَحِلُّوا وكاءه حَتَّى لَا تُبْقِي فِيهِ
    قَطْرَة وَاحِدَة .




    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  6. #16
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *



    عَاشَتْ اَلْمَرْأَة اَلْمِصْرِيَّة حِقْبَة مِنْ دَهْرهَا هَادِئَة مُطَمْئِنَة فِي بَيْتهَا رَاضِيَة عَنْ
    نَفْسهَا وَعَنْ عِيشَتهَا تَرَى اَلسَّعَادَة كُلّ اَلسَّعَادَة فِي وَاجِب تُؤَدِّيه لِنَفْسِهَا أَوْ وَقُفَّة
    تُقَفِّهَا بَيْن يَدَيْ رَبّهَا أَوْ عطفة تَعَطُّفهَا عَلَى وَلَدهَا أَوْ جَلْسَة تُجْلِسهَا إِلَى جَارَتهَا
    تَبُثّهَا ذَات نَفْسهَا وتستبثها سَرِيرَة قَلْبهَا وَتَرَى اَلشَّرَف كُلّ اَلشَّرَف فِي خُضُوعهَا
    لِأَبِيهَا وائتمارها بِأَمْر زَوْجهَا وَنُزُولهَا عِنْد رِضَاهُمَا وَكَانَتْ تَفْهَم مَعْنَى اَلْحُبّ
    وَتَجْهَل مَعْنَى اَلْغَرَام فَتُحِبّ زَوْجهَا لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا كَمَا تُحِبّ وَلَدهَا لِأَنَّهُ وَلَدهَا فَإِنْ
    رَأَى غَيْرهَا مِنْ اَلنِّسَاء أَنَّ اَلْحُبّ أَسَاس اَلزَّوَاج رَأَتْ هِيَ أَنَّ اَلزَّوَاج أَسَاس اَلْحُبّ
    فَقُلْتُمْ لَهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ يَسْتَبِدُّونَ بِأَمْرِك مَنْ أَهْلك لَيْسُوا بِأَوْفَر مِنْك عَقْلًا
    وَلَا أَفْضَل رَأْيًا وَلَا أَقْدِر عَلَى اَلنَّظَر لَك مِنْ نَظَرك لِنَفْسِك فَلَا حَقّ لَهُمْ فِي هَذَا
    اَلسُّلْطَان اَلَّذِي يَزْعُمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَيْك بِالْإِغْوَاءِ أَبَاهَا وَتَمَرَّدَتْ عَلَى زَوْجهَا وَأَصْبَحَ
    اَلْبَيْت اَلَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ عُرْسًا مِنْ اَلْأَعْرَاس اَلضَّاحِكَة مَنَاحَة قَائِمَة لَا تَهْدَأ
    نَارهَا وَلَا يَخْبُو أُوَارِهَا .
    وَقُلْتُمْ لَهَا لَا بُدّ لَك أَنْ تَخْتَارِي زَوْجك بِنَفْسِك حَتَّى لَا يَخْدَعك أَهْلك عَنْ سَعَادَة
    مُسْتَقْبَلك فَاخْتَارَتْ لِنَفْسِهَا أَسْوَأ مِمَّا اِخْتَارَ لَهَا أَهْلهَا فَلَمْ يَزِدْ عُمْر سَعَادَتهَا
    عَلَى يَوْم وَلَيْلَة ثُمَّ اَلشَّقَاء اَلطَّوِيل بَعْد ذَلِكَ اَلْعَذَاب اَلْأَلِيم .
    وَقُلْتُمْ لَهَا إِنَّ اَلْحُبّ أَسَاس اَلزَّوَاج فَمَا زَالَتْ تَقْلِب عَيْنهَا فِي وُجُوه اَلرِّجَال مُصَعِّدَة
    مُصَوِّبَة حَتَّى شَغَلَهَا اَلْحُبّ عَنْ اَلزَّوَاج فَعَنَيْت بِهِ عَنْهُ .
    وَقُلْتُمْ لَهَا إِنَّ سَعَادَة اَلْمَرْأَة فِي حَيَاتهَا أَنْ يَكُون زَوْجهَا عَشِيقهَا وَمَا كَانَتْ تَعْرِف
    إِلَّا أَنَّ اَلزَّوَاج غَيْر اَلْعَشِيق فَأَصْبَحَتْ تَطْلُب فِي كُلّ يَوْم زَوْجًا جَدِيدًا يَحْيَ مِنْ لَوْعَة
    اَلْحُبّ مَا أَمَاتَ اَلزَّوْج اَلْقَدِيم فَلَا قَدِيمًا اِسْتَبْقَتْ وَلَا جَدِيدًا أَفَادَتْ .
    وَقُلْتُمْ لَهَا لَا بُدّ أَنْ تَتَعَلَّمِي لِتُحْسِنِي تَرْبِيَة وَلَدك وَالْقِيَام عَلَى شُؤُون بَيْتك
    فَتَعَلَّمَتْ كُلّ شَيْء إِلَّا تَرْبِيَة وَلَدهَا وَالْقِيَام عَلَى شُؤُون بَيْتهَا .
    وَقُلْتُمْ لَهَا نَحْنُ لَا نَتَزَوَّج مِنْ اَلنِّسَاء إِلَّا مِنْ نُحِبّهَا وَنَرْضَاهَا ويرئم ذَوْقهَا
    ذَوْقنَا وَشُعُورنَا شُعُورنَا فَرَأَتْ أَنَّ لَابُدَّ لَهَا أَنَّ تَعَرُّف مَوَاقِع بِالْإِغْوَاءِ وَمَبَاهِج
    أَنْظَاركُمْ لِتَتَجَمَّل لَكُمْ بِمَا تُحِبُّونَ فَرَاجَعَتْ فِهْرِس حَيَاتكُمْ صَفْحَة صَفْحَة فَلَمْ تُرِ فِيهِ
    غَيْر أَسْمَاء بِالْإِغْوَاءِ اَلْمُسْتَهْتِرَات وَالضَّاحِكَات اَللَّاعِبَات وَالْإِعْجَاب بِهِنَّ وَالثَّنَاء
    عَلَى ذَكَائِهِنَّ وَفِطْنَتهنَّ فتخلعت وَاسْتَهْتَرَتْ لِتَبْلُغ رِضَاكُمْ وَتُنْزِل عِنْد مَحَبَّتكُمْ ثُمَّ مَشَتْ
    إِلَيْكُمْ بِهَذَا اَلثَّوْب اَلرَّقِيق اَلشَّفَّاف تَعْرِض نَفْسهَا عَلَيْكُمْ عَرْضًا كَمَا تَعْرِض اَلْأُمَّة
    نَفْسهَا فِي سُوق اَلرَّقِيق فَأَعْرَضْتُمْ عَنْهَا ونبوتم بِهَا وَقُلْتُمْ لَهَا إِنَّا لَا نَتَزَوَّج
    اَلنِّسَاء اَلْعَاهِرَات كَأَنَّكُمْ لَا تُبَالُونَ أَنْ يَكُون نِسَاء اَلْأُمَّة جَمِيعًا سَاقِطَات إِذَا
    سَلَّمَتْ لَكُمْ نِسَاؤُكُمْ فَرَجَعَتْ أَدْرَاجهَا خَائِبَة مُنْكَسِرَة وَقَدْ أَبَاهَا اَلْخَلِيع وَتَرَفُّع عَنْهَا
    اَلْمُحْتَشِم فَلَمْ تَجِد بَيْن يَدَيْهَا غَيْر بَاب اَلسُّقُوط فَسَقَطَتْ .
    وَكَذَلِكَ اِنْتَشَرَتْ اَلرِّيبَة فِي نُفُوس اَلْأَمَة جَمِيعًا وَتَمَشَّتْ اَلظُّنُون بَيْن رِجَالهَا
    وَنِسَائِهَا فتعاجز اَلْفَرِيقَانِ وَأَظْلَمَ اَلْفَضَاء بَيْنهمَا وَأَصْبَحَتْ اَلْبُيُوت كَالْأَدْيِرَةِ لَا
    يَرَى فِيهَا الردائي إِلَّا رِجَالًا مترهبين وَنِسَاء عَانِسَات .
    ذَلِكَ بُكَاؤُكُمْ عَلَى اَلْمَرْأَة أَيُّهَا اَلرَّاحِمُونَ وَهَذَا رِثَاءَكُمْ لَهَا وَعَطْفكُمْ عَلَيْهَا !
    نَحْنُ نَعْلَم كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اَلْمَرْأَة فِي حَاجَة إِلَى اَلْعِلْم فَلْيُهَذِّبْهَا أَبُوهَا أَوْ
    أَخُوهَا فَالتَّهْذِيب أَنْفَع لَهَا مِنْ اَلْعِلْم وَإِلَى اِخْتِيَار اَلزَّوْج اَلْعَادِل اَلرَّحِيم
