الصديق الأول :
رجعت من زيارتي لصديق لي ، رأيته صدفة بعد فترة انقطاع طويلة ، كانت الزيارة مملة جداً بالنسبة لي ، كلما تحدثت عن شيء ، لا يفهمه صديقي ، و إذا أردت أن استمع له ، مللت من عباراته التقليدية و المعروفة جداً : كيف حالك ؟ كم ولد عندك ؟ ماذا تعمل ؟ الجو مقبول نوعاً ما ؟ الظروف قاسية ... ....
باتت هذه العبارات جامدة و مبتذلة ، قلت في نفسي : أكلمه عن برامج الجوال ، فإذ لا يملك واحداً منه ، على أنه زيادة عن الحاجة بالنسبة له
طلبت منه أن يجعل التلفاز يعمل فإذ ليس لديه قرص التقاط قنوات ، على أنه لا يتابع و لا يهتم لما يعرض .
سألته ؟ إذن بالتأكيد تمضي وقتك على الكمبيوتر ، و أفاجأ بجوابه : لم أفهم عليه ، و لم أتعلم كيف يعمل ، و إن تعلمت لن اقتني واحداً منه . فأنا أنتقد الناس الذين يمضون عمرهم مستعبدين لشاشته و لا يستمتعون بالحياة و ملذاتها من أكل و شرب و نزهات و سهرة مع الأولاد و زيارة الأقارب ، و خلوات مع النفس ، و مشي للتأمل و نوم باكر ، و صباح نشط ، كل هذه الأشياء يحرمون منها و تستعبدهم فقط شاشته .
نسي صديقي أن العلوم الآن كلها باتت تعتمد على التكنولوجيا ، و التواصل بات ضروري ، و العالم أصبح قرية صغيرة ، و من لا يملك لغات و كمبيوتر يقال عنه الآن أمي ، و القنوات تنقلك في لحظات حول العالم ، و الأعمال كلها ، ارتبطت بالجوال ، لم تعد أسير مكتبك ، و المعلومات تنتقل بسرعة البرق على الشبكة
لا أدري ماذا بأي عين سينظر له أبنائه ، هل سيقولون رجل متحجر ؟ ، أم رجعي ؟ لا أدري .
الصديق الآخر :
رجعت إلى غرفتي بعد أن ودعت ذلك الصديق ، الذي دعوته لزيارتي ، و يا ليت لم أفعل ، فقد أضجرني بكلامه ، و بعباراته التي لم أفهم منها شيء ، يضع بين كل كلمتين عربيتين كلمة غريبة ، و يستعمل مصطلحات ليست في قاموسي مثل : أي ميل ، مجلد ، ملف ، أوفيس ، وورد
و كلما ذكرت له شيء ، يقول هو في جوالي ، و لا أعرف كيف وضع كل هذه الأشياء فيه ، و هو يدعي أن : القرآن ، و التفسير ، و كتب الصحاح ، و معجم عربي ، و معجم انكليزي ، و ختمه صوت كاملة ، و كتب الأدعية و برامج أخرى لم أعد أتذكرها ، و إن كان هذا كله في جواله ، فماذا يوجد في حاسوبه ، هل وضع الدنيا كلها فيه ، أم وضع نفسه بالكامل داخله
أصدقائه على الانترنت ، و ملفاته كذلك ، هوايته أن يجلس الساعات ، و لا يبالي إن أصبح الصباح و هو جالس ، يا ترى هل يهتم بزوجته ؟ إن كانت سعيدة بذلك أم لا ؟ هل يلعب مع أولاده و يتقرب منهم ؟ هل يزور أقاربه ؟ هل يتأمل الغروب ؟ أو الشروق ؟ هل ذاق ملذات الحياة ؟ أم هي الشاشة فحسب ؟ .
المفضلات