كان الوقت يمضي ببطء، بقيت عيناها معلقة بالساعة حتى رن جرس المدرسة معلناً نهاية اليوم الأول من العام الدراسي. لم يكن يوماً ساراً أو يدعو إلى التفاؤل بالنسبة لآية (10 سنوات)، فحتى اللحظات الأخيرة قبل خروجها من باب المدرسة، بقيت تسمع كلمات السخرية ولمز التلاميذ الذين لم ينفكوا يرمقونها بنظرات الاستهزاء من جسدها البدين.
سارعت آية إلى سيارة والدها الذي كان ينتظرها. حاولت الاختباء فيها بسرعة وبدأت بالبكاء، وقالت: «قلت لكم أنني لا أود الذهاب إلى هذه المدرسة».
لم يسألها الوالد عن السبب فقد أدرك أن العام الدراسي لم يحمل شيئاً جديداً بالنسبة إلى حال ابنته التي طالما أبعدها وزنها الثقيل عن مخالطة الناس، فالبدانة كانت سبباً أقعدها تحت المظلة على الشاطئ، منذ نحو شهر، عندما كانت أسرتها تمضي إجازة الصيف. وامتنعت آية عن النزول إلى البحر للسباحة، كبقية الأطفال، وبقيت تلف المنشفة على جسدها الذي لم يعد يشكل مسألة تتعلق بالبعدين الجمالي والنفسي فحسب، بل أيضاً تحول مشكلة صحية. فالطبيب أخبر والدي آية التي يزيد وزنها أحد عشر كيلوغراماً عن وزنها الطبيعي المفترض، بأن ابنتهم مهددة بخطر الإصابة بأمراض كثيرة، إذا بقي وزنها يزداد.
وآية واحدة من أطفال كثيرين يعانون البدانة في سورية حيث بلغت نسبة الأطفال الذين هم في دائرة خطر الإصابة بالبدانة 13,86 في المئة. وهي نسبة متقاربة في عدد من بلدان المنطقة، مثل الأردن ومصر وتونس، كما يقول ماهر وليد عباس في كتابه «البدانة عند الأطفال والمراهقين». ويعزو عباس السبب الأبرز لمشكلة البدانة عند الأطفال والمراهقين إلى العادات الغذائية السيئة، مثل كثرة تناول الوجبات السريعة الغنية بالسعرات الحرارية العالية، بالإضافة إلى السلوكيات وأنماط الحياة التي لم تعد تشجع الأطفال على الحركة. فطبيعة المنازل تغيرت ومساحاتها أصبحت ضيقة لا تساعد الصغار على اللعب والنشاط البدني. لذا، نجدهم يميلون إلى الجلوس ساعات أمام التلفاز أو الكومبيوتر وتناول الأطعمة الغنية بالدهون.
وتفيد دراسة ألمانية جديدة نشرها باحثون من «معهد روبرت كوخ» بأن الضيق الذي يولده الشعور بالبدانة عند الأشخاص، وبخاصة المراهقين منهم، يؤثر سلباً على نوعية الحياة لديهم، بشكل أكبر مما قد تسببه لهم البدانة من مشاكل صحية.
وتوضح الدراسة أن شعور الأشخاص بالبدانة ونظرة الآخرين إليهم يسببان لهم ضغطاً نفسياً مستمراً، وعلى عكس الأشخاص الذين يتمتعون بوزن نموذجي فإنهم يتمتعون بحالة استقرار نسبي ورضًى أكبر عن الذات والحياة. وفي المقابل ثمة إجماع على أنه يمكن للأهل الحدّ من سمنة أطفالهم إذا ساعدوهم على اتباع نظام غذائي جيد وممارسة التمارين الرياضية، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الآثار النفسية والاجتماعية للبدانة، مثل تفشي الأذى والرفض والتمييز وانعدام الثقة بالنفس الأطفال. وإدراك الأسرة مسؤوليتها في مساعدة طفلها البدين على التخلص من وزنه الزائد أمر ضروري، وبخاصة في ما يتعلق بمراقبة العادات الغذائية السيئة التي تبدأ مع «الأكل العاطفي»، ويقصد بذلك الأكل بلا شعور بالجوع وعند الإحساس بحال عاطفية ما، مثل الفرح أو الحزن أو الاكتئاب، ومن شأن ذلك أن يقود إلى اضطراب في الأكل فمشكلة في الوزن.
والمسألة الأكثر خطورة في بدانة الأطفال والمراهقين هي أنها تزيد فرص إصابتهم بأمراض ومشاكل صحية في وقت مبكر مثل مرض السكري. وتعتقد خديجة (أم لثلاثة أطفال) أن في إمكان الأهل تشجيع أولادهم على تناول الطعام الصحي عبر تناول هذا الطعام أمامهم وتحضيره معهم. وتقول: «أدعو أطفالي إلى مساعدتي في تحضير الأطعمة الغنية بالألياف مثل أطباق الخضروات، وأصطحبهم إلى الحدائق للتنزه، فالبيت صغير ولا يساعدهم على الحركة واللعب».
وعلى رغم أن البدانة تتسبب بمشاكل صحية ونفسية للأطفال والمراهقين وتبعدهم عن النشاط الاجتماعي، ما زالت صورة الطفل ذي الجسد الممتلئ، وخاصة في سنواته الأولى، مثالاً للطفل الجميل الذي تحلم به كل أم، وهي بذلك تجهل أنها تضع طفلها على أول درجة من سلم السمنة التي تزداد بشكل مطرد لتصبح مرضاً ينبغي علاجه.
المفضلات