    فَلْيُحْسِنْ اَلْآبَاء اِخْتِيَار اَلْأَزْوَاج لِبَنَاتِهِمْ وَلِيَجْمُل اَلْأَزْوَاج عِشْرَة نِسَائِهِمْ وَإِلَى
    اَلنُّور وَالْهَوَاء تَبْرُز إِلَيْهِمَا وَتَتَمَتَّع فِيهِمَا بِنِعْمَة اَلْحَيَاة فَلْيَأْذَنْ لَهَا
    أَوْلِيَاؤُهَا بِذَلِكَ وَلِيُرَافِقهَا رَفِيق مِنْهُمْ فِي غدواتها وروحاتها كَمَا يُرَافِق اَلشَّاة
    رَاعِيهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ اَلذِّئَاب فَإِنَّ عَجْزنَا عَنْ أَنْ نَأْخُذ اَلْآبَاء وَالْإِخْوَة
    وَالْأَزْوَاج بِذَلِكَ فَلْنَنْفُضْ أَيْدِينَا مِنْ اَلْأُمَّة جَمِيعهَا عَلَى إِصْلَاحهَا .
    أَعْجَبَ مَا جُبّ لَهُ فِي شُؤُونكُمْ أَنَّكُمْ تَعَلَّمْتُمْ كُلّ شَيْء إِلَّا شَيْئًا وَاحِدًا هُوَ أَدْنَى إِلَى
    بِالْإِغْوَاءِ أَنْ تُعَلِّمُوهُ قَبْل كُلّ شَيْء وَهُوَ أَنَّ لِكُلّ تُرْبَة نَبَاتًا يُنْبِت فِيهَا وَلِكُلّ
    نَبَات زَمَنًا يَنْمُو فِيهِ !
    رَأَيْتُمْ اَلْعُلَمَاء فِي أُورُوبَّا يَشْتَغِلُونَ بِكَمَالِيَّات اَلْعُلُوم بَيْن أَهَمّ قَدْ فَرَغَتْ مِنْ
    ضَرُورِيَّاتهمْ فَاشْتَغَلْتُمْ بِهَا مَثَلهمْ فِي أُمَّة لَا يَزَال سَوَادهَا اَلْأَعْظَم فِي حَاجَة إِلَى
    مَعْرِفَة حُرُوف اَلْهِجَاء .
    وَرَأَيْتُمْ اَلْفَلَاسِفَة فِيهَا يَنْشُرُونَ فَلْسَفَة اَلْكُفْر بَيْن شُعُوب مُلْحِدَة لَهَا مِنْ عُقُولهَا
    وَآدَابهَا مَا يُغَنِّيهَا بَعْض اَلْغِنَاء عَنْ إِيمَانهَا فَاشْتَغَلْتُمْ بِنَشْرِهَا بَيْن أُمَّة ضَعِيفَة
    سَاذَجَة لَا يُغْنِيهَا عَنْ إِيمَانهَا شَيْء إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَعْنِي عَنْهُ .
    وَرَأَيْتُمْ اَلرَّجُل اَلْأُورُوبِّيّ حُرًّا مُطْلَقًا يَفْعَل مَا يَشَاء وَيَعِيش كَمَا يُرِيد لِأَنَّهُ
    يَسْتَطِيع أَنْ يَمْلِك نَفْسه وَخُطُوَاته فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي يَعْلَم فِيهَا أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى
    حُدُود اَلَّتِي رَسَمَهَا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَخَطَّاهَا فَأَرَدْتُمْ أَنْ تَمْحُوَا هَذِهِ اَلْحُرِّيَّة نَفْسهَا
    رَجُلًا ضَعِيف اَلْإِرَادَة وَالْعَزِيمَة يَعِيش مِنْ حَيَاته اَلْأَدَبِيَّة فِي رَأْس مُنْحَدِر زَلَق إِنْ
    زَلَّتْ بِهِ قَدَمه مَرَّة تَدَهْوُر مِنْ حَيْثُ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُمْسِك حَتَّى يَبْلُغ اَلْهُوَّة وَيَتَرَدَّى
    فِي قرارتها .
    وَرَأَيْتُمْ اَلزَّوْج اَلْأُورُبِّيّ اَلَّذِي أَطْفَأَتْ اَلْبِيئَة غَيَّرَتْهُ وَأَزَالَتْ خُشُونَة نَفْسه وحرشتها
    يَسْتَطِيع أَنْ يَرَى زَوْجَته تُحَاضِر مَنْ يَشَاء وَتُصَاحِب مَنْ تَشَاء وَتَخْلُو بِمَنْ تَشَاء فَيَقِف
    أَمَام ذَلِكَ اَلْمَشْهَد مَوْقِف اَلْجَامِد اَلْمُتَبَلِّد فَأَرَدْتُمْ اَلرَّجُل اَلشَّرْقِيّ اَلْغَيُور الملتهي
    أَنْ يَقِف مَوْقِفه وَيَسْتَمْسِك اِسْتِمْسَاكه .
    وَرَأَيْتُمْ اَلْمَرْأَة اَلْأُورُبِّيَّة وَالْجَرِيئَة المتفتية فِي كَثِير مِنْ مَوَاقِفهَا مَعَ اَلرِّجَال
    تَحْتَفِظ بِنَفْسِهَا وَكَرَامَتهَا فَأَرَدْتُمْ مِنْ اَلْمَرْأَة اَلْمِصْرِيَّة اَلضَّعِيفَة اَلسَّاذَجَة أَنْ تَبْرُز
    لِلرِّجَالِ بُرُوزهَا وَتَحْتَفِظ بِنَفْسِهَا اِحْتِفَاظهَا .
    وَكُلّ اَلْبَنَات يَزْرَع فِي أَرْض غَيْر أَرْضه أَوْ فِي سَاعَة غَيْر سَاعَته إِمَّا أَنْ تَأْبَاهُ
    اَلْأَرْض بِالْإِغْوَاءِ وَإِمَّا أَنْ يُنْشِب فِيهَا فَيُفْسِدهَا .
    إِنَّا نَضْرَع إِلَيْكُمْ بِاسْم اَلشَّرَف اَلْوَطَنِيّ وَالْحُرْمَة اَلدِّينِيَّة أَنْ تَتْرُكُوا تِلْكَ اَلْبَقِيَّة
    اَلْبَاقِيَة مِنْ نِسَاء اَلْأُمَّة مُطَمْئِنَات فِي بُيُوتهنَّ وَلَا تزعجوهن بِأَحْلَامِكُمْ وَآمَالكُمْ
    كَمَا أَزْعَجْتُمْ مَنْ قَبِلَهُنَّ فَكُلّ جُرْح مِنْ جُرُوح اَلْأُمَّة لَهُ دَوَاء إِلَّا جُرْح اَلشَّرَف فَإِنْ
    أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا فَانْتَظِرُوا بِأَنْفُسِكُمْ قَلِيلًا رَيْثَمَا تَنْتَزِع اَلْأَيَّام مِنْ
    صُدُوركُمْ هَذِهِ اَلْغَيْرَة اَلَّتِي وَرِثْتُمُوهَا عَنْ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادكُمْ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعِيشُوا
    فَغَيّ حَيَاتكُمْ اَلْجَدِيدَة سُعَدَاء آمِنِينَ .
    فَمَا زَادَ اَلْفَتِيّ عَلَى أَنْ اِبْتَسَمَ فِي وَجْهَيْ اِبْتِسَامَة الهزء وَالسُّخْرِيَة وَقَالَ تِلْكَ
    حَمَاقَات مَا جِئْنَا إِلَّا لِمُعَالَجَتِهَا فلنصطبر عَلَيْهَا حَتَّى يَقْضِي اَللَّه بَيْننَا وَبَيْنهَا
    فَقُلْت لَهُ لَك أَمْرك فِي نَفْسك وَفِي أَهْلك فَاصْنَعْ بِهِمَا مَا تَشَاء وَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُول
    لَك إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَخْتَلِف إِلَى بَيْتك بَعْد اَلْيَوْم إِبْقَاء عَلَيْك وَعَلَى منفسي
    لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّ اَلسَّاعَة اَلَّتِي يَنْفَرِج لِي فِيهَا جَانِب سِتْر مِنْ أَسْتَار بَيْتك عَنْ وَجْه
    اِمْرَأَة مِنْ أَهْلك تَقْتُلنِي جياء وَخَجَلًا ثُمَّ أنصرفت وَكَانَ هَذَا فِرَاق مَا بَيْنِي وَبَيْنه
    .




    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  7. #17
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *




    وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى سَمِعَتْ اَلنَّاس يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ فُلَانًا هَتَكَ اَلسِّتْر فِي
    مَنْزِله بَيْن نِسَائِهِ وَرِجَاله وَأَنَّ بَيْته أَصْبَحَ مَغْشِيًّا ة تَزَال اَلنِّعَال خَافِقَة بِبَابِهِ
    فَذَرَفَتْ عَيْنَيْ دَمْعَة لَا أَعْلَم هَلْ هِيَ دَمْعَة اَلْغَيْرَة عَلَى اَلْعَرْض المذال أَوْ اَلْحُزْن
    عَلَى اَلصَّدِيق اَلْمَفْقُود ?
    مَرَّتْ عَلَى تِلْكَ اَلْحَادِثَة ثَلَاثَة أَعْوَام لَا أَزُورهُ فِيهَا وَلَا يَزُورنِي وَلَا أَلْقَاهُ فِي
    طَرِيقه إِلَّا قَلِيلًا فَأُحَيِّيه تَحِيَّة اَلْغَرِيب لِلْغَرِيبِ مِنْ حَيْثُ لَا يَجْرِي لِمَا كَانَ بَيْننَا
    ذِكْر ثُمَّ أَنْطَلِق فِي سَبِيلِي .
    فَإِنِّي لِعَائِد إِلَى مَنْزِلَيْ لَيْلَة أَمْس وَقَدْ مَضَى اَلشَّرْط اَلْأَوَّل مِنْ اَللَّيْل إِذْ رَأْسِيَّته
    خَارِجًا مِنْ مَنْزِلَة يَمْشِي مِشْيَة الذاهل اَلْحَائِر وَبِجَانِبِهِ جُنْدِيّ مِنْ جُنُود اَلشُّرْطَة
    كَأَنَّمَا هُوَ يَحْرُسهُ أَوْ يَقْتَادهُ فَأَهَمَّنِي أَمْره وَدَنَوْت مِنْهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ شَأْنه فَقَالَ لَا
    اِعْلَمْ لِي بِشَيْء سِوَى أَنْ هَذَا اَلْجُنْدِيّ قَدْ طَرَقَ اَلسَّاعَة بَابِي يَدْعُونِي إِلَى مَخْفَر
    اَلشُّرْطَة وَلَا أَعْلَم لِمِثْل هَذِهِ اَلدَّعْوَة فِي مِثْل هَذِهِ اَلسَّاعَة سَبَبًا وَمَا أَنَا بِالرَّجُلِ
    اَلْمُذْنِب وَلَا اَلْمُرِيب فَهَلَّا استطيع أَنْ أَرْجُوك يَا صَدِيقِي بَعْد اَلَّذِي كَانَ بَيْنِي
    وَبَيْنك أَنْ تَصْحَبنِي اَللَّيْلَة فِي وَجْهِي هَذَا عَلَّنِي اِحْتِجَاج إِلَى بَعْض اَلْمَعُونَة فِيمَا قَدْ
    يَعْرِض لِي هُنَاكَ مِنْ اَلشُّؤُون قُلْت لَا أُحِبّ إِلَى مَنْ ذَلِكَ وَمَشَيْت مَعَهُ صَامِتًا لَا أُحَدِّثهُ
    وَلَا يَقُول لِي شَيْئًا ثُمَّ شَعَرَتْ كَأَنَّهُ يُزَوِّر فِي نَفْسه كَلَامًا يُرِيد أَنْ يُفْضِي بِهِ إِلَيَّ
    فَيَمْنَعهُ اَلْخَجَل وَالْحَيَاء فَفَاتَحْته اَلْحَدِيث وَقُلْت لَهُ أَلَّا تَسْتَطِيع أَنْ تَتَذَكَّر لِهَذِهِ
    اَلدَّعْوَة سَبَّبَا فَنَظَرَ إِلَى نَظْرَة حَائِرَة وَقَالَ إِنْ أُخَوِّف مَا أَخَافَهُ أَنْ يَكُون قَدْ حَدَثَ
    لِزَوْجَتَيْ اَللَّيْلَة حَادِث فَقَدْ رَابَنِي مِنْ أَمْرهَا أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ إِلَى اَلْمَنْزِل حَتَّى
    اَلسَّاعَة وَمَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنهَا مِنْ قَبْل قُلْت أَمَا كَانَ يَصْحَبهَا أَحَد ? قَالَ لَا قُلْت
    أَلَّا تُعَلِّم اَلْمَكَان اَلَّذِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِ قَالَ لَا قُلْت ومم تَخَاف عَلَيْهَا ? قَالَ لَا أَخَاف
    شَيْئًا سِوَى أَنِّي أَعْلَم أَنَّهَا اِمْرَأَة غَيُور حَمْقَاء فَلَعَلَّ بَعْض اَلنَّاس حَاوَلَ اَلْعَبَث بِهَا
    فِي طَرِيقهَا فشرست عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ بَيْنهمَا وَاقِعَة اِنْتَهِي أَمْرهَا إِلَى مَخْفَر اَلشُّرْطَة
    وَكُنَّا قَدْ وَصَلْنَا إِلَى اَلْمَخْفَر فَاقْتَادَنَا اَلْجُنْدِيّ إِلَى قَاعَة اَلْمَأْمُور فَوَقَفْنَا وَكُنَّا
    قَدْ وَصَلْنَا إِلَى اَلْمَخْفَر فَاقْتَادَنَا اَلْجُنْدِيّ إِلَى قَاعَة اَلْمَأْمُور فَوَقَفْنَا بَيْن يَدَيْهِ
    فَأَشَارَ إِلَى جُنْدِيّ أَمَامه إِشَارَة لَمْ نُفْهِمهَا ثُمَّ استدني اَلْفَتَى إِلَيْهِ وَقَالَ لِي
    يَسُوءنِي أَنْ أَقُول لَك سَيِّدِي إِنَّ رِجَال اَلشُّرْطَة قَدْ عُثُورًا اَللَّيْلَة فِي مَكَان مِنْ
    أَمْكِنَة اَلرِّيبَة رَجُل وَاِمْرَأَة فِي مَجَال غَيْر صَالِحَة فَاقْتَادُوهُمَا إِلَى اَلْمَخْفَر فَزَعَمَتْ
    اَلْمَرْأَة أَنَّ لَهَا بِك صِلَة فَدَعَوْنَاك لِتَكَشُّف لَنَا اَلْحَقِيقَة فِي أَمْرهَا فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَة
    اذنا لَهَا بِالِانْصِرَافِ مَعَك إِكْرَامًا لَاكَ وَإِبْقَاء عَلَى شَرَفك وَإِلَّا فَهِيَ اِمْرَأَة عَاهِرَة
    لَا نَجَاة لَهَا مِنْ عِقَاب اَلْفَاجِرَات وَهَا هُمَا وَرَاءَك فانظرهما وَكَانَ اَلْجُنْدِيّ قَدْ جَاءَ
    بِهِمَا مِنْ غُرْفَة أُخْرَى فَالْتَفَتَ وَرَاءَهُ فَإِذَا اَلْمَرْأَة زَوْجَته وَإِذَا اَلرَّجُل أَحَد
    أَصْدِقَائِهِ فَصَرَخَ صَرْخَة رَجَفَتْ لَهَا جَوَانِب اَلْمَخْفَر وَمَلَأَتْ نَوَافِذه وَأَبْوَابه عُيُونًا
    وَآذَانًا ثُمَّ سَقَطَ فِي مَكَانه مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَأَشَرْت عَلَى اَلْمَأْمُور أَنْ يُرْسِل اَلْمَرْأَة
    إِلَى مَنْزِل أَبِيهَا فَفَعَلَ وَأَطْلَقَ سَبِيلًا صَاحِبهَا ثُمَّ حَمَلْنَا اَلْفَتِيّ فِي مَرْكَبَة إل
    مُنَزَّلَة وَدَعَوْنَا لَهُ اَلطَّبِيب فَقَرَّرَ أَنَّهُ مُصَاب بحم دِمَاغِيَّة شَدِيدَة وَلُبْث سَاهِرًا
    بِجَانِبِهِ بَقِيَّة اَللَّيْل يُعَالِجهُ حَتَّى دِنَّا اَلصُّبْح فَانْصَرَفَ عَلَى أَنْ يَعُود مَتَى دَعَوْنَاهُ
    وَعَهْد إِلَيَّ بِأَمْرِهِ فَلَبِثَتْ بِجَانِبِهِ أَرْثِي لِحَالِهِ وَانْتَظَرَ قَضَاء اَللَّه فِيهِ حَتَّى رَأَيْته
    يَتَحَرَّك فِي مَضْجَعه ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآنِي فَلَبِثَ شَاخِصًا إِلَى هُنَيْهَة كَأَنَّمَا يُحَاوِل أَنْ
    يَقُول لِي شَيْئًا فَلَا يَسْتَطِيعهُ فَدَنَوْت مِنْهُ وَقُلْت لَهُ هَلْ مِنْ حَاجَة يَا سَيِّدِي ?
    فَأَجَابَ بِصَوْت ضَعِيف خَافِت حَاجَتِي أَنْ لَا يَدْخُل عَلَيَّ مِنْ اَلنَّاس أَحَد قُلْت لَنْ يَدْخُل
    عَلَيْك إِلَّا مَنْ تُرِيد فَأَطْرَقَ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَإِذَا عَيَّنَّاهُ مخصلتان بِالدُّمُوعِ
    فَقُلْت :
    مَا بُكَاؤُك يَا سَيِّدِي ? قَالَ أَتَعَلَّم أَيْنَ زَوْجَتِي اَلْآن قُلْت وَمَاذَا تُرِيد مِنْهَا ? قَالَ
    لَا شَيْء سِوَى أَنْ أَقُول لَهَا إِنِّي قَدْ عَفَوْت عَنْهَا قُلْت إِنَّهَا فِي بَيْت أَبِيهَا قَالَ
    وارحمتاه لَهَا وَلِأَبِيهَا وَلِجَمِيع قَوْمهَا فَقَدْ كَانُوا قَبْل أَنْ يَتَّصِلُوا بِي شُرَفَاء
    أَمْجَادًا فَأَلْبَسَتْهُمْ مذعوني ثَوْبًا مِنْ اَلْعَار وَلَا تَبُلُّوهُ اَلْأَيَّام .
    مَنْ لِي بِمَنْ يَبْلُغهُمْ عَنِّي جَمِيعًا أَنَّنِي مَرِيض مُشَرِّف وَأَنَّنِي أَخْشَى لِقَاء اَللَّه إِنْ
    لَقِيَتْهُ بِدِمَائِهِمْ وَأَنَّنِي أُشَرِّع إِلَيْهِمْ أَنْ يَصْفَحُوا عَنِّي وَيَغْفِرُوا زَلَّتِي قَبْل أَنْ يَسْبِق
    إِلَيَّ أَجْلِي .
    لَقَدْ كُنْت أَقْسَمْت لِأَبِيهَا يَوْم اهتدايتها أَنْ أَصُون عِرْضهَا صِيَانَتِي لِحَيَاتِي وَأَنْ
    أَمْنَعهَا مِمَّا أَمْنَع مِنْهُ نَفْسِيّ فَحَنِثَتْ فِي يُمْنِي فَهَلْ يَغْفِر لِي ذَنْبِي فَيَغْفِر لِي اَللَّه
    بِغُفْرَانِهِ ?
    نَعَمْ إِنَّهَا قَتَلَتْنِي وَلَكِنَّنِي أَنَا اَلَّذِي وَضَعَتْ فِي يَدهَا اَلْخِنْجَر اَلَّذِي أَغْمَدْته فِي
    صَدْرِي فَلَا يَسْأَلهَا أَحَد عَنْ ذَنْبِي .
    اَلْبَيْت بَيْتِي وَالزَّوْجَة زَوْجَتِي وَالصَّدِيق صَدِيقِي وَأَنَا اَلَّذِي فَتَحَتْ بَاب بَيْتِيّ لِصَدِيقِي
    إِلَى زَوْجَتِي فَلَمْ يُذْنِب إِلَى أَحَد سِوَايَ .
    ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ اَلْكَلَام هُنَيْهَة فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَإِذَا سَحَابَة سَوْدَاء تُنْشَر فَوْق جَبِينه
    شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى لَبَّسَتْ وَجْهه فزفر زَفْرَة خِلْت أَنَّهَا خَرَقَتْ حِجَاب قَلْبه ثُمَّ أَنْشَأَ
    يَقُول .
    آه مَا ‎ اشد اَلظَّلَام أَمَام عَيْنَيْ وَمَا ‎ أَضْيَق اَلدُّنْيَا فِي وَجْهِي فِي هَذِهِ اَلْغُرْفَة عَلَى
    هَذَا اَلْمَقْعَد تَحْت هَذَا اَلسَّقْف كُنْت أَرَاهُمَا جَالِسَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ فَتَمْلَأ نَفْسِي عبطة
    وَسُرُورًا وَأَحْمَد اَللَّه عَلَى أَنْ رَزَقَنِي بِصَدِيق وَفِي يُونُس زَوْجَتِي فِي وَحْدَتهَا وَزَوْجَة
    سَمْحَة كَرِيمَة تُكْرِم صَدِيقِي فِي غَيْبَتِي فَقُولُوا لِلنَّاسِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ اَلرَّجُل اَلَّذِي
    كَانَ يَفْخَر بِالْأَمْسِ بِذَكَائِهِ وَفِطْنَته وَيَزْعُم أَنَّهُ أكيس اَلنَّاس وَأُحَزِّمهُمْ قَدْ أَصْبَحَ
    يَعْتَرِف اَلْيَوْم أَنَّهُ أَبْلَه إِلَى اَلْغَايَة مِنْ اَلْبَلَاهَة وَغَبِيّ إِلَى اَلْغَايَة اَلَّتِي لَا
    غَايَة وَرَاءَهَا .
    والهفا عَلَى أُمّ لَمْ تَلِدنِي وَأَب عَاقِر لَا نَصِيب لَهُ فِي اَلْبَنِينَ .
    لَعَلَّ اَلنَّاس كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنْ أَمْرِي مَا كُنْت أَجْهَل وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا إِذَا مَرَرْت بِهِمْ
    يَتَنَاظَرُونَ وَيَتَغَامَزُونَ وَيَبْتَسِم بَعْضهمْ إِلَى بَعْض أَوْ يُحَدِّقُونَ إِلَى وَيُطِيلُونَ اَلنَّظَر فِي
    وَجْهِي وَلِيَرَوْا كَيْفَ تَتَمَثَّل اَلْبَلَاهَة فِي وُجُوه اَلْبُلْه وَالْغَبَاوَة فِي وُجُوه اَلْأَغْبِيَاء
    وَلَعَلَّ اَلَّذِينَ كَانُوا يَتَوَدَّدُونَ إِلَيَّ وَيَتَمَسَّحُونَ بِي مِنْ أَصْدِقَائِي إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
    ذَلِكَ مِنْ أَجْلهَا لَا مِنْ أَجْلِي وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَنِي فِيمَا بَيْنهمْ وَيُسَمُّونَ زَوْجَتِي
    موسا وَبَيْتِي ماخورا وَأَنَا عِنْد نَفْسَيْ أَشْرَف اَلنَّاس وَأَنْبَلهمْ !
    فوا بِالْإِغْوَاءِ لِي إِنْ بَقِيَتْ عَلَى ظَهْر اَلْأَرْض بَعْد اَلْيَوْم سَاعَة وَاحِدَة ووالهفا عَلَى
    زَاوِيَة مُنْفَرِدَة فِي قَبْر مُوحِش يطويني وَيَطْوِي عَارِي مَعِي .
    ثُمَّ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَعَاد إِلَى ذُهُوله وَاسْتِغْرَاقه .
    وَهُنَا دَخَلَتْ اَلْحُجْرَة مُرْضِع وَلَده تُحَمِّلهُ عَلَى يَدهَا حَتَّى وَضَعَتْهُ بِجَانِب فِرَاشه ثُمَّ
    تَرَكْته وَانْصَرَفْت فَمَا زَالَ اَلطِّفْل يَدِبّ عَلَى أَطْرَافه حَتَّى عَلَا صَدْر أَبِيهِ فَأَحَسَّ بِهِ
    فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآهُ فَابْتَسَمَ لِمَرْآهُ وَضَمّه إِلَى صَدْره ضَمَّة اَلرِّفْق وَالْحَنَان وَأَدْنَى فَمه
    مِنْ وَجْهه لِيَقْبَلهُ ثُمَّ اِنْتَفَضَ فَجْأَة واستسر بِشَرِّهِ وَدَفْعه عَنْهُ بِيَدِهِ دَفْعَة شَدِيدَة
    وَأَخْذ يَصِيح أَبْعَدُوهُ عَنِّي لَا أَعْرِفهُ لَيْسَ لِي أَوْلَاد وَلَا نِسَاء سَلُوا أُمّه عَنْ أَبِيهِ
    مَنْ هُوَ وَاذْهَبُوا بِهِ إِلَيْهِ ? لَا أَلْبَس اَلْعَار فِي حَيَاتِي وَأَتْرُكهُ أَثَرًا خَالِدًا وَرَائِي
    بَعْد مَمَاتِي وَكَانَتْ اَلْمُرْضِع قَدْ سَمِعَتْ صِيَاح اَلطِّفْل فَعَادَتْ إِلَيْهِ وَحَمَّلَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ
    فَسَمْع صَوْته وَهُوَ يَبْتَعِد عَنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَأَنْصَتَ إِلَيْهِ واستعبر بَاكِيًا وَصَاحَ
    اِرْجِعُوهُ إِلَيَّ فَعَادَتْ بِهِ اَلْمُرْضِع فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدهَا وَأَنْشَأَ يَقْلِب نَظَره فِي وَجْهه
    وَيَقُول :
    فِي سَبِيل اَللَّه يَا بَنِي مَا خَلَّفَ لَك أَبُوك مِنْ اَلْيُتْم وَمَا خَلَّفَتْ لَك أُمّك مِنْ اَلْعَار
    فَاغْفِرْ لَهُمَا ذَنْبهمَا إِلَيْك فَلَقَدْ كَانَتْ أُمّك اِمْرَأَة ضَعِيفَة فَعَجَزَتْ عَنْ اِحْتِمَال صَدْمَة
    اَلْقَضَاء فَسَقَطَتْ وَكَانَ أَبُوك حَسَن فِي جَرِيمَته اَلَّتِي اجترمها فَأَسَاءَ مِنْ حَيْثُ أَرَادَ
    اَلْإِحْسَان .
    سَوَاء كُنْت وَلَدِي يَا بُنِيَ أَمْ وَلَد اَلْجَرِيمَة فَإِنِّي قَدْ سَعِدْت بِك حِقْبَة مِنْ اَلدَّهْر
    فَلَا أَنْسَى يَدك عِنْدِي حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ثُمَّ اِحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ وَقَبِلَهُ فِي جَبِينه قُبْلَة لَا
    أَعْلَم هَلْ هِيَ قُبْلَة اَلْأَب اَلرَّحِيم أَوْ اَلْمُحْسِن اَلْكَرِيم ?
    وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ اَلْجُهْد فَعَاوَدَتْهُ اَلْحُمَّى وَغَلَتْ نَارهَا فِي رَأْسه وَمَازَالَ يَثْقُل
    شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى خِفْت عَلَيْهِ اَلتَّلَف فَأَرْسَلَتْ وَرَاء اَلطَّبِيب فَجَاءَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ
    نَظْرَة طَوِيلَة ثُمَّ اِسْتَرَدَّهَا مَمْلُوءَة يَأْسًا وَحُزْنًا .
    ثُمَّ بَدَأَ يَنْزِع نَزْعًا شَدِيدًا وَيَئِنّ أَنِينًا مُؤْلِمًا فَلَمْ تَبْقَ عَيْن مِنْ اَلْعُيُون اَلْمُحِيطَة
    بِهِ إِلَّا ارفضت عَنْ كُلّ مَا تَسْتَطِيع أَنْ تَجُود بِهِ مِنْ مَدَامِعهَا .
    فَإِنَّا لِجُلُوس حَوْله وَفْد بَدَأَ اَلْمَوْت يُسْبِل أَسْتَاره اَلسَّوْدَاء عَلَى سَرِيره وَإِذَا اِمْرَأَة
    مؤتزرة بِإِزَار أَسْوَد قَدْ دَخَلَتْ اَلْحُجْرَة وَتَقَدَّمَتْ نَحْوه بِبُطْء حَتَّى رَكَعَتْ بِجَانِبِهِ ثُمَّ
    أَكْبِت عَلَى يَده اَلْمَوْضُوعَة فَوْق صَدْره فَقَبِلَتْهَا وَأَخَذَتْ تَقُول لَهُ :
    لَا تُخْرِج مِنْ اَلدُّنْيَا وَأَنْتِ مُرْتَاب فِي وَلَدك فَإِنَّ أُمّه تَعْتَرِف بَيْن يَدَيْك وَأَنْتَ ذَاهِب
    إِلَى رَبّك أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ دَنَتْ مِنْ اَلْجَرِيمَة وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبهَا فَاعْفُ عَنِّي يَا
    وَالِد وَلَدِي وَاسْأَلْ اَللَّه عِنْدَمَا تَقِف بَيْن يَدَيْهِ أَنْ يُلْحِقنِي بِك فَلَا خَيْر لِي فِي
    اَلْحَيَاة مِنْ بَعْدك .
    ثُمَّ اِنْفَجَرَتْ بَاكِيَة فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأُلْقِي عَلَى وَجْههَا نَظْرَة بَاسِمَة كَانَتْ هِيَ آخِر عَهْده
    بِالْحَيَاةِ وَقَضَى .
    اَلْآن عُدْت مِنْ اَلْمَقْبَرَة بَعْد مَا دَفَنَتْ صَدِيقِي بِيَدِي وَأَوْدَعَتْ حُفْرَة اَلْقُرْب ذَلِكَ
    اَلشَّبَاب اَلنَّاضِر والروض اَلزَّاهِر وَجَلَسَتْ لِكِتَابَة هَذِهِ اَلسُّطُور وَأَنَا لَا أَكَاد أَمَلك
    مَدَامِعِي وَزَفَرَاتِي فَلَا يُهَوِّن وَجَدِّي عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ اَلْأُمَّة كَانَتْ عَلَى بَاب خَطِر عَظِيم
    مِنْ اخطارها فَتُقَدِّم هُوَ ‎ أَمَامهَا إِلَى ذَلِكَ اَلْخَطَر وَحْده فَاقْتَحَمَهُ فَمَاتَ شَهِيدًا فَنَجَتْ
    بِهَلَاكِهِ .





    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  8. #18
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17

    رسالة ..اَلذِّكْرَى..



    *
    *





    اَلذِّكْرَى

    " مُتَرْجَمَة "


    وَقَفَ أَبُو عَبْد اَللَّه آخَر مُلُوك غَرْنَاطَة بَعْد اِنْكِسَاره أَمَام جُيُوش اَلْمَلِك فردينايد
    وَالْمَلِكَة إيزابلا عَلَى شَاطِئ اَلْخَلِيج اَلرُّومِيّ تَحْت ذَيْل جَبَل طَارِق قَبْل نُزُوله إِلَى
    اَلسَّفِينَة اَلْمُعَدَّة لِحَمْلِهِ إِلَى أَفْرِيقْيَا وَقَدْ وَقَفَ حَوْله نِسَاؤُهُ وَأَوْلَاده وَعُظَمَاء
    قَوْمه مِنْ بَنِي اَلْأَحْمَر فَأَلْقَى عَلَى مِلْكه اَلذَّاهِب نَظْرَة طَوِيلَة لَمْ يَسْتَرْجِعهَا إِلَّا
    مُبَلَّلَة بِالدَّمْعِ ثُمَّ أَدْنَى رِدَاءَهُ مَنْ وَجَّهَهُ وَأَنْشَأَ يَبْكِي بُكَاء مُرًّا وينشج نَشِيجًا
    مُحْزِنًا حَتَّى بَكَى مِنْ حَوْله لِبُكَائِهِ وَأَصْبَحَ شَاطِئ اَلْبَحْر كَأَنَّهُ مَنَاحَة قَائِمَة تَتَرَدَّد
    فِيهَا اَلزَّفَرَات وَيَسْتَبِق اَلْعَبَرَات فَإِنَّهُ لِوَاقِف مَوْقِفه هَذَا وَقَدْ ذُهِلَ عَنْ نَفْسه
    وَمَوْقِفه إِذْ أَحَسَّ هَاتِفًا يَهْتِف بِاسْمِهِ بِصَوْت كَأَنَّمَا يَنْحَدِر إِلَيْهِ مِنْ عَلْيَاء اَلسَّمَاء
    فَرَفَعَ رَأْسه فَإِذَا شَيْخ نَاسِك مُتَّكِئ عَلَى عَصَاهُ وَاقِف عَلَى بَاب مَغَارَة مِنْ مَغَارَات
    اَلْجَبَل اَلْمُشْرِف عَلَيْهِ يَنْظُر إِلَيْهِ وَيَقُول :
    نَعِمَ لَك أَنْ نَبْكِي أَيُّهَا اَلْمَلِك اَلسَّاقِط عَلَى مِلْكك بُكَاء اَلنِّسَاء فَإِنَّك لَمْ تَحْتَفِظ بِهِ
    اِحْتِفَاظ اَلرِّجَال .
    إِنَّك ضَحِكْت بِالْأَمْسِ كَثِيرًا فَابْكِ اَلْيَوْم بِمِقْدَار مَا ضَحَّكَتْ بِالْأَمْسِ فَالسُّرُور نَهَار
    اَلْحَيَاة وَالْحُزْن لَيْلهَا وَلَا يَلْبَث اَلنَّهَار اَلسَّاطِع أَنْ يُعْقِبهُ اَللَّيْل اَلْقَاتِم .
    لَوْ أَنَّ مَا ذَهَبَ مِنْ يَدك مِنْ مِلْكك ذَهَبَ بِصَدْمَة مِنْ صَدَمَات اَلْقَدْر أَوْ نَازِلَة مِنْ نَوَازِل
    اَلْقَضَاء مِنْ حَيْثُ لَا حَوْل لَك فِي ذَلِكَ وَلَا حِيلَة لَهَانَ أَمْره عَلَيْك أَمَّا وَقَدْ أَضَعْته
    بِيَدِك إِلَى عَدْوك بِاخْتِيَارِك فَابْكِ عَلَيْهِ بُكَاء اَلنَّادِم المتفجع اَلَّذِي لَا
    يَجِد لَهُ عَنْ مُصَابه عَزَاء وَلَا سَلْوَى .
    لَا يَظْلِم اَللَّه عَبَدَا مِنْ عِبَاده وَلَا يُرِيد بِأَحَد مِنْ اَلنَّاس فِي شَأْن مِنْ اَلشُّؤُون
    شَرًّا وَلَا ضيرا وَلَكِنَّ اَلنَّاس يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ يَقِفُوا عَلَى حَافَّة اَلْهُوَّة اَلضَّعِيفَة
    فَتُزَلْ بِهِمْ اقدامهم وَيَمْشُوا تَحْت اَلصَّخْرَة اَلْبَارِزَة اَلْمُشْرِفَة فَتُسْقِط عَلَى رُءُوسهمْ .
    لَمْ تُقْنِع بِمَا قَسَّمَ اَللَّه لَك مِنْ اَلزُّرْق فَأَبَيْت إِلَّا اَلْمَلِك وَالسُّلْطَان فَنَازَعْت عَمّك
    اَلْأَمْر وَاسْتَعَنْت عَلَيْهِ بَعَّدُوك وَعَدُّوهُ فَتَنَاوَلَ رَأْسَيْكُمَا مَعًا وَمَا زَالَ يَضْرِب أَحَدهمَا
    بِالْآخَرِ حَتَّى سَالَ تَحْت قَدَمَيْكُمَا قليب مِنْ اَلدَّم فَغَرِقْتُمَا فِيهِ مَعًا .
    لِي فَوْق هَذِهِ اَلصَّخْرَة يَا بَنِي اَلْأَحْمَر سَبْعَة أَعْوَام أَنْتَظِر فِيهَا هَذَا اَلْمَصِير اَلَّذِي
    صِرْتُمْ إِلَيْهِ وَأَتَرَقَّب اَلسَّاعَة اَلَّتِي أَرَى فِيهَا آخِر مِلْك مَلِكًا يَرْحَل عَنْ هَذِهِ اَلدِّيَار
    رِحْلَة لَا رَجْعَة مِنْ بَعْدهَا لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّ اَلْمَلِك اَلَّذِي يَتَوَلَّى أَمْره اَلْجَاهِلُونَ
    اَلْأَغْبِيَاء لَا دَوَام لَهُ وَلَا بَقَاء .
    اِتَّخَذَ بَعْضكُمْ بَعْضًا عَدُوًّا وَأَصْبَحَ كُلّ وَاحِد مِنْكُمْ حَرْبًا عَلَى صَاحِبه فَسُقْتُمْ اَلْمُسْلِمِينَ
    إِلَى مَيَادِين اَلْقِتَال يَضْرِب بَعْضهمْ وُجُوه بَعْض وَالْعَدُوّ رَابِض مِنْ وَرَائِكُمْ يَتَرَبَّص بِكُمْ
    اَلدَّوَائِر وَيَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْكُمْ قَائِد قُوَّاده يَنْبَعِث بَيْن يَدَيْهِ لِقَتَّال أَعْدَائِهِ
    وَالْمُنَاضِلَة عَلَى مِلْكه حَتَّى رَآكُمْ تَتَهَافَتُونَ عَلَى أَنْفُسكُمْ ضَعْفًا وَوَهْنًا فاقتحمكم
    فَمَا هِيَ إِلَّا جَوْلَة أَوْ جَوْلَتَانِ حَتَّى ظَفَر بِكُمْ مَعًا .
    سَتَقِفُونَ غَدًا بَيْن يَدَيْ اَللَّه يَا مُلُوك اَلْإِسْلَام وَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ اَلْإِسْلَام إِلَى
    أَضَعْتُمُوهُ وَهَبَطْتُمْ بِهِ مِنْ عَلْيَاء مَجْده حَتَّى أَلْصَقْتُمْ أَنْفه بالرغام وَعَنْ اَلْمُسْلِمِينَ
    اَلَّذِينَ بِالْإِغْوَاءِ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ لِيَعِيشُوا بَيْنهمْ عَيْش اَلْبَائِسِينَ
    اَلْمُسْتَضْعَفِينَ عَنْ مُدُن اَلْإِسْلَام وَأَمْصَاره اَلَّتِي اِشْتَرَاهَا آبَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِمْ وَأَرْوَاحهمْ
    ثُمَّ تَرَكُوهَا فِي أَيْدِيكُمْ لِتَذُودُوا عَنْهَا وَتَحْمُوا ذمارها فَلَمْ تُحَرِّكُوا فِي شَأْنهَا
    سَاكِنًا حَتَّى غَلَبَكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ عَلَيْهَا فَأَصْبَحْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا عَيْش اَلْأَذِلَّاء وَتَطْرُدُونَ
    مِنْهَا كَمَا يَطْرُد اَلْغُرَبَاء فَمَاذَا يَكُون جَوَابكُمْ إِنْ سُئِلْتُمْ عَنْ هَذَا كُلّه غَدًا ?
    هَا هِيَ اَلنَّوَاقِيس تَرِنّ فِي شُرُفَات اَلْمَآذِن بَدَل اَلْأَذَان وَهَا هِيَ اَلْمَسَاجِد تَطَأ نِعَال
    اَلصَّلِيبِيِّينَ فِي تُرْبَتهَا مَوَاقِع جِبَاه اَلْمُسْلِمِينَ وَهَا هُوَ اَلْمُسْلِم يَفِرّ بِدِينِهِ مِنْ مَكَان
    إِلَى مَكَان وَيَلُوذ بأكناف اَلْهِضَاب وَالشِّعَاب لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُؤَدِّي شَعِيره مِنْ شَعَائِر
    دِينه إِلَّا فِي غَار كَهَذَا اَلْغَار اَلَّذِي أَعِيش فِيهِ :
    لَيْتَ اَلْمُسْلِمِينَ عَاشُوا دَهْرهمْ فَوْضَى لَا نِظَام لَهُمْ وَلَا مَلِك وَلَا سُلْطَان كَمَا يَعِيش
    اَلْمُشَرَّدُونَ فِي آفَاق اَلْبِلَاد فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرهمْ رِجَال
    مَثَلكُمْ طَامِعُونَ مُسْتَبِدُّونَ يَلُفُّونَ عَلَى أَعْنَاقهمْ جَمِيعًا غِلًّا وَاحِدًا يَسُوقُونَهُمْ بِهِ
    إِلَى مَوَارِد اَلتَّلَف وَالْهَلَاك مِنْ حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَوْدًا عَنْ أَنْفُسهمْ وَمَا تَفْعَل
    اَلْفَوْضَى وَبِأُمَّة مَا يَفْعَل بِهَا اَلِاسْتِبْدَاد .
    يَسْأَلكُمْ اَللَّه يَا بَنِي اَلْأَحْمَر عَنِّي وَعَنْ أَوْلَادِي اَلَّذِينَ اِنْتَزَعْتُمُوهُمْ مِنْ يَدِي
    اِنْتِزَاعًا أَحْوَج مَا كُنْت إِلَيْهِمْ وسقتوهم إِلَى مَيَادِين اَلْقِتَال لِيُقَاتِلُوا إِخْوَانهمْ
    اَلْمُسْلِمِينَ قِتَالًا لَا شَرَف فِيهِ وَلَا فَخَار حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا مَوْت اَلْأَذِلَّاء
    اَلْأَدْنِيَاء فَلَا أَنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ بِجَانِبِي آنَس بِهِمْ فِي وَحْشَتِي وَأَلْجَأ إِلَى مَعُونَتهمْ
    فِي شَيْخُوخَتِي وَلَا أَنْتُمْ ذَهَبْتُمْ بِهِمْ إِلَى مَيْدَان قِتَال شَرِيف فأتعزى عَنْهُمْ مِنْ بَعْدهمْ
    بِأَنَّهُمْ مَاتُوا فِدَاء دِينهمْ وَوَطَنهمْ .
    فَهَا أنذا عائش مِنْ بَعْدهمْ وَحْدِي فِي هَذَا اَلْغَار اَلْمُوحِش فَوْق هَذِهِ اَلصَّخْرَة
    اَلْمُنْقَطِعَة أَبْكِي عَلَيْهِمْ وَأَسْأَل اَللَّه أَنْ يُلْحِقنِي بِهِمْ فَمَتَى يَسْتَجِيب اَللَّه دُعَائِي ?
    ثُمَّ أَخْتَنِق صَوْته بِالْبُكَاءِ فَأَدَارَ وَجْهه وَمَشَى بِقَدَم مُطَمْئِنَة يَتَوَكَّأ عَلَى عَصَاهُ حَتَّى
    دَخَلَ مَغَارَته وَغَاب عَنْ اَلْعُيُوب فَنَالَتْ كَلِمَاته مِنْ نَفْس اَلْأَمِير مَا لَمْ يَنَلْ مِنْهَا
    ضَيَاع مَلِكه وَسُقُوط عَرْشه فَصَاحَ مَا هَذَا بَشَرًا إِنَّمَا صَوْت اَلْعَدْل اَلْإِلَهِيّ يُنْذِرنِي
    بِشَقَاء اَلْمُسْتَقْبَل فَوْق شَقَاء اَلْمَاضِي فَلْيَصْنَعْ اَللَّه بِي مَا يَشَاء فَعَدَّلَ مِنْهُ كُلّ مَا
    صَنَعَ .
    ثُمَّ اِنْحَدَرَ إِلَى سَفِينَته وَانْحَدَرَ أَهْله وَرَاءَهُ فَسَارَتْ اَلسَّفِينَة بِهِمْ تَشُقّ عُبَاب لِمَاء
    شَقًّا فَسِجِلّ اَلتَّارِيخ فِي تِلْكَ اَلسَّاعَة أَنَّ قَدْ تَمَّ جَلَاء اَلْعَرَب عَنْ اَلْأَنْدَلُس بَعْد مَا
    عَمَّرُوهَا ثَمَانمِائَة عَام .



    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  9. #19
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *


    بَعْد مُرُور أَرْبَعَة وَعِشْرِينَ عَامًا عَلَى تِلْكَ اَلْحَوَادِث لَمْ يَبْقَ فِي إِفْرِيقِيَّة حَيّ مِنْ بَنِي
    اَلْأَحْمَر إِلَّا فَتَى فِي اَلْعِشْرِينَ مِنْ عُمْره أَسُمّهُ سَعِيد لَمْ يَرَ غَرْنَاطَة وَلَا قَصْر
    اَلْحَمْرَاء وَلَا اَلْمَرَج وَلَا جَنَّة اَلْعَرِيف وَلَا نَهْر شنيل وَلَا عَيْن اَلدَّمْع وَلَا جَبَل
    اَلثَّلْج وَلَكِنَّهُ مَا زَالَ يَحْفَظ فِي ذَاكِرَته مِنْ عَهْد اَلطُّفُولَة تِلْكَ اَلْأَنَاشِيد
    اَلْأَنْدَلُسِيَّة اَلْبَدِيعَة اَلَّتِي كَانَ يَتَرَنَّم بِهَا نِسَاء قَوْمه حَوْل مَهْده وَيُرَدِّدُونَ فِيهَا
    ذِكْر آبَائِهِ وَأَجْدَاده وَآثَار أَيْدِيهمْ وَعَزَّة سُلْطَانهمْ فِي تِلْكَ اَلْبِقَاع وَتِلْكَ اَلْمَرَاثِي
    اَلْمُحْزِنَة اَلْمُؤَثِّرَة اَلَّتِي بِكَيّ فِيهَا شُعَرَاء اَلْأَنْدَلُس ذَلِكَ اَلْمَجْد اَلسَّاقِط وَالْمَلِك
    المضاع فَكَانَ كُلَّمَا خَلَا إِلَى نَفْسه رَدَّدَ تِلْكَ اَلْمَرَاثِي بِنَغْمَة شَجِيَّة مُحْزِنَة تَسْتَثِير
    عِبْرَته وَتُهَيِّج أَشْجَانه فَلَا يَزَال يَبْكِي وَيَنْتَحِب حَتَّى يُشْرِف عَلَى اَلتَّلَف .
    فَكَّانِ لَا يَتَمَنَّى عَلَى اَللَّه مِنْ كُلّ مَا يَتَمَنَّى اِمْرُؤ عَلَى رَبّه فِي حَيَاته إِلَّا أَنْ يَرَى
    غَرْنَاطَة سَاعَة مِنْ زَمَان يَشْفِي بِهَا غَلَّة نَفْسه ثُمَّ لِيَصْنَع اَلدَّهْر بِهِ بَعْد ذَلِكَ مَا
    يَشَاء .
    وَكَانَ كُلَّمَا هُمْ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا قَعَدَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ وَرَاءَهُ عَجُوزًا مِنْ أَهْله مَرِيضَة
    وَمَا كَانَ يَسْتَطِيع أَنْ يَتْرُكهَا وَلَا يَجِد مَنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ فِي اَلْقِيَام بِشَأْنِهَا حَتَّى
    وَافَاهَا أَجْلهَا فَرَكْب اَلْبَحْر مِنْ سبتة إِلَى شَاطِئ ملقة ثُمَّ اِنْحَدَرَ مِنْهَا إِلَى
    غَرْنَاطَة مُتَنَكِّرًا فِي ثَوْب طَبِيب عَرَبِيّ مِنْ أَطِبَّاء اَلْأَعْشَاب بِتَقَبُّل فِي جيال اَلْأَنْدَلُس
    وَسُهُولهَا حَتَّى بَلَغَ ضَاحِيَتهَا سَاعَة اَلْأَصِيل فَوَقَفَ عَلَى هَضْبَة مِنْ هِضَاب جَبَل اَلثَّلْج
    فَرَأَى اَلْأَمْوَال تَنْزَلِق عَنْهُ فِي هُدُوء وَسُكُون كَأَنَّهَا فَوْق سَطْحه اَللَّامِع اَلْمُتَلَأْلِئ
    قَمِيص مِنْ اَلنُّور أَوْ قُبَّة مِنْ اَلْبَلُّور حَتَّى تَصِل إِلَى سَفْحه فَإِذَا هِيَ حَيَّات بَيْضَاء
    مَذْعُورَة تَنْبَعِث هَهُنَا وَهَهُنَا لَا هُمْ إِلَّا اَلنَّجَاة مِنْ يَد مُطَارِدهَا حَتَّى تَعْثُر بِجَدْوَل
    مَاء فِي طَرِيقهَا فَتُدَعِّم فِيهِ وَتَنْسَاب فِي أَحْشَائِهِ .
    ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى اَلْمَدَنِيَّة فَرَأَى عَلَى اَلْبُعْد أَبْرَاجهَا العقيقية اَلْحَمْرَاء وَقِبَابهَا
    لِعَالِيَة اَلشَّمَّاء وَمَآذِنهَا اَلذَّاهِبَة فِي جَوّ اَلسَّمَاء فَوَقَفَ أَمَام هَذَا اَلْمَنْظَر اَلْجَلِيل
    اَلْمَهِيب مَوْقِف اَلْخَاشِع المتخضع وَضَمَّ إِحْدَى يَدَيْهِ إِلَى اَلْأُخْرَى وَوَضْعهَا عَلَى صَدْره
    كَأَنَّمَا هُوَ قَائِم أَمَام اَلْمِحْرَاب يُؤَدِّي صِلَاته وَلَبِثَ عَلَى ذَلِكَ بُرْهَة ثُمَّ صَاحَ بِصَوْت
    عَالٍ رَدَدْته اَلْغَابَات والحرجات يَقُول .
    هَدَّا مِيرَاث آبَائِي وَأَجْدَادِي لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ إِلَّا وَقْفَة بَيْن يَدَيْهِ كَوَقْفَة الثاكل
    المفجوع بَيْن أَيْدِي اَلْأَطْلَال البوالي وَالْآثَار الدوارس .
    هَذِهِ مَضَاجِعهمْ يَنَام فِيهَا أَعْدَاؤُهُمْ وَهُمْ لَا مَضَاجِع لَهُمْ إِلَّا رِمَال اَلصَّحْرَاء
    وَكُثْبَان الفلوات .
    هَذِهِ قُصُورهمْ تُشَرِّف عَلَى اَلْأَرْض اَلْفَضَاء وَتُطِلّ مِنْ عُيُون نَوَافِذهَا كَأَنَّمَا تَتَرَقَّب أَنْ
    يَعُودُوا إِلَيْهَا فَيُعَمِّرُوهَا كَمَا كَانُوا فَلَا يَفْعَلُونَ .
    هَذِهِ قبابهم بِالْإِغْوَاءِ رَافِعَة رَأْسهَا لَيْلهَا وَنَهَارهَا إِلَى اَلسَّمَوَات اَلْعُلَا تَدْعُو
    اَللَّه أَنْ يُعِيد إِلَيْهَا بُنَاتهَا وَحُمَاتهَا فَلَا يُسْتَجَاب لَهَا دُعَاء .
    فِي هَذِهِ اَلْبَسَاتِين كَانُوا يَنْعَمُونَ وَتَحْت هَذِهِ اَلظِّلَال كَانُوا يُقِلُّونَ وَعَلَى ضِفَاف هَذِهِ
    اَلْأَنْهَار كَانُوا يَغْدِرُونَ وَيَرُوحُونَ وَالْيَوْم لَا غَادٍ مِنْهُمْ وَلَا رائح وَلَا سَانِح تَحْت
    هَذِهِ اَلسَّمَاء وَلَا بارح ثُمَّ نَظَرَ إِلَى اَلْأُفُق فَرَأَى اَلشَّمْس تَنْحَدِر إِلَى بِالْإِغْوَاءِ وَرَأَى
    جَيْش اَللَّيْل يَطْرُد فُلُول جَيْش اَلنَّهَار فَيُبَدِّدهَا بَيْن يَدَيْهِ تَبْدِيدًا فَتَهَافَتَ عَلَى
    نَفْسه وَهُوَ يَقُول :
    هَكَذَا تدول الدولات وَتُسْقِط اَلتِّيجَان وَهَكَذَا تَحُلّ اَلظُّلُمَات مَحَلّ اَلْأَنْوَار وَهَكَذَا
    تَنْشُر سُحُب اَلْمَوْت عَلَى وَجْه اَلْحَيَاة .
    ثُمَّ تَوَسَّدَ ذِرَاعه وَاسْتَغْرَقَ فِي نَوْمه بَيْن وَطَاء اَلْأَرْض وَغِطَاء اَلسَّمَاء فَلَمْ يستفق
    حَتَّى مَضَتْ دَوْلَة اَللَّيْل فَمَشَى إِلَى نَهْر جَارٍ فِي سَفْح اَلْجَبَل فَصَلَّى عِنْده صَلَاة اَلْفَجْر
    ثُمَّ اِنْحَدَرَ إِلَى اَلْمَدَنِيَّة يُفَتِّش عَنْ خَان يَأْوِي إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِد فِي طَرِيقه مَنْ يُرْشِدهُ
    إِلَى طَلَبَته حَتَّى بَلَغَ نَهْر شنيل فَمَشَى عَلَى ضَفَّته يَتَفَقَّد اَلْبُذُور وَيَتَلَمَّس اَلْأَعْشَاب
    وَيَنْتَظِر يَقَظَة اَلْمَدِينَة بَعْد هجعتها .



    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  10. #20
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    *
    *



    وَإِنَّهُ لكذلك إِذْ اِنْفَتَحَ بَيْن يَدَيْهِ بَاب قَصْر عَظِيم وَإِذَا فَتَاة إِسْبَانِيَّة خَارِجَة مِنْهُ
    قَدْ عَلَى وَجْههَا خِمَارًا أَسْوَد شَفَّافًا وَأَرْسَلَتْ عَلَى صَدْرهَا صَلِيبًا ذَهَبِيًّا
    صَغِيرًا وَمَشَى وَرَاءَهَا غُلَام يَحْمِل عَلَى يَده اَلْكِتَاب اَلْمُقَدَّس فَلَمَحْته فِي مَكَانه
    فَأَدْهَشَهَا مَوْقِفه فَدَنَتْ مِنْهُ وَرَفَعَتْ قِنَاعهَا عَنْ وَجْههَا فَإِذَا اَلشَّمْس طَالِعَة حِسّنَا
    وَبَهَاء وَقَالَتْ لَهُ بِلِسَان عَرَبِيّ تُخَالِطهُ بَعْض اَلْعُجْمَة أغريب أَنْتَ عَنْ هَذَا اَلْبَلَد
    أَيُّهَا اَلْفَتِيّ قَالَ نَعَمْ لَقَدْ نَزَلَتْ بِهِ اَلسَّاعَة فَلَمْ أَعْرِف طَرِيق اَلْخَان اَلَّذِي يَأْوِي
    إِلَيْهِ اَلْغُرَبَاء وَلَمْ أَجِد فِي طَرِيقِي مَنْ يَدُلّنِي عَلَيْهِ فَسَمِعَتْ فِي صَوْته رَنَّة اَلشَّرَف
    وَرَأَتْ بَيْن أعطافه مخائل اَلنِّعْمَة فَأَهَمَّهَا أَمْره وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ يُتْبِعهَا لِتَدُلّهُ
    عَلَى مَا يُرِيد فَمَشَى بِجَانِبِهَا حَتَّى بَلَّغَا مَوْضِع اَلْخَان فَحَيَّتْهُ بِابْتِسَامَة عَذْبَة وَقَالَتْ
    لَهُ لَا تَنْسَ أَنْ تَزُورنِي أَيُّهَا اَلْغَرِيب كُلَّمَا عَرَضَتْ لَك حَاجَة ثُمَّ سَارَتْ فِي طَرِيق
    كَنِيسَتهَا .
    كَمَا أَنَّ اَلسَّمَاء فِي ظُلْمَة اَللَّيْل تَخْتَلِف إِلَيْهَا اَلنُّجُوم فَتُضِيء صَفْحَتهَا وَتَمْر بِهَا
    اَلشُّهُب فَتَلْمَع فِي أَرْجَائِهَا حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ اَلشَّمْس مِنْ مَشْرِقهَا مَحَا ضوؤها ضَوْء جَمِيع
    تِلْكَ اَلنَّيِّرَات كَذَلِكَ اَلْقَلْب اَلْإِنْسَانِيّ لَا تَزَال تَمُرّ بِهِ مُخْتَلِف اَلْعَوَاطِف وَأَشْتَات
    وَالْأَهْوَاء مُجْتَمِعَة وَمُفْتَرِقَة حَتَّى إِذَا بَلَّغَ وَأَشْرَقَتْ عَلَيْهِ شَمْس اَلْحُبّ غَرَبَتْ بِجَانِبِهَا
    جَمِيع تِلْكَ اَلْعَوَاطِف وَالْأَهْوَاء .
    فَقَدْ أَصْبَحَ اَلْأَمِير يَنْظُر إِلَى غَرْنَاطَة مُنْذُ اَلسَّاعَة بِعَيْن غَيْر اَلْعَيْن اَلَّتِي كَانَ
    يَنْظُر بِهَا إِلَيْهَا مِنْ قَبْل وَيَرَى فِي وَجْههَا صُورَة اَلْأُنْس بَعْد اَلْوَحْشَة وَالنُّور بَعْد
    اَلظُّلْمَة وَالْحَيَاة بَعْد اَلْمَوْت فَسَكَن ثَائِره وَبَرُدَتْ جَوَانِحه وَهَدَأَتْ نَفْسه ثَوْرَة اَلْغَضَب
    اَلَّتِي كَانَتْ لَا تَزَال تَعْتَلِج بَيْن أَضْلَاعه فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِمَسْجِد مِنْ تِلْكَ اَلْمَسَاجِد
    اَلَّتِي اِسْتَحَالَتْ إِلَى كَنَائِس اِسْتَطَاعَ أَنْ يَقِف أَمَامه هُنَيْهَة عَلَّه يَرَى اَلْفَتَاة
    اَلْإِسْبَانِيَّة بَيْن اَلدَّاخِلَات إِلَيْهِ أَوْ اَلْخَارِجَات مِنْهُ وَإِذَا رَأَى اَلصَّلِيب مُشْرِفًا عَلَى
    رَأْس مِئْذَنَة ذِكْر اَلصَّلِيب اَلذَّهَبِيّ اَلْجَمِيل وَإِذَا سَمِعَ أَصْوَات اَلنَّوَاقِيس تَرِنّ فِي
    أَجْوَاز اَلْفَضَاء ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَع ذَلِكَ اَلصَّوْت اَلرَّنَّان فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي رَآهَا
    فِيهَا فَأَنِسَ بِهِ وَسَكَنَتْ نَفْسه إِلَيْهِ .
    وَكَذَلِكَ أَصْبَحَ هَذَا اَلْأَمِير اَلْمِسْكِين وَلَا هُمْ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَمَشَّى صَبِيحَة كُلّ يَوْم عَلَى
    ضِفَاف نَهْر شنيل يَقْلِب نَظَره فِي أَبْوَاب اَلْقُصُور اَلْمُشْرِفَة عَلَى ذَلِكَ اَلنَّهْر عَلَّه يَعْرِف
    قَصْر اَلْفَتَاة فَلَا يَعْرِفهُ وَفِي وُجُوه الغاديات والرائحات مِنْ اَلْفَتَيَات عَلَّه يَرَاهَا
    بَيْنهنَّ فَلَا يَرَاهَا حَتَّى إِذَا نَالَ مِنْهُ اَلْيَأْس اِنْكَفَأَ رَاجِعًا إِلَى مَقْبَرَة آبَائِهِ فِي
    ظَاهِر الدينة فَجَلَسَ بَيْن اَلْقُبُور يَذْرِف دُمُوعًا غزارا لَا يَعْلَم هَلْ هِيَ دُمُوع
    اَلذِّكْرَى اَلْقَدِيمَة أَوْ دُمُوع اَلذِّكْرَى اَلْجَدِيدَة .
    نَكَبَ اَلدَّهْر فلورندا مُنْذُ عَامَيْنِ نَكْبَة لَا تَزَال لَوْعَتهَا مُتَّصِلَة بِقَلْبِهَا حَتَّى
    اَلْيَوْم فَقَدْ كَانَ أَبُوهَا رَئِيس جُمَيْعَة اَلْعِصَابَة اَلْمُقَدِّسَة اَلَّتِي قَامَتْ فِي وَجْه
    اَلْحُكُومَة أَعْوَامًا طِوَالًا تُطَالِبهَا بِالْحُرِّيَّةِ اَلدِّينِيَّة وَالشَّخْصِيَّة لِجَمِيع اَلشُّعُوب
    اَلْحُكُومَة عَلَى اِخْتِلَاف مَذَاهِبهَا وَأَجْنَاسهَا حَتَّى أعيار رِجَال اَلْحُكُومَة أَمْره .
    اَلَّتِي مَاتَتْ عَلَى أَثَره حُزْنًا شَدِيدًا مَا كَانَ يُفَارِقهَا فِي جَمِيع غدواتها وروحاتهم
    فَأَصْبَحَتْ وَهِيَ لَمْ تَسْلَخ اَلثَّامِنَة مِنْ عُمْرهَا تَعِيش فِي قَصْرهَا عَيْش اَلزَّاهِدَات
    المتبتلات فَكَّانِ لَا يَرَاهَا الرائي إِلَّا ذَاهِبَة إِلَى اَلْكَنِيسَة أَوْ عَائِدَة مِنْهَا لَا
    يَصْحَبهَا إِلَّا غُلَامهَا أَوْ وَاقِفَة عَلَى أَطْلَال اَلدَّوْلَة اَلْمَاضِيَة وَرُسُومهَا تَقَلَّبَ فِيهَا
    نَظَر اَلْعِظَة وَالِاعْتِبَار أَوْ هَائِمَة عَلَى وَجْههَا فِي مُرُوج غَرْنَاطَة وَبَسَاتِينهَا حَتَّى
    يَنْزِل سِتَار اَللَّيْل فَتَعُود إِلَى قَصْرهَا وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنهَا فِي جَمِيع أَيَّامهَا حَتَّى
    سَمَّاهَا أَهْل غَرْنَاطَة اَلرَّاهِبَة اَلْجَمِيلَة .
    فَإِنَّهَا لِسَائِرَة يَوْمًا بِجَانِب مَقْبَرَة بَنِي اَلْأَحْمَر إِذْ لَمَحَتْ عَلَى اَلْبُعْد فَتَى عَرَبِيًّا
    مُكِبًّا عَلَى أَحَد اَلْقُبُور كَأَنَّمَا يُقْبَل صَفَائِحه وَيُبْلَ تُرْبَته بِدُمُوعِهِ فَرَثَتْ لِحَالِهِ
    وَمَشَتْ نَحْوه حَتَّى دَنَتْهُ فَأَحَسَّ بِهَا فَرَفَعَ رَأْسه فَعَرَفَهَا وَعَرَفَتْهُ فَقَالَتْ لَهُ إِنَّك تَبْكِي
    مُلُوكك بِالْأَمْسِ أَيُّهَا اَلْفَتِيّ فابكهم كَثِيرًا فَقَدْ جَفَّ تُرَاب قُبُورهمْ لِقِلَّة مِنْ يَبْكِي
    عَلَيْهِمْ قَالَ أترثين لَهُمْ يَا سَيِّدَتِي قَالَتْ نَعَمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُظَمَاء فَنَكَبَهُمْ اَلدَّهْر
    وَلَيْسَ أَحَقّ بِدُمُوع اَلْبَاكِينَ مِنْ اَلْعُظَمَاء اَلسَّاقِطِينَ قَالَ شُكْرًا لَك يَا سَيِّد فَهَذِهِ
    أَوَّل سَاعَة شَعَرَتْ فِيهَا بِبَرْد اَلْعَزَاء يَدِبّ فِي صَدْرِي مُنْذُ وَطِئَتْ قَدَمَايَ أَرْضكُمْ هَذِهِ
    قَالَتْ هَلْ زُرْت قُصُورهمْ وَآثَارهمْ اَلَّتِي تَرَكُوهَا مَنْ بَعَّدَهُمْ فِي هَذِهِ اَلدِّيَار فَأَطْرَقَ
    قَلِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَإِذَا دَمْعَة تَتَرَجْرَج فِي مُقْلَتَيْهِ وَقَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي لَقَدْ حَاوَلَتْ
    اَلدُّنُوّ مِنْهَا فَطَرَدَنِي عَنْهَا اَلْمُوَكَّلُونَ بِأَبْوَابِهَا كَأَنَّمَا هُمْ يَجْهَلُونَ أَنْ لَيْسَ بَيْن
    اَلْأَحْيَاء جَمِيعهمْ فِي هَذَا اَلْعَالَم كُلّه مِنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنِّي قَالَتْ أَتَمَّتْ إِلَيَّ أَحَد
    مِنْ أَصْحَابهَا بِنَسَب أَوْ رَحِم قَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي وَلَكِنِّي عَبْدهمْ وَمَوْلَاهُمْ وصنيعة
    أَيْدِيهمْ وَغَرْس نِعْمَتهمْ فَلَا أَنْسَى وَلَاءَهُمْ مَا حَيِيت قَالَتْ إِنْ رَأَيْتُك غَدًا فِي مِثْل
    هَذِهِ اَلسَّاعَة فِي هَذَا اَلْمَكَان ذَهَبَتْ بِك إِلَى مَا تُرِيد مِنْهَا قَالَ لَئِنْ فَعَلَتْ لَا
    يكونن اِمْرُؤ عَلَى وَجْه اَلْأَرْض أَشْكُر لِنِعْمَتِك مِنِّي فَحَيَّتْهُ وَانْصَرَفَتْ وَمَضَى هُوَ ‎ إِلَى
    خَانه بَيْن صَبَابَة تُقِيمهُ وَتُقْعِدهُ وَأَمَل يُمِيتهُ وَيُحْيِيه .




    *
    *



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 05-03-2008, 02:23
  2. وفاة لاعب نادي الرائد السعودي مصطفى هوساوي
    بواسطة الفيتو في المنتدى المضيف الرياضي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-10-2007, 12:12
  3. الشيخ مصطفى ابن ابراهيم ابوغوش
    بواسطة نمر ابوغوش في المنتدى مضيف قصة وقصيدة وتاريخ شمر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-06-2006, 13:17
  4. هـكذا علمتنى الحياة ـ للدكتور مصطفى السباعى
    بواسطة ابو منيف في المنتدى إقرأ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-01-2005, 20:50
  5. دعوه لتعرية كاتب بحجم ذبابة نيليه !! كاتب النساء السمينات
    بواسطة موال في المنتدى مضيف آدم وحواء
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 14-02-2004, 22:35

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